جريدة عنب بلدي – العدد 14 – الأحد – 6-5-2012
بعد أن قضيت ساعة طويلة في قسم الاستقبال المخصص للترحيب بكل نزيل جديد تطأ قدماه أفرع المخابرات السورية..
وبعد أن ألقى عليّ جنود الأسد الأشاوس التحية التي تليق بالمندسين وأنزلوا بي شتى صنوف التعذيب والتنكيل، امرني السجان بالوقوف ثم شدني من قميصي إلى مكان إقامتي الجديد، لحظات حتى فتح باب الزنزانة وألقى بي داخلها ثم أغلق الباب ورحل .
جلست منهكًا أبحث عن قطعة من جسدي لم ترسل إلى دماغي السيالات العصبية المحملة برسائل الألم وطلب الراحة
نظرت حولي.. وجدت وجوهًا مكفهرة قد ارتسمت عليها معالم الحزن والإشفاق عليّ.. فقد كانت صرخات ألمي في ساحة التعذيب قد قضت مضاجعهم .
جلست أنفض غبار ألمي، ولا يدور في خلدي سوى التفكير فيما أنا مقبل عليه، كانت الرسوم والشعارات والأسماء تملأ المكان.. على كل الجدران وفي كل الزوايا كنت تجد اسم الله جل جلاله أو آية قرآنية، أو اسمًا أو حكمة أو قولا مأثورًا أو شعرًا أو تاريخًا ولكل منها قصة..
لكن أكثر ما أثار دهشتي «بيت من الشعر» رد إلى روحي المجروحة طمأنينتها، وأشعل في قلبي الحماس، وأنعش الآمل في عروقي.. لم يدهشني بيت الشعر بقدر ما أدهشني من كتبه على باب الزنزانة، فكاتب البيت كان جاهلاً بأبسط قواعد اللغة والإملاء لكن الحرية كان تسري في عروقه، كانت الهواء الذي يتنفسه كانت روحه التي تسكن اضلاعه.
تملكتني عندها مشاعر الاعتزاز بشعبي وإخوتي وأبناء وطني، فهذه ليست فقط ثورة المثقفين أو ثورة المتدينين، إنها ثورة الحق على الباطل.. ثورة الحرية على كل قيد ثورة الحب على الكراهية.. ثورة العطاء والتضحية..
كان لما قرأته على باب هذه الزنزانة بعد الله، الأثر الكبير في صبري وجلدي على الاستمرار والصمود..
هل ترى يا أمتي ألقاكي يومـًا
تكتبين لنا من النصر المفاخرو
ذلك اليوم الذي أرجوه دومـــًـا
أن تكوني عزيـزة والله قـادرو