محمد قطيفان – درعا
ساهمت دائرة الآثار بمدينة بصرى الشام في درعا، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، منذ تشكيلها منتصف 2015، في حماية وترميم وتوثيق الآثار والمتاحف في المدينة.
ورغم تعرض المدينة لحملات تدمير وقصف من قبل قوات الأسد، منذ سيطرة المعارضة عليها، إلا أن الجهود التي بذلتها الدائرة، تحت ظروف حرب مدمرة، جعلها تنجح في الحفاظ على الآثار، المصنفة ضمن التراث الإنساني العالمي.
الدائرة تحظى باهتمام دولي
أسهمت عملية حماية الآثار وتوثيق المتاحف بحصول دائرة آثار بصرى الشام على اعتراف العديد من الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على الآثار والتراث في العالم، إذ باشرت الدائرة منذ تأسيسها بحملات إعلامية مكثفة، تهدف للتعريف بالدائرة وأهدافها وخططها وعملها، وهو ما أوصل صوتها ومعاناتها إلى منظمة اليونسكو.
سليمان العيسى، مدير آثار مدينة بصرى الشام، قال لعنب بلدي إن المدينة المسجلة كموقع تراث عالمي منذ عام 1980، تضع منظمة اليونسكو أمام مسؤوليتها في تبني ودعم الجهة الوحيدة العاملة على حفظ وصيانة وترميم وتوثيق الآثار في المدينة، مضيفًا “استطعنا خلال الفترة السابقة تعزيز تواصلنا مع المنظمات والمهتمين في مجال الآثار والتراث الثقافي، وقدمنا عرضًا بإنجازاتنا وعملنا، والتي ترقى لمستوى العمل المهني في حماية وترميم المواقع الأثرية في المدينة القديمة”.
وكان عمل الدائرة الكبير كفيلًا بالحديث عنها، وهو ما جعلها موضع ثقة العديد من الهيئات والمنظمات الدولية، فنالت الدائرة ثقة هذه المنظمات، لتتوج بدعوتها لحضور ورشة عمل أقيمت في العاصمة الأردنية عمان، منتصف تشرين الثاني الماضي، تحت عنوان “مستقبل الماضي”.
ماذا تناولت الورشة؟
الورشة تناولت مواضيع حول كيفية حماية التراث الثقافي في سوريا والعراق خلال الصراعات والحروب، كما تطرقت للأساليب المتبعة في توثيق المتاحف والقطع الأثرية وكيفية حماية المتاحف، وشهدت بدورها مشاركة لدائرة آثار بصرى الشام. وأوضح العيسى “قدمنا عرضًا تفصيليًا لمواضيع عدة، من تشكيل الدائرة والأعمال والإنجازات التي قمنا بها خلال الفترة السابقة، كما ركزنا على أهمية مدينة بصرى الشام، بصفتها موقع تراث عالمي، وأكدنا على مسؤولية منظمة اليونسكو بالاهتمام بالمدينة، وحمايتها من القصف والتدمير”.
ونقل العيسى من خلال كلمته الاحتياجات والصعوبات التي تواجههم، وضرورة توفير كافة المستلزمات الضرورية لاستكمال عملهم، “باعتبارنا مؤسسة مدنية مستقلة، لا نتبع لأي جهة”.
وكانت مشاركة دائرة آثار بصرى الشام في الورشة، فرصة استطاعت استغلالها، بحسب العيسى، الذي أوضح أنهم الجهة الوحيدة التي شاركت في هذه الورشة من الداخل السوري، “استطعنا من خلال هذه المشاركة، نقل المعاناة الكبيرة والصعوبات التي تواجه عملنا، لا سيما انعدام الدعم المادي الضروري لمتابعة العمل في حماية المواقع الأثرية، والتي تتعرض للتخريب والتدمير والعبث والانهيارات المحتملة، نتيجة التصدعات الناتجة عن قصف البراميل المتفجرة من قبل قوات الأسد”.
واكتسبت الدائرة من خلال هذه المشاركة، خبرة في التصوير التوثيقي للقطع الأثرية الموجودة في متاحف المدينة، بشكل احترافي ومهني، إذ تعتبر هذه المكاسب مهمة جدًا لإكمال عمل الدائرة المهني، وأضاف العيسى في هذا الصدد، “التصوير التوثيقي ضروري جدًا في هذه المرحلة، فالمواقع والقطع الأثرية تتعرض للقصف والتدمير والتخريب، ولا بد من توثيق كل ذلك”، وحصلت الدائرة على وعود من الهيئات المشاركة في الدورة، لا سيما متحف “المتروبوليتان” في نيويورك، الذي وعد بتقديم الخبرات اللازمة لإتمام عملية التوثيق بشكل علمي صحيح ودقيق.
وأكّد العيسى “بهذا نكون قد حققنا جزءًا من خطة عملنا التي وضعناها عند تشكيل الدائرة، لينصب تركيزنا حاليًا على الانتقال لتحقيق خطوات تالية، فور حصولنا على الدعم اللازم”.
وتحتاج الدائرة في هذه المرحلة إلى أجهزة ومعدات الترميم والتوثيق، بالإضافة لمشاريع الحراسة وحماية المواقع الأثرية، كما أن بعض المواقع الأثرية بحاجة مستعجلة للترميم، بحسب العيسى، الذي أوضح “تعاني بعض المواقع من تصدعات تهددها بالانهيار، نتيجة تعرضها مرارًا لقصف البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية”. وتعتبر قلعة بصرى الشام، والكليبة، في مقدمة هذه المواقع المهددة بالانهيار.
نشاطات دائرة الآثار
تعتبر تجربة دائرة آثار بصرى الشام “الناجحة”، مثالًا في العمل المنظم للحفاظ على الآثار، فالزائر للمدينة اليوم، يلحظ العناية التي تحظى بها قلعة بصرى الشام الإسلامية ومدرجها الروماني، وباقي المواقع الأثرية في المدينة، حيث تستقبل هذه المواقع عشرات العائلات والزوار، بعدما أطلقت دائرة آثار بصرى الشام خطة عمل لتشجيع السياحة.
وأوضح المسؤول “ننظم في الدائرة رحلات ترفيهية تثقيفية لطلاب المدارس، عبر زيارة القلعة والمواقع الأثرية، وشاركنا في العام الماضي، بحملة نظمتها اليونسكو، تحت شعار (متحدون مع التراث)، استهدفنا حينها، طلاب المدارس عبر توعيتهم بكيفية المحافظة على التراث والآثار”.
المعارضة “خارج التغطية”
وسط هذا الاهتمام الإقليمي والدولي، ومع الجهود الكبيرة التي بذلها المعنيون في الحفاظ على الآثار في بصرى الشام، بدا واضحًا غياب هيئات المعارضة الرسمية، والحكومة السورية المؤقتة، عن هذا المشهد، إذ لم يبرز إلا الدور الذي قامت به “قوات شباب السنة”، التابعة للمعارضة المسلحة، والتي تكفلت بحماية وحراسة المواقع الأثرية، كما قامت بفرز كتيبة خاصة تعمل بالتعاون مع دائرة آثار بصرى الشام، على حماية المواقع الأثرية، وحراستها من العبث والسرقة.
كذلك أسهمت “قوات شباب السنة”، بحملة تنظيف وإزالة مخلفات الدمار والخراب والسواتر الترابية والحجرية، التي أفسدت المظهر الحضاري للمنطقة.
في المقابل أوضح العيسى أن قيام الحكومة المؤقتة بإلغاء وزارة الثقافة من تشكيلتها الحالية، ألقى بظلاله السلبية على الحالة النفسية والمعنوية بالدرجة الأولى، “عندما تقوم بإلغاء وزارة تعنى بالشؤون الثقافية والآثار، فهذا له تأثير معنوي سلبي، يدل على إهمال تراثنا وثقافتنا السورية الزاخرة بالمواقع والمدن التاريخية العريقة”، لكنّه ثمنّ الدور الكبير الذي بذله أبناء المدينة وحرصهم على الحفاظ وترميم المواقع الأثرية، بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهتهم.
وكانت الحكومة السورية المؤقتة بتشكيلتها الجديدة، برئاسة الدكتور جواد أبو حطب، ألغت وزارة الثقافة وشؤون الأسرة، واستبدلتها بـ “هيئة الأسرة ودعم المرأة”.