جودي عرش – الوعر
أثّرت مؤسسات القضاء على سير الحياة في المناطق المحررة، إذ عملت على الحد من جرائم القتل والسرقات، وفضّ النزاعات واسترداد الحقوق، ورغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه المؤسسات تعتبر أكثر السلطات قوّة في ريف حمص الشمالي، حيث تشكلت المحكمة الشرعية بمبادرة من هيئة علماء حمص وتجمع علماء ريف حمص الشمالي، وبعض من الطلاب والمحاميين الحقوقيين.
حلّ وإنشاء
بلغ عدد القضايا المسجلة في المحكمة الشرعية 800 قضية في عام 2016، فيما وصل إلى 500 قضية في العام الماضي و90 قضية في عام تأسيسها. |
بدأت المحكمة الشرعية عملها مطلع عام 2013، إلا أن ضعف قوتها التنفيذية وعدم استجابة جميع الفصائل العسكرية لها أوقفها، وحال دون مواصلة أعمالها، ما أدى إلى انتشار عدد كبير من جرائم القتل والخطف، بحسب جمال الأشقر، أحد القضاة في المحكمة.
ويقول الأشقر “توقفت المحكمة بعد عملية الاغتيال التي طالت الشيخ أبو يوسف (عبد المطلب الحسن، رئيس المحكمة وشرعي في حركة أحرار الشام)، في تموز 2014، وبسبب عدم تعاون الفصائل العسكرية ووجود خلافات حول آلية عملها، إضافة إلى غياب قوة تنفيذية لها”.
لكن الجرائم التي راجت كثيرًا في فترة إيقاف العمل كفيلة بتشكيل “المحكمة الشرعية العليا”، والتي بدأت عملها في تشرين الأول من عام 2014، وكانت مستقلة عن الفعاليات المدنية والعسكرية في حمص.
وبلغ عدد القضايا المسجلة في المحكمة الشرعية 800 قضية في عام 2016، فيما وصل إلى 500 قضية في العام الماضي و90 قضية في عام تأسيسها.
موافقة جميع الفعاليات المدنية والكتائب العسكرية على ميثاق المحكمة وتوقيعه جعل أحكام المحكمة نافذة إلى حدّ كبير، إلا في حال استحالة التنفيذ بسبب ضعف الحالة المادية بشكل عام في ريف حمص الشمالي، بحسب “الأشقر”، الذي يوضح “تختص المحكمة الشرعية بقضايا الحرابة والإفساد وقطع الطرق والقتل والتعاون مع النظام، بالإضافة الى القضايا العسكرية والإدارية والأمنية، والقضايا التي تخص تنظيم الدولة”.
وتعمل المحكمة أيضًا على استئناف القضايا الأخرى المنظورة في باقي المحاكم الفرعية المختصة بالعمل على قضايا المناطق التابعة لريف حمص، باستثناء القضايا التي تختص بها المحكمة الشرعية العليا.
“فتح الشام” تغرد منفردة
رفضت جبهة “فتح الشام” التوقيع على ميثاق المحكمة الشرعية العليا بسبب تحفظها على وجود بعض فصائل المعارضة المبايعة لها، بالإضافة إلى تحفظها على أسلوب العمل، وهذا ما دفعها إلى إنشاء محكمة خاصة بها، وبالتحديد بعد إعلانها “الحرب ضد الفساد”، بحسب الناشط الإعلامي يعرب الدالي، والتي استهدفت خلايا تنظيم “الدولة” بشكل رئيسي بين أيار وحزيران 2015.
ويوضح الدالي (المطّلع على العمل القضائي في المنطقة) “بدأت محكمة فتح الشام بالتزامن مع ظهور الجبهة في مناطق ريف حمص الشمالي، عندما بدأ بعض السكان يلجأون إليها لحل نزاعاتهم ضمن مناطق تمركزها، وبدأت المحكمة تأخذ دورها بشكل أوسع بعد إعلان الجبهة الحرب ضد بعض الفصائل التابعة للجيش الحر والتي قامت بالإفساد في الأرض (بحسب توصيف الجبهة)”.
يعتبر الدالي أنه “حينها كان لا بد من إنشاء محكمة تعمل على رد المظالم للسكان، وتعنى محكمة (فتح الشام)، بشكل خاص بالملفات الخاصة بتنظيم الدولة والقضايا الأمنية التي تتعلق بالإفساد بالأرض والتعامل مع النظام، إضافة إلى القضايا المتعلقة بحل النزاع بين الأفراد ضمن مناطقها بشكل حصري”.
تضارب المحكمتين أدى إلى ضرورة التنسيق فيما بينهما في عددٍ من القضايا، ضمن مذكرات تفاهم، لكن ذلك لم يكن كافيًا، بحسب الدالي الذي يوضح “تم التنسيق بين المحكمتين لمنع التضارب، فأحياناً لا يقبل الناس الموجودون ضمن مناطق فتح الشام حلّ قضاياهم في محكمتها، فيلجأون إلى المحكمة العليا، أو أن تأتي فتح الشام لأخذ أحد من المدن التابعة لحكم الهيئة العليا”.
لكن هذا التنسيق لم يمنع التضارب كما حدث في قضية فيصل العبيد قائد لواء الغضب، الذي قتل من قبل جبهة “فتح الشام” بتهمة “الإفساد في الأرض”، في تشرين الأول الماضي، بالرغم من تدخل المحكمة العليا بالقضية بناءً على طلب أهل القتيل، إذ تم الاطلاع على القضية بحضور مشايخ من كلا المحكمتين وحضور أقارب القتيل، لكن “فتح الشام” نفّذت حينها القرار دون الرجوع إلى أحد.
ورغم صدور بيانٍ يوضح ملابسات القضية من الجانبين، يؤكد هذا وجود التضارب دون الوصول إلى مرحلة الصدام أو تغيير القرارات، وهذا ما يجعل المحكمة الشرعية العليا تطمح بشكل دائم إلى دمج جبهة “فتح الشام”، لتسيير أمور الناس وهذا ما ترفضه الجبهة بسبب تحفظاتها و كون مناطق سيطرتها بعيدة عن مراكز الريف كالرستن والغنطو وتلبيسة.
المحامون يدخلون المحاكم
دخول المحامين إلى القضاء في ريف حمص كان أحد عوامل التطور القضائي في المنطقة، خصوصاً في ظل اعتبار المحامين أحد العوامل الرئيسية التي تكسب القرارات الشرعية مهنية كبيرة في الإجراءات، بحسب وصف المحامي عبد الغفار سعد الدين.
ويضيف سعد الدين، في حديثٍ إلى عنب بلدي، “بعد تشكيل الهيئة أصبحت المحاكم الشرعية تمارس عملها وتنفذ قراراتها، لكن من خلال الممارسة الفعلية أدركت المحاكم أنه لا بد من وجود المحامين كشريحة تكسب القرارات الشرعية مهنية أكبر، من خلال المذكرات والمرافعات ونشر القضايا وتسليط الضوء على حق الادعاء وحق الدفاع والمناقشة في الأدلة، في ظل اعتبار القضاء الشرعي في مرحلة البداية ولا يوجد له نصوص مكتوبة تتعلق بالإجراءات وأدلة الإثبات والبيانات والاجتهادات المستقرة”.
ويعتبر المحامي أنه من خلال خبرته يستطيع أن يؤثر على فرض قوانين العدل والإنصاف، كما يستطيع على الأقل أن يطالب المحكمة بتعليل الأحكام التي يجب أن تكون نتيجة لمناقشة وتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية.
قضاء إداري متخصص
القضاء الإداري كان أحد التحديثات التي حصلت في السلك القضائي في المنطقة، إذ يقوم على حلّ القضايا بين المؤسسات بعد تعددها وتنوع أعمالها، وظهور مشاكل بينها ناجمة عن العمل.
ويقول يعرب الدالي “لا بد من ظهور مشاكل تتعلق بعمل المؤسسات فيما بينها، أو مشاكل بين الأفراد والمؤسسات، وهذا الأمر يحتاج الى القضاء في حال عدم حل هذه الخلافات بالتوافق، وهذا ما دفع بالقضاء إلى إنشاء القضاء الإداري لحل هذه المشكلات، كون هذه المؤسسات تتبع لكل مناطق الريف ولكون المستفيد منها هم العوام، من خلال إحداث قوانين ومكتب خاص بها، بالإضافة إلى إحداث أنواع العقوبات وآليات المحاسبة كالإغلاق والغرامات، كما تم وضع عقوبات خاصة بالأفراد كالسجن أو الاعتذار أو الغرامات، وهنا تكون العقوبات من جنس العمل ومن جنس الأخطاء المرتكبة”.
إدارات خاصة بالسجون وإدارات تحقيق خاصة، هي مشاريع مستقبلية تقوم الهيئة العليا بدراستها ضمن مشاريع تطوير القضاء، بحسب الدالي الذي يردف “يشهد القضاء تطوراً كبيراً في منطقتنا، والآن يتوجه القضاء إلى إنشاء وحدة سجون ووحدة تحقيق مستقلة بشكل كامل عن المحاكم، لضمان عدم التحيز وعدم الظلم، حيث ستقوم جهة بالتحقيق مع الأفراد وتحويل الملف إلى المحكمة لتقوم بإصدار الحكم فيهم، ثم تحوّل الملف بشكل كامل إلى جهة أخرى لتنفيذ الحكم، وهذا الأمر سيضمن عدم الانحياز”.
الأحكام المتبعة في المحكمة الشرعية العليا هي أحكام سجن وغرامات مالية وعقوبات “من جنس العمل”، وفق ما يقول القائمون عليها، فيما يعتبر حكم “القصاص” خاصاً في حالة القتل، إن لم يقبل أهل القتيل بالدية أو بإسقاط الحق، بالإضافة إلى “الإفساد في الأرض”.