إدلب – طارق أبو زياد
أصبح سكان إدلب وريفها ينظرون إلى بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام، والمحاصرتين من قبل “جيش الفتح”، على أنهما شماعة تستخدمها قوات الأسد لإيقاع مجازر بين المدنيين، فمقابل كل صاروخ تطلقه المعارضة على البلدتين، هناك غارات جوية تضرب المدينة وريفها القريب.
في تشرين الثاني 2015، دخلت كفريا والفوعة في اتفاقية بين “جيش الفتح” وقوات الأسد، شملت مدينة الزبداني وبلدتي مضايا وبقين في ريف دمشق، إلى جانب إدلب وبنش ومعرة مصرين، على أن تتوقف العمليات العسكرية في المناطق المذكورة، إلى جانب تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وإجلاء الحالات الطبية الحرجة.
لكن ذلك الاتفاق، الذي رعته إيران وتركيا، بات هشًا وضعيفًا لدرجة الاختراق المتكرر، فخرجت إدلب عمليًا منه باستهدافها المتكرر بالغارات الجوية، كذلك أمعن النظام حصاره واستهدافه للمدنيين في مضايا والزبداني، لتبدأ فصائل المعارضة في الرابع من كانون الأول الجاري حملة قصف للبلدتين بعنوان “نصرة حلب”.
هل تكون “نصرة حلب” باستهداف كفريا والفوعة؟ وهل بات “جيش الفتح” لا يدرك المخاطر التي يسببها هذا القصف على أهالي إدلب وبنش؟ هي مجموعة أسئلة طرحها ناشطو وأهالي إدلب وبنش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحدثت عنب بلدي إلى عدد منهم.
لا فائدة من استهداف البلدتين
تحدث الناشط الإعلامي والمصور الفوتوغرافي، عمر حاج قدور، عن رأيه بخصوص استهداف البلدتين، “في السابق شكّل استهداف كفريا والفوعة ورقة ضغط على النظام السوري، ولكن الأسد حاليًا لا يهمه أمر البلدتين، وقصفهما لا يجني أي نتيجة”، مضيفًا في حديث إلى عنب بلدي، “ببساطة يتم قصفها بعدد من القذائف، ويأتي الطيران بعدها ويقصف القرى والبلدات المحيطة بهما، ويرتكب المجازر ويخلف الدمار، فلا يوجد فعليًا أي فائدة من هذا الأمر”.
وتابع حاج قدور، الناشط في تنسيقية بنش، مبررًا رأيه “تم استهداف الفوعة بأكثر من 100 صاروخ غراد بيوم واحد، ولكن ماذا فعلت هذه الصواريخ؟ لا يوجد سوى خمس إصابات داخل الفوعة”، واستطرد قائلًا “لم تمضِ ساعات حتى استهدف الطيران الروسي والسوري البلدات المحيطة بهما، وكان هناك عشرات الشهداء والإصابات بين المدنيين. نصيب بنش كان 22 غارة جوية بين صواريخ فراغية وعنقودية خلال ساعات، فعن أي فائدة نتحدث؟.. الفوعة محصنة وصواريخ الغراد لا تؤثر بها، ولا تملك القوة اللازمة لكسر التحصينات”.
وأشار الناشط إلا أن الفصائل لو أرادت الضغط على الأسد فعليًا لاستهدفت بذات الصواريخ القرى والبلدات الموالية للأسد في الساحل السوري وسهل الغاب، والكثير من المناطق التي يكون فيها “رد الفعل مشتتًا ولا ينحصر في نقطة معينة”، بحسب تعبيره.
طبيعة العمل الإعلامي لحاج قدور، يخوله الاقتراب من الأهالي ومعرفة معاناتهم، مؤكدًا أن هناك استياءً كبيرًا بخصوص هذا الأمر، “منهم من وصل به الحال إلى شتم الفصائل وقادتها، وهذا ما شهدته بعيني عند توثيقي لقصف منزل في بلدة طعوم”.
بنش المتضرر الأكبر
لمقاتلي الفوعة وكفريا “حقدٌ” على مدينة بنش تحديدًا، ما يجعل الانتقام يتركز عليها، بحسب رؤية الشاب محمد البنشي، وقال “بنش من أولى المناطق التي خرجت ضد نظام الأسد، وكان للثورة فيها نشاط كبير لا يخفى على أحد، وموقعها الجغرافي الملاصق لبلدة الفوعة الموالية، جعل الصراع يتسم بنكهة خاصة بين البلدتين”.
تتبع الفوعة إداريًا لناحية بنش، واعتاد سكانها، وهم من الطائفة الشيعية، على تسيير حياتهم من بنش بشكل كبير في السابق، لكنهم حرموا من دخولها مع انطلاق الثورة، لانحيازهم المباشر للنظام السوري، ما زاد من وتيرة استهداف بنش بمختلف أنواع الأسلحة، بشكل أكبر من باقي البلدات المجاورة.
من جهته، اعتبر براء جمال، النازح من محافظة حماة إلى بنش، أن استهداف البلدتين أمر ضروري، وتابع “لا يمكننا التوقف عن قصف الفوعة وكفريا تجنبًا للغارات، فطيران الأسد وروسيا لا يتوقف منذ سنوات وهو يستهدف المدنيين ويرتكب المجازر”، مضيفًا “استهداف البلدتين له فوائد كثيرة بردعهم وجعلهم يعيشون حياة غير آمنة، وبالتالي رفع معنويات الأهالي في المناطق المحررة والشعور بقوة الرد وعدم السكوت عن ارتكاب المجازر”.
ويعتبر من يقف في صفّ براء جمال أن البلدتين تعيشان حياة طبيعية، ويدخل إليهما، عبر “جيش الفتح”، ما يحتاجه السكان، مستدلين على عددٍ من المعسكرات القتالية التي تخرّجها التشكيلات العسكرية الموجودة داخلها، والتي تعتبر “هدفًا مشروعًا”.
ينظر ناشطون وحقوقيون إلى أن مقابلة الحصار بحصار مماثل، والرد على القصف بقصف مماثل، واستخدام المدنيين كورقة ضغط من جميع الاتجاهات، يندرج في إطار حرب لا أخلاقية، يتحمل نظام الأسد وداعموه مسؤوليتها بالدرجة الأولى، والفصائل التي تحاصر البلدتين بالدرجة الثانية.