مالك عبد المجيد – إدلب
شكلت الأحداث الأخيرة التي يمر بها الشعب السوري وما تبعها من مغريات قدمتها بعض الدول الأوروبية في استقبال أعداد من اللاجئين السوريين على أراضيها، شكلت رغبة لدى المواطن السوري في السفر إلى خارج البلاد، ما دفع الكثيرين إلى محاولة الحصول على جواز سفر تحسبًا لأية فرصة قد تسنح للخروج من سوريا إلى بلدان أكثر أمنًا ، وهو ما فتح باب استغلال جديد للمتنفذين في النظام، والذين جعلوا من إصدار الجوازات استثمارًا كبيرًا يدر أموالًا كثيرة بدون رأسمال.
وبالرغم من أن وزارة الداخلية أصدرت تعديلات على أسعار جواز السفر لتصبح تكلفته 7 آلاف ليرة للجواز العادي و15 ألف ليرة للجواز المستعجل، إلا أن المواطن يتفاجأ في بعض المناطق بأن هذا القرار ليس أكثر من حبر على ورق. فموظفو الجوازات، يخيرون المواطنين إما الانتظار إلى وقت غير معلوم بحجة عدم توفر أوراق الجواز، أو الدخول في مفاوضات الحصول على الجواز مع «سماسرة الجوازات» الذين يعرضون على «الزبون» تقديم دوره للحصول على الجواز مقابل مبلغ مالي.
ويقوم هؤلاء السماسرة، الذين كثر عددهم منذ بدء أزمة الجوازات، بإطلاع زبونهم على لوائح خاصة بهم تتضمن سعرًا لكل حالة. فهناك تسعيرة خاصة بجوازات المطلوبين للنظام، وتسعيرة للمنشقين عن النظام، أخرى للمتخلفين عن الجيش، وهناك حالات أخرى عديدة. وتتراوح الأسعار عمومًا بين 100 و 250 ألف ليرة بحسب الحالة، يقوم الزبون بتسليم نصف المبلغ عند الاتفاق، والنصف الآخر عند استلام الجواز وتجريبه أحيانًا، وذلك بالدخول والخروج إلى الأراضي التركية.
والجدير بالذكر أن سماسرة الضباط لا يقفون عند حد محافظة إدلب، بل لهم علاقاتهم مع دائرة الهجرة والجوازات في حماه لضمان استمرار العمل، كون محافظة حماة تميل لهدوء الوضع وتخضع لسيطرة قوات النظام، فبعد كل تشديد وتضييق من قبل قوات النظام على هذه القضية يُحاسب الحلقة الأضعف في هذه السلسلة وسرعان ما تعود المياه لمجاريها.
يقول أحمد أبو الزاكي أحد المنشقين عن الجيش، والذي حصل على جواز سفر من فترة قريبة: «لم أتكلف عناء السفر لمدينة إدلب حيث قابلت أحد سماسرة الجوازات واتفقنا على مبلغ 200 ألف ليرة سورية دفعت القسم الأول قبل استلامه والنصف الثاني بعد الاستلام» .
وفي السياق نفسه تحدث محمد أبو طه، وهو مواطن حصل على جواز السفر مؤخرًا: «أنا لست مطلوبًا ولكني لا أجرؤ على المرور من حواجز النظام فحصلت على جواز سفر بمبلغ 100 ألف ليرة سورية» .
وفي لقاء مع أحد سماسرة الجوازات وضح قائلًا: «نحن نعمل بذلك وبتنسيق مع مدير الهجرة والجوازات، فأنا وكل من يقوم على العمل يحصل على أجره من المال، والمواطن يحصل على الجواز فالقضية أشبه بتيسير الأمر».
ولدى سؤالنا عن ارتفاع تسعيرة جواز المنشق أو المطلوب، أجاب قائلًا: «لأن المنشق والمطلوب يحتاج لأن يُسحب اسمه من (الفيش) مؤقتًا لدى قوات الأمن وهذا يتطلب أن نعطيهم مبلغا من المال لأجل المساعدة والتعاون» والمقصود بالفيش هنا لوائح المطلوبين أمنيًا.
وتبدو قضية الاتجار بجواز السفر واضحة للناس لا تخفي نفسها، وتعتبر تجارة رابحة أكثر من أي تجارة أخرى هذه الأيام، ليس فقط في إدلب وإنما في عموم البلاد.