شارع "منوّر" وآخر مظلم
حكومة النظام السوري “تكذب” وتمهّد لخصخصة قطاع الكهرباء
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
دفع إعلان وزارة الكهرباء في حكومة النظام السوري، بداية كانون الأول الجاري، عن وجود خطة من أجل قراءة عدّادات الكهرباء عن بعد، عقب استبدال العدادات القديمة بأخرى رقمية، محللين اقتصاديين للحديث عن توجه الحكومة نحو خصخصة قطاع الكهرباء.
فانقطاع التيار المستمر والتقنين المتزايد يعتبر من أكثر الصعوبات التي يواجهها السوريون في الحرب المستمرة منذ سنوات، حتى بات كثيرون يحلمون أن يمر يومٌ دون انقطاعه، وسط مبررات متكررة من حكومة النظام اعتاد عليها المواطنون من قلة الفيول والغاز لتشغيل المولدات.
تمهيد الحكومة للخصخصة
لا يكاد يمر أسبوع دون حديث مسؤولي وزارة الكهرباء، عن واقع القطاع في سوريا وعرض قيمة الخسائر التي تعرض لها، وآخر التصريحات كانت من قبل الوزير، محمد زهير خربوطلي، في اجتماع مجلس الشعب الثلاثاء 13 كانون الأول.
خربوطلي أكد أن خسائر القطاع الكهربائي فاقت 850 مليار ليرة سورية، كما تعرضت مئات الكيلومترات من خطوط التوتر العالي وعشرات المحولات الكبيرة إلى التخريب والنهب والسرقة، إضافة إلى نقص مادة الفيول وعدم توفر الوقود الخاص بتشغيل المولدات، بالرغم من وصول ثلاث ناقلات فيول الأسبوع الماضي.
وأكد خربوطلي أنه يجب توفر ما يقارب ثمانية آلاف طن فيول يوميًا، و17 مليون متر مكعب غاز، من أجل إلغاء تقنين الكهرباء، وهذا ما لا طاقة للوزارة بتأمينه، خاصة وأنها تستجر الفيول حصرًا من وزارة النفط والثروة المعدنية، في ظل عجز وزارة الكهرباء عن استيراد الفيول لوحدها.
وكانت تقارير إعلامية تحدثت، الشهر الماضي، عن أن سبب تقنين الكهرباء يعود لتأخر وزارة النفط بتوريد الفيول إلى وزارة الكهرباء لعدم تسديد ثمنه، ما يؤكد عدم وجود إرادة حقيقية في تأمين الوقود والتيار الكهربائي بشكل مستمر.
وزاد من تفاقم المشكلة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على أبرز حقول النفط في ريف حمص، كحقل الشاعر، خلال عملياته التي انتهت بالسيطرة على مدينة تدمر، في 11 كانون الأول.
وإلى جانب الحديث عن الخسائر برزت في السنة الأخيرة الدعوات المتكررة للدول “الداعمة” للنظام (روسيا وإيران والهند) للاستثمار في سوريا بما في ذلك القطاع الكهربائي.
وزير الكهرباء السابق (رئيس الحكومة الحالي)، عماد خميس، أكد في أيار الماضي، أن الوزارة قامت بخطوات أساسية لتسهيل الاستثمار في قطاع الكهرباء واستقدام الشركات الصديقة مثل روسيا.
فالحديث عن الخسائر ودعوات الشركات الصديقة للاستثمار له دلالة واضحة بأن القطاع الكهربائي يتجه نحو الخصخصة، بحسب الباحث الاقتصادي يونس الكريم، الذي أكد لعنب بلدي، أن النظام “روّض” المواطن السوري خلال السنوات الماضية، عن طريق قطع التيار لساعات طويلة حتى بات المواطن يطالب يتوفير الكهرباء حتى وإن اضطر لدفع مبالغ مالية زائدة، إضافة إلى الأرباح الخيالية التي سوف يجنيها رجال الأعمال النافذون.
كما أن عدم قدرة الحكومة على دفع مبالغ مالية كبيرة لإعادة إعمار القطاع، فضلًا عن رغبة الدول الكبيرة المشاركة في إعادة إعمار سوريا، سيمهّد لخصخصة القطاع.
بدايات الخصخصة
خصخصة القطاع الكهربائي بدأت دراستها في 2008، عن طريق شركة “مرافق” وهي مشروع مشترك بين شام القابضة السورية ومجموعة الخرافي الكويتية.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، محمود الخشمان، في 2009، “إن سوريا تتحول بدافع الضرورة لا الرفاهية إلى نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، مؤكدًا أنه يضمن شيئًا واحدًا للمستهلكين وهو تأمين الكهرباء.
وعقب ذلك بدأت الحكومة بالتمهيد لخصخصة الكهرباء عن طريق التجار والصناعيين عندما طلب منهم في 2010 جلب مولدات كهربائية لمصانعهم، وتوليد الطاقة لها، ثم بيع الفائض إلى الدولة، التي بدورها تبيعه إلى المواطن، على أن تمد الدولة الصناعيين بالفيول والغاز.
وبعد بداية الثورة السورية توقف طرح الخصخصة، نتيجة خروج معظم مناطق إنتاج الكهرباء عن السيطرة، مثل حقول النفط والسدود ومناطق المولدات، لكن مع المصالحات والهدن التي جرت مؤخرًا استعاد النظام سيطرته عليها وأرجع إحياء المشاريع من جديد.
نفي “كاذب” للحكومة
وزير الكهرباء السابق، عماد خميس، نفى مرارًا موضوع الخصخصة، وقال في آذار 2015، إن خصخصة قطاع الكهرباء عار عن الصحة، ولا يمكن التفريط به لأنه بني على مدى أكثر من 40 عامًا بأيدي عمال الوطن، وهو القطاع الضامن للقطاعات التنموية الأخرى.
لكنه بعد تصريحه بثلاثة أشهر زار طهران (في 19 حزيران)، واجتمع مع مديري الشركات الإيرانية العاملة في سوريا لساعات، وبحثوا سبل تطوير ودعم التعاون الثنائي في مجال الكهرباء، بحسب صحيفة “تشرين” الحكومية.
وبعد عشرة أيام من زيارة خميس، وفي 29 حزيران، أعلن مساعد وزير الطاقة الإيراني، هوشنغ فلاحتيان، عن استعداد الشركات الإيرانية لمساعدة سوريا في إعادة القطاع الكهربائي وتنميته.
وقال فلاحتيان، في تصريح لوكالة “مهر” للأنباء، إن “الشركات الإيرانية تمتلك القدرة والإمكانيات الفنية والهندسية لإعادة إعمار وتحديث محطات الكهرباء وشبكة نقل وتوزيع الكهرباء والمنشآت الكهربائية السورية”، مشيرًا إلى أن “القطاع الخاص وشركات المقاولة الإيرانية ليست لديها مشكلة للحضور في مشاريع الكهرباء في سوريا”.
فوائد ومساوئ الخصخصة
وبالرغم من أن قرار الخصخصة قد يكون مخاطرة للحكومات، إذا لم تجد تأييدًا شعبيًا وقبولًا من قبل الجميع، إلا أنه يعتبر من الأمور الجيدة، فالدول المتقدمة والتي تمتلك مفاعلات نووية سلمية لديها القطاع الكهربائي شبه مخصخص، لأهمية ذلك على الاقتصاد والمواطن بشكل مباشر.
لكن خصخصة القطاع الكهربائي بحاجة إلى اقتصاد حر، بحسب الكريم، الذي أكد أن أي “خصخصة مع فساد هو بيع، وأي خصخصة مع شفافية هو مشاركة”، وهذا لا وجود له في سوريا في ظل نظام الأسد.
المواطن السوري سينقسم إلى قسمين، قسم سيرى تقنية جديدة ورفاهية في الكهرباء نتيجة امتلاكه أموالًا وقدرةً على تأمين الدعم المالي، وقسم سيعيش حياة مريرة وظلامًا نتيجة عدم قدرته على توفير سعر الكهرباء، وستنقسم الأحياء إلى مُنارة بالتيار وأخرى مظلمة، وهي الحالة التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام حاليًا، رغم اعتمادها على مولّدات خاصة.
الكريم أكد أن فوائد الخصخصة هي وصول الكهرباء بجودة عالية، في حال استلمتها شركات كبيرة، والتفاوض معها وفق شروط تستطيع الدولة من ورائها الحصول على ضرائب تزيد من خزينتها، لكن المساوئ تكمن في حال الاتفاق مع بعض الشركات لصالح فئات معينة ورجال أعمال معيّنين.
وفي كل الأحوال بات التقنين الكهربائي واقعًا مفروضًا على السوريين اعتادو عليه، ما دفعهم إلى استخدام أساليب أخرى كاستعمال “الليدات” أو شراء مولدة كهربائية تخدم عددًا من البيوت لساعات محددة وفق نظام شراء الشرائح، كما يحصل في مناطق المعارضة السورية وخاصة في حلب وإدلب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :