دعاء بيطار
قبل أن أفتح تلك الصفحة البيضاء، كثيرًا ما أسأل نفسي هل أريد من كتابتي نفع أحد؟ أم أنها مجرد فضفضة من القلب إلى مكان أبيض صافٍ من كدر الحياة، علَّ انعكاس لونه على عيني يعطيني دافعًا أقوى لخوض تجارب الحياة بألوانها المختلفة.
في لحظة تحول ألوان الدنيا في عينيك ستنقلب معها الأمور إلى النقيض تمامًا, وتتبدل المفاهيم بداخلك على إثرها, فما عاد الأسود أسودًا، ولا الألوان الأخرى تعطيك تلك الجاذبية كما يعطيك إياه اللون الأبيض، أي لحظة أن تُجاب من الله حينها ستكون أبواب السماء قد فتحت لك وحدك.. نعم أنت.
ما رأيته من أثر الدعاء على حياتي كبير جدًا، فبمجرد أن أثقل من كدر الحياة وألجأ لذلك السلاح النوعي، أشعر بأني محاطة بهالة من نور، وكأني جلبت تركيزها علي وجعلت بؤرتها تنير من مكاني، فلا أملك إلا أن أستمر حتى أنتهي من كل ما أريد البوح به، فللبوح مع الله الذي يعلم منك أكثر من نفسك إحساس لا مثيل له.
ترى الكلام ينطلق بدون أسوار ولا خوف من شيء، هي فضفضة بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكنها لا تشبه أيًا منها ضمنيًا، لأنها كحديث النفس لا وجود لأي اعتبارات أرضية فيها، ولا خوف على الأسرار، ولا حذر من المستقبل، وإنما فقط طرق للباب الذي تتنزل منه كل الخيرات من السماء إلى الأرض، ومحاولة لفتحه مع كثرة الإلحاح، والإصرار لأنه لو فُتح لأي منا فليتيقن أن كل هموم الدنيا لو كانت مجتمعة عليه لأزاحها فتح ذاك الباب في لحظة.
أن تكون قريبًا من الله ليست بالأمنية المستحيلة، ولا بالشيء الذي يختص به أحد دون آخر، فبمجرد أنك مخلوق مكرم عنده فهذا يعني أن خالقك ترك لك حرية الاختيار لتكون إما قريبًا منه أو بعيدًا عنه، وحتى لو كنت بعيدًا أو قريبًا منه الآن، فمن الممكن أن تتغير المسافات في لحظة، فلا وجود للفوارق بين البشر في هذا الأمر فالكل سواء عند الله، والفرصة سانحة للجميع ما لم تفارق الروح الجسد، فمن الممكن أن يكون أشر الناس أقربهم إلى الله غدا، وأن يكون عابد الحرمين أشر الناس وأبعدهم من الله الآن وهو يحسب أنه على شيء.
كثيرٌ من نظرتي حول بدايات الأمور ونهاياتها اختلفت، منذ أن جربت استخدام هذا السلاح الذي كنت أسمع عنه كثيرًا، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى أن أكون قريبة من الله أكثر، وأن أعمل أمورا تجهيزية لأمارس تلك العبادة,، لكن الأمر بدا مختلفًا تمامًا بل أن روعة الدعاء تكمن في تلك الأوقات، التي تكون فيها في لحظة صفاء مع نفسك قائمًا أو قاعدًا أو حتى مستلقيًا، لا تحتاج إلا إلى تجهيز القلب واستحضار السؤال وسيكون الأمر محببًا إليك بعد فترة، بمجرد أن تلمس بركته والراحة النفسية الكامنة في الفضفضة إلى الله عما يجول بخاطرك.
وعندما تأتيك الاستجابة لن تصدق أنها ستأتي أكثر مما طلبت، وأبعد مما تأملت، بل ألذ مما ترجو، ولها روح ورائحة تعبق في أرجاء نفسك إشراقًا وحبًا للمجيب سبحانه، والأروع من هذا أنك ستدمن هذه العبادة وكلما ازددت إدمانًا كلما ازددت قربًا من الله، ويقينا أنه مخرجك الوحيد من كل ما ألم بك أو آلمك في الماضي وما تريده في الحاضر وما تتطلع إليه في المستقبل.