الحرية الحرام

  • 2016/12/11
  • 2:11 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

للحرية أعداء كثر، أبرزهم في منطقتنا الأنظمة الحاكمة المدعومة بطبيعة الحال من دول العالم الحرة وغير الحرة على حد سواء، وقد كشف الربيع العربي أن ضحايا الاستبداد يتحولون بسهولة عجيبة إلى أعداء شرسين للحرية التي كانوا ضحايا غيابها، كما هو الحال مع حركات السلفية الجهادية بشكل خاص، وغيرهم طبعًا، وهو ما تستغله الأنظمة بالنهاية وهي تخير مواطنيها منذ الأبد بين الفوضى أو الحرية.

بعد الحرب العالمية الثانية، سادت في الأوساط الأمريكية مقاربة مفادها أن غياب الديمقراطية في ألمانيا وإيطاليا كان عاملًا أساسيًا في اندلاع الحرب، وعليه فإن دعم الديمقراطية في هذه البلدان سيضمن ألا يتكرر الخراب مرة أخرى، وهي ذات المقاربة التي أدت في النهاية لتشكيل الاتحاد الأوروبي، فالدول الديمقراطية لا تتحارب مع بعضها إلا نادرًا، وإذا دخلت الدول الديمقراطية الحرب فإنها تحارب بكفاءة أكثر من غيرها، بحسب ما يقول ليبراليو العلاقات الدولية.

لم يكن الحال هكذا في الشرق الأوسط، حيث اعتبر على نطاق واسع أن الديمقراطيات لن تأتي بأنظمة “صديقة” للمنظومة الغربية، وهو ما وعته الأنظمة الوظيفية الحاكمة التي فرغت نفسها لإقناع الغرب بأنها الضامن الوحيد لأمنه من شعبها “المتوحش” الذي يجب قمعه حماية للأوروبيين ولإسرائيل بطبيعة الحال.

من الخطأ تحميل تعثر الربيع العربي للإسلاميين دون غيرهم، وأعتقد أنه من أسوأ ما يمكن أن يصادفه المرء استغلال المأساة الهائلة في رابعة العدوية، أو في حلب هذه الأيام في إطار مناكفات إيديولوجية تحمّل السلفية الجهادية والإسلاميين بشكل عام مسؤولية المذبحة دون النظر إلى حجم العداء العالمي لحرية شعوب المنطقة بداية، وحجم الضغط والإجرام الروسي الإيراني الأسدي ثانيًا.

ولكن على الرغم من ذلك، يتحمل الإسلاميون، خاصة في سوريا بالتأكيد، نصيبًا كبيرًا من مسؤولية الفشل، فهم سعوا بداية إلى قمع كل رأي مخالف، وبعضهم تورط باعتقال ناشطين مدنيين وثوار أفنوا حياتهم في الدفاع عنهم أساسًا، أو بمنع صحف محلية،  ثم سعوا إلى قمع بعضهم بعضًا وأسالوا بينهم أنهارًا من الدماء، واستعدوا العالم وقطاعات شعبية واسعة من الشعب السوري أرعبها هذا الخطاب وساهم بالتفافها أكثر فأكثر حول نظام الأسد.

الاستبداد مكروه كله، ولكن أسوأ أنواعه هو الاستبداد الديني، فالمستبد “العلماني” يملك عليك فضاءك العام، في حين يملك عليك المستبد الديني فضاءك الخاص والعام، ويسن لك قوانين تتدخل في مأكلك ومشربك وملبسك وعائلتك وآرائك الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وكل ما يخطر -وأحيانا كثيرة ما لا يخطر- على البال، وقد قدمت دولة البغدادي في سوريا والعراق وفصائل السلفية الجهادية في أماكن سيطرتها أمثلة سيئة لما يمكن أن يصله الاستبداد الديني.

بالمحصلة فإن الأحداث والتجارب المأساوية أظهرت مرة أخرى حاجة الإسلاميين وعموم النخب العربية لتبني الحرية والديمقراطية كمشروع وطني جامع، ولعل الفشل بالتعامل مع الحرية هو أبرز أسباب فشل الربيع العربي، ومعالجة إشكالية الحرية في الفكر الإسلامي بما يعنيه ذلك من قبول تام بحريات الأفراد الفردية والجماعية على كل المستويات وهو ما سنفصل فيه بمقال قادم.

مقالات متعلقة

  1. جبهة واحدة ضد الاستبداد
  2. معضلة الجيوش
  3. نحن وتركيا
  4. في عيد الثورة.. لسنا وحدنا من يكتوي بالنار

رأي

المزيد من رأي