عنب بلدي – خاص
الانتشار الواسع الذي حققه الإعلام السوري، بولادة صحف وإذاعات وتلفزيونات ومواقع إلكترونية جديدة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، شابه العديد من المشاكل، العفوية والمتعمدة، كان أحدها الخطاب السلبي الذي اتبعته تلك الوسائل تجاه المكونات والقوميات والطوائف في البلاد، وخاصة في منطقة الجزيرة التي تضم أطيافًا متنوعة من الطوائف والأعراق.
ولم تكتفِ بعض الوسائل بتشويه الحقائق، بل عززت التناحر بين شعوب ومكونات المنطقة، مستغلةً الجو العام الذي فُرض فيها، وإبراز حالات، ربما تجد من خلالها تحقيقًا لأهدافها حتى لو كانت مضرة بالحاضنة الشعبية.
في المقابل لا يمكن تعميم الظاهرة على كافة الوسائل الإعلامية التي غطت منطقة الجزيرة، فقد ظهرت صحف وإذاعات عربية وكردية، ساهمت في تعزيز العلاقات المشتركة بين أهالي المنطقة، من خلال ملفات ونقاشات وحوارات سلطت الضوء على ما يجمعها.
في استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني شارك فيه نحو 1560 قارئًا، حول دور الإعلام السوري في العلاقات بين العرب والكرد خلال الثورة السورية، وافق 45% من المشاركين على أن وسائل الإعلام المحلية باعدت بين المكونين العربي والكردي.
أما حالة التقارب التي رسختها الوسائل بين المكونات فأيدها 10% فقط من المشاركين.
بينما رأى 35% منهم أن الوسائل لم تؤثر على العلاقة بين المكونات سواء في التقارب بينهما أو التباعد.
في حين وجد نحو 9% منهم أنها لعبت دورًا محايدًا في المسألة.
وبحسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من معهد “WEEDOO”، المتخصص بقياس وصول الإعلام، ينشط في محافظة الحسكة 36 موقعًا، منها 23 موقعًا محليًا فقط، وينشط 13 موقعًا على نطاق محلي وعلى نطاق وطني. 26 موقعًا منها هي مشاريع خاصة، في حين تتبع عشرة مواقع لجهات سياسية أو عسكرية.
وتتوزع لغات هذه المواقع على الشكل التالي:
“عنب بلدي” و“آرتا إف إم” عمل إعلامي مشترك لكسر “الصور النمطية“
تكرست في منطقة الجزيرة السورية عدة مشاكل غذّتها الحرب السورية، لتتناولها بعض وسائل الإعلام بطريقة مشوهة ومحرفة.
ولم تبين هذه الوسائل النواحي المضيئة من علاقات أبناء المنطقة، بل اقتصرت على إظهار الجانب المظلم منها، بما يتوافق مع سياساتها، الأمر الذي عزز حالات التفرقة والتناحر بين الأطراف.
إعلامٌ من وحي المرحلة
مؤسسة “عنب بلدي” وإذاعة “أرتا إف إم” أسستا عملًا إعلاميًا مشتركًا، جاءت فكرته من ضرورة التسليط على حالات العيش المشترك في المنطقة، علّها تعيد ما هدمته السياسة، وترسخ مبدأ تقبل الآخر، الذي اعتمدته الوسيلتان في سلسلة من المبادئ والأخلاقيات.
عنب بلدي بيّنت الهدف من هذه الشراكة الإعلامية، كحالة جديدة يفتقدها الإعلام السوري الجديد بشكل عام ومنطقة الجزيرة خاصة، فوفق مدير التحرير، عمار زيادة، “مايزال التنسيق بين وسائل الإعلام الجديد في سوريا ضعيفًا، وتجارب التنسيق بينها قليلة”.
وأوضح زيادة أن الشراكة بين هذه الوسائل تلعب دورًا مهمًّا “خاصة عندما تنشأ علاقة أو مشروع مشترك بين وسيلتين عربية وكردية، في ظل الخلافات التي طفت إلى السطح وحاول أطراف الصراع اللعب عليها”، معتبرًا أن هذا “بحدّ ذاته إنجاز ورسالة بأن صوت المجتمع المدني قادر على التغيير وترسيخ قيم العيش المشترك بين جميع المكونات”.
الظروف الحالية التي مرت على منطقة الجزيرة السورية، من تبعات الحرب الدائرة التي من شأنها أن تهدم ما بني على مدار السنين السابقة، تدفع المؤسسات الإعلامية التي ولدت في هذه المناطق إلى السعي وراء إيجاد طريقة لإعادة بنائها مجددًا، بحسب المدير التنفيذي لإذاعة “أرتا إف إم”، محمد رمضان حسن (صفقان)، الذي أكد أن “أهمية العمل الإعلامي مع مؤسسة عنب بلدي تنبع من الظروف التي تمر بها منطقة الجزيرة السورية، بكل مكوناتها المجتمعية، وبجميع الأديان، وتأتي هذه الأهمية من خلال التأكيد على التعايش وتقبل الآخر، فهناك أناس يقومون بتخريب هذه العلاقات، والشراكة الإعلامية أكدت على أهمية هذه العلاقات وتبيينها”.
ملفات وتحقيقات شاركت سكان الجزيرة
تضمن العمل الإعلامي المشترك الذي عملت عليه المؤسستان مجموعة من الملفات والتحقيقات، وصل عددها إلى ستة ملفات حتى الآن، والتي اُعتبرت آلية جديدة لم تعطها وسائل الإعلام السورية الجديدة أهمية خلال السنوات الخمس السابقة.
وشملت الملفات علاقات اجتماعية واقتصادية وفنية، بدءًا من تداخل اللغات المتنوعة في المنطقة وعلاقات المصاهرة والتجارة، وصولًا لتلاميذ المدارس من العرب والأكراد.
الإعلامية شيرين إبراهيم من إذاعة “أرتا إف إم” تحدثت عن السبب وراء هذه الأعمال المشتركة، “فالكثير من الوسائل الإعلامية التي ظهرت على هامش الثورة السورية شُوّهت، بعد أن أسست دون خبرات إعلامية، وأصبح هناك خطاب طائفي واضح حتى لو تم إخفاؤه، لذلك تطرقت عنب بلدي مع أرتا إلى ملفات صعبة، طرحها لمرة واحدة وعدة مرات لا يمكن أن يغير (الواقع) ببساطة، لكنها يمكن أن تسهم في تخفيف الفوضى والتشويش”.
يقول الإعلامي صفقان “من خلال العمل على هذه الملفات، وجدنا أنها تعطي الكثير من الإيجابيات، كالتجارة، إذ زادت الثقة بين التجار، وباحة المدرسة التي جمعت الطلاب العرب والكرد”، إضافة إلى “تعزيز الروابط وروح التعايش بين جميع الطلاب، عدا عن الفنان الذي يغني بأكثر من لغة في المنطقة”، والتي لم تظهر سواء خلال حكومة البعث، أو خلال الأحداث الدائرة منذ خمس سنوات.
إلى ذلك رأى عمار زيادة أن “جزءًا كبيرًا من المواقف التي تتخذها المكونات في المنطقة من نظيراتها مبنية على جهل بالآخر وتراكم صور نمطية غير دقيقة كرسها الإعلام نفسه أو الروايات التي تصدر عن أطراف النزاع، لذا فإن هذه الملفات هي محاولة لتبسيط الأمور وتعريف الجمهور بما يجهله وتلافي هذه الصور النمطية وفتح مجال للحوار والنقاش وإبداء وجهات النظر حول مواضيع محددة من الجانبين”.
الإنسان السوري هدف جوهري
الإنسان هو الهدف المباشر الذي يجب أن تسعى وسائل الإعلام لخدمة آرائه وحاجاته، وفطرته في الحصول على المعلومات الصحيحة.
ووفق شيرين إبراهيم فإن الملفات في العمل الإعلامي المشترك، بين عنب بلدي و”أرتا إف إم”، انتقيت بطريقة خجولة، إلا أنها حساسة، ”تم التعامل معها بحس سوري صرف، دون الانتماءات الأخرى، فالهدف الرئيسي لها هو الإنسان السوري”.
الحكم الواحد الذي “استمر 50 سنة كان كافيًا لهدم الإنسانية داخلنا”، تضيف شيرين، “لذلك توجه العرب والكرد للعمل على ملفات مشتركة يمكن أن يسهموا في بناء الإنسان ومساعدته في إيجاد طريقه… الملفات اهتمت بالإنسان السوري فقط على تعدد هوياته، وخاطبت عقله، وتم إعطاؤه نتاج الأعمال التي قامت بها المؤسستان، سواء نتائج واقعية، أو معطيات واقعية يتم تركها لبناء النتائج عليها”.
وكخلاصة لهذه الملفات يلخّص عمار زيادة رؤيته بالقول “وجدنا العيش المشترك والعلاقات بين مكونات الجزيرة السورية أبسط مما نعتقد، وبذات الوقت هي أمتن وأقوى من خلافات سياسية أو غيرها”، مستدلًا على كلامه ببعض الأمثلة “مكونات المنطقة تتزوج من بعضها، تجمعها توليفة فنية فريدة، يتبادلون تجاريًا فيما بينهم، الأولاد يدرسون معًا ويكبرون في حارة واحدة…. هذه الأمثلة توضح كم هو العيش المشترك أمتن وأبسط مما تصوره وسائل الإعلام”.
أخلاقيات المهنة أساس العمل
تشهد الجزيرة السورية ظروف فوضى بجميع المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية، التي امتدت تبعاتها على المجتمعات المكونة لها.
المنطقة بجميع قوميتها، كانت مغيبة عن الإعلام السوري، وغدا الشعب السوري متلقيًا لما يريد أن يظهره الخطاب الواحد للحزب الحاكم قبل الثورة.
تضيف شيرين “ظهرت عدة أحكام أطلقها رجال السياسة من جميع المكونات على المنطقة، كالجزيرة كردية، أو كردستانية، أو آشورية، أو عربية سورية، لكن عند التركيز على عدة سنوات من العيش المشترك، فمن الكبائر أن يتجاهل الإعلام هذه السنوات والتطرق فقط للظروف الحالية التي تمر بها المنطقة”.
“في بدايات الثورة السورية كان جميع الأرمن والعرب والسريان والكرد والشركس يخرجون إلى شوارع الجزيرة السورية، كيف تم تخريب هذه العلاقة ومن ورائها؟”، تتساءل شيرين، متابعةً “لذلك يجب أن يأخذ الإعلام دورًا جريئًا لمواجهة المشاكل الموجودة بخطاب واعٍ بعيد عن الكراهية والعنف”.
كيف يرى إعلاميو الجزيرة العمل الإعلامي بين العرب والكرد؟
شيار خليل، صحفي كردي سوري
في زحمة تكاثر المؤسسات الإعلامية المعارضة في سوريا، وغياب المراقبة المهنية على هذه المؤسسات باتت الشراكة الإعلامية بين الوسائل الكردية والعربية في منطقة الجزيرة من القضايا المهمة، التي يجب على المهنيين وأصحاب الكار التطرق إليها، فلا بد من وجود ميثاق شرف يجمع أكثر من مؤسسة سورية عربية وكردية، ذلك نظرًا للدور الكبير لهذه الخطوة، فالإعلام يلعب دورًا كبيرًا في صناعة الرأي العام، ونشر الحقيقة للجمهور والرقابة والمساءلة، ضمن قواعد مهنية وموضوعية، وهذا ما يفتقده الإعلام السوري المعارض ككل.
إن وضع ميثاق شرف بين هذه المؤسسات يجنبنا الخوض في الصراعات السياسية ونقلها إلى الإعلام وتشتيت القارئ، من خلال تقديم أخبار محزّبة ومنتمية لجهة ما، وهنا أنوه أن الإعلام الكردي خطا خطوات مهمة باتجاه انتشار إذاعات وصحف ومواقع إلكترونية كثيرة في منطقة الجزيرة، وعلينا أن نخطو خطوة مهنية أكثر وصحيحة بوضع ميثاق شرف بين هذه المؤسسات الإعلامية والمؤسسات العربية غير المسيسة لصناعة رأي عام صحيح لدى المتابع العربي والكردي.
مهند الكاطع، باحث وصحفي عربي سوري
أنا مع تشجيع أي عمل إعلامي مشترك بين أبناء سوريا من جميع المكونات، وهذا يساهم بكل تأكيد في تعزيز الانفتاح على الجميع، ويساهم في زيادة التعارف بين أبناء سوريا من مختلف الانتماءات والهويات والثقافات.
لكن أي شراكة إعلامية يجب أن تحدد أمامها أهداف مشتركة، ويجب ألا يتم استغلالها من أي طرف للترويج لأهداف سياسية تخدم هوية إثنية أو مذهبية معينة دون الأخرى، وأن تكون متجردة تمامًا من أي إيديولوجيا حزبوية وفئوية، وتسعى لاستخدام مصطلحات ومسميات مشتركة، وتتبنى قراءة موحدة لماضي وحاضر ومستقبل الوطن السوري، مع احترام اختلاف وجهات النظر في الأمور الفرعية الأخرى التي لا تؤثر على توجه الشعب السوري وأهدافه، بتحقيق بلد ديمقراطي موحد وحر لجميع أبنائه.
سردار الملا درويش، صحفي كردي سوري
ضمن المجال الإعلامي ومهنية الإعلام وعلم الإعلام، لا يوجد ما يسمى بالشراكة الكردية العربية في الصحافة، هناك تخصصات صحفية موجودة، ولا يوجد صحافة على مستوى قومي أو عرقي.
ولم تلقَ منطقة الجزيرة السورية دعمًا إعلاميًا بشكل عام، وقلت المؤسسات الداعمة لها في المنطقة، من خلال التبرير أنها تحت سيطرة النظام أو بيد حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال عدة ناشطين لعبوا الدور الأكبر في هذه العملية وشوهوا صورة المنطقة.
ويمكننا القول إن العمل الإعلامي تم بشكل مناطقي على مستوى مناطق، والعمل الإعلامي الذي في الجزيرة السورية تم على مستوى ملفات، ولا يمكن أن نسميها شراكة إعلامية كردية- عربية.
على المستوى السوري، وجدت عدة مؤسسات ضمت صحفيين عربًا وأكرادًا، ونرى أن الصحفيين الأكراد منتشرون في عدة مؤسسات عربية بشكل طبيعي، سواء على مستوى الكتابة الصحفية أو التقارير الإخبارية والتحرير .
ولو وجد تعاون إعلاميٌ حقيقيٌ كانت الصورة قد اتضحت في العلاقة الكردية العربية، لأن الاعلام لعب دور كبيرًا ، فعندما نقول عن شراكة إعلامية عربية وكردية في ظل حساسية كردية عربية، نكون قد قلصنا من دور الإعلام، أو أننا لعبنا دور سلبيًا، دون أن ننتج شيئًا، لذلك أرى أنه لا يوجد إعلام مشترك وتعاون والذي من المفترض أن يردم الهوة بين الجهتين.
ساشا العلو، باحث وإعلامي سوري
من حيث المبدأ فإن فكرة تعاون الإعلام العربي والكردي ضرورة لابد منها، خاصة وأن الرسالة الإعلامية لكليهما موجهة إلى جمهور، وإن اختلف بالعرق إلا أنه يتقاسم البقعة الجغرافية ذاتها ويكاد يعاني الإشكاليات ذاتها ضمن الظرف السوري الحالي (عرب وكرد في الجزيرة السورية).
كما أن هذا التعاون قد يخفف من حدة الاستقطاب السياسي، والذي دفع ببعض وسائل الإعلام سواء العربية أو الكردية للانزلاق والتحول إلى منابر سياسية تغذي النعرات الإثنية بدل وأدها.
في المقابل فإن الواقع السياسي والعسكري للإدارة الذاتية، والذي يفرضه حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، يفرض محددات تكاد تقيد كليهما، بل وفي بعض الأحيان يؤثر سلبًا على الأداء الإعلامي لبعض وسائل الإعلام العربية الناشطة في الجزيرة السورية من حيث نشاط مراسليها وأسلوب التغطية الصحفية.
ميثاق شرف مهني ضم وسائل إعلام عربية وكردية
اشتركت 20 وسيلة إعلامية سورية تنوعت بين الإذاعية والمكتوبة والمرئية، في إطلاق ميثاق شرف مهني ينظم عملها الإعلامي، ويساعد في تحقيق رؤية موحدة للإعلام السوري الجديد.
برزت معظم هذه الوسائل المحلية مع انطلاقة الثورة السورية، وعملت على تغطية الأحداث الدائرة على الساحة السورية، وإظهار ممارسات النظام السوري بحق المدنيين والأهالي، وواكبت بشكل تدريجي سنوات الثورة الخمس.
وما إن أُعلن عن هذا الميثاق، في أيلول 2015، حتى انضم إليه 17 وسيلة أخرى وجدت من خلاله “الوقوف في وجه التهديدات والانتهاكات التي تعترض عملهم الإعلامي، إخلاصًا للمصداقية والنزاهة الصحفية”.
وحملت هذه المؤسسات شعار “نحو إعلام سوري مهني”، وحددت الهدف الأساسي والوحيد الذي بني عليه بـ “النهوض بمستقبل سوريا الإعلامي والمهني، والابتعاد عن التشويه والكذب والتزييف، وإعطاء مكونات المجتمع السوري فرصة التعبير في الوسيلة الناشرة”.
اتجه كثير من السوريين مع بدايات الأحداث السورية، لإصدار مطبوعات جديدة، وممارسة العمل الإعلامي بحرية بعيدًا عن الأجهزة الأمنية والرقابية.
ومن خلال توالي إنشاء هذه المؤسسات، بدأ المتلقي للشأن السوري تراوده مواقف متباينة، بين راضٍ عن العمل الإعلامي ومستنكر مما يعتبرها إساءاته، ما انعكس على قيم العمل الصحفي، وفهم الجمهور أو العاملين في هذا المجال لها.
لذلك كان لا بد من انطلاق مجموعة من المؤسسات الإعلامية المختلفة والعاملة في الشأن السوري، لإيجاد هذا الميثاق، والذي شكل ضابطًا للعمل الإعلامي.
ولخصت المؤسسات المنخرطة في مشروع الميثاق قيمها في ثمانية بنود، ضمت مجموعة من المبادئ وألزمت الوسائل الموقعة عليها على الالتزام بها في جميع المواد والتغطيات.
وركزت بنود الميثاق على أساسيات العمل الصحفي المهني، بدءًا من الدقة والصِحة والمصداقية في المعلومة، وصولًا إلى عدم التمييز بين فئات الجمهور بسبب الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو اللغة أو الجنس أو الثقافة أو اللون، والذي لم تسلم منه عدة وسائل إعلامية خلال السنوات السابقة، عدا عن احترام حرية الفكر والمعتقد والتعبير، وتعزيز المشاركة والتواصل بين المؤسسة الإعلامية والجمهور.
رابطة للصحفيين جمعت السوريين على اختلاف انتماءاتهم
أسس مجموعة من الصحفيين السوريين، في شباط 2012 تجمعًا تحت اسم “رابطة الصحفيين السوريين”، ودعموا الحراك الثوري في سوريا منذ انطلاقته، لينضم إليها عدد آخر من ممارسي الصحافة من الإعلام الجديد فور الإعلان عنها.
عنب بلدي تحدثت إلى عضو الرابطة صخر إدريس، الذي أكد أن “الرابطة ضمت عربًا وكردًا وتركمانًا وشركسًا وأرمنًا، وتعتبر مؤسسة جامعة لكل الصحفيين السوريين بغض النظر عن العرق، أو الجنس، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، وتنظر إلى الجامع الوطني فقط، بعيدًا عن أي انتماءات أخرى”.
فمهمة الصحفيين السوريين، هو “سوريا الدولة التي نبحث عنها جميعًا، لأننا نريد هوية جامعة وتعزيز الهوية الوطنية في مؤسساتنا، ولم نلقِ بالًا إلى انتماءات أي صحفي سواء عربي أو كردي أو أرمني”، بحسب إدريس، الذي أكّد أن “هوية الرابطة هي هوية سورية، تعمل على تعزيز الهوية الوطنية بشكل أساسي، كأي مؤسسة سورية أخرى”.
إدريس أضاف أن “أهمية الرابطة تكمن في أنها تبني نوعًا من تشابك العلاقات وتبادل الخبرات ووجهات النظر، ضمن إطار مهني واحد وجامع، من خلال تقبل الرأي والرأي الأخر، والذي يعد من أهم الأمور والمعايير التي يجب أن نسعى نحوها”.
العمل الإعلامي المشترك بين العرب والكرد، وفق إدريس، “يمكن أن يساهم في إذابة المفاهيم الخاطئة التي صدرت من أناس من الطرفين، وساهمت في تشويه هذه العلاقة، وعملت على تعزيزها”.
ما الدور الذي يمكن أن يقدمه العمل الإعلامي المشترك بين الوسائل العربية والكردية؟
تنوعت الوسائل الإعلامية السورية الجديدة، سواء المحلية التي اقتصرت على مدن دمشق وريفها، والمناطق الوسطى في حمص وحماة، أو التي وسعت عملها لتعطي تغطية أوسع وأشمل تتعدى الأراضي السورية.
غطت أحداث منطقة الجزيرة السورية، عدة صحف وإذاعات كردية وعربية، على اختلاف اللغات الموجودة والمجتمعات المكونة لها.
وخلال المسيرة الإعلامية التي سارت عليها هذه الوسائل خلال السنوات السابقة، ظهرت بعض العلاقات الإعلامية المشتركة بين مؤسسات صحفية عربية وكردية.
عنب بلدي استطلعت آراء عدد من الإعلاميين العاملين في منطقة الجزيرة السورية والذين غطوا أحداث المنطقة، عن أهمية هذا العمل المشترك والأهداف التي يمكن أن يحققها في تعزيز وتقارب وجهات النظر بينهم، أو التباعد فيما بينهم.
وليد رشيد، محرر سابق في مديرية الإعلام للإدارة الذاتية في منطقة الجزيرة السورية، اعتبر أن “العمل الإعلامي الناجح هو العمل القابل للتطوير والتجديد، والقادر على مواكبة التطوير لحظة بلحظة”.
وفي الإجابة عن أهمية العمل الاعلامي المشترك بين الإعلاميين العرب والكرد، أشار وليد إلى أن “العمل المشترك بالإعلام بشكل عام، وفي مقاطعة الجزيرة بشكل خاص، مهم جدًا لإيجاد الروابط المشتركة وإظهارها بين أفراد هذه المنطقة، والتي تنهض به، وتسعى للتطوير ونقل الحقائق لكافة مكونات هذه المنطقة”.
أما ميرآل بركات، العامل في إذاعة “دنغي بيجفرو” الكردية، فيرى أنه “عندما نرى مراسلًا أو صحفيًا كرديًا يعمل مع وكالة عربية أو العكس، نجد أن هذا العمل يسهم في ترسيخ مبدأ التعايش السلمي، ومبدأ تقبل الآخر في أي مؤسسة كانت أو وكالات إخبارية كردية أو عربية”.
والدور الإعلامي الذي يمكن أن يحققه العمل المشترك بين عدة وسائل إعلامية مختلفة يحتاج، وفق ما يراه ميرآل، إلى أن “تكون كل وسيلة إعلامية سورية منفتحة على وسيلة أخرى وطرف آخر، من خلال بث البرامج بلغة أخرى، وتخصيص ساعات محددة باللغة الأخرى لأن ذلك سيخدم مصلحة الشعب السوري والكردي ككل، في تقبل كلاهما للآخر”.
ومازالت التجارب الإعلامية التي ظهرت خلال السنوات الخمس الماضية فتية بالنسبة للواقع الاعلامي السوري الواسع، ومن الضروري “فتح المزيد من القنوات والتواصل مع المؤسسات غير الكردية أو العربية كانت لإيصال رسالة إعلامية حقيقية تخدم الشعب السوري في التعايش السلمي والاجتماعي”.
الدور الذي يمكن أن تحققه الشراكات الإعلامية بين عدة وسائل إعلام كردية وعربية كما يراها ميرآل ورشيد، تبدو ضيقة بالنسبة لجودي آرتيش العامل في إذاعة “ولات إف إم”، الذي أوضح أن “العمل الصحفي ضمن منطقة الجزيرة السورية يتخلله صعوبات كبيرة، لاختلاف اللغات الموجودة في المنطقة، والتي تنعكس على عملية نقل الخبر”.
وعلى الرغم من قلة الحالات والتغطيات المشتركة بين وسائل الإعلام الكردية والعربية، بخصوص إبراز القضايا والمعطيات بين الطرفين والمكونين، إلا أن الرئيسة المشتركة لاتحاد الإعلام الحر، شهناز عثمان، ترى أن “الوضع الإعلامي بشكل عام في الجزيرة السورية يخطو خطواته المهنية الأولى، ومن المفترض أن يوجد تعاون إعلامي مشترك، بجميع أشكال الإعلام، حتى يتم تقديم الصورة المثالية، عن واقع روج آفا (شمال شرق سوريا) وكافة مكوناتها”.
في حين أكدت عثمان أنه “عند الحديث عن روج آفا لا يمكن أن يقتصر الأمر على الأكراد فقط أو العرب، فجميع هذه الشعوب والمكونات المجتمعية الموجودة في المنطقة، جزء فسيفسائي من الجزيرة السورية”.
مراسل وكالة “الاتحاد برس” في منطقة الجزيرة السورية، شيار عمر، يرى أن “الأهمية في النهاية من العمل الإعلامي بشكل عام أو المشترك بين الوسائل العربية والكردية، تأتي من إتقان هذا العمل والالتزام بالأمور المهنية التي ينبغي أن نتقيد بها في جميع المجالات الإعلامية”.
الأهداف التي يمكن أن يحققها العمل الإعلامي المشترك بين وسائل إعلامية عربية وكردية التي طرحت من قبل إعلاميي الجزيرة السورية، أغفلت أمرًا مهمًا بحسب، جوان سكو رئيس تحرير صحيفة “صوت كردستان”، الذي لفت أن “العمل الإعلامي المشترك هو التعبير عن القيم، والتي تؤدي بذلك إلى مجتمع ديمقراطي حر، وتقوم بحل المشاكل والطبقات المهمشة، بين الكرد والعرب، من خلال التعبير عن قضايا الطرفين وهمومهما في منطقة الجزيرة السورية، عدا عن دورها في التبادل الثقافي والمعرفي، وتنظيم المجتمعات، ونبذ العنصرية والابتعاد عن الثقافية البعثية العنصرية أحادية الجانب التي ترسخت سابقًا في المنطقة”.
أعد هذا الملف من قبل جريدة عنب بلدي بالتعاون مع إذاعة راديو آرتا إف إم
حلقة خاصة عن الملف في إذاعة آرتا إف إم