حديد إدلب من تركيا.. والفصائل تدخل على خط التجارة
مراد عبد الجليل – عنب بلدي
بسبب حركة الإعمار الواسعة التي شهدتها مناطق ريف إدلب في الأشهر الماضية، نشطت تجارة مواد البناء بين مناطق المعارضة السورية وتركيا، عبر مدينة سرمدا التي باتت تعتبر البوابة الاقتصادية للشمال السوري، بعدما برزت كواجهة استثمارية تجذب التجار في المنطقة، نتيجة موقعها الاستراتيجي المهم بالقرب من الحدود، فهي لا تبعد سوى ستة كيلومترات عن تركيا.
وتعتبر تجارة الحديد في الوقت الراهن أكثر أنواع التجارة نشاطًا، فشاحنات نقل وكميات كبيرة، لا يمكن إحصاؤها، تدخل بشكل يومي إلى المنطقة نتيجة الطلب المتزايد على المادة، خاصة في المناطق التي تشهد حركة إعمار (حارم وسلقين) نتيجة قربها من الحدود التركية وبعدها عن مناطق النزاع المسلح، إضافة إلى ازدياد أعداد النازحين فيها من المناطق الأخرى.
الاحتكار غير موجود.. والفصائل تتاجر بالحديد
معبر باب الهوى يعتبر الطريق الوحيد لشاحنات الحديد التي تدخل إلى إدلب، بعد قدومها من المعامل الموجودة في تركيا عقب اتفاق مع أحد التجار السوريين، أو التي تصل من دول أخرى عبر الباخرة إلى مدينة مرسين، ويتم نقلها بعد ذلك عبر الأراضي التركية (ترانزيت) إلى المعبر، ثم إلى منطقة الطابون (منطقة تفريغ البضائع وتحديد الأوزان).
وعقب دخول الشاحنات تفرّغ في مستودعات بعيدة عن المناطق السكنية، حسبما قال تاجر الحديد في إدلب، عبد المالك أبو المجد، الذي أكد أنه لا يوجد شركات مخصصة بتجارة الحديد، أو احتكار من أحد الأشخاص، وإنما يمكن لأي شخص التعاقد مع شركات حديد تركية والاستيراد، حتى إن بعض الفصائل المقاتلة في المنطقة تقوم بشراء الحديد وتخزينه في المستودعات ثم بيعه.
عنب بلدي تواصلت مع عددٍ من المصادر في الشمال السوري، وأكّدت دخول الفصائل الكبرى على خط التجارة، ضمن “القطاع الإنتاجي” الذي يتبع لكلّ منها على حدة.
وأضافت المصادر أن الفصائل تتحكّم بخطوط التجارة إلى بعض المناطق التي لا تسيطر عليها، كمناطق قوات “سوريا الديمقراطية”، وتتقاضى على ذلك مبالغ تتراوح بين ألف وألفي دولار على كلّ شاحنة، بحسب حمولتها.
وعن كمية الحديد، قال أبو المجد إنه “لا يمكن إحصاؤها بسبب الكميات الكبيرة التي تدخل يوميًا، نتيجة حركة الإعمار الكبيرة التي تشهدها المناطق المحررة”.
ولا يفصح معبر باب الهوى، الذي تديره حركة “أحرار الشام الإسلامية”، رسميًا عن حجم النشاط التجاري عبره.
التسعير بالدولار.. وانتظار الدور يرفع الأسعار
يسعّر التجار في مدينة إدلب طن الحديد بالدولار كونه مستوردًا، ويرتبط سعره بالبورصة العالمية ويتأثر بها. ويبلغ سعر طن الحديد حاليًا نحو 450 دولارًا، متضمنًا 7 دولارات عمولة لمعبر باب الهوى للطن الواحد، إضافة إلى أجرة النقل وتحميل الشحنات وتفريغها.
وقد يرتفع سعر الطن أكثر من 450 دولارًا، نتيجة وجود ازدحام في بعض الأحيان على المعبر، الأمر الذي تضطر فيه الشاحنات إلى الانتظار لعدة أيام، ما يؤدي إلى انقطاع الحديد في المنطقة وارتفاع سعره نتيجة رفعه من قبل بعض التجار “مريضي النفس”، بحسب وصف التاجر.
انعدام التجارة مع مناطق النظام
ونشط التهريب في الآونة الأخيرة بين مناطق النظام والمعارضة، عن طريق أشخاص متعاونين مع الطرفين، إلا أن تجارة الحديد قليلة إذا ما قورنت ببقية البضائع نتيجة حاجتها إلى شاحنات كبيرة لنقلها.
وأكد عبد المالك أبو المجد أنه لا يوجد تهريب بين مناطق المعارضة والنظام، نتيجة وجود حاجزين على الطريقين الوحيدين بين المنطقتين، تابعين لفصائل جبهة “فتح الشام” و”أحرار الشام” و”جند الأقصى”، فلا يوجد مجال للتهريب أبدًا إلا في حال دفع أتاوات مرتفعة للجانبين، بحسب “أبو المجد”.
تاجر حديد في مدينة حماة التابعة لسيطرة النظام (رفض الكشف عن اسمه) أكّد لعنب بلدي أن تهريب الحديد الذي يدخل من تركيا إلى مناطق النظام مستحيل، نتيجة غلاء سعره بسبب الضرائب التي تدفع إلى حواجز الفصائل المقاتلة في إدلب، إضافة إلى دفع (أتاوات) لحواجز النظام الموجود في منطقة “أبو دالي” في ريف حماة الشمالي الشرقي، والخاضعة لسيطرة عشائر موالية للنظام السوري برئاسة الشيخ أحمد درويش، عضو مجلس الشعب.
وبالتالي فإن الحديد الذي يصل إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من أوكرانيا وروسيا عبر مرفأ اللاذقية، يكون أرخص من استيراده من تركيا وإدخاله إلى سيطرة المعارضة في إدلب وتهريبه إلى مناطق النظام.
ويزيد سعر الطن في مناطق النظام حاليًا عن 550 دولارًا، إلا أن هذا السعر يبقى أقلّ من دفع تكاليف نقله من مناطق المعارضة، بحسب التجار.
التاجر في حماة أكد أن التهريب بين النظام والمعارضة يقوم على الأشياء البسيطة، في حين أكد عبد المالك أبو المجد أن التبادل مع مناطق النظام يقتصر على مواد الخردة (الألمنيوم والنحاس والفونت والكروم).
ويبلغ سعر الألمنيوم في إدلب 300 ليرة للكيلو الواحد، في حين بلغ سعر كيلو النحاس 1450 ليرة وسعر الفونت 650 ليرة.
ويبدو أن الحرب لم توقف النشاطات التجارية في الشمال السوري، بل تأقلمت الجهات المؤثرة في مناطقه، والتجار مع شروط السوق الجديدة، للحفاظ على ما يضمن مصالحها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :