عنب بلدي – العدد 80 – الأحد 1-9-2013
مشاركة – داريا
لم يقتصر الوعي يومًا على مفهومه الفكري المرتبط بالدماغ والعمليات العقلية فحسب، لكنه تعدّى ذلك إلى الوعي الاجتماعي، أنه ارتباط حسي بالواقع في الدرجة الأولى، وتمثل للمسؤولية والإرادة في الدرجة الثانية، وهذا ما تحتاج إليه الثورة، ليعي كل منا دوره، ويقف الجميع صفًا واحدًا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء.
نشأ وليد تحت الأمر الواقع، ورسخت في ذهنه عبارة أستاذه: «إن أولئك الذين استهلكتهم الحياة حتى كواحل أرجلهم، واسودّت سواعدهم تحت شمس لا تكاد ترحم، إنما هم الذين يهبون للحياة قيمتها»، ورسخ في ذهنه كبقية أبناء جيله أن هناك عدد من الأفراد جاؤوا للحياة كزيادة عدد -وهم لا يغدون أكثر من صفر على الشمال- ليعيش حياة بسيطة دون أن يتملك مفاتيحها وقانونها السائد «حلال ع الشاطر»، ليغدو ألعوبة بأيدي أصحاب الدنيا، ثم قرر الانتساب إلى منظمات حقوق الإنسان، وأخذ على عاتقه أن يطلب العدل لبني جنسه طالما في روحه رمق، وحينما اشتدت الظروف وساءت الأحوال واشتعلت نيران الثورة والغضب، وهب الشباب إلى الميدان يحملون لواء الحرية والحق، انضم إليهم مكملًا ما بدأ به، ليبدأ ناشطًا سلميًا، ثم وتحت الأمر الواقع وحين فقدت الكلمة معناها، وأصبحت حبرًا على ورق نثره الظلم أدراج الرياح، قرر وتحت الأمر الواقع أن ينزل إلى الميدان شاهرًا سيفه في وجه الظلم والطغيان، لينال شرف الحرية بعد الاعتقال، ثم شرف الشهادة على الجبهة، فعاش تحت الأمر الواقع ومات تحت الأمر الواقع، لكنه لم يكن عددًا زائدًا بل كان لازمًا.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف السبيل لخلق الوعي الاجتماعي القائم على المصلحة الوطنية الجماعية بعيدًا عن سياسة الأمر الواقع؟، وكيف ننمي روح الجماعة لدى الأفراد؟، وخاصة في ظل انتشار ظاهرة اللامبالاة، حيث تتجلى أخطر أنواع اللامبالاة بتلك التي تهرب من مواجهة الواقع، وتحيله إلى حالة من الخمول والتأخر، إذ امتدت ظاهرة اللامبالاة في الوطن حتى أصبحت سلوكًا عامًا لدى الشخصيات القيادية التي تجاهلت الحالة المتردية التي وصلت لها الشعوب، ويلعب ارتباطنا بوطننا وشعورنا بالانتماء دورًا كبيرًا في تحقيق التغير المنشود بعيدًا عن الولاءات المحلية والفئوية الضيقة -أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب، إذ أن ما نعيشه في واقعنا من –فخار يكسّر بعضه- و-ابعد عن الشر وغني له- حيث تدعو هذه الفئة إلى إنارة الطريق بفوانيس الوعي الاجتماعي الوطني المزعوم، فترى أحدهم واقفًا مذهولًا أمام مصاب أو جريح أو حتى شهيد لا يحرك ساكنًا لاهثًا وراء لامبالاته وسلبيته، متمسكًا بأقوال جد جده -الباب يلي بتجيك منه الريح سده واستريح-، فحين نكون غير مبالين بما يجري في وطننا، سنكون غير قادرين على المشاركة في الأنشطة الحيوية التي تخصّنا، وبالتالي سنعجز عن تشكيل رأي عام سليم قائم على الحقائق العلمية المرتبطة بواقعنا ومشكلاتنا، وبالتالي سنخضع للأمر الواقع، وسنشعر بعدم جدوى أي عمل نقوم به.
ويتخذ البعض الأمر الواقع ذريعة يحتج بها ليخفي عدم احترامه للآخرين أو مبالاته بمشاعرهم، إذ بات الشائع –اللهم أسألك نفسي- في خضم اختلاف وجهات النظر والقناعات، و-طول عمرنا- نعالج الأعراض ونزيد الأمراض استعصاء، فقد افتقدنا لغة الحوار واحترام أهل الحكمة، وتمسّك كل منا برأيه وخارطته، وكأن كل واحد منّا المهدي المنتظر الذي جاء ليخلص البشرية من آلامها، ناسين أو متناسين أن يد الله لا تكون إلا مع الجماعة.
وتحت سياسة الأمر الواقع نجد أنه حتى مفهوم العدالة الاجتماعية صار حاليًا لا يتجاوز مبلغًا من المال يدفعه الإنسان بعد صلاة الجمعة أو لإحدى الجمعيات الخيرية في شهر رمضان أو كل عام، وكفى الله المؤمنين القتال، مع العلم أننا جميعًا ندرك بأنه لن يكون لنا موقع في هذه الأرض، وستستمر فاعليتنا في الحياة بالانكماش مهما كثر عددنا -كغثاء السيل- إلى أن نعرف مشاكلنا بعمق، ونبحث عن حل جادّ لها، ونعيد استنباط قوانين وأسرار الحياة مرة أخرى، كي لا نصبح فتنة للناس، وكي لا تفزع من جهلنا وغيابنا عن ساحات الحياة الشعوب والأمم.
ويبقى السؤال هل نحن من نصنع سياسة الأمر الواقع أم هي التي تصنعنا؟!…