عنب بلدي – خاص
تسارعت وتيرة الأحداث في محافظة حلب، فتقدمت قوات الأسد وسيطرت على أحياء حلب القديمة، تزامنًا مع لقاءات واجتماعات على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن المدينة، في وقتٍ واصل “الجيش الحر” زحفه شمالًا، ليحيط بمدينة الباب من ثلاث جهات.
“سكان حلب مهددون بالموت” و”الوضع في حلب كارثي”، عبارات سمعها مواطنو حلب بكثرة خلال الأسبوع المنصرم، إضافة إلى دعوات متكررة لفرض هدنة مؤقتة وإدخال المساعدات من قبل الأمم المتحدة ودول تصف نفسها بأنها صديقة الشعب السوري، لكن هذا لم يمنع نظام الأسد وحليفته روسيا من مواصلة القصف وقتل المئات من المدنيين.
تصعيد النظام وهدنة الفصائل
القصف المستمر من قبل الطيران الروسي وتقدم قوات النظام السوري، يظهر أن قرار السيطرة على حلب قد اتخذ في أروقة السياسة الروسية، وهو ما أظهره وزير الخارجية، سيرغي لافروف بالتأكيد على أن بلاده تريد حلب كاملةً، أو الوصول مع قوات المعارضة إلى اتفاق يفضي بخروجهم إلى إدلب، قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، في العشرين من الشهر الجاري.
وانتهت هجمات النظام السوري وحلفائه بالسيطرة على نحو 80% من أحياء حلب الشرقية، التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة، آخرها أحياء الشيخ لطفي والشعار وباب النيرب، الأربعاء 7 كانون الأول.
تقدم قوات النظام دفع فصائل المعارضة في المدينة إلى اقتراح هدنة إنسانية في الأحياء الشرقية، تتضمن أربعة بنود، تشمل إخلاء المدنيين والحالات الطبية الحرجة، ثم التفاوض حول مستقبل المدينة، لكن النظام السوري رفض أي محاولة لوقف إطلاق النار ما لم تتضمن خروج جميع من وصفهم بـ “الإرهابيين”.
ووفقًا لخريطة السيطرة الحالية ماتزال فصائل المعارضة تسيطر على أحياء الحلوم، والأصيلة، والمعادي، إضافة إلى أحياء الكلاسة، وبستان القصر، والزبدية، وسيف الدولة، والأنصاري الغربي، والأنصاري الشرقي، والمشهد.
كما يبقى وسط دائرة سيطرة المعارضة كلٌ من أحياء الصالحين والفردوس، وجسر الحج، وكرم الدعدع، وصولًا إلى السكري والنزهة، كما ما تزال العامرية، وتل الزرازير والشيخ سعيد والوضيحي ومركز “سادكوب”، في الجزء الجنوبي من حلب تحت سيطرة الفصائل.
هل باتت أيام حلب معدودة؟
كثير من المحللين السياسيين والعسكريين إضافة إلى مسؤولي النظام يرون أن أيام مدينة حلب باتت معدودة، في ظل دفاعٍ لقوات المعارضة في بعض الأحياء والجيوب التي ما تزال تحكم السيطرة عليها.
تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الثلاثاء 6 كانون الأول، تؤكد إصرار موسكو بالسيطرة على حلب، إذ قال “على المسلحين في شرق حلب إما المغادرة أو الموت، وفي كل الأحوال، إذا رفض أحد المغادرة طوعًا، سيتم القضاء عليه، لا توجد خيارات أخرى”.
من جهته قال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في خطاب بثه تلفزيون المنار، الجمعة، إن “النصر الموعود بات وشيكًا للحكومة السورية وحلفائها في مدينة حلب”.
كما أكد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في حديثه لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام أن “تحرير سوريا من الإرهاب متخذ منذ البداية بما فيها مدينة حلب”.
ويبدو أن قرار السيطرة على حلب لم يكن روسيًا فحسب، وإنما سلمت به الدول الداعمة للمعارضة السورية، وعلى رأسها أمريكا، خاصة بعد تصريحات روسية بقرب التوصل لاتفاق مع أمريكا حول خروج المقاتلين من حلب.
وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، دعا في مؤتمر “أصدقاء سوريا” الجمعة، النظام السوري وروسيا لتقديم ضمانات للمدنيين والمقاتلين لترك حلب إذا شاءوا، مؤكدًا أن “روسيا والأسد يمتلكان السيطرة اليوم والكفة تميل لصالحهم لذلك يجب أن يظهروا الرحمة”.
كيري أوضح أن سقوط حلب في يد النظام لن ينهي الحرب في سوريا، ما يعتبر رسالة واضحة بأن أمريكا لن تقدم على أي إجراء حول حلب، ويدلّ على قرب سقوط المدينة بيد النظام وروسيا، إلا في حال حصول مفاجآت لقوات العارضة خلال الأيام المقبلة، التي ستحمل في طياتها الكثير.
تحرك دولي خجول
وفي ضوء العمليات العسكرية شهدت الساحة السياسية تحركًا دوليًا وصف بالخجول لمجلس الأمن وللجمعية العامة للأمم المتحدة.
فقد استخدمت روسيا والصين مجددًا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد مشروع يدعو إلى فرض هدنة مدتها سبعة أيام في حلب السورية، الاثنين 5 كانون الأول، باعتبار أن “الهدنة يمكن أن يستخدمها المسلحون كما حدث في المرات السابقة، لإعادة تجميع صفوفهم وتعزيز قواهم، والذي سيعيق إجلاء شرقي مدينة حلب ويطيل من معاناة الشعب”.
كما تقدمت كندا بمشروع قرار إلى جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة، الجمعة 9 كانون الأول، انتهى بمطالبة جميع الأطراف في سوريا بوقف القتال وفقًا لبيان جنيف، الصادر في 30 حزيران 2012، وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، الأمر الذي اعتبره مندوب المملكة العربية السعودية، عبد الله العلمي، أنه “يساوي بين الضحية والجلاد ولا يرتقي إلى مستوى معاناة السوريين”.
“الحر” يغرّد شمالًا
بدورها، تغرّد فصائل “الجيش الحر” شمالًا، حيث باتت تحيط بمدينة الباب في ريف حلب الشرقي من ثلاثة محاور، إثر تقدم أحرزته، الجمعة 9 كانون الأول، على أطرافها، غداة إعلان معركة “تحريرها” بدعم تركي.
ومنذ صباح أمس، تحركت فصائل “الجيش الحر” المنضوية في غرفة عمليات “درع الفرات”، على المحور الغربي لمدينة الباب، فاستعادت سيطرتها على قريتي الدانا وبيراتة، وتقدمت لتصل إلى مشارف المدينة، ولتتمركز قوات “الحر” على تخوم مستشفى الباب الرئيسي.
من الجهة الشمالية عززت فصائل “درع الفرات” من موقفها الميداني، فسيطرت على تلة استراتيجية، جعلتها على مشارف المدينة أيضًا.
كذلك فإن الطريق الواصل بين مدينتي الباب ومنبج بات مقطوعًا تمامًا أمام مقاتلي التنظيم، بعدما سيطرت فصائل “الحر” على عدد من القرى والبلدات على جانبي الطريق، لينعكس ذلك سلبيًا على الموقف الميداني للتنظيم في الباب وبزاعة وقباسين.
وكانت تركيا أعلنت إرسالها 300 جندي إضافي من “القوات الخاصة” للمشاركة في معركة الباب، الجمعة، في نية لحسم المعركة سريعًا.
ويحذر ناشطون من مواجهات قريبة بين “الجيش الحر” المدعوم تركيًا، مع تحالف القوات الكردية والعربية في “سوريا الديمقراطية” وقوات الأسد، لا سيما أن ريف حلب الشمالي بات ساحة معقدة تتحكم بها قوى إقليمية.