مبدأ "الأسد أو نحرق البلد" يستبدل القانون الدولي الإنساني
أهون الجريمتين في حلب
منصور العمري
بعد صمت العالم المطبق طويلًا عن جرائم كبرى في مدينة حلب، نطق مطالبًا بجريمة أخرى.
بدأ اليوم تنفيذ اتفاق بالسماح لأهل حلب بمغادرتها. رغم أن هذا الاتفاق ينقذ أرواح من تبقى في مناطق سيطرة المعارضة في حلب من القتل المحقق، إلا أنه يعتبر اتفاقًا على جريمة.
إنقاذ أرواح الناس هي الأولوية بالطبع، ولكن لابد من التذكير أن ما يجري في حلب الآن يرقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية يشاهدها المجتمع الدولي والأمم المتحدة. يحظر هذه الجريمة القانون الإنساني الدولي و7 قرارات من مجلس الأمن واتفاقيات دولية أخرى. كل هذه الحمايات الأممية والدولية النظرية لم تستطع حماية حلبي واحد من تهجيره من أرضه، واستُبدلت بمبدأ واحد هو “الأسد أو نحرق البلد”، والذي أطلقه النظام السوري في الأيام الأولى لبدء المطالبات المشروعة في سوريا في آذار 2011.
فرَض النظام السوري وحلفاؤه حصارًا محكمًا على مناطق المعارضة في حلب، وشنوا حملة عسكرية عنيفة عليها، تورطت فيها القوى الجوية والخبرات العسكرية الروسية، وجماعات طائفية مسلحة من بينها “حزب الله” اللبناني و”حركة النجباء” العراقية بقيادة إيرانية.
أدى الحصار والقصف المدفعي العشوائي المكثف والضربات الجوية الروسية إلى قتل وتشريد آلاف المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء. دمر القصف البنى التحتية في المنطقة، واستهدف المدارس والمشافي والبنى المدنية.
اتّبع النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة والقصف العشوائي بأهداف من بينها تدمير أكبر قدر ممكن من البنى التحتية في مناطق سيطرة المعارضة وإرهاب المدنيين. أدت هذه الحملة الإرهابية إلى تهجير عشرات الآلاف الذين فروا باتجاه مناطق النظام هرباً من قصفه، وتبقى نحو 70 ألف مدني حوصروا في بقعة صغيرة جداً، بينما يتعرضون لقصف همجي لا يتوقف، واستخدم حتى الأسلحة المحرمة دولياً.
صمتُ المجتمع الدولي أمام هذه الجرائم المروعة كان مريبًا، وأقرب إلى الاتفاق المسبق على حسم مدينة حلب للنظام السوري، كما لم تحرك الفصائل المسلحة المعارضة خارج حلب ساكنًا للتخفيف عن المدنيين أو حتى لمضايقة القوات التي تحاصرها، بما يثير أسئلة مشروعة عن سبب هذا التجاهل الفاضح. لم تعر الشعوب العربية أو الإسلامية أو الغربية اهتمامًا بما يتعرض له المدنيون في حلب المحاصرة، من تجويع وقصف عشوائي مستمر.
فقد المدنيون المتبقون في حلب المحاصرة أي أمل بإنقاذهم من القتل الوشيك، وحسموا قناعتهم أن أحدًا في العالم أجمع لن يحميهم من آلة القتل السورية الروسية الإيرانية.
وافق أهل حلب على تهجيرهم القسري. وافقوا على ارتكاب جريمة إضافية بحقهم، واتخذوا قرارهم بقبول أهون الشرين، ثم شرعوا بمطالبة من قد يستمع إليهم بتأمين ممرات آمنة لخروجهم بعيدًا عن القتل.
شهدت دول عربية وأوروبية مظاهرات وفعاليات مناصرة لأهل حلب، وصدرت تصريحات وبيانات عن رجال دين وبرلمانيين، ومنظمات دولية وحكومات ورؤساء دول، تدين الإجرام الروسي والسوري وتطالب بوقفه وحماية المدنيين أو تأمين خروجهم إلى حيث يرغبون.
توصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق بتأمين خروج آمن لأهالي حلب، بعد اتصالات أيضًا من حكومات أوروبية وأمريكية تطالب روسيا بتحمل مسؤوليتها في حماية المدنيين.
أشرف على عملية التهجير النظام السوري والحكومة الروسية فقط، ولم يتدخل في إجراءات التهجير أي منظمة دولية أو حكومة أو حتى الأمم المتحدة رغم دعوة روسيا لها للمساعدة في إجلاء المدنيين. لتكون روسيا والنظام السوري هما المسؤولان الفعليان عن هذه الجريمة.
مع سيطرة نظام الأسد على مناطق المعارضة في حلب، سيخسر الضحايا كمًا هائلًا من الأدلة الفيزيائية على الجرائم التي ارتكبها النظام وحلفاؤه بحقهم. سيدفنها الأسد مع رفات ضحايا جرائمه.
يبقى التذكير واجبًا بضرورة توثيق هذه الجريمة وغيرها بشكل قانوني وجمع الأدلة وحفظها إلى أن يحين وقت المساءلة والعدالة في سوريا، أو إلى أن يحال ملف سوريا إلى محكمة الجنائيات الدولية، فإفلات مرتكبي الجرائم من العقاب بسبب عدم توافر الأدلة يرقى إلى جريمة أخرى بحق ضحاياهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :