محمد قطيفان – درعا
شكلت عودة خدمات شركتي الاتصالات السوريتين، خبرًا “جيدًا” لفئات واسعة من الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا، إذ توفر الشبكتان القدرة على إعادة التواصل بشكل أسهل وأرخص، لا سيما مع الأهالي المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد، لكنها أيضًا كانت خبرًا “جيدًا” للأسد وماكينته الدعائية، إذ أتاحت له التواصل مع فئات مختلفة من المجتمع السوري، عبر إرساله لعشرات الرسائل القصيرة إلى الهواتف المحمولة.
سواء كنت مقاتلًا في صفوف الفصائل الملقبة بـ “المعتدلة”، أو تلك التي توصف بـ “المتشددة”، أو حتى مقاتلًا في صفوف قوات الأسد نفسها، ولا يهم إن كنت موظفًا في هيئات المعارضة أو دوائر النظام، مؤيدًا للأسد ومقيمًا في مناطق سيطرته، أو معارضًا له ومقيمًا في مناطق المعارضة، يكفي اليوم أن تكون موجودًا في الجنوب السوري عمومًا ودرعا بشكل خاص، لتكون ضحية لهجوم بعشرات الرسائل اليومية على هاتفك المحمول.
“ارم سلاحك وسوي وضعك واضمن حياتك ومستقبلك.. قادتك سيهربون ويتركوك وحيدًا.. أهلك بحاجة لك.. اترك سلاحك وسوي وضعك”، نماذج من عشرات الرسائل التي تصل إلى الهواتف المحمولة بشكل يومي، تختلف في صياغاتها بين التهديد والترغيب، ولكنها تشترك في ثلاثة أحرف في نهاية كل رسالة، “ج ع س” وتعني “الجيش العربي السوري”، للدلالة على الجهة التي تقف خلفها.
وتثير كل هذه الرسائل موجة من ردود الفعل، بين المتهكم على الطريقة، وبين المحذر من أن تشكل مقدمات لما هو أكبر، وبين المتسائل عن توقيتها ولهجتها.
ويرى عامر الحراكي، وهو عنصر في “الجيش الحر”، في حديثٍ إلى “عنب بلدي”، أن النظام وحلفاءه يعرفون تمامًا أن رسائلهم لن تقنع أحدًا بتسليم نفسه، موضحًا “عندما حملنا السلاح، كان بسبب آلاف الشهداء ودمار طال البشر والحجر، وبكل تأكيد لن ألقي السلاح لمجرد رسالة قصيرة تدعوني للاستسلام”.
ويعتبر الحراكي أن هذه الرسائل ليست أكثر من مجرد محاولة لتلميع صورة نظام الأسد أمام المجتمع الدولي، مضيفًا “يسعى الأسد لترويج نفسه دوليًا، على أنه الباحث عن إيقاف القتال، والباحث عن الحلول دون معارك، وهذه الرسائل جزء من هذا المخطط”. وانتقد الحراكي أسلوب الرسائل القصيرة، وأضاف أنه لا يقرأها على قصرها، متهكمًا “الأمر الوحيد المزعج في هذا الموضوع، هو الجهد المبذول في حذف كل رسالة بعد وصولها مباشرة”.
بدوره يعتبر الأستاذ إبراهيم الحسين، وهو مدرس في درعا، أن توقيت هذه الرسائل هو أمر بغاية الأهمية، إذ اعتبر أن ما تشهده حلب اليوم من حرب تدمير، وما تعايشه الغوطتان من حرب تهجير قسري، ألقت بظلالها على درعا، مضيفًا “تعاني درعا اليوم من حالة ترقب وقلق، وسط حديث يتردد أن الدور قادم على درعا بعد الغوطة”.
ويضيف الأستاذ إبراهيم أن الأسد استغل هذا الترقب ليمارس الحرب النفسية، موضحًا “قد لا يجهز الأسد في المنظور القريب لأي معركة في الجنوب، ولكنه استغل الحالة النفسية السائدة في درعا اليوم، وبدأ بإرسال هذه الرسائل، لتعزيز المخاوف لدى الأهالي”.
ودعا للاعتبار من التجارب السابقة في باقي المحافظات، حيث استخدم الأسد أسلوبًا مماثلًا بإلقاء المناشير الورقية، لا سيما في معارك حلب، “يجب النظر لهذه الرسائل بعين الاهتمام الكبير، واعتبارها أمرًا تافهًا أو عبثيًا هو أمر خاطئ، فهي بكل تأكيد تعني شيئًا، وتمهد لما هو أكبر”.
استطاعت قوات النظام خلال العام المنصرم إعادة تفعيل أبراج بث الشبكات المحمولة، وإيصال تغطيتها إلى قلب المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، بعد انقطاع بشكل شبه كامل استمر عامين، نتيجة خروج هذه الأبراج عن الخدمة لأسباب عديدة، منها ما تعمد الأسد إخراجه عن الخدمة، وأخرى خرجت بعد تعرضها لأضرار متعددة.
وعلى الرغم من اعتماد نسبة جيدة من الأهالي على شبكات البث الأردنية، حيث تصل تغطيتها إلى معظم المناطق الحدودية، إلا أن المناطق البعيدة عن الحدود استمرت في اعتمادها على شبكتي البث السوريتين بشكل أساسي.
يرى مراقبون أن سلوك قوات الأسد، في حلب والغوطتين بشكل خاص، هو رسالة كبيرة بحد ذاتها، وتحمل معاني أكبر بكثير، من مجرد رسائل قصيرة ترسلها إلى الهواتف المحمولة، وإن كانت الرسائل الكبيرة لم تلق ردًا لدى فصائل المعارضة في درعا حتى الآن، فلا يبدو أن الرسائل القصيرة ستفعل.