نظام الأسد: هل يبحث عن الشرعية والمبرر لتصرفاته

  • 2012/05/06
  • 1:06 م

هل يبحث نظام الأسد عن شرعية لتصرفاته، أم أنه لا يحتاجها؟ هل كان بحاجتها عندما اجتاح حماه في عام 1982 من القرن الماضي؟ وهل كان بحاجتها عندما ورّث الحكم للابن؟ وهل كان الابن بحاجتها عندما بدأ اجتياحه للمدن إثر ثورة عارمة ضده؟

بكلام آخر، هل يحتاج نظام الأسد لمبرر عندما يفعل كل ما يفعل، وهل يحتاج لشراء الموالين وتجهيزهم نفسيًا وإيديولوجيًا، وبرمجتهم عصبيًا، أم أنه خارج هذه الموازنات؟ ربما الأمثلة ستوضح ما نريد قوله…

شرعية دخول حماه 1982

قبل أن يبدأ حافظ الأسد حربه في الثمانينات ضد الإخوان المسلمين وكل من رفع رأسه ضده، والكلام حسب الكثير من سجناء الإخوان أنفسهم، كان لا يجد سببًا لإعلان حربه، وكان ينتظر ويتحيّن الفرصة المناسبة لذلك، كانت الأيام تسير لصالحه للأسف، حيث بدأت تظهر عمليات اغتيال تبنتها جماعة الإخوان المسلمين أو سكتت عنها، مع وجود إشارات كبيرة أن منفذيها هم من كوادر الإخوان، هذه العمليات استهدفت قيادات أمنية وعسكرية، كان أهمها حادثة مدرسة المدفعية التي راح فيها عدد كبير من أفراد الطائفة العلوية. هذه العمليات ضد رجال النظام، كانت تعمل كل يوم على تحلّق الطائفة والمستفيدين من نظام الأسد، تعمل على تحلقهم والتصاقهم بنظام الأسد، وإزياد القناعة القائلة أنّ هذا النظام يمثل ويخدم مصالحنا، وفي المقابل إزياد خوف الطائفة وغيرها الكثيرون، من استلام الإخوان للحكم. استطاع حافظ الأسد خلال عشر سنين تقريبًا، أن يجعل ولاء الطائفة العلوية (بالعموم) لنظامه، وكذلك ولاء الكثيرين من المستفيدين الذين لا يجدون مصلحتهم مع نظام يقوده الإخوان، وربما كانت هذه الطبقة المستفيدة بالذات من التجار والصناعيين، الذين كان حافظ الأسد يتودد إليهم ويغازل مصالحهم. وعندما قرر الأسد إعلان حربه على الإخوان واجتياح حماه، كان قد ضمن ما يبرر عمله ذاك، أي أنه وجد الشرعية والمبرر له، فهذه عصابات عميلة مجرمة، تتسلح بإيعاز من الخارج، وهاهم قد أعلنوا عن جناحهم المسلح(الطليعة) وخلال سنوات مضت كانوا قد نفذوا الكثير من عمليات القتل والاغتيال التي تهدد استقرار الوطن. لقد وجد حافظ الأسد الكثير من الرجال الذين يدعمون مخططه، لأنهم وجدوا مصالحهم معه تمامًا، كما وجدوا  هم أنفسهم في الإخوان كامل التهديد لكيانهم، ولم يكن الإخوان على دراية سياسية بما يفعلون للأسف في كثير من الأحيان.

شرعية توريث الحكم عام 2000

عندما قرر نظام الأسد توريث الحكم للابن بشار، انعقد مجلس الشعب بشكل صوري، وصوت الأعضاء بالإجماع على تعديل الدستور القديم، إلى دستور يناسب تمامًا مقاس الرئيس الجديد، وتمت الموافقة بالإجماع على ترفيع بشار إلى فريق، ليصبح القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وأصبح الأمين القطري العام لحزب البعث العربي الاشتراكي.

السؤال هو: لماذا احتاج هذا النظام أن يعقد اجتماعًا عاجلًا لمجلس الشعب حتى يصدر كل هذه القوانين؟ ألم يكن يستطيع نظام الأسد المتمثل بأركان ورجال الحكم، أن يتخذ كل تلك الإجراءات من دون عقد جلسة مجلس الشعب. ربما كلنا يقول نعم كان يستطيع، ولم يكن أحد قادر ربما على إيقافه، ولكنه كان حقيقةً يريد تثبيت الشرعية ولو كانت صورية. كان يريد أن يقول أنّ من عدّل الدستور هو المجلس التشريعي (مجلس الشعب) وليس أحدًا غيره، مع علم الصغير والكبير أنّ أشخاص مجلس الشعب في سوريا عبارة عن كركوزات ليس لهم من الأمر شيء. ولكن هي الشرعية ولزوم وجودها أمام الداخل والخارج. من عدّل الدستور هو مجلس الشعب، ومن رفع هذا الشخص رتبتين أو ثلاثة في ليلةٍ وضحاها وجعله قائدًا أعلى للجيش والقوات المسلحة هو مجلس الشعب، وهذا هو مجلس الشعب يعقد جلسته أمام الناس ويصوت بالإجماع على كل ما تشاهدون، من دون أي ضغوط!!

شرعية اجتياح المدن خلال وبعد عام 2011

لم يكن الجيش الأسدي مضطرًا لاجتياح أي مدينة كانت تتظاهر بشكل سلمي، نقصد هنا الاجتياح الكامل مع تدمير البنى التحتية والأبنية السكنية وتشريد الأهالي كما حدث في بابا عمرو. نقول أن النظام لا يستطيع على العموم أن يجتاح مدينة تتظاهر سلميًا، طالما أن هذه المدينة لم تحمل السلاح ضده وتقتل من رجاله وشبيحته. ولماذا يفعل النظام هذا الشيء وهو قادر على دخول تلك المدينة من دون دبابات أو عربات مصفحة؟!

ولكنّ النظام المجرم دَفَعَ دفعًا باتجاه عسكرة الثورة، لأنها الساحة التي يعرف تمامًا كيف يتعامل معها. فصعب عليه أو من المربك له أن يتعامل مع متظاهرين سلميين بشكل مستمر، حتى لو كنا لا نلاحظ ذلك، ولكن هذا يحدث خلف الكواليس، وعمليات التصفية لكثير من الضباط والعناصر وإيداع الكثير منهم السجن أيضًا، دليل على ذلك ودليل على عدم استعداد أولئك الضباط والأفراد على الانخراط في معركة النظام ضد الشعب الأعزل. النظام المجرم يجيد تمامًا قصف المدن وتشريد أهلها وتدمير بناها التحتية. ولكنّ هذه الأفعال تحتاج لفئة مستعدة تمامًا للقيام بذلك، فكيف يستطيع النظام أن يضمن ولاء شبيحته ودفاعهم المستميت عنه وعدم احتمال التفكير بالانشقاق في صفوفهم؟

يدفع النظام برجال الأمن ورجال المهام الخاصة والشبيحة باتجاه المدن، وهو يعلم أنه سيُقتل منهم الكثير، ويعلم أن كل واحد من هؤلاء يساوي عنده أكثر من عشرات المجندين العادين، ولكن مقتل هؤلاء الأمنين والشبيحة يرسل رسالة إلى زملائهم أنهم في خطر محدق، وأنهم يجب أن يدافعوا عن النظام بكل ما أوتوا من قوة حتى يبقوا هم على قيد الحياة، فالمعركة معركة بقاء. وعندما يصل الأمر إلى درجة مقتل عشرة آلاف أو عشرين ألف من عناصر الأمن والشبيحة، فنحن نتحدث إذًا عن حالة واسعة من خوف الفناء على مستوى كل هؤلاء العناصر، وبالتالي تحلُّق كبير والتصاق غير واعي أبدًا حول نظام مؤسَّس على القتل، وتكون النتيجة أن هؤلاء الذين أصبحوا (لا بشر)، جاهزون لكي يزجهم النظام في أي معركة مها كانت طبيعتها، ليس دفاعًا عن النظام في حقيقة الأمر، بل دفاعًا عن وجودهم هم بالأساس، فحياتهم بالنسبة لهم أهم من حياة أسدهم. من هنا يتخذ النظام مبرره وشرعيته في البقاء وفي قدرته واستمراريته في القتل. ونستطيع القول أن النظام لو لم يواجَه (حتى في مرحلة متأخرة بالسلاح) لكانت النتائج مختلفة في ميادين الثورة، ولكانت حركة وتسارع الانشقاقات مختلفة أيضًا، فهناك قدرة لتحمل القتل والاستمرار فيه عند البشر حتى لو كانوا من أسوئهم، ولا يستطيع الإنسان أن يستمر في القتل إلى ما لانهاية، ولكن يأخذ النظام المجرم شرعيته من قدرته على حرف مسار الثورة وجعل سلوكها (أي سلوك ثوارها) قادرًا على جعل الكثير من الفئات تعتبر النظام هو المخلص والحامي لها، بدل أن يكون توجه الثورة محاولة كسب المزيد والمزيد من الناس الصامتين، وغيرهم الذين لايزالون يرزحون تحت كذبة أن نظام الأسد هو حامي الأقليات.

بابا عمرو نموذجًا

خلال فترة تمتد ربما لأشهر، كانت هناك معارك متبادلة بين النظام والجيش الحر، كان يسقط ضحاياها من كلا الطرفين، وربما عُرفت بابا عمرو بعدها، أنها مقبرة الشبيحة ورجال الأمن، كانت تتطور الحالة النفسية يومًا بعد يوم، عند أولئك الذين يُعدُّهم النظام للاجتياح المرتقب. دع هؤلاء الأوفياء يحقدون أكثر فأكثر، دعهم يرون ألاّ مخلّص لهم غيري، دعهم يقولون (شبيحة للأبد لجل عيونك يا أسد)، فهي سوف تستقر عندهم عميقًا في اللاوعي. دعهم يرون كيف يستهدفهم الناس المدنيون والعسكريون على حدٍ سواء. وعندما تأتي اللحظة المناسبة، سوف يكون هؤلاء المخلِصون ذئابًا تنهش، وشياطين تنهب، ومجرمين تقتل وتغتصب، ولن تفرق هذه الميلشيات عندها بين رجلٍ أو امرأةٍ أو طفلٍ أو شيخٍ مسن، الكلّ سواء، الكل إمّا قتلنا أو احتضن قاتلنا.

المهم في النهاية هو وجودي أنا، أن تبقى لي شرعية في البقاء، المهم أن لا أموت أنا النظام. كله يعوَّض، أفراد الأمن والشبيحة وأسرهم، كله يعوَّض، ولكنني أنا الذي لا يعوَّض، أنا من يجب أن يبقى على الدوام، ولو لم يبقى أحد. ألست حامي الأقليات.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق