عنب بلدي – خاص
“المصالحات الوطنية” كما يطلق عليها النظام السوري ومؤيدوه، في وقت يسميها معارضون “تسليم المناطق”، أسماء أطلقها كل طرف بحسب انتمائه، على خروج قوات المعارضة السورية من المناطق التي يسيطرون عليها في ريف دمشق.
سياسة اتبعها النظام السوري، بدأت من داريا بعد حصار استمر أربع سنوات، وتقوم على حصار المدن المكتظة بالسكان، ومنع العبور منها أو إليها، ومنع إدخال المواد الغذائية، قبل البدء بمسلسل القصف بهدف الضغط على الفصائل من قبل الأهالي لقبول شروط النظام والمصالحة معه.
البداية من داريا، التي كانت تعتبر سدًا منيعًا يحفظ خلفه البلدات والمدن الخارجة عن سيطرة النظام لمدة أربع سنوات. ثم آلت بقية المدن إلى السقوط من معضمية الشام في ريف دمشق ثم الوعر في ريف حمص، وقدسيا والهامة، في حين يدور الحديث اليوم عن مناطق التل وكناكر وخان الشيخ ووادي بردى في ريف دمشق.
بعد تهديدات وقصف.. التل تصالح
بعد هدوء نسبي خلال السنوات الثلاث الماضية، عادت مدينة التل في ريف دمشق إلى حديث الإعلام من جديد، بعدما قرر النظام تكرار تجربة المناطق السابقة فيها وإخراج جميع المقاتلين وإعادتها إلى “حضن الوطن”.
النظام لعب على ورقة ضغط كبيرة، وهم سكان المدينة والنازحون البالغ عددهم نحو 700 ألف نسمة، بعدما تحولت إلى مقصدٍ لنازحي المناطق المشتعلة في غوطتي دمشق، فعمل الأسبوع الماضي على تهديدهم بتدمير المدينة فوق رؤوسهم في حال رفْض المقاتلين الانصياع لشروط الخروج منها.
فبدأ بمحاولة اقتحام المدينة من الطرف الغربي وسط اشتباكات مع الفصائل المقاتلة وعلى رأسهم جبهة “فتح الشام”، وتزامن ذلك مع قصف بالبراميل المتفجرة على مختلف المناطق ما أدى لسقوط قتيلين.
تهديدات النظام دفعت الأهالي إلى الخروج في مظاهرات عقب صلاة الجمعة، 25 تشرين الثاني، في مختلف مساجد المدينة، حاملين شعارات “لا للحرب نعم للسلام”، ومرددين هتافات “الشعب يريد سلامة البلد”، وطلبوا الفصائل المقاتلة بقبول شروط النظام حرصًا على أرواح الآلاف من المدنيين.
ومع إصرار النظام وقواته اجتمع ممثلون عن “لجنة التواصل في مدينة التل” مع وفد من حكومة النظام السوري، في 26 تشرين الثاني، وتوصل الجانبان إلى اتفاق نهائي، على غرار ما حصل في مدينة قدسيا والهامة.
ونصت بنود الاتفاق بحسب تنسيقية “مدينة التل للثورة السورية” على خروج المقاتلين بسلاحهم الفردي لأي منطقة يختارونها، وتسليم السلاح الباقي بالكامل، وتسوية وضع المطلوبين رجالًا ونساءً.
أما المتخلفون عن خدمة العلم فتوصل الاتفاق إلى إعطائهم تسوية لمدة ستة أشهر، من أجل العودة إلى خدمته في جيش النظام أو الخروج من المدينة، وكذلك يعامل المنشقون عن الخدمة باستثناء من أعلن انشقاقه عبر الإعلام فلا يحق له الرجوع لخدمته.
كما نصّ الاتفاق على فتح الطريق بشكل كامل أمام المدنيين وإدخال جميع المواد الغذائية، وسط تعهّد بعدم دخول الجيش أو الأمن أو “الشبيحة” إلى داخل المدينة، إلا إذا كان هناك بلاغ بوجود سلاح في مكان محدد، ولا يدخل إلا بمرافقة لجنة ستشكل من 200 شخص لحماية البلد، تُختار من قبل لجنة التواصل تحت أمر الجهاز الأمني للنظام.
القطار يصل خان الشيخ وكناكر
المفاوضات في مدينة التل ربما تكون الأقل وقتًا نتيجة عدد السكان الكبير الذي شكل ضغطًا على الأهالي، على خلاف مدينة خان الشيخ في الغوطة الغربية التي استمرت فيها المفاوضات قرابة شهر بعد فصلها عن قرية زاكية، في تشرين الأول الماضي، ومحاصرتها وسط محاولات اقتحامها بشكل يومي من عدة محاور.
محاولات الاقتحام دفعت فصائل المعارضة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، وعرض النظام عليهم فكرة الخروج إلى إدلب.
وبالرغم من أن المفاوضات مازالت سارية حتى اللحظة دون الوصول إلى صيغة مشتركة بين الطرفين، إلا أن مراسل عنب بلدي في المنطقة قال إن المقاتلين توصلوا إلى اتفاق مع النظام يفضي إلى خروج 1500 مقاتل مع عائلاتهم إلى مدينة إدلب.
وإلى جانب خان الشيخ، يحاول النظام مؤخرًا تهديد بلدة كناكر وعرض خيار “المصالحة” عليها بعد زيارة وفد النظام للبلدة، الخميس 24 تشرين الثاني، إلا أن أهالي البلدة خرجوا في مظاهرة معلنين رفضهم لكافة أشكال المصالحة.
ومع انتشار إشاعات حول خطة النظام المقبلة للسيطرة على بلدة بيت جن ومحيطها، تنتظر بقية البلدات مصيرها المجهول دون اتخاذ أي تدابير، وسط مخطط يفضي بصورة واضحة لتفريغ جيوب المعارضة المنتشرة في محيط العاصمة نهائيًا من أي نشاطٍ عسكري قد يهدد النظام فيها.