تجميعٌ لمناهضي الأسد فحصارٌ ثم قتل..
التهجير القسري إلى إدلب في عيون سكّانها
عنب بلدي – عبادة كوجان
“هل هجّرهم إلى إدلب ليضربنا جميعًا بالنووي أو الكيماوي؟ أم أنه أرسل بعضهم كجواسيس ومخبرين له؟ لماذا الجلوس دون قتال؟ يجب أن يرابطوا في الثغور ويذهبوا إلى الجبهات”.. مجموعة تساؤلات لا يجد الشاب قاسم عبد الهادي جوابًا لها، مبديًا خشيته على مستقبل مدينته، في ظل سياسة الأسد الرامية إلى تفريغ الريف الدمشقي من المقاتلين ومعارضيه على حد سواء.
يوافق الشاب كمال مدبوح على طرح عبد الهادي، في أن “الكيماوي” أو “النووي” قد يكون من نصيب المحافظة عقب انتهاء سياسة “التجميع”، لكنه يختلف معه في التشكيك بالضيوف أو “الأهل” كما يفضل وصفهم، مستعينًا بآية قرآنية تتحدث عن هجرة النبي محمد (ص) من مسقط رأسه مكة إلى المدينة المنورة قسرًا “لولا أنّ أهلك أخرجوني منكِ ما خرجت”.
لم يقتصر استيعاب إدلب على عشرة آلاف مهجّر قدموا إليها من ثماني مدن وبلدات دمشقية، في إطار المبادرات التي وصفها النظام السوري بـ “المصالحات الوطنية”، بل إن المحافظة شكّلت مأوىً للآلاف من مناهضي الأسد من حماة وحمص واللاذقية وديرالزور، والذين غادروا مدنهم وبلداتهم قسرًا لظروف وأسباب متعددة خلال الأعوام الخمسة الفائتة.
أضحت إدلب، في ظل ظروف التهجير القسري، المركز الرئيسي لمناهضي حكم الأسد في سوريا، بعدما اقتصرت المناطق الخارجة عن سيطرته على بضعة جيوب في أرياف المدن الرئيسية، وسعي النظام وحلفائه للسيطرة على أحياء حلب الشرقية. وتعرض عنب بلدي في هذا التقرير آراء عدد من مثقفي وأبناء المحافظة، ونظرتهم للواقع الجديد وتأثيره على المستقبل.
تجميع فحصار وقتل
اتفق جميع من تحدثت إليهم عنب بلدي، على أن تجميع معارضي الأسد في إدلب سينعكس سلبًا على المحافظة، فهو “حصر أكبر عدد من المعارضين في مكان واحد ليسهل القضاء عليهم”، كما رأى الناشط الإعلامي شادي حلاق. وهو أمر قد تكون له خفايا خطيرة بعيدة الأمد، وفق ما أوضح يونس زيدان، مدرس اللغة العربية في تفتناز، مضيفًا “هم أهلنا لكننا نخشى الأسوأ”.
أسوأ ما في الأمر بالنسبة للشاب لؤي أسود، الممرض في قرية الشيخ يوسف بريف إدلب، أن ما يفعله الأسد هو بداية لانتقام ومجازر قد تحصد آلاف المدنيين، وهو ما أبداه زميله رامي مصطفى، فني التخدير، محذّرًا من مجازر قد تجعل المحافظة مقبرة جماعية، عقب انتهائه من حلب الشرقية.
الأستاذ الجامعي في مدينة إدلب، علاء العبدالله، أوضح أن إدلب بالأصل ليست في وضع مريح، فهي محاصرة من ثلاث جهات، والمنطقة الغربية للمحافظة خزان بشري للنظام، والحدود الجنوبية مع حماة تحت سيطرة الأسد أيضًا، والجهة الشرقية باتجاه خناصر تتموضع فيها قوات الأسد وتنظيم “الدولة الإسلامية”، لتبقى الجبهة الشمالية مفتوحة مع تركيا.
وأضاف العبدالله “ربما نشهد في المرحلة المقبلة تحكمًا من قبل الدولة التركية في حركة المعابر، وإن لم تجتمع الفصائل وتحقق نقلة نوعية فإننا حتمًا سنقع في حصار أشد وطأة من حصار حلب”، فيما رأت الدكتورة الصيدلانية سوسن السعيد أن النظرة العامة لأهالي إدلب تكمن في الخوف من ذرائع وحجج قد يسوقها الأسد وروسيا دوليًا لاستهداف المدينة والمحافظة عمومًا بشكل عام “هناك مستقبل مجهول، ضربات أو حصار”.
بداية تغيير ديموغرافي
تغيير ديموغرافي ستشهده محافظة دمشق قريبًا، كما أكد الأستاذ علاء العبدالله، “يلجأ النظام حاليًا إلى تهجير معارضيه والسكان الأصليين من المسلمين السنة، ويجلب عوضًا عنهم شيعة أو متشيعين حديثًا، لكنه لا يستطيع في الظرف الحالي تهجير كافة السنّة فيحافظ على الخانعين منهم”، وهو ما ذهبت إليه الدكتورة سوسن “النظام يفرض طوقًا آمنًا حول العاصمة ويسلمها للشيعة، سيحاول قدر الإمكان إفراغ جميع المناطق.. من وجهة نظري سنرى فصلًا مذهبيًا في سوريا”.
الصحفي محمود نمر، المقيم في مدينة إدلب، استنكر بدوره سياسة التفريغ المتبعة “بمجرد الضغط على هؤلاء الناس للخروج، وتوطين ميليشيات فارسية أو من قوميات أخرى، هو عمل غير أخلاقي وغير إنساني”، مضيفًا “كل منطقة تأتيه التعليمات من إيران للاستيلاء عليها، سيحاول الضغط على سكانها لتهجيرهم، ربما غدًا في حمص وحلب، فالموضوع لا يقتصر على دمشق وريفها فقط”.
كانت مدينة حمص قد شهدت عمليات تهجير لنحو مليون مواطن من سكانها على دفعات، باتجاه مدن وبلدات أخرى، أو إلى دول الجوار، وهو ما انسحب على مدن القصير وداريا وعشرات البلدات التي باتت تحت سيطرة النظام والميليشيات الطائفية الأجنبية والمحلية.
انصياع لرغبات الأسد
استطلاع آراء عينة من مثقفي المحافظة، أوضح وجود انتقادات طفيفة وعتب على المهجّرين من ديارهم في ريف دمشق، وتحديدًا الفصائل المقاتلة، فلا يرى الأستاذ العبد الله حرجًا في البوح بـ “شعور سلبي تجاه المقاتلين الوافدين”، معتبرًا أن “بعضهم لم ينفذ معارك حقيقية ضد النظام، بل انشغلوا في التناحر بين بعضهم، وانكسرت شوكتهم أمام الأسد، ورضخوا لقراراته”.
بينما أوضحت الدكتورة سوسن، بحكم عملها واحتكاكها بالمهجرين، أن شريحة واسعة لم ينخرطوا في حياتهم الجديدة “أرى حزنًا غريبًا وعدم تأقلم مع الواقع الجديد.. تحدثت لبعضهم أننا نريدهم أن ينخرطوا في صفوف المقاتلين، ولم أجد لديهم رغبة بذلك”، وهي ذات الفكرة التي قالها الصحفي محمود، “نشعر بالفخر أن إدلب نقطة تجمع للثوار ومعارضي النظام الطاغية، لكن لا نريد أن نراهم في المدينة بل على الجبهات، وظيفتهم هي القتال هناك وليس الاستعراض بين المدنيين”.
وتساءل المهندس محمد أمين غزال، من مدينة إدلب، عن توقيت عمليات التفريغ المتلاحقة “النظام يضغط بهذا الاتجاه منذ ثلاث سنوات، لماذا الرضوخ الآن؟”.
بينما تمنى الدكتور عبد الرحمن عبيد، مدير مستشفى “وسيم حسينو” في كفرتخاريم، أن يعود جميع الأهالي المهجّرين إلى منازلهم في أقرب وقت “تجميع الناس بكثافة عالية هنا يحمل أعباء كبيرة على المنطقة، والمنظمات الإغاثية والطبية غير قادرة على تحمل مسؤوليات كبيرة”.
مجلس المحافظة يعتذر حتى إشعارٍ آخر
بالتزامن مع إعداد التقرير، أصدر مجلس محافظة إدلب بيانًا مشتركًا لمجالس وقوى وفعاليات المجتمع المدني في المحافظة، اعتذر من خلاله عن استقبال المهجرين إلى المحافظة قسريًا “حتى إِشعار آخر”، لا سيما أن إدلب “ترزح تحت وطأة تدهور البنية التحتية والخدماتية في ظل القصف الوحشي للنظام الأسدي والاحتلال الروسي، ما يجعل قدرتها على استيعاب المهجرين قسريًا أمرًا بالغ الصعوبة”.
واعتبر المجلس، في البيان الذي نشر الخميس 8 كانون الأول، أنه سيكون عاجزًا عن توفير “أبسط مقومات الحياة الإنسانية لهؤلاء النازحين”، مؤكدًا أن “هناك نية واضحة بتجميع الثوار والمقاومين السوريين في بؤرة جغرافية ضيقة، لتركيز القصف عليهم، ما يسمح للنظام بتمرير مخططاته فيما يتعلق بالتغيير الديموغرافي في المناطق التي جرى إخلاء سكانها”.
يُنظر إلى قرار مجلس المحافظة على أنه حركة استباقية لمسلسل تهجير جديد قد تشهده أحياء حلب الشرقية الخاضعة للمعارضة، حيث مايزال فيها نحو 150 ألف مواطن محاصر، الأمر الذي قد يندرج على حي الوعر المحاصر في حمص، عدا عن بلدات جنوب دمشق، والتي يدور الحديث فيها عن خروج محتمل للفصائل الرافضة لـ “المصالحة”.
ما كان ألوف الدمشقيين ينوون الرحيل لولا قطع الأسد جميع سبل الحياة، فكانت إدلب المقصد الوحيد علّها توفر قسطًا من طمأنينة افتقدوها في بلداتهم، فهل ستكون “الخضراء” محطة حرب دموية بعد حلب الشرقية، أم أنها دخلت في حسابات أنقرة كما جرابلس والباب، أم سيكون لفصائلها كلمة الفصل وتستعيد زمام المبادرة. هي أسئلة وتكهنات متروكة للمستقبل القريب والمتغيرات المتسارعة في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :