فايز سارة – الشرق الأوسط
تؤشر وقائع مسرح العمليات العسكرية في حلب بين تحالف النظام والمعارضة إلى احتمال نتائج مأساوية في تلك الحرب، ومما يدعم هذا الاحتمال وقائع سياسية مرافقة في المستويات الداخلية والخارجية.
ففي الوقائع الميدانية، هناك تقدم ظاهر لقوات حلف النظام على جبهات حلب الشرقية المحكومة بالحصار المشدد بعد عدة أشهر من حصار منع دخول أي من المساعدات، بينما يستمر القصف الجوي العنيف بالبراميل المتفجرة من قبل نظام الأسد، وبأحدث الأسلحة والذخائر من البحرية والطيران الروسي، وسط عجز المعارضة المسلحة عن شن هجمات فاعلة من خارج طوق الحصار على حلب، مما يعني أن الأخيرة متروكة لمصيرها الذي يسعى المحاصرون إلى إفشاله، أو إلى تأخيره في أقل تقدير.
أما في الوقائع السياسية، فإن ثمة إصرارًا من تحالف نظام الأسد مع روسيا وإيران وميليشياتها على السيطرة على حلب، التي شدد عليها رأس النظام في تصريحات أخيرة، فيما أكدها عمليًا مع حلفائه الروس والإيرانيين عبر تحشيد قواتهم البرية والجوية، وتكثيف هجماتهم بصورة غير مسبوقة، وهو ما ترافق مع انسحاب روسي من اتفاقية محكمة الجنايات الدولية، مما يشير إلى رغبة الروس في تجنب إحالة حربهم وجرائمهم في سوريا أمام تلك المحكمة.
أهمية هذا الشق من الوقائع السياسية المحيطة بالهجوم على حلب، أنها محاطة بعطالة دولية، وكأن ما يجري في حلب من مجازر ودمار يتم في كوكب آخر، ووسط عالم لا يهتم بإعلاناته عن السلام وحقوق الإنسان ومنظماتها بما فيها مجلس الأمن الدولي الذي تتركز مهمته في حفظ السلام والأمن الدوليين، ولا يخفف من العطالة الدولية السائدة، تصريحات الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا عن احتمالات تدمير حلب.
وسط تلك الوقائع، تبدو حالة المعارضة السورية بالشقين السياسي والعسكري في أضعف حالاتها، سواء لجهة أوضاعها الداخلية أو في علاقاتها مع القوى «الصديقة» في المستويين الإقليمي والدولي. ففي الجانب الأول، ما زالت الانقسامات قائمة من الناحيتين السياسية والتنظيمية على مستوى الكل السياسي والعسكري، الأمر الذي أدى إلى صراعات سياسية ومواجهات عسكرية في أكثر من موقف وموقع لم تمنعهما هجمات النظام في الشمال ولا في غوطة دمشق، بل الأوضاع الداخلية لقوى المعارضة، ولا سيما في التنظيمات الرئيسية، تعاني من مشكلات وارتباكات سياسية وتنظيمية، وليس من جهود قادرة على تجاوز تلك المشكلات والارتباكات.
ولا يقل الأمر سوءًا عما سبق لجهة علاقات المعارضة مع القوى «الصديقة» في المستوى الإقليمي والدولي؛ فـ«الأصدقاء الإقليميون» محكومون بظروفهم وعلاقاتهم مع الدول الكبرى، التي بات من الصعب تجاوزها في ظل تحديات قائمة داخليًا وإقليميًا، وأبرزها تحدي الإرهابيين والمتطرفين، إضافة إلى الصراعات في دول الجوار، التي يعتبر الصراع السوري أحدها، فيما القوى الدولية «الصديقة»، تعاني من ارتخاء موقف رأسهم الأميركي، وتحدي الإرهاب والتطرف.
والمشترك الرئيسي في موقف كل القوى الصديقة للمعارضة، تأكيدهم هامشية وهشاشة قوى المعارضة السورية وعجزها عن القيام بدورها، وهذا ما سمعه قادة المعارضة السياسية مرات في الأشهر الأخيرة في لقاءات مع مسؤولين كبار من الدول الصديقة.
وسط تلك اللوحة السوداء للصراع في سوريا، تبدو المعارضة على مفترق طرق، موضوعة بين خيارين لا ثالث لهما؛ أولهما الاستمرار في واقعها الراهن سيرًا إلى موت معلن أو موت سريري في الحد الأدنى عبر خسارتها لموقعها الحيوية في حلب وإدلب وغوطة دمشق وبقية المناطق المحاصرة، والثاني القيام بتحول سياسي جذري، يركز على نقاط أساسية في استراتيجيتها للصراع مع النظام وحلفائه، من أبرزها في المستوى الداخلي تبريد الخلافات البينية، ورفع الغطاء السياسي عن جماعات الإرهاب والتطرف، خصوصًا جبهة فتح الشام، والتوجه نحو توحيد القوى الرئيسية للمعارضة، وبالحد الأدنى، خلق مركز تنسيق موحد وفاعل، تكون التشكيلات المسلحة تحت إمرته، يعلن برنامجًا للحل السياسي، يقوم على مراحل، وصولاً إلى الخروج من نظام الاستبداد والقتل والدمار إلى نظام وطني ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
وبطبيعة الحال، فإن الخطوات الداخلية، لما يمكن أن تقوم به المعارضة، لا تنفصل عن خطوات خارجية، ينبغي القيام بها، والجوهري فيها إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية لكسب التأييد والدعم الدوليين لقضيتها وأهدافها.
إن القيام بالتحولات المطلوبة من جانب المعارضة ليس أمرًا سهلاً، إنما هو عمل جبار يواجه صعوبات وتحديات كبرى، لكن ليس من طريق آخر للمعارضة، إذا قررتَ مواجهة تحدي الموت سواء كان معلنًا أو سريريًا، فالنتيجة واحدة وستكون مؤلمة بكل الأحوال.