إذا تصادم فصيلان في سوريا، وهو أمرٌ شائع في المناطق المحررة من قبضة النظام السوري، فإن سكان المنطقة يلتزمون بيوتهم، وتقع المسؤولية في حال الخلاف على الهيئات القضائية بمرجعياتها المختلفة وأجهزة الشرطة الحرة، التي يفترض أن تكون قوةً تنفيذيّة للقضاء تفرض الأمن وتعيد الاستقرار.
لكن الفصائل العسكرية حجّمت دور الشرطة “الحرة” المدنيّة في سوريا، ليقتصر على ملاحقة الجرائم والمخالفات وتنظيم السير ورعاية المشاريع الخدمية والإشراف عليها، بل وتدخلت الفصائل في هذه القضايا أحيانًا.
أسبابٌ كثيرة حالت دون تفعيل دور أجهزة الشرطة “الحرة”، أبرزها غياب جهة قضائية موحدة، وجسمٍ يجمع قوى الأمن وينسّق فيما بينها، وميل القوة العسكرية إلى فصائل تختلف بمرجعياتها وتحكّم هيئاتها الشرعية الخاصة، إلى جانب تقطيع أوصال المناطق المحررة بالقصف المستمر وتغيّر خريطة السيطرة وفق ما تفرضه المعارك.
إعداد فريق التحقيقات في عنب بلدي
اجتماعات دورية مع قيادة الشرطة “الحرة”
الحكومة المؤقتة تسعى لتشكيل مجلسٍ لقوى الأمن الداخلي
عقب تشكيلها في تموز 2016، برئاسة الدكتور جواد أبو حطب، سعت الحكومة المؤقتة إلى تفعيل دورها ضمن الداخل السوري، وشكلت وزاراتٍ وهيئات حكومية، تقودها شخصيات فاعلة تتنقل بين الداخل السوري وتركيا، وفي إطار عملها لتشكيل مؤسسات دولة، تعمل حاليًا على تشكيل مجلسٍ لقوى الأمن الداخلي، تتبع مديريات الشرطة له.
لم يكن للحكومة المؤقتة السابقة ولا الحالية دورٌ واضح في إدارة الشرطة، وإنما اقتصر الأمر على أجهزة تحت مسمى الشرطة “الحرة”، والتي تدار من قبل ضباط منشقين عن النظام، وأخرى تصف نفسها بأنها مؤسسات مدنية، تُدار من قبل أشخاص مستقلين وربما لا يملكون الخبرة بذلك.
للوقوف على دور الحكومة المؤقتة الحالية في هذا الخصوص، تحدثت عنب بلدي مع محمود علي، وهو اللواء الوحيد المنشق عن سلك الشرطة في النظام السوري، حول إمكانية تشكيل مجلس قوى الأمن الداخلي، في ظل غياب وزارة الداخلية، التي يتولاها رئيس الحكومة حاليًا.
الهيكلية المقترحة للمجلس
جرت اجتماعات بين ضباط الشرطة كممثلين عن الحكومة، وضباطٍ آخرين من الشرطة “الحرة” خلال الفترة الماضية، وقال علي إن أهمية تشكيل مجلس قوى الأمن الداخلي، تتمثل في أنه الرابط لقيادات الشرطة، وبالتالي الوصول إلى عمل مؤسساتي واضح تحت ظل الحكومة.
باعتباره أقدم ضابط، حمل علي توصيفًا وظيفيًا كقائد لقوى الأمن الداخلي ورئيسٍ للمجلس، وأشار إلى أن فقرات المجلس محددة بالقانون، كما أن أعضاءه يعملون في ظله بصفتهم الوظيفية وليس الشخصية.
وحول إمكانية أن يشمل المجلس محافظاتٍ أخرى غير إدلب، قال علي إن تعديلات يمكن أن تطرأ عليه ويمكن أن يصل عدد أعضائه إلى 13 عضوًا كحد أقصى، لافتًا إلى أن محافظة ريف دمشق “لا يمكن أن تنشر فيها شرطة تابع للحكومة حاليًا في ظل الظروف الراهنة، إلا أنه يبقى لممثلها، في حال وجوده، توصيف وظيفي ضمن المجلس”.
جولاتٌ ميدانية
لبحث تشكيل المجلس، جرت زيارات ميدانية خلال الأيام الماضية، على بعض مراكز الشرطة في ريف حلب الشمالي، بحضور رئيس الحكومة أبو حطب، وضباط في الشرطة، منهم قائد شرطة حلب “الحرة”، العميد أديب الشلاف.
ووفق علي فإن الزيارات كانت للاطلاع على الأوضاع بشكل عام، وعلى المراكز وسلامة بنائها وتقييم شروطها الفنية والأمنية، وما إذا كانت تتناسب مع المعايير الشرطية الحقيقية.
كما سعت الزيارات إلى تحديد مدى علاقة الشرطة مع المواطنين، والجو المحيط فيما يتعلق بالفصائل على الأرض، ووصف علي الوضع بأنه “جيد”، مؤكدًا “ندرس الأمور حاليًا على أرض الواقع وهناك جولات مقبلة في كل من حلب وإدلب، حتى نعلن عن تشكيل المجلس من الداخل السوري مطلع العام المقبل”.
يرى اللواء علي أن هناك تراتبية في العمل ضمن الجهاز، وأشار إلى أن “الشرطة الحرة” حصلت في وقت سابق على دعم بشرعيتها من لجنة الأمن الوطني والشرطة، والتي كانت ضمن “المجلس الوطني السوري”، مؤكدًا أنه حضر عدة اجتماعات للجنة حينها، إلا أنها توقفت بعد انتهاء المجلس.
ورغم أن جهاز الشرطة “الحرة” مدعوم دوليًا بشكل مباشر، اعتبر علي أن ذلك “لا يعني سلخه عن المؤسسة الأم وهي مجلس قوى الأمن الداخلي، فالحكومة تعمل لبناء مؤسسات دولية وليس جمعيات خيرية أو مؤسسات شخصية”.
كيف ستكون العلاقة بين الشرطة “الحرة” والمجلس؟
عنب بلدي توجهت بالسؤال إلى قائد شرطة حلب “الحرة”، العميد أديب الشلّاف، وقال إن كوادر الشرطة رفضت التعامل مع الحكومة المؤقتة السابقة بشكل نهائي، بحكم أن جميع أعضائها كانوا خارج سوريا، ولم يكن الداخل يتقبل وجودها أو التنسيق معها، على حد وصفه.
وأكد الشلّاف أن تنسيقًا كاملًا يجري اليوم مع الحكومة المؤقتة الحالية، التي تسعى لإنشاء مقر داخل مدينة اعزاز شمال حلب، لافتًا إلى أن هيكلية التعاون “لم تكتمل”، ولكن الحديث حولها والعمل تحت مظلة الحكومة أمر مطروح، “ورغم بعض التحفظات حول غياب الدعم، إلا أنه ربما نعمل تحت رايتها عندما تكون قوية وجاهزة”.
يتضمن المجلس المزمع تشكيله تسعة أعضاء فقط، وعزا اللواء المنشق محمود علي السبب إلى “الظروف وغياب الدعم المادي مبدئيًا”.
ويضم قائدًا لشرطة حلب، ومدير إدارة شؤون الضباط، ومدير إدارة التفتيش والتنظيم والشؤون الإدارية، ومدير إدارة الهجرة والمعابر، ومدير إدارة العلاقات العامة والإعلام، إضافة إلى ممثل عن إدلب، باعتبارها المحافظة الوحيدة “المحررة”. |
وهنا رد علي معتبرًا أن الشرطة “الحرة” تتخوف أن يتوزع الدعم من خلال النظام المالي المعمول فيه ضمن وزارة الداخلية، موضحًا “في حال تحويل المبالغ المالية ستذهب لقياة شرطة حلب مثلًا، والتي سيكون لديها سلم تراتبي توزع على أساسه الرواتب للضباط والعناصر”.
وفق رؤية علي يجب تطبيق النظام العام في سوريا، وليس مؤسسات بشار الأسد، “فالمؤسسات الإدارية المدنية تعمل وفق تسلسسل وظيفي”، متمنيًا النجاح في تشكيل المجلس، “ليكون مؤسسة لها ضوابط تُحتَرم وتكون قدوة للآخرين، وتضم قرابة 150 ضابط شرطة موزعين حاليًا بين سوريا وتركيا، لأن واجبنا العمل ضمن المؤسسة، فنحن نعمل لسوريا وليس لأنفسنا”.
وأقر العميد الشلّاف بصعوبة تشكيل جهاز تديره قيادة موحدة في سوريا، “في ظل الظروف الحالية من حصار ومعوقات أخرى لا تخفى على الجميع”، مؤكدًا أن بعض الشخصيات من الغوطة وحمص ووادي بردى وحماة، يتواصلون مع شرطة حلب حتى اليوم، بينما تعيق الحكومة الأردنية محاولاتٍ في درعا بهذا الخصوص.
محمود علي، لواء في الشرطة من مواليد عين الفيجة في دمشق عام 1954، انشق عن النظام في 19 تشرين الثاني 2012، ويحمل شهادة في القانون من جامعة دمشق، ويعمل مع الحكومة المؤقتة الحالية منذ أربعة أشهر متطوعًا.
عمل اللواء على مدار 32 عامًا في سلك الشرطة، فشغل منصب رئيس مكتب الدراسات والتخطيط في وزارة داخلية النظام لمدة ثلاثة أشهر، وقائدًا للشرطة في السويداء ودير الزور، ومعاون قائد شرطة في القنيطرة، إضافة إلى أنه عمل رئيسًا لفرع الأمن الجنائي في حماة لمدة سبع سنوات، و11 عامًا رئيسًا للجهاز نفسه في درعا.
مشاريع شاركت فيها الشرطة “الحرة” في حلب وإدلب
تعمل الشرطة “الحرة” مع المواطنين وفق قدراتها المتوفرة، وتقيّم من خلال مجموعات العمل التحديات الأمنية في المجتمع، وترتيبها حسب الأولوية، وفق القائمين عليها، ثم تضع خطط استجابة لتلك التحديات.
نفّذت مجموعات العمل في حلب مشاريع عديدة عام 2016، على رأسها تعبيد الطرقات وإصلاحها لتحسين حركة المرور، وخصوصًا لسيارات الإسعاف والدفاع المدني، وشملت كلًا من مدينة حلب، وبلدات عندان، ومعارة الأرتيق، والأبزيمو، والقاسمية، ودارة عزة، وعنجارة، والمنصورة، إضافة إلى كفرجوم، وأبين سمعان، والأتارب، وأورم الكبرى، وتقاد، وكفر حلب، ومخيم “سجّو”.
وخصصت جزءًا من الطرق المعاد تأهيلها في بلدة تقاد غرب حلب، لـ “البازار” الأسبوعي، باعتباره كان يشكل عبئًا على الأهالي، كما أن تخصيص مكان ثابت “يسهل الأمر على النساء، ويختصر الكثير من المضايقات التي كن يتعرضن لها أحيانًا، عندما كان يُعقد البازار في أماكن غير مناسبة”.
أهّلت مجموعات العمل طريق المتحلق في دارة عزة، وحوّلت طريق سير الشاحنات لتخفيف الكثافة المرورية عن مدخل المدينة، كما أنارت بعض الطرقات بالطاقة الشمسية، وخففت من حالات السرقة والجرائم التي اتخذت من ظلمة الليل ستارًا، وفق رؤية الأهالي الذين استطلعت عنب بلدي آراءهم هناك.
وأنهت الشرطة الحرة في حلب، شباط 2016، مشروعي “تدعيم المباني وإزالة الأنقاض”، و”ستائر حماية المدنيين”، في حيي بستان القصر والكلاسة داخل المدينة، وكان ناجحًا كما قال سكان الحيين حينها، كما أنارت بضعة أحياءٍ في أخرى، إضافة إلى مناطق في مدينة الأتارب، وبلدات خان العسل، والقاسمية، والأبزيمو، وتقاد، ومخيم “سجّو”.
ثلاثة مشاريع لدعم شبكة المياه نفذتها مجموعات العمل، في كل من كفرحلب، وباتبو، والتوامة، غرب حلب، باعتبار أنه أدى إلى خلافات ونزاعات بين أفراد المجتمع، وتطور الأمر إلى مشاجرات مسلحة، وقع إثرها ضحايا نتيجة سيطرة بعض العوائل على مصدر المياه، بحسب المجموعات.
وحصلت عنب بلدي على لائحةٍ بالمشاريع التي نفذتها مجموعات العمل في محافظة إدلب خلال العام الحالي، وتنوعت بين الإنارة وتأهيل الطرقات وتأهيل الملاجئ.
ساهمت الشرطة “الحرة” في المشاريع من خلال مجموعات العمل، في بلدة حزارين وتنوعت بين الإنارة الليلية، وتركيب صافرات الإنذار، ومشروعين لتأهيل طرقات البلدة، كما رعت مشاريع مشابهة في كل من سفوهن، وحاس، والرضوة، ومخيم “الكرامة”، وتلمنس، ومعصران، وترملا، وقورقانيا، إضافة إلى كوكانية، وكفرتخاريم، وجرجناز، وكفريحمول، وحربنوش، وحيش، ومعرتحرمة، والتمانعة، والبشيرية، ومخيمي أطمة وقاح.
كما أهّلت أوتوستراد حزانو الرئيسي، وطرقًا في بلدة كللي، وطريق الدانة، إضافة إلى إنشاء مراكز تدريب مهنية ونسائية في كل من مخيم “الكرامة”، وكفرومة، ومعرة النعمان، وجرجناز.
لتعزيز النموذج المجتمعي.. برنامج “أمان وعدالة” يدعم الشرطة “الحرة”
مع بداية عمل الشرطة “الحرة” على الأراضي السورية عام 2012، حصلت على دعم من “وحدة تنسيق الدعم”، وتضمن مبلغًا ماليًا وبعض السيارات، مطلع تشرين الأول من العام نفسه، وفق القائمين على الشرطة، إلى أن وصل دعم للجهاز من منظمة “آرك” منتصف آب من عام 2013.
ووفق قائد شرطة حلب “الحرة”، العميد أديب الشلّاف، فإن المنظمة سمعت عن الشرطة، وتواصلت مع قيادتها من خلال ممثلين أمريكيين وبريطانيين، عقب نقاشات دامت على مدار ثلاثة أشهر، حتى أمّنت السيارات ولباس الشرطة والمعدات، إضافة إلى منح على شكل رواتب للعناصر والضباط ضمن الشرطة.
وعقب انتهاء عقد “آرك” استلم برنامج “أمان وعدالة مجتمعية” دعم الشرطة. وقال الشلّاف لعنب بلدي إن البرنامج مدعوم من أربع دول: أمريكا، وبريطانيا، وهولندا، والدنمارك، مضيفًا أنه “يضم أعضاءً من جنسيات مختلفة كلبنان وغيرها، إلا أن صعوبة التواصل دعت الشرطة إلى البحث عن حلول. لم نكن نتفق أو نتفاهم معهم، لذلك طلبنا توظيف سوريين في البرنامج، وهذا ما حصل”.
رؤية البرنامج بخصوص دعم الشرطة “الحرة”
يدعم البرنامج الشرطة “الحرة” في كل من حلب وإدلب، منذ تشرين الأول 2014، إلا أنه عُرف باسمه العربي (أمان وعدالة مجتمعية)، أواخر عام 2015، وينفذ المشاريع داخل سوريا من خلال مجموعات عمل، تتضمن عناصرَ من الشرطة، وأعضاءً في المجالس المحلية، ووجهاء الأحياء. وتتنوع المشاريع بين إنارة الطرقات وتعبيدها، وإزالة الأنقاض، إضافة إلى مشاريع إعادة تأهيل شبكات المياه وإنشاء خزانات، وصولًا إلى دعم مديريات السجل المدني في حلب.
وللحديث عن آلية بدء وتنفيذ المشاريع، تواصلت عنب بلدي مع بعض مجموعات العمل في الداخل السوري، وأوضح القائمون أن المشاريع تُرفع إلى البرنامج، مؤكدين أن معظمها يتعلق بالملف الأمني والأمان المجتمعي بشكل أو بآخر.
ويرى القائمون على البرنامج ضرورة في تشكيل مؤسسات سورية، تعمل على ترسيخ الأمان والعدالة في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة، من خلال مشاريع الاندماج المجتمعي، وعلى رأسها إدخال نموذج الشرطة “الحرة” المجتمعية إلى سوريا، “لتغيير الصورة النمطية السلبية عن الشرطة، التي يراها السوريون أداة قمعٍ”.
وتسعى مجموعات العمل في الداخل السوري، إلى تعزيز فكرة أن الشرطة تخرج من ضمن المجتمع إلى السلطة الحاكمة، متمنين الوصول مستقبلًا إلى الوصول والعمل مع المحاكم، والطبابة الشرعية، والسجلات العقارية، وكل ما يندرج تحت نطاق الأمان المجتمعي، “وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا ربما يستمر على مدار سنوات”.
من العمل العشوائي إلى كيانٍ منظّم
شرطة حلب “الحرة” تجربة تنشط منذ ثلاث سنوات
عقب سيطرة فصائل “الجيش الحر” على أحياء مدينة حلب أواخر حزيران 2012، ومدنٍ وبلدات واسعة في أرياف حلب الغربي والشمالي والشرقي، كان لا بد من جهاز يدير الملف الأمني في تلك المناطق، في ظل عشوائية الوضع حينها، وتوجه بعض ضباط الشرطة المنشقين، لتأسيس كيانات مشتتة لم تستطع تنظيم عملها.
بدأ التجهيز لتأسيس جهاز الشرطة في أيلول 2012، بعد طلبات من الأهالي، لتنظيم وتسيير الأمور أمنيًا في المنطقة، وسعى بعض ضباط الشرطة المنشقين لتشكيله، من خلال زيارات ميدانية للقرى والبلدات، تمخضت عنها الشرطة “الحرة”، والتي بدأت عملها نهاية العام نفسه، بعد أن كان الأمر يقتصر على دوريات ومخافر أسسها مدنيون وشرطة منشقون دون تنظيم.
وشرح قائد شرطة حلب “الحرة”، العميد أديب الشلّاف لعنب بلدي، عن بداية نشأة الشرطة، مشيرًا إلى أن الزيارات المتكررة إلى المدن والبلدات، ساهمت في تفعيلها، من خلال ضم المخافر و”ضابطة” أسسها أحد الضباط المنشقين في تل رفعت، وأخرى أسسها ثلاثة آخرون في حي الفردوس داخل المدينة، إلى أن أنشأت الشرطة ذاتيتها، وبدأ الضباط ينضمون إليها على مدار أكثر من عام.
هيكلية الشرطة الحالية
تتمثل هيكلية الشرطة “الحرة” الحالية، بقائدها ونوابه الثلاثة، الذين يملكون سلطاته في القطاعات الجنوبي والغربي والشمالي، وذلك بعد أن توقف عمل نائب مدينة حلب مؤخرًا، بعد تجميد العمل فيها، مع تهجير مقاتلي المعارضة والمدنيين منها، كما توقف قبلها عمل نائب قائد الشرطة في القطاع الشرقي، بعد أن سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على معظمه.
ووفق الشلّاف فإن تسمية مباني الشرطة “الحرة” بالمراكز وليس المخافر أو الأقسام له عدة أسباب، ففي ظل حكم النظام كانت مخافر الشرطة تنتشر في الأرياف، ويرأسها صف ضابط، بينما يدير المراكز ضمن المدن الكبيرة ضباط، ويعمل تحت إمرتهم عناصر الشرطة.
تضم قيادة الشرطة “الحرة” ثمانية أقسام مركزية: المالي، والموارد البشرية، والإعلام، والإشارة (قبضات)، والقسم الطبي، والإرشاد والتوجيه، واللوجستي، والمركبات (الآليات)، ويقع المركز الحالي في بلدة أورم الكبرى، في ريف حلب الغربي، بعد أن تنقّل بين المدينة الصناعية في حلب، وبلدة راعل شمالها، ثم بلدة مارع، وصولًا إلى مقرها الحالي.
لسنا فصيلًا عسكريًا بل مدنيون
يُؤسَّس مركز الشرطة بعد اجتماع قائدها مع أهالي البلدة أو المدينة، وأوضح الشلّاف أن التأسيس يتمّ عبر لجنة تضم رئيس المجلس المحلي وأعضاء هيئات مدنية، والذين يقع على عاتقهم انتقاء العناصر والضباط المنشقين من المنطقة ذاتها، “وفي حال لم يتوفر العدد المطلوب، تدرب الشرطة كوادر من خلال خبراتها الموجودة.
ووصف العميد المنشق الشرطة بأنها “مجتمعية”، مؤكدًا أنها ليست مسلحة، “بل يحمل بعض أفرادها سلاحهم الذي انشقوا به ومازال بحوزتهم للحراسة، فنحن لسنا فصيلًا عسكريًا بل مدنيون”، ولفت إلى أن برنامج “أمان وعدالة مجتمعية” يدعم تدريب الكوادر ماليًا، كما رعى البرنامج في وقت سابق تدريبات في تركيا، “ولكنها لم تكن بمستوى خبراتنا التي يملكها الضباط”.
تُسلّم الرواتب من قبل الضباط الماليين الموزعين على القطاعات، باليد لمراكز الشرطة، بحسب الشلّاف، الذي لفت إلى أنها لم تنقطع منذ ثلاث سنوات.
ويُعاد ترميم المراكز غير الصالحة عن طريق مجموعات العمل ضمن برنامج “أمان وعدالة”، وقال قائد شرطة حلب إن القائمين على البرنامج “يرممون المراكز دوريًا بسخاء من خلال مناقصات ترسو على متعهدين”، مضيفًا أن البرنامج يزود المراكز بالسيارات والدراجات النارية والطابعات والقرطاسية، ومولدات الكهرباء، وفرش مكاتب المراكز، إضافة إلى كل ما يلزمها من معدات.
أول دفعة سيارات وصلت إلى مراكز الشرطة منذ عامين، وأشار قائد شرطة حلب إلى أن كل مركز حصل على سيارتين على الأقل حينها، لافتًا إلى مشاكل عدة واجهت القيادة بهذا الخصوص، أبرزها تعطل بعض السيارات بسبب القصف، ونوعية الوقود، “فالسيارات التي تصل تعمل على مضخة كهرباء، وبالتالي تحتاج وقودًا صافيًا وهذا ما أدى إلى توقف بعضها لعدة أشهر، إلا أن استطعنا تبديل المضخة إلى ميكانيكية”.
وأكد الشلّاف أن 70 سيارة شرطة جديدة، ستصل إلى حلب قبل نهاية العام الحالي.
العميد أديب الشلّاف من منطقة بابا عمرو في حمص، انشق مع عدد من ضباط الشرطة في تموز 2012، وكان عميدًا في الشرطة التابعة لوزارة الداخلية، ومديرًا لمنطقة الطبقة في الرقة.
ونسّق الشلّاف مع أخيه العميد نجيب، الذي كان يشغل منصب مدير منطقة المالكية في الحسكة، وحكم بالإعدام لهذا السبب، لأن المنطقتين لم تكونا تشهدان صدامًا مسلحًا حينها، على حد وصفه.
توزع مراكز الشرطة في المحافظة
تضم محافظة حلب 54 مركزًا للشرطة “الحرة”، 20 منها في الريف الغربي، وثلاثة في الجنوبي، إضافة إلى 13 أخرى في الريف الشمالي، وإلى جانبها خمسة مراكز إدارية.
وتوقف العمل حاليًا داخل مراكز المدينة الـ 12، على أن يوزع عناصرها على مراكز الأرياف، وفق عاشق محمد، ضابط ارتباط الشرطة مع برنامج “أمان وعدالة”.
العدد الحالي انخفض إلى 40 بعد توقف مراكز المدينة، التي كانت في أحياء: الشعار، والصالحين، والفردوس، وجسر الحج، وسيف الدولة، والأنصاري، وصلاح الدين، وباب النيرب، إضافة إلى مفارز في هنانو وأحياء أخرى.
وتعرضت أحياء حلب الشرقية التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، إلى هجومٍ بري وجوي، من قوات الأسد وحلفائه، أثناء إعداد هذا الملف، وتمكنّت من السيطرة على أكثر من 95% منها، لتتوصل إلى اتفاق يفضي بإجلاء المدنيين والمقاتلين منها.
ويعمل ضمن مراكز الشرطة في محافظة حلب قرابة ألفي عنصر بين ضباط وشرطيين.
يقسّم ضابط الارتباط وظائف الشرطة إلى وظيفيتن: إدارية تتابع شكاوى ودعاوى المدنيين، وتنظم الضبوط وتساعد المجالس المحلية في عملها، كما تساعد الدفاع المدني أحيانًا، وتنظم المرور، وأخرى عدلية قضائية مهمتها تبليغ وتنفيذ المذكرات القضائية، وتملك اختصاصات أخرى، موضحًا “هناك مفرزة تبليغ وتحقيق داخل كل مركز”.
ويتبع للشرطة ثلاثة مراكز توقيف، اثنان في القاسمية ودارة عزة غرب حلب، والثالث في سجن اعزاز بريف حلب الشمالي، وأوضح محمد أنها مراكز “يحتجز ضمنها الموقوفون ذوو الأحكام البسيطة، وأقصاها شهران”.
مركز اعزاز يضم ثمانية عناصر شرطة نسائية، بينما كانت مراكز مدينة حلب تضم ست شرطيات.
ولدى سؤاله عن القوة التنفيذية للشرطة في المنطقة، أكد محمد أن علاقتها “جيدة” مع المؤسسات الأمنية التي تديرها الفصائل، والمسؤولة عن محاسبة المجموعات المسلحة أو عناصرها، لافتًا إلى تعاون معهم، “وخاصة المؤسسة التابعة للجبهة الشامية، في أمور عدة مثل كتابة الضبوط، من خلال المراكز المنتشرة في المحافظة”.
سيارات ومراكز الشرطة “الحرة” المدمرة في حلب
منذ بداية عمل الشرطة دُمرت أكثر من 25 سيارة، وقتل عشرات من العاملين في الجهاز، وأوضح العميد أديب الشلّاف أن القيادة “تستعيض عمن يستشهد، بتسليم مكانه لأحد أقربائه كالأخ أو الابن، حسب العمر والوضع العائلي، ليستمر العمل ولا يترك مكانه فارغًا”.
وحصلت عنب بلدي على إحصائية توضيحية لمراكز الشرطة التي دُمّرت في المحافظة، إذ طال القصف أكثر من 20 مركزًا، أبرزهم مركز بلدة عندان، الذي دُمّر جزئيًا أكثر من ثماني مرات، تنقل خلالها العاملون ضمن البلدة، كما قُصفت مراكز كفرحمرة، وحريتان، وتل الضمان في الريف الجنوبي، ودمّرت معظم المراكز في مدينة حلب، إلا أن جميع العاملين أكملوا عملهم.
بدوره انتقل مركز بلدة تل رفعت، إلى خيمة في ريف حلب الغربي، بعد سيطرة قوات “سوريا الديمقراطية” على البلدة، ويعمل عناصر مركزي الشرطة في مخيمي “باب السلامة” و”سجّو”، داخل “كرفانات”.
وقال قائد شرطة حلب إن مركز بلدة أخترين، عاد إلى البلدة بعد سيطرة المعارضة عليها مؤخرًا، في حين هناك مفاوضات ومساعٍ للعودة إلى باقي المناطق شمال حلب كجرابلس ومنبج.
الشرطة تمارس وظيفتها في ظل فراغ أمني بريف حلب الشمالي
شهد ريف حلب الشمالي متغيرات ميدانية كبيرة خلال الأشهر القليلة الفائتة، فانتقلت عشرات البلدات والقرى من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى فصائل “الجيش الحر” المشاركة ضمن غرفة عمليات “درع الفرات” المدعومة تركيًا، لتعاود مخافر النواحي عملها من جديد بعد توقف دام عامين.
زارت عنب بلدي مخفر شرطة ناحية صوران في ريف حلب الشمالي، والتقت رئيس المخفر، الرقيب عمر ويسي، وتحدثت إلى عنصر من المخفر، وقيادي في الجيش الحر، وعدد من الأهالي في المنطقة، للوقوف على طبيعة عمل الشرطة وفعاليتها في صوران وقراها.
ماذا تعمل شرطة صوران؟
تقع بلدة صوران في ريف حلب الشمالي، وخضعت مدة عامين تقريبًا لسيطرة تنظيم “الدولة”، قبل أن يستعيدها “الجيش الحر” منتصف تشرين الثاني الماضي، ويعود مخفر الشرطة فيها لمزاولة عمله.
وأوضح الرقيب ويسي، المنشق عن شرطة النظام السوري عقب انطلاق الثورة، أن عملهم ينحصر في “تنظيم السير على الطرقات العامة، ومساعدة الأهالي في المنطقة بكل شيء يحتاجونه، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وفق تعاون جيد مع الجيش الحر”.
يعتبر مخفر صوران من أوائل المخافر التي تشكلت في حلب، إذ تأسس في تشرين الأول 2012، أي بعد ثلاثة أشهر من تأسيس قيادة الشرطة في حلب الحرة، وإعلانها من المدينة الصناعية في حلب، قبل أن تستعيدها قوات الأسد.
وقال رئيس المخفر “بداية التشكيل واجهنا صعوبات مع بعض الفصائل العاملة، وبعد فترة وجيزة تم التعاون بين جميع الأطراف وقبول الوضع مهنيًا، لأن معظم العناصر منشقون عن النظام”.
وعن آلية عمل السجون، أوضح ويسي أنها موجودة في كل مركز ناحية، وتابع “في كل مركز شرطة هناك نظارة للموقوفين تحت إشراف القضاء الشرعي، وبعدها يحالون لقضاء النيابة لعامة في اعزاز، ومن ثم إلى سجن المدينة لقضاء فترة محكوميتهم”، مشيرًا إلى أنها تدار تحت إشراف قيادة الشرطة الحرة.
يتبع لناحية صوران 23 قرية، ويضم مخفرها 25 عنصرًا، مزودين بسيارة واحدة ودراجتين ناريتين، إلى جانب معدات قال رئيس المخفر إنها محدودة، وأضاف “نتطلع إلى فاعلية أكبر، وتزويد العناصر بآليات ومعدات تكنولوجية لازمة لجودة العمل”.
الشرطي محمد توفيق، المنشق أيضًا عن النظام السوري، والموظف في الشرطة الحرة منذ ثلاث سنوات، أوضح لعنب بلدي أن عمله ورفاقه يتجلّى في حل النزاعات بين المواطنين، والحفاظ على أملاكهم، وتقديم المخالفات إلى القضاء المختص، وأضاف “حاليًا نعمل على توثيق الضبوط وإجراء الكشوفات اللازمة على المنازل المهدمة والمتضررة أثناء وجود داعش في المنطقة”.
وعن الصعوبات التي تواجه عمل الشرطة، اكتفى الشرطي محمد توفيق بالقول “إن أي عمل مهني سيواجه صعوبات، مثل الممانعة عند جلب أحد المطلوبين”، لكن “يوجد تفهّم بتقدير جيد من قبل الفصائل العسكرية والمواطنين”، بحسب تعبيره.
علاقة تعاون مع “الجيش الحر”
الشرطة و”الجيش الحر” مكونان لا يمكن الاستغناء عنهما في المناطق “المحررة”، بحسب ما أوضح مسؤول الحواجز العسكرية في صوران، بكري أبو إسلام.
وقال القيادي في “الجيش الحر” لعنب بلدي “هناك تعاون كبير بين العسكر والشرطة الحرة، وتحدث أحيانًا مؤازرات بين الجانبين، ونحن ندعمهم لأنهم يعملون على خدمة الأهالي في الريف الشمالي، من حيث السرقات والشكاوى والمشاكل المختلفة، ونعمل على إحداث حواجز مشتركة بين الجانبين لقدرتهم على ضبط الأمور بشكل أكبر”.
وأشار أبو إسلام إلى أن عناصر الشرطة لديهم خبرة في ضبط النواحي الأمنية في المنطقة، معتبرًا أنهم خيار بديل عن الجيش الحر في هذه الناحية “نحن لا نملك خبرات مثلهم في الأمور المدنية والأمنية.. هو جهاز فعال لكن ينقصه الدعم”.
آراء الأهالي بجهاز الشرطة
حملت آراء الأهالي، التي استطلعتها عنب بلدي في منطقة صوران، وجهات نظر إيجابية تجاه أداء جهاز الشرطة، فقال أحدهم “إن وجود الشرطة الحرة ضرورة ملحة، لأنه يقع على عاتقها نشر الأمن والأمان في المنطقة، وتحد من السرقات والجرائم، وتعيد الحقوق المسلوبة لأهلها، في ظل الفراغ الأمني في المنطقة”.
بينما رأى آخر أن “أداء الشرطة الحرة حاليًا جيد، ولكنه يحتاج إلى القليل من التنظيم وتحمل المسؤولية بشكل أكبر… أقترح إقامة معسكرات خاصة لتدريب العناصر ليكتسبوا مهارات أكبر في مجالهم”، كما “يفضّل أن يتبع هذا الجهاز لمؤسسة القضاء، ليكون أداة تنفيذية لها”.
وأشار مواطنون آخرون إلى أن الأهالي يرتاحون ضمنيًا للتعامل مع الشرطة الحرة بشكل أكبر من “الجيش الحر”، لطبيعة “قربهم من المدنيين، وعدم ظهورهم بمظاهر غير لائقة”، ويتعاملون وفق “منهجية ومهنية واضحة، على عكس التصرف العنيف أحيانًا لعناصر الجيش الحر”.
الشرطة الحرة في إدلب.. تنسيق مع المجالس ولا علاقة بالعسكر
فوضى عارمة اجتاحت المناطق المحررة، بسبب توقف المؤسسات التي كانت تتبع للنظام السوري، الأمر الذي سهل الجريمة والسرقة، مع توقف بعض الخدمات فيها، ما دفع الأهالي والمبادرات المحلية لتأسيس مراكز شرطة، كمؤسسات مجتمعية، لا تحمل أي سلاح وتساعد في تنظيم المجتمع.
جهاز شرطة بـ 1200 عنصر
تعتبر الشرطة الحرة في إدلب مؤسسة مجتمعية تأسست منذ تحرير أرياف المحافظة، في آب 2012، وفي منتصف 2014 تم تشكيل نواة قيادة شرطة إدلب الحرة، لتجمع جميع مخافر الشرطة المتوزعة في القرى والبلدات تحت مظلة واحدة.
يعمل الآن 36 مركزًا للشرطة الحرة مقسمين على قطاعين: 18 شمالًا و18 جنوبًا، إلى جانب خمسة مراكز مرور ومكتب للبحث الجنائي. ويبلغ عدد الموظفين في القطاعين حوالي 1200 بين ضابط وصف ضابط وعنصر ومنشقين عن النظام من قوى الأمن الداخلي، ومجموعة من المدنيين من العاملين في الشرطة من بداية تشكيلها.
يقول النقيب عبد الرحمن بيوش، ضابط الارتباط للمراكز الجنوبية، إن “الشرطة الحرة مؤسسة منظمة، تختلف عن بقية المؤسسات، فلدينا قيادة شرطة وأفرع ومراكز وأقسام ومكاتب ومشرفين وضباط، بتسلسل نظامي، لا أحد يعمل لوحده، إذ يجتمع كل شهر مجلس قيادة الشرطة ليتعرف على المتطلبات والمعوقات والمشاكل، لتدرس وتوضع خطّة عن طريق لجنة تخطيط استراتيجي لمدة ستة أشهر أو سنة”.
ويضيف الرائد حسين خالد الحسيان، رئيس فرع الإعلام في شرطة إدلب الحرة، “يوجد لدينا فرع تدريب يضم مركزين، أحدهما في الجنوب والثاني في الشمال، أيضًا فرع الإعلام، والفرع المالي، وفرع الشؤون الإدارية، وفرع المرور التي تتبع له مراكز المرور فنياً”.
يعتبر النقيب عبد الرحمن أن أجهزة الشرطة “اكتسبت ثقة من قبل منظمات المجتمع المدني والأهالي، لأن عناصرها من أبناء نفس البلدة، ومنخرطون في المجتمع ويقدمون الخدمات التي يتطلبها”.
مهام الشرطة “الحرة”
تتولى الشرطة مكافحة الجرائم والسرقات وحل الخلافات والنزاعات، إضافة إلى تنظيم حركة السير، بالإضافة إلى الخدمات التي يمكن أن تقدم للمواطن ويؤمّن الأمان في المجتمع.
يقول حسان أبو علي، أحد عناصر الشرطة في حاس، لعنب بلدي، “يتم تسيير دوريات مرورية في الشوارع الرئيسية لتسهيل حركة السير وتخفيف الحوادث والازدحام، كما تخرج دوريات ليلية للحد من السرقات، إضافة لمساعدة المجلس المحلي بأعماله اليومية وفرق الدفاع المدني والإسعاف في حال القصف”.
والشرطة سلطة تنفيذية فقط معنية بحفظ الأمن، من خلال منع الجرائم، وملاحقة المطلوبين، وجمع الأدلة، والتحقيق في حوادث السير، وتنظيم الضبوط اللازمة، وإحالتها للقضاء صاحب الاختصاص في التشريع والحكم.
إلا أنّ اختلاف المرجعيات القضائية وغياب ضوابط ونصوص واضحة لعملها، يعقّد مهام الشرطة في المحافظة، ويجعلها تتشتّت بين المحاكم والهيئات الشرعية.
ومن النشاطات التي تنظمها الشرطة الحرة، بحسب النقيب عبد الرحمن بيوش، تنظيم حملات توعية بشكل دائم، فيقول “قمنا بحملة توعية منذ أكثر من شهر حول كيفية التعامل مع غاز الكلور في حال القصف، والإجراءات التي يجب اتخاذها للوقاية منه وتخفيف أثره السلبي، وسننظم في الوقت القريب حملة توعية للحد من الحوادث المرورية بعد ملاحظتنا كثرة تلك الحوادث”.
ويذكر النقيب بيوش مجموعة من الأعمال التي نظمّت في مراكز الشرطة التي تشرف عليها، مثل تعبيد الطرقات من أجل تسهيل مرور السيارات وسرعة وصول الإسعاف للمكان المطلوب، إضافة إلى إنشاء ملاجئ للمواطنين في حالات القصف وإنارة العديد من البلدات من أجل التخفيف من عمليات السرقة في الليل، ولزيادة طمأنينة النساء والأطفال للسير ليلًا.
وشهدت المناطق المحررة في إدلب تخريبًا للبنية التحتية بشكل كبير، بفعل القصف المستمر الذي يستهدف مدنها وبلداتها الرئيسية، أو مركز المحافظة، ما دفع أجهزة الشرطة أو المجالس المحلية إلى العمل على ترميم هذه البنى أو إعادة إنشائها من الصفر في كثير من الأحيان.
تعاون مع المجالس وفض النزاعات “صعب”
الشرطة الحرة مؤسسة مستقلّة لا تتبع لأي جهة حتى اليوم، ويقول القائمون على أجهزتها إنها تتعاون مع الجميع من أجل تحقيق الأمن للمواطنين، ولذا تربطها علاقات جيدة بالمجالس المحلية، ويشكل الجانبان لجانًا للأمن المجتمعي تقترح مشاريع متكررة.
يقول الرائد حسن الحسيان “نعمل مع المجالس المحلية بشكل مباشر ووثيق، وتم تنفيذ أكثر من مشروع بالتنسيق معها”، إلا أن أجهزة الشرطة تعمل بمعزلٍ عن الفصائل العسكرية نهائيًا، ويضيف الحسيان “عملنا مختلف عن عمل العسكر من حيث طبيعته، فلكل منا مجاله الخاص ولا يمنع هذا من التعاون، فالعسكر يؤازروننا عند إلقاء القبض على مجرم خطير، وبالمقابل يحيلون لنا في أغلب الأوقات الجرائم الجنائية من أجل التحقيق بها”.
أما على صعيد القضاء فإن الشرطة الحرة تنسق عملها مع المحاكم والهيئات الشرعية التي تنتشر بأغلب المدن والبلدات، وتتعاون معها عن طريق تنفيذ المذكرات العدلية الصادرة عنها، وتقديم المتهمين الذين يتم توقيفهم من قبل مراكز الشرطة بسبب ارتكابهم لبعض الجرائم والمخالفات، وذلك بعد تنظيم الضبوط اللازمة بحقهم.
يقول الحسيان “نحن شرطة مجتمعية غير مسلحة، وحاليًا في ظل تعدد الفصائل المسلحة لا دور لنا في فض النزاعات بين تلك الفصائل، إلا عندما يطلب منا ذلك لمهنيتنا بالتحقيق وجمع الأدلة والآثار الجرمية والتوثيق بموجب ضبوط رسمية، ومن ثم إحالتها للقضاء”.
وبحسب من استطلعت عنب بلدي آراءهم من عناصر الشرطة وضباطها في المحافظة، فإنهم يحاولون التخفيف من شدة الخلافات والتوعية والصلح بين الفصائل، في الخلافات البسيطة، وأما بالنسبة للخلافات الكبيرة فلا يستطيعون التدخل بها “كونها أكبر من عملنا”.
وشهدت محافظة إدلب نزاعات مسلحة بين الفصائل، على اختلاف انتماءاتهم، تسبب بعضها بعددٍ من القتلى والمحتجزين لدى الأطراف، وأدت أخرى إلى إنهاء بعض الفصائل وحلّها.
ويؤكد النقيب بيوش أنهم خلال فترات الاقتتال يأخذون دور المحايد تمامًا ولا ينضمون لأي فصيل ويحاولون الإصلاح بين الجانبين وتوقف الاقتتال، مشددًا “نحن لا نتبع لأي فصيل”.
مجلس “مشلول” وهيئات تغرّد منفردة.. حمص “الحرة” تفتقر لجهاز الشرطة
تخلو المناطق المحررة في محافظة حمص من مراكز أو مخافر شرطية تتبع كيانًا واحدًا كما هو الحال في حلب، بل تضم مدنها وبلداتها هيئات ومراكز مستقلة، تجتهد في الحفاظ على أمن المنطقة، وهو ما أكسبها خبرة جيدة خلال الأعوام الفائتة.
المجلس المحلي للمحافظة، يشرف على تجربة بديلة عن الشرطة في حي الوعر المحاصر في حمص، بمسمى “الضابطة العدلية”، وهي الهيئة الوحيدة التابعة للمجلس في المدينة وريفها.
قيادة شرطة حمص مشروعٌ حبيس الورق
اجتهد المجلس المحلي في المحافظة بإعداد دراسة مشروع إنشاء قيادة شرطة حمص الحرة، وفق آلية وهيكلية علمية، إلا أن المشروع لم يبصر النور لعدم تبنيه من قبل الحكومة المؤقتة أو الجهات الداعمة، بحسب ما أوضح النقيب محمد ديربعلباوي، عضو المكتب التنفيذي ومسؤول مكتب الأمن والدفاع المدني في مجلس محافظة حمص.
وقال ديربعلباوي، المنشق عن قوات الأسد عام 2012، إن المجلس أعد مشروع قيادة الشرطة قبل ثمانية أشهر، ووضع هيكلية تعتمد على ضباط وكوادر مؤهلة منشقة عن النظام السوري، وتتضمن فروعًا أبرزها الأمن الجنائي، ومراكز في النواحي والمدن، ومخافر منبثقة عنها.
وأضاف عضو المكتب التنفيذي، في حديث إلى عنب بلدي “لدينا 250 عنصر شرطة (رقيب، مساعد، مساعد أول، وعريف)، ما ينقصنا هو ضباط، فلا يوجد في المنطقة إلا ضابط شرطة واحد، بينما باقي الضباط معظمهم انشقوا عن الجيش، ومن الممكن أن يخضعوا لدورات قانونية لتحويل اختصاصاتهم من الكلية الحربية إلى الشرطة، وهو أمر معمول به في سوريا سابقًا”.
ووفقًا للمشروع المعد، فإن قيادة الشرطة سينبثق عنها مراكز رئيسية في الرستن، وتلبيسة، والحولة، والقرى الغربية، إلى جانب قسم شرطة في حي الوعر، ويتفرع عن المراكز مخافر في القرى الصغيرة، عدا عن الفروع التي تتبع مباشرة إلى قيادة الشرطة، وهي: الأحوال المدنية، والأمن الجنائي، والأحداث، بكادر قد يصل إلى 700 عنصر وضابط، بحسب عضو المكتب التنفيذي.
بعد الانتهاء من إعداد المشروع المنظم أمنيًا لحمص “المحررة” (الريف الشمالي، الحولة، الوعر)، حوّله مسؤولو مجلس المحافظة إلى رئيس الحكومة المؤقتة، جواد أبو حطب، قبل حوالي ستة أشهر، ولم يأتهم الرد منذ ذلك الوقت، كما أكد ديربعلباوي، وأضاف “نحن نسعى للتنظيم، لكن لا أحد لديه النية لذلك”.
وهذا ما أكده رئيس مجلس محافظة حمص، السيد أمير إدريس، موضحًا لعنب بلدي أن المجلس رفع عددًا من الدراسات التي قدمت إلى العديد من الجهات الداعمة، وتابع “إلى اليوم لم يتم التعامل معها بجدية، علمًا أنه من الضروري أن تخضع كل أقسام الشرطة المختلفة في المحافظة إلى ضابط قانوني واحد، يكون ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حمص”.
الواقع الأمني الحالي في حمص يظهر تشتتًا في توزيع المكاتب والهيئات، ذات التسميات المختلفة، وأضاف ديربعلباوي “لدينا مراكز شرطة حاليًا دون ترابط، في منطقة تجد مخفر شرطة، وفي منطقة ثانية هيئة أمنية، وفي منطقة أخرى هيئة شرعية، جميعهم دون ترابط وقيادة موحدة، ودون البنية الأساسية وهي جهاز الأمن الجنائي وأقسامه”.
بينما أوضح رئيس المجلس أن معظم الهيئات والمكاتب الأمنية في ريف حمص، كما في الحولة والرستن وتلبيسة، تعمل بإشراف وتنسيق المجالس المحلية الفرعية والهيئات القضائية في مكان عملها، دون ربط مركزي مع قيادة وإشراف موحد.
الشرطة “الثورية” في الرستن
ظهر الفراغ الأمني في مدينة الرستن بريف حمص الشمالي، عقب سيطرة “الجيش الحر” عليها عام 2012، ما استدعى تشكيل مؤسسة أمنية يديرها ضباط منشقون، كبديل عن النظام ومؤسساته، ليكون “المخفر الثوري” فيها الأول من نوعه في سوريا.
ضباط منشقون عن قوات الأسد أسسوا كيان “الشرطة الثورية”، والتي اعتبرت الجناح العسكري الأول للمحاكم الشرعية، واعتبر الناشط الإعلامي يعرب الدالي، أن تشكيل المخفر آنذاك كان “بسبب حاجة السكان الملحة لكيانات تحصّل حقوقهم، وتحل النزاعات بينهم، إلى جانب دورها في ملاحقة اللصوص وعملاء النظام”.
وأضاف الناشط المقيم في الرستن “أبرز القائمين على تأسيس المخفر الثوري هم من ضباط مدينة الرستن المنشقين عن قوات الأسد، لأن المدينة تعتبر من الخزانات الرئيسية للضباط العاملين في القطاعات العسكرية في سوريا، واقتضت قلة الإمكانيات المادية الاستعانة بتشكيلات الجيش الحر لتزويد هذا الكيان بالسلاح والعتاد”.
الاستعانة بفصائل المعارضة كان السبب الأبرز في نشوب خلافات بين المخفر الثوري والكتائب المقاتلة، عندما تكون الادعاءات خاصة بأحد عناصر تلك التشكيلات أو قياداتها، وتابع الناشط “زج المخفر الثوري نفسه في معارك مع بعض التشكيلات العسكرية، كونه لا يملك استقلالية مادية، وهذا ما خلق معارك لم تكن ترضي الأطراف في مدينة الرستن، ولا تخدم الهدف الذي يكمن في توطيد الأمن والهدوء في المدينة”.
تقصير من قبل المكتب الأمني في الائتلاف الوطني المعارض والحكومة المؤقتة، أعاق عمل الجهاز الأمني وحد من فاعليته، بحسب الدالي، وأردف “لا يتبع المخفر إلى أي جهة خارجية، وتواصلنا مع الحكومة المؤقتة ووجدنا أن وزارة الداخلية فيها غير مفعلة للكتل المالية، وهذا ما أدى إلى إعاقة عمل المخفر، الذي يحتاج مبالغ مستمرة لجلب معداته كالهراوات والآليات والسلاح واللباس”.
يعتمد “المخفر الثوري” الآن على التبرعات من الجمعيات والجهات الموجودة في ريف حمص الشمالي، والتي كان آخرها تبرع “فيلق حمص” التابع لـ “الجيش الحر” لشراء ملابس شتوية لعناصر الشرطة في المدينة.
الضابطة العدلية في الوعر
الأسباب التي دفعت الريف الشمالي لإنشاء “المخفر الثوري” كانت مشابهة للأسباب التي دفعت حي الوعر لإنشاء كيان “الضابطة العدلية” عام 2014، والذي اعتبر البديل الوحيد عن إنشاء مركز للشرطة، في ظل ضعف الإمكانيات والحاجة الملحة للسكان، وليكون الجسم الوحيد التابع لمجلس محافظة حمص.
وأوضح رئيس المجلس، أمير إدريس، أن الضابطة هي أداة تنفيذية للسلطة القضائية، ومن خلالها تمارس السلطة العامة، وتساهم في الحد من أنماط السلوك الضار في المجتمع، وتشرف باستمرار على ملاحقة كافة أنواع الجنايات والجنح والمخالفات، كما أنها مكلفة بإدارة السجون وحراستها.
انطلقت الضابطة في عملها بشكل فعلي مطلع آب 2014، وكان العدد الحالي للعاملين بها آنذاك 45 شخصًا، واليوم عددهم 69 شخصًا، وتتألف من الأقسام التالية:
رئيس المكتب، وهو نقيب منشق، يعتبر المسؤول المباشر عن تنفيذ القرارات الصادرة من السلطة القضائية، وإصدار الأوامر المتعلقة بعمل الأقسام المختلفة في الضابطة، ويعمل على التنسيق مع كافة الفعاليات الثورية الفاعلة على الأرض، ويتابع العمل في جميع النواحي والشؤون التي تزيد من عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة.
معاون رئيس مكتب الضابطة، يقوم بتسيير العمل، ويشرف على تنفيذ القرارات الصادرة ومتابعتها على الأرض.
قسم التحقيق، مهمته التحقيق الأولي في الجرائم والجنح، سواء كان الجرم مشهودًا أو بناءً على شكوى من المتضرر، أو البلاغ الذي يتقدم به المواطن، وبعد التحقيق الأولي يحال الموقوف إلى القضاء أصولًا، ويشرف قسم التحقيق على السجون والاهتمام بجميع شؤون الموقوفين، كما يشرف على مكان الجرائم، ويقوم بعدد من الإجراءات الاحترازية.
قسم الأمن الوقائي، مهمته البحث والتقصي عن الجرائم والمخالفات قبل حدوثها، ومتابعة مروجي المخدرات إن وجدوا، ورصد العناصر التي “تتآمر على الثورة”، ودراسة كاملة عن كافة الفعاليات الموجودة داخل الحي.
قسم الملاحقة والإحضار، مهمته تنفيذ البلاغات الواردة له، والحراسة الليلية للمنشآت والمباني الحكومية والتجمعات السكنية المهمة، وتنظيم الضبوط، وما يرافقها من أمور مهمة لسير التحقيق.
وأخيرًا قسم الديوان والتوثيق، والذي يتولى توثيق كافة المعلومات والوثائق وأرشفتها، بحيث يسهل العودة لها لاحقًا بسهولة.
وأشار إدريس إلى أن أبرز أنواع الضبوط شيوعًا في الوعر هي السرقات البسيطة والمشاجرات، منوهًا إلى أن الفصائل العاملة في الحي لا تتدخل في عمل الضابطة، لا من الناحية الإدارية ولا العملية، بل هناك تعاونٌ بدرجاتٍ متفاوتة بين الفصائل والضابطة.
قضايا كثيرة تولاها المكتب منذ بدء تأسيسه، وبلغ عدد دعاوى التحقيق التي قدمت إليه حتى مطلع عام 2015 نحو 195 قضية، تم حل 142 قضية منها، فيما بلغ عدد الدعاوى المدنية 115 دعوى، تم فصل 88 قضية منها، ليبلغ عدد الدعاوى المفصولة في مكتب الشكاوى 77 قضية، ودعاوى المحكمة المفصولة 65 قضية تم حلها بالكامل، بحسب ما اطلعت عنب بلدي.
الشرطة “الحرة” في الغوطة تتشتت بين الفصائل
بعد سيطرة الفصائل على الغوطة الشرقية، أواخر عام 2012، وفي ظل غياب المؤسسات التنظيمية والأمنية، ومع زيادة الفوضى، أنشأت “القيادة الموحدة” قيادة الشرطة لتعمل تحت سلطة القضاء الموحّد، في ضبط الأمن وتنظيم حركة المرور، بالتعاون مع المؤسسات الأهلية، “للتخفيف عن الناس في ظل القصف والحصار”، بحسب نائب قائدها، جمال زغلول.
ومع تشتت الفصائل في الغوطة، وبقاء فصيل “جيش الإسلام” وحيدًا ضمن القيادة الموحدة، منذ مطلع العام الحالي، غابت المرجعية الواحدة للشرطة، وغدا عناصرها الموزعون على البلدات منقسمين تبعًا للفصائل، وهذا ما صعّب من مهامها الأمنية، ليقتصر دورها على تنظيم المرور والنقل والرقابة في بعض الأمور.
كيف تشكلت الشرطة في الغوطة؟
ظهرت الوحدات الشرطية في الغوطة بداية تحريرها، ولكنها تمثلت بمخافر متفرقة تتبع لهيئات شرعية أو فصائل عسكرية، مهمتها وضع حد للانفلات الأمني، ووفق قائد الشرطة “الحرة”، محمد عبدالله السالم، فقد “نجحت نوعًا ما بوضع حد للتجاوزات”، إلا أن المشكلة كانت في التدخل المستمر لبعض الفصائل بعملها، “وضعف الأداء كون أن كل فصيل اعتبر نفسه الأب الشرعي للشرطة”.
حين تشكلت “القيادة الموحدة” عام 2014، وانضوت جميع الفصائل العسكرية تحت لوائها، بدأت العمل على تنظيم المؤسسات في الغوطة، وهذا ما جمع شتات الشرطة ضمن كيان واحد تحت مسمى “قيادة الشرطة”، ووصف حينها بأنه “مؤسسة مدنية تعمل على حفظ الأمن والممتلكات العامة والخاصة، والجهة التنفيذية الوحيدة للقضاء في الغوطة”.
وبعد ظهور الخلافات بين الفصائل، وتعليق عملها في “القيادة الموحدة”، بقي “جيش الإسلام” وحيدًا فيها.
إلا أن السالم قال لعنب بلدي إن قيادة الشرطة تعمل تحت مظلة “القيادة” ككيان وليس تحت مظلة الفصيل العسكري، داعيًا إلى إعادة تفعيلها والتوافق على قائد لها “لمصلحة الغوطة”.
وسيط بين الفصائل المتناحرة
يدير الشرطة مجلس قيادة مؤلف من مديري أربع مناطق في الغوطة، ورؤساء الأفرع والأقسام، ويبلغ عدد أعضائه 16 عضوًا، وأكد قائد الشرطة أن “نجاحها وبقاءها كيانًا واحدًا بعيدًا عن الصراع العسكري، يعود إلى العمل باستقلالية والوقوف على مسافة واحدة من جميع المكونات في الغوطة”، لافتًا إلى أنها لعبت دور الوسيط بين الفصائل المتناحرة، “لثقة الفصائل بها وإيمانها أن الشرطة صمام الأمان للغوطة، وأنها غير منحازة إلى أي جهة”.
وتعمل الشرطة لتعزيز سلطة القضاء، وإنفاذ قرارات المؤسسات القضائية، ولإنهاء حالة الفوضى والتسيب الأمني، ومساعدة المؤسسات الخدمية على القيام بعملها في الغوطة، وفق القائمين عليها، وأشار السالم إلى أنها “تتمتع بعلاقات مميزة مع جميع الفصائل العسكرية، وهناك تعاون وثيق بينهم، باستثناء جبهة النصرة، التي تربطنا بها علاقة احترام متبادل، إلا أنها لا تعترف بقضاء الغوطة ولا شرطتها”.
مهمة مجلس القيادة، وضع السياسة العامة للعمل، ومنح الثقة لقائد الشرطة وحجبها، وحل النزاعات الداخلية بين العناصر، إضافة إلى تقييم العمل، ومعالجة المشكلات ووضع الحلول المناسبة، خلال اجتماعاته الأسبوعية الدورية.
للشرطة أربع مديريات في كل من منطقة دوما، والقطاع الأوسط، ومنطقتي عربين والمرج، إضافة إلى مركز جوبر والمركز الجنوبي، وتشرف على الأعمال الإدارية، ومن مهامها تسيير الدوريات لمنع وقوع الجرائم، وتنفيذ تعليمات قيادة الشرطة المسلكية، وتطبيق القوانين وتنفيذ الأحكام والمذكرات القضائية، ويلحق بالمديريات مجموعة من المخافر والمكاتب.
أفرع قيادة الشرطة
يتبع لقيادة الشرطة فرع الأمن الجنائي، المختص بمجموعة من الجرائم، ويضم خمسة أقسام: البحث الجنائي، والتسجيل، والأدلة الجنائية، والتحقيق، وسرية المداهمة، كما يشرف فرع السجون فيها على جميع السجون والإصلاحيات في الغوطة الشرقية، وفق قائدها، الذي أكد أن الشرطة تولي سجن النساء وإصلاحية الأطفال “عناية خاصة لإعادة دمجهم بالمجتمع من جديد”.
يحمي فرع الحراسات المنشآت العامة والمقار الحكومية والمؤسسات المدنية والخدمية، وله عدة أقسام موزعة على مناطق الغوطة، كما يشرف فرع التدريب على تدريب المستجدين والمنتسبين الراغبين بالعمل في الشرطة، ولفت السالم إلى أن “القيادة خرّجت عدة عناصر التحقوا بالعمل وتعتمد عليهم الشرطة بشكل أساسي اليوم”.
ويتولى فرع الشؤون الإدارية المهام التنظيمية، ويندرج تحته قسم الإمداد وفيه مكاتب: المهمات، والتعيينات، والورشات، والمحروقات، إضافة إلى أقسام التسليح ويهتم بتوفير السلاح وصيانته، والقسم المالي، والطبي، والمستودعات، بينما يرعى العاملون في فرع العلاقات العامة مهام ربط الشرطة بباقي المؤسسات العاملة في الغوطة، ويستقبل شكاوى الأهالي بخصوص تجاوزات عناصر الشرطة، وتتولى فرق الرقابة والمتابعة محاسبتهم.
وللشرطة مكتبان للمرور والنقل يندرجان تحت فرع إدارة النقل الذي أنشئ في أيلول 2016، ويرعى مكتب النقل تسجيل الآليات وترقيمها، وعمليات نقل الملكية وتوثيق بيع وشراء الآليات، كما يضم مكتبًا إعلاميًا، ومجموعة من المكاتب الملحقة، متمثلة بمكاتب الدراسات، والتجنيد وشعبة المعلومات، إضافة إلى مكتب الرقابة التموينية والاحتكار، ومهمته ملاحقة المحتكرين ومحاسبة المخالفين منهم.
تواجه قيادة الشرطة صعوبات عدة، وفق قائدها، أبرزها قلة الخبراء والاختصاصيين، والتي تُعالج من خلال إجراء دورات تعليمية، إضافة إلى استهداف الطيران لمقرات الشرطة ووحداتها الشرطية، وضعف الإمكانيات المادية، وغياب الأجهزة الاختصاصية والحواسيب والمحروقات وغيرها.
ولفت السالم إلى أن مدينة حرستا لا تضم عناصر تتبع للقيادة، مشيرًا إلى أنهم يتعاملون مع فصيل “فجر الأمة” الذي ينتشر فيها، من خلال مندوب “يتخاطب مع الفصيل للتعاون في قضايا الجلب والإحضار”.
لا تتلقى قيادة الشرطة دعمًا من أي مؤسسة أو منظمة دولية، بل تستمد دعمها من المكتب المالي الموحد، بحسب السالم، والذي يوفر الحد الأدنى من احتياجات الشرطة، بينما تساعد بعض المؤسسات المدنية بتوفير الطعام للسجناء والإداريين في سجون قيادة الشرطة.
مشاريع مستحدثة ورؤية مستقبلية
أسست الشرطة “الحرة” مؤخرًا ناديًا رياضيًا يضم الألعاب الجماعية والفردية وألعاب القوى، وشكّلت فريق أشبال الشرطة الرياضي، وتحاول تطويره وصقل مهارات لاعبيه، من خلال خوض مباريات مع أندية الغوطة الشرقية.
وتعمل القيادة على أتمتة عملها عن طريق برامج اختصاصية، تحفظ فيها معلومات الذاتية وشؤون العاملين في الشرطة، إضافة إلى معلومات قسم التسجيل الجنائي، وتسعى لأتمتة العمل ضمن مديرية النقل وفرع السجون وربطها بمخدم رئيسي، وفق السالم.
وأشار قائد الشرطة إلى أنها تدرس مشروع ترخيص السلاح الذي بحوزة المدنيين، “لضبط الفوضى”، إضافة إلى مشروع ترخيص محال الصرافة، ووضع آلية للحد من مشكلة تزوير العملات الأجنبية.
دور الشرطة في اقتتال الفصائل
لم تكن الشرطة منحازة لأي طرف خلال الاقتتال، وفق حديث السالم، بل هيأت الأرضية المناسبة للحوار بينها، كما أزالت السواتر الترابية بين البلدات لتسهيل حركة الأهالي بعد اتفاق الفصائل.
وشهدت بلدات الغوطة اقتتالًا بين فصائل “جيش الإسلام”، و”فيلق الرحمن”، بشكل رئيسي، وتسبب بمقتل ما لا يقل عن 700 شخص بحسب معلومات عنب بلدي.
تتعامل الشرطة مع الفصائل وفق آلية عمل محددة، وأوضح السالم أن أي شخص مطلوب للشرطة من الفصائل، يجري طلبه عن طريق الفصيل الذي يسلمه للتحقيق معه ثم تحويله إلى القضاء، بينما يقول أهالي الغوطة الذين استطلعت عنب بلدي آراءهم إن عناصر الشرطة تشتتوا بين فصيل وآخر، ما أثر سلبًا على عمل الجهاز.
الشرطة في عيون هيئات الغوطة ومثقفيها
عدنان طه، مدير دائرة السجل العقاري في مجلس دوما المحلي:
كنا نتمنى حين الحديث عن الشرطة ومؤسسات البلد، أن تكون على كفاءة عالية ونتباهى بها في ظل الثورة، أن تتبع للقضاء باعتباره جهة تنفيذية… لكن العسكريين أداروا الشرطة وليس المدنيين.
يجب تدريب كادر للتعامل مع الموقوفين، ويجب أن يكون (مجلس) المحافظة مسؤولًا عن الشرطة، وليس القيادة الموحدة، فلن يدعمها أي شخص أو هيئة طالما تديرها الفصائل، أو أن تكون جهة مدنية ناجحة مثل الدفاع المدني.
كأداء حالي، الجريمة تزداد واللصوص طلقاء في ظل نقص الدعم.
العالم يراقب مؤسساتنا هل نصلح لنعمل أم لا وهذا ميزان للثورة، فأي فشل للمؤسسات هو فشل لها. يجب أن نكون حذرين ونعمل بمصداقية ومن لا يملك دعمًا يجب أن يوقف عمله، أفضل من ارتكابه الأخطاء.
الناشط أسامة نصار:
وجود جهاز شرطة ضروري، إلا أن علة وجوده حاليًا تكمن في غياب القضاء والذراع التنفيذية الحيادية، وهو بدون سند قانوني قضائي، ربما يكون ذراعًا مسلطًا على الأهالي.
حاولت الشرطة الظهور بمظهر حيادي خلال الاقتتال، ولكن ظهرت ظلال واصطفافات، كان من الصعب تجاوزها كمؤسسة، وبالتالي غدت جزءًا من التقسيم في ظل وجود قضاءين.
اطلعت على حالات فروا من القطاع الجنوبي إلى القطاع الأوسط، مثلًا من دوما إلى حمورية كي لا يطالهم القضاء في مكانهم، وقال أعضاء في الشرطة إنهم طلبوا إعادة المطلوبين لأنهم لا يمكنهم الذهاب وإحضارهم.
ربما يقولون إن الجهاز واحد ومستقل ولكن الواقع يظهر انقسامًا لا يمكن إنكاره.
المهندس بسام زيتون، مدير الخدمات في محافظة ريف دمشق:
الشرطة المدنية مهمة وخاصة في مناطق النزاع، كالغوطة، لكنهم (عناصر الشرطة) لا يأخذون دورهم بشكل مناسب، بسبب غياب الاهتمام من الجهات المحلية بهم وفي ظل ضعف الإمكانيات، وسيطرة الفصائل العسكرية على الوضع الأمني.
تحزبت الشرطة تبعًا للفصائل ولم تستطع أن تلعب دورًا محايدًا خلال الاقتتال، ولم تستطع الانتقال بين المناطق جميعها في الغوطة.
يجب إيلاء جهاز الشرطة الأهمية الأكبر خلال المرحلة والخطط المستقبلية في المنطقة، فدورها حاليًا شكلي أقرب إلى تنظيم السير أو بعض المخالفات البسيطة، ولكن عندما تكبر القضية والخلافات، تتولى المكاتب الأمنية للفصائل الأمر وتفض النزاعات والتحقيقات.
لحرستا خصوصية باعتبارها بعيدة عن تجمع بلدات الغوطة، ومقطوعة عن القطاع الأوسط ودوما، بسبب موقعها الجغرافي، ويسيطر عليها لواء “فجر الأمة”، وبما أنها قليلة التواصل والتنسيق مع الشرطة المركزية في القطاع الأوسط، ضعف دورها الذي اقتصر على متابعة مكاتب الإيواء والمساعدة في نقل الأغراض المنزلية للمواطنين، ويتولى المكتب الأمني فيها حل النزاعات وفضها.
بيان ريحان، مديرة مكتب المرأة في مجلس دوما المحلي:
الشرطة من أهم معالم الدولة التي نسعى إلى إقامتها في سوريا، وهي ضرورية لإثبات أننا استطعنا بناء الدولة في ظل الحرب التي نعيشها، لحفظ الحقوق وتحقيق الاستقرار.
حاليًا أبرز أعمالها تنظيم السير وهذه الجهود مهمة وجيدة، لكن من مشاكلها غياب جهة داعمة لها بشكل مستقل وحيادي وهذا ما يجب تحقيقه اليوم.
مخافر “فقيرة” وصاحب السلاح “سلطان” في درعا
زارت عنب بلدي مخفر طفس في محافظة درعا، وجالت في غرفه ومكاتبه، جدران دون نوافذ، وسقوف محروقة، وخدمات غائبة كليًا، ليوضح أحد عناصر المخفر أن هذا الوضع يندرج على معظم المخافر المحلية، والتي ترتبط إداريًا بمحكمة “دار العدل” في حوران.
يحاول المخفر أن يكون السلطة الأمنية القائمة في طفس، وينظم ضبوطًا ويتلقى شكاوى من الأهالي، ورسائل واردة من “دار العدل”، إلا أن ذلك لن يكون كافيًا في ظل انعدام الدعم لمثل هذه الهيئات، وسطوة السلاح المنتشر في المحافظة.
ما هو أثر غياب الجسم الشرطّي عن درعا؟ وهل نجحت المخافر الثورية في تعويض غياب الشرطة المدنية؟ أسئلة طرحتها عنب بلدي على وجهاء وناشطين من درعا.
ورأى الشيخ بلال المصري، إمام وخطيب مسجد في درعا، أن “غياب جسم الشرطة له أثر كبير على أي مجتمع، فما بالك بمجتمع يعيش حالة ثورة ترافقها فوضى سلاح، وفقر معيشي، صحيح أننا كنا نملك جسم شرطة على عيوبه، لكن تبقى سلطة أجهزة الشرطة المدنية أمرًا ضروريًا جدًا”.
واعتبر المصري أن المخافر الثورية “تجربة يجب تعزيزها ودعمها، ويجب ألا نحملها فوق طاقتها وفوق استطاعتها، نحن نطالبهم اليوم بالإضافة لمهامهم الشرطية، بمواجهة فوضى السلاح، وسلطة الفصائل، وتعدد الجهات المسيطرة، وغياب القوانين الواضحة، وغيرها الكثير من المعوقات التي تفوق مهمتهم وسلطتهم، لذلك برأيي هي بداية جيدة لإعادة الشرطة، ولكنها ليست كافية حتى الآن”.
بينما تحسس الناشط الإعلامي محمد العيسى، خطورة اعتماد الأهالي على الفصائل العسكرية “الأثر الأكبر هو تحولنا من الاعتماد على الشرطة المدنية، إلى الاعتماد على الفصائل العسكرية، أي أننا ندخل العسكر في المفاصل المدنية بإرادتنا أو رغمًا عنا، هذا الأثر هو الأخطر على المدى البعيد، ولا أظن أننا سنستطيع انتزاع هذه السلطة من أيدي الفصائل العسكرية، ونقلها للسلطة المدنية بسهولة”.
لكن العيسى أشار إلى أن “بعض المخافر حظيت بدعم من أهالي المنطقة وفصائلها العسكرية، ربما مخفر الجيزة مثال على ذلك، واستطاع المخفر حل الكثير من القضايا والجرائم، ولكنه بالمقابل فشل في أخرى، لأنها أكبر من قدرته، أو سلطته، بينما هناك مخافر في مناطق أخرى، فشلت فشلًا ذريعًا، وهناك مدن وبلدات تغيب عنها المخافر بشكل كامل حتى الآن”.
شادي المصالحة، وهو مسؤول في إحدى المنظمات الإغاثية في درعا، كان رأيه أكثر سوداوية عن الواقع الأمني في المحافظة “بوضع درعا الحالي، وبالنظر لكل الظروف بشكل عام، لا أظن أن غياب الشرطة مؤثر، فحتى لو تم إنشاء جسم شرطة، لن يستطيع أداء مهامه ولن يتمكن من فرض القانون والسلطة، في ظل ظروف الحرب الحالية وظروف سلاح الفصائل وتحرك المعارك بين مكان وآخر، وانتشار السلاح بين أيدي الجميع، بالإضافة لغياب الخبرة والقدرة”.
وأضاف المصالحة “في حال أردت حماية شاحنات مساعدة غذائية ستلجأ للفصائل، وفي حال حصل عليك اعتداء معين ستلجأ للفصائل، وهذا دليل على أن المخافر الثورية لم تستطع حتى الآن تعويض غياب الشرطة، وأنا لا ألومها أبدًا، بل ألوم الفصائل العسكرية التي لم تدعم هذه المخافر وعملها”.
وأخيرًا مع رأي المحامي عبد المنعم الخليل، مدير المكتب الإعلامي في مجلس محافظة درعا الحرة، والذي شدد على أن “غياب الجهاز الشرطي ساهم في انتشار الفوضى في كل مكان، وغياب الأمن والأمان وتزايد حالات السرقة والخطف، بالإضافة لازدياد نسبة الجريمة وانتشار الحشيش والمخدرات”.
وتشهد المحافظة حالات اغتيالٍ وخطفٍ متكررة، تطال أعلى السلطات القضائية والعسكرية والمدنية، دون أن تتمكن دار العدل أو الفصائل من إيقافها، وسط دورٍ خجول للشرطة في هذه القضايا.
وأكد الخليل أن المخافر الثورية تجربة لم تنجح في درعا لأسباب سردها “منها عدم وجود قيادة شرطة مركزية تتبع لها تلك المخافر وتكون تلك القيادة تابعة لوزارة الداخلية، وعدم وجود الاعتماد المالي لهذه المخافر، بالإضافة لعدم انتقاء عناصر المخافر بموجب مسابقة وإخضاعهم لدورات تدريبية، أضف لذلك تبعية العناصر لفصائل الجيش الحر، وعدم التمييز بين مهمة رجل الشرطة ومهمة رجال الجيش، وهيمنة فصائل الجيش الحر وتدخلها بكل شؤون المناطق المحررة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :