اعتاد العرب الدعاية السلبية ضدهم. فهم لم يسكنوا فلسطين يوما، ولا يوجد شعب فلسطيني. فلسطين اسمها الاراضي المتنازع عليها، والعرب لم يبحروا في “الخليج الفارسي”، فتسمية “شط العرب” للمنطقة التي يلتقي فيها نهرا دجلة والفرات هي تسمية بعثية عفلقية مجرمة.
الجزر في الخليج، فارسية، والعرب في ايران، استوطنوا ساحل الخليج في زمن البرتغاليين قبل 500 عام فقط، اي انهم ليسوا سكان الارض الايرانية. كركوك العراقية ليست عربية، بل كردية، وربما الموصل ليست عربية كذلك، بل هي اراضي الاقليات. الساحل السوري، فينيقي بيزنطي أقلوي، اغتصبه الاحتلال العربي الغاشم قبل 14 قرنا. مصر، قبطية لولا الاجتياح العربي الاسلامي.
أكثر من قرن من الدعاية المحلية والعالمية صورت العرب على انهم سكّان خيام، برابرة من الصحراء، اجتاحوا حضارات فارس وبيزنطية ومصر، وعبثوا بها وخرّبوها، وهي عملية تخريبية مستمرة حتى اليوم، حسب الدعاية نفسها.
عملية التجريم المتواصلة بحق العرب، وخصوصا المسلمين منهم، تجعل من صور أشلاء اطفالهم المتناثرة في حلب اليوم، وفي بغداد بالأمس القريب، كما في فلسطين على مدى الاعوام الخمسين الماضية، صوراً مبررة. هم العرب الذين جنوا على أنفسهم، يؤمنون بتعاليم ذات نصوص تدعو الى العنف، فيصبحون برابرة، ويصبح قتلهم مباحا.
لا تحرك صور أشلاء اطفال العرب الضمير العالمي، وهي صور لم تحركه اصلاً على مدى نصف القرن الماضي. يوم كنا في الكلية، كانت صورة رأس الطفلة يتدلى من شباك سيارة اسعاف المنصوري، التي كان قصفها الاسرائيليون. كنا يومها نقيم المعارض المصورة لأطفال العراق، الذين كانوا قد تحولوا هياكل عظمية حيّة بسبب الحصار الأممي على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
اليوم نبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي كل انواع الصور لأطفال سوريا، تحت الركام، فوقه، الى جانبه. نبث صور أطفال سوريا اللاجئين ممن لفظهم البحر، وذاك الصبي الجالس في الاسعاف وهو يحمل منزله غبارا على جسده الصغير، وتلك الفتاة الممزقة، والأب المفجوع، والأم الباكية.
لا سبيل لحوار او نقاش. اصحاب الأسد يتهمون المعارضة السورية بقصف نفسها بالكيماوي لاستدرار العطف الدولي. المنطق يقول انه لو كان لدى معارضي غوطة دمشق سلاحا كيماويا، لرموه على بيت الأسد. لكنه حوار من دون منطق.
اصحاب الأسد يتهمون المعارضة المحاصرة شرق حلب بقصف المدنيين وقتل الاطفال في الاحياء المحاصرة نفسها، ايضا لاستدرار العطف الدولي. نقول لهم لو كان لدى المعارضة اسلحة يمكنها اسقاط ابنية على رؤوس ساكنيها، لاختلف ميزان القوى وشكل المعركة، ولما احتاجت المعارضة لتعاطف دولي اصلا.
ومنطق اصحاب الأسد هو نفسه في لبنان، حيث اتهموا اسرائيل بارتكاب سلسلة من الاغتيالات ضد الاشخاص الذين يسميهم اصحاب الأسد “عملاء اسرائيل”، أي ان اسرائيل قتلت عملاءها. والتناقض نفسه ينطبق على مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والوزير محمد شطح، الذين تتهم دعاية اصحاب الأسد المتطرفين الاسلاميين باغتيالهما، ثم تتهم الدعاية نفسها آل الحريري، السيدة بهية ورئيس الحكومة سعد، بتمويل المتطرفين. هكذا، يتلقى المتطرفون اموال الحريري، ويقتلونه ويقتلون مستشاريه.
هكذا، تصبح المحرقة السورية عملية “تثبيت سيادة الدولة”، وتصبح المحرقة العراقية عملية “مكافحة ارهاب”، وتصبح المشكلة الفلسطينية مسألة “تعثر في المفاوضات”، ويصبح اطفال العرب القتلى في الشوارع والأزقة موضوعاً قابل للنقاش.
هذا النوع من الدعاية وصل الشواطئ الاميركية. الرئيس السابق جورج بوش الابن انهار سياسيا بعدما اثبت الاعلام زيف ادعاءات وجود اسلحة دمار شامل عراقية. اما الرئيس المنتخب دونالد ترامب، فهو الذي فرض انهيار الاعلام الاميركي بعدما اتهم ترامب الاعلام بالكذب والتحامل. ترامب أيد حرب العراق، ثم أصر انه لم يؤيدها. ترامب تأخر بأكثر من مليوني صوت عن منافسته الخاسرة هيلاري كلينتون، ويصرّ انه حصّل اصواتا اكثر منها. ترامب يشبه الطفل الذي يصرّ على ما يقوله حتى يسأم من يحاوره ويستسلم.
لكن ترامب يكذب، والحقيقة ليس وجهة نظر.