فاقدو الأطراف ينتظرون.. جرحى داريا بين الشمال السوري وتركيا
زين كنعان – إدلب
“أربع سنوات مضت وأنا أنظر إلى عكازي منتظرًا يوم وداعها، بعد أن حاولت الخروج مرات عدة دون جدوى”، يقول الشاب فريد الديب، من أهالي مدينة داريا، واصفًا حاله قبل خروجه ومقاتلي وأهالي المدينة إلى الشمال السوري، حاملًا معه أمله في تلقي العلاج.
عشرات الجرحى من أهالي مدينة داريا في ريف دمشق عانوا لسنوات، قبل أن تستقبلهم المستشفيات والمراكز الطبية في الشمال السوري، ويقولون إنها تفتقر للمستلزمات الكافية، في حين وصل بعضهم إلى مدن تركية حدودية مع سوريا، ومازالوا يتلقون علاجهم في ما يسمى “دار الجرحى”، وسط معوقات من نوعٍ آخر.
نماذج من حالات جرحى داريا في الشمال
أصيب الديب (28 عامًا) بطلقات قناص مع بدء الهجمة الواسعة التي شنتها قوات الأسد على مدينة داريا، كما يقول لعنب بلدي، أدت إلى إصابته بعدة كسور في مفصل الفخذ، ما يستدعي تركيب مفصلٍ صناعي، مضيفًا “لم تكتمل فرحتي بالخروج من داريا فبعد كل المعاناة والانتظار، أنتظر اليوم اتصالًا هاتفيًا من المستشفى لتعيين موعد العملية”.
فور وصوله إلى ريف إدلب، تواصل الديب مع مشفى “عقربات” المتخصص بالجراحة العظمية لاستكمال علاجه وإجراء التحاليل قبل العملية، إلا أنه فوجئ بعبارة “سجل رقم هاتفك وسنتصل بك”، وفق تعبيره، ويوضح “عشرات المرضى ممن هم بحاجة لتركيب مفصل صناعي ينتظرون دورهم قبلي بسبب التكلفة الباهظة للعملية، بينما تنتظر المشافي دعمًا من المنظمات”.
غياب التوقيت المحدد لعملية الشاب، جعله يحاول الخروج إلى تركيا، إلا أنه اصطدم بإدارة معبر “باب الهوى” التي لا تعطي إذنًا لخروج مثل حالاته، على حد وصفه، في حين يؤكد الديب على حساسية عمليته، التي “تحتاج إلى خبرة في إجرائها ولا أعرف مدى توفر هذه المقومات هنا في المحرر”.
معظم من استطلعت عنب بلدي آراءهم من مصابي داريا، عبّروا عن امتنانهم لكوادر المشافي والمراكز الطبية في الشمال السوري، الذين “لم يقصّروا في توفير الخدمات ومنح الدواء” للمصابين منذ وصولهم إلى إدلب، ويقول الشاب جلال النجار، “بمجرد ذكر أنك من داريا تأخذ الأسبقية في العمليات الجراحية والمعاينات”.
يُعاني النجار من إصابة في الضفيرة العصبية ليده، وعدة كسور وبتور في أصابعه، ورغم إقراره بوجود الخدمات، إلا أنه تحدث لعنب بلدي عن ضعف إمكانيات المستشفيات أمام الضغط الكبير من المرضى، وتباين جودة الخدمات بحسب الجهة التي تدعمها، على حد وصفه.
فاقدو الأطراف ينتظرون والبعض يُحّمل الحكومة المؤقتة المسؤولية
للوقوف على الوضع العام لجرحى داريا في الشمال السوري، تواصلت عنب بلدي مع المسؤول الطبي عن دار جرحى “لواء شهداء الإسلام”، معن شربجي، والذي يعزو تذمر بعض مصابي المدينة من الوضع الطبي إلى تعلقهم بالآمال، “ظنوا أنه بمجرد وصولهم إلى الشمال سيحصلون على العلاج ويتماثلون للشفاء”.
ويرى شربجي أن الجرحى وخاصة الذين لديهم إصابات عصبية، “لم يعلموا أنه لا يمكنهم الحصول على علاج في المحرر أو خارج سوريا، فالمعالجة الفيزيائية أفضل ما يمكن تقديمه لهم”، مشيرًا إلى أن فاقدي الأطراف “وقعوا في مشكلة الانتظار والوعود الى أجل غير مسمىً”.
يُحمّل مسؤول الدار الحكومة المؤقتة وإدارة المناطق المحررة، مسؤولية ضعف الخدمات الطبية وغياب تنظيمها، معتبرًا أن البنية التحتية القوية، وأهمها المجال الطبي، “من أهم ركائز الدولة المستقلة، ومن المعيب حتى اليوم تحويل الكثير من المصابين إلى تركيا لتلقي العلاج”، ويؤكد “حتى نصل إلى حكومة معترف بها دوليًا، يجب على الأقل أن تنظم نفسها وتدير خدماتها بشكل جيد لكسب الثقة والدعم الخارجي”.
دار للجرحى في تركيا
عقب خروج أهالي ومقاتلي داريا من مدينتهم، افتتحت دارٌ لمتابعة الحالة الصحية لبعضهم في تركيا، وفق مدير الدار، أسامة صهيب، ويقول لعنب بلدي إنها تأسست بالتعاون بين المجلس المحلي للمدينة ولواء “شهداء الإسلام”، وكوادر مشفى داريا، بدعمٍ شخصي ومساعدات عينية من بعض المنظمات، مؤكدًا أنه “ليس للدار دعم شهري ثابت”.
يتابع مسؤولو الدار المصابين طبيًا ويلاحقون العمليات والاستشارات الطبية في المشافي التركية، وفق صهيب، ويشير إلى أنها استقبلت حتى اليوم 34 مصابًا، أجريت لستة منهم عمليات عظمية، عازيًا سبب تأخر إجراء عمليات بقية المصابين، إلى “إجراءات الحصول على هوية ورفض استقبال المصابين في المشافي التركية بدونها”.
ووفق بعض الكوادر الطبية في الشمال فإن من خرج إلى تركيا من أهالي داريا لم تكن عملياتهم متوفرة في الشمال السوري، ما دعا إدارة معبر “باب الهوى” للسماح لهم بالعبور، في ظل تشديد تمارسه الإدارة بخصوص نوعية الحالات.
“لم أجد ما حلمت به لسنوات”، يختم الديب حديثه منتظرًا موعد عملية تركيب مفصله الصناعي، ويرى أن الوضع الطبي في الشمال السوري، لم يرق إلى الإمكانيات المتوفرة، “بنظري فاقت إمكانيات مستشفى داريا التي كانت متوفرة في ظل الحصار، الإمكانيات هنا بعدة مرات”، بينما يُخالفه آخرون معتبرين أن الخدمات الطبية في الشمال السوري جيدة إلى حد ما رغم ضرورة تطوير إمكانياتها لتستوعب جميع الحالات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :