عنب بلدي – مراد عبد الجليل
تبادل تجاري واسع تشهده المناطق الخاضعة للمعارضة مع النظام في جنوب سوريا (درعا والقنيطرة) عقب انخفاض حدة الاشتباكات بين الطرفين بعد سيطرة قوات الأسد على مدينة الشيخ مسكين بداية العام الجاري.
مناطق زراعية ذات أهمية كبيرة في درعا وريفها استطاعت فصائل الجيش الحر السيطرة عليها خلال السنوات الأولى من عمر الثورة السورية، كالريفين الشرقي والغربي وحوض اليرموك، الأمر الذي دفع النظام إلى السماح للتجار فيها بتصدير المنتجات الزراعية لمناطقه بعد ارتفاع أسعارها، باعتبار أن درعا تعتبر “خزانًا زراعيًا” لسوريا بشكل عام والعاصمة خاصة.
غياب الإحصائية والرقابة
العمليات التجارية المتبادلة بين الطرفين كانت منتجات زراعية، لأهميتها الكبيرة للمواطنين خاصة في مدينة دمشق، مقابل المحروقات وبعض المنتجات المنزلية، بسبب خلو “المناطق المحررة” في درعا من وجود منظومة إنتاج صناعي تستطيع تأمين هذه المواد في المدينة، ما اضطر تجارها إلى استيرادها حسبما قاله التاجر في مدينة درعا، أبو إياد الزعبي.
وأوضح الزعبي لعنب بلدي أن مواد البناء والإسمنت والمحروقات بأنواعها، إضافة إلى المنتجات المنزلية كالمنظفات، من أبرز المواد التي تدخل من مناطق النظام إلى درعا وريفها، مقابل المنتجات الزراعية على اختلافها كالخضراوات والفواكه والقمح وزيت الزيتون وأنواع اللحوم ومشتقات الحيوانات، كالبيض والحليب والألبان.
ورغم التبادل المستمر بين الجانبين، إلا أنه لا يوجد إحصائيات رسمية، بسبب غياب جهة تشرف على عملية التبادل، فالأمر بشكل كامل عائد إلى التجار وأصحاب المنتجات، فـ “أي تاجر يريد إرسال منتج ما لمناطق النظام أو إحضاره إلى المناطق المحررة، ينسق مسبقًا مع تاجر آخر في منطقة النظام، ويتفقان على الكميات المطلوبة وأسعارها، باستثناء القمح المُورّد للنظام، بحسب الأسعار التي أعلن عنها، وهي 125 لسعر كيلو القمح و100 للشعير”.
كلام التاجر أكّدته إدارة المكتب الاقتصادي في مجلس محافظة درعا الحرة، التي أشارت إلى عدم وجود أي مديرية أو هيئة اقتصادية أو مالية تعنى بالتبادل التجاري بين النظام والمعارضة.
وأوضحت إدارة المكتب لعنب بلدي أن “الأمر نوقش أكثر من مرة في أروقة نقابة الاقتصاديين الأحرار، بالإضافة للصعوبات والمعوقات التي تحول دون ذلك، ومنها أن معظم اقتصاد المناطق المحررة يعتمد تجاريًا على ما يتم استقدامه من مناطق النظام”.
أسباب التبادل
أسباب كثيرة دفعت التجار في مناطق المعارضة إلى توريد بضائعهم إلى النظام، فأغلب المنتجات الزراعية الموجودة في درعا وريفها تفوق الحاجة الاستهلاكية للسكان الموجودين هناك، بحسب إدارة المكتب الاقتصادي.
كما أن عدم وجود تبادل تجاري بين المناطق المحررة نفسها يساعد على الاستغناء عن توريد هذه المنتجات لمناطق النظام، جعلها مناطق شبه محاصرة اقتصاديًا، ما ساهم في زيادة عمليات التبادل بين المعارضة والنظام.
ومن أكثر أسباب التجارة هو تكدس المنتجات الزراعية في مناطق المعارضة في حال إيقاف توريدها إلى النظام، ما يؤدي إلى انخفاض سعرها، بحسب التاجر “أبو إياد الزعبي”، ما سيؤثر بشكل سلبي على الفلاح الذي قد يهجر الزراعة في حال خسارته.
وأوضح الزعبي أن هناك مواد يمكن الاستغناء عن استيرادها من النظام كالمحروقات، التي تأتي من مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية” أحيانًا، إلا أن هناك مواد لا يوجد لها بديل آخر ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.
معبر نصيب يغني عن النظام
إغلاق معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، الذي يعتبر من أهم المعابر للتبادل التجاري بين البلدين، في نيسان 2015، أوقف جميع أنواع التبادل التجاري بين المعارضة والأردن.
وهذا ما أكدته إداراة المكتب الاقتصادي، أن “عدم وجود تبادل تجاري مع الأردن أجبر معظم التجار والمزارعين على تصريف منتجاتهم بالأسواق الخاضعة لسيطرة النظام، إضافة إلى استقدام حاجات السوق الداخلي من هذه المناطق”.
كما أجبر التجار والمزارعون على الرضوخ لدفع الأتاوات للحواجز وأجور النقل المرتفعة، خاصة مع فقدان الليرة السورية لقيمتها التداولية.
لكن في حال عودة المعبر للعمل من جديد يمكن الاستغناء عن تصدير المواد للنظام، وهذا ما يتمناه التجار والمزارعون، بحسب الزعبي، بسبب ارتفاع أسعار المواد في الأردن عن الأسعار في درعا، ما يحقّق الفائدة للتاجر، ولذلك فإن عمليات تهريب تتم أحيانًا لبعض المنتجات إلى الأردن، كزيت الزيتون مثلًا.
رفض الفصائل التصريح
وعن موقف الفصائل العسكرية من عمليات التبادل التجارية مع مناطق النظام، تواصلت عنب بلدي مع بعض الفصائل لكنها رفضت التصريح، معتبرةً ألا علاقة لها بالتجارة ولا تتدخل بها.
عدة مصادر في درعا أكدت أن بعض الفصائل لها علاقات تجارية مع مناطق النظام وحتى مع ضباطه، وتعود عليها بالمنفعة المادية، لكن التاجر الزعبي حصر دور الفصائل في حماية المواد المصدرة قائلًا “في كثير من الأحيان تضطر لطلب المساعدة المدفوعة الثمن من إحدى الفصائل العسكرية، لتوفير الحماية للبضائع في حال كانت مرتفعة الثمن سواء كانت مستوردة أو مصدرة، خوفًا من عمليات السرقة أو قطع الطريق”.
ورغم التبادل التجاري مع النظام إلا أن نشوب المعارك بين الحين والآخر إضافة إلى قلة هطول الأمطار العام الماضي، دفعت معظم الفلاحين في درعا إلى هجران الزراعة بسبب الخسارة وقلة الربح، ما ينبئ بمخاوف كبيرة كون المنطقة تعتبر من أهم المناطق الزراعية في سوريا.