جودي عرش – حمص
“تقدم أحد الشباب لخطبتي ولم أتردد بقبول العرض، فقد كان معروفًا بحسن خلقه، إلا أننا انفصلنا في وقت قصير”، تقول هند، التي تقطن في حي الوعر المحاصر في حمص، مختصرة ظاهرة برزت إلى العلن في الآونة الأخيرة، متمثلةً بحالات طلاق، بعد فشل العلاقة بين الزوجين، لقصر فترة الخطوبة.
تزوجت هند بعمر العشرين عامًا، إلا أن فترة خطوبتها لم تتجاوز شهرًا واحدًا، وهي المدة التي اعتبرتها الشابة، في حديثٍ إلى عنب بلدي، غير كافية لتلاحظ الاختلاف الفكري بينها وبين زوجها، وتقول “حدث الطلاق بعد ثلاثة أشهر، رغم محاولات عائلاتنا إصلاح وتفادي المشاكل المتكررة بيننا”.
لم تكن شهد بدورها سعيدة بزواجها، الذي لم يدم أشهرًا طويلة، وتقول لعنب بلدي إن طلاقها جاء “بسبب غياب التفاهم مع زوجها”.
وتعتبر الفتاتان حالتين من عشرات الحالات الأخرى التي لاقت فيها الفتيات المصير نفسه، وعزا عبد العزيز دالاتي، عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان في حي الوعر، في حديثٍ إلى عنب بلدي، السبب “للحرب التي أثرت على الحياة الاجتماعية بما فيها الزواج المبكر والمتسرع وغير المدروس”.
زيجات “فاشلة”
يقول دالاتي إن الشباب والشابات يجب أن يخضعن لدورات تأهيلية، واختبارات نفسية واجتماعية قبل الزواج. وتوافقه الشابة هند التي ترى أن السبب الأبرز في فشل العلاقة بين الطرفين “يكمن في غياب النضج الفكري عند أغلبية الراغبين والراغبات بالزواج”.
وتؤكد هند أن أغلب صديقاتها عانين من المشاكل في زيجاتهن، وتلخصت الأسباب بغياب الدراية بمسؤوليات الزواج وواجباته، في ظل عدم الاستقرار النفسي “بفعل الحرب والأحداث المتسارعة التي يمر بها الحي، والتي تتسبب بدمارٍ كبير وتشتت في العلاقات الأسرية”.
زواجٌ مبكر
ظاهرة ربما تكون معممة على السوريين على اختلاف أماكن وجودهم، كانت سببًا رئيسيًا لفشل العشرات من العلاقات في ريف حمص الشمالي، ويقول الناشط الإعلامي من ريف حمص، محمد الرحال، لعنب بلدي إن الزواج المبكر ساهم بشكل كبير في تدهور العلاقات بين الزوجين.
“أغلب الزيجات في الريف الشمالي تكون بين شاب يبلغ من العمر 20 عامًا، وفتاة لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها”، يضيف الرحال، معتبرًا أن ما سبق عاملٌ رئيسي أسهم في فشلها، “فلا يمكن لشاب بعمر 20 عامًا أن يكوّن أسرة ويكون أبًا لأطفال، بينما يفتقر تفكيره للنضج، وينطبق الأمر على الفتاة”.
ولفت إلى أن أغلب الأهالي يسعون إلى تزويج بناتهن “أملًا بتخفيف الأعباء المادية التي نتجت عن البطالة وقلة العمل، وفقدان الأهالي لأرزاقهم”.
في العشرين من تشرين الأول الماضي، أقيم حفل زواجٍ جماعي لـ 80 شابًا وشابةً في حي الوعر، في خطوة هي الأولى من نوعها في المنطقة، ورعته منظمات من ضمنها مؤسسة “العز بن عبد السلام”، والتي منحت كل زوجين مبلغ ألف دولار أمريكي، وفق القائمين على الحفل.
وبينما لاقى الحفل قبولًا جماهيريًا، انتقده كثيرون ودعوا حينها إلى نشر الوعي الفكري حول الزواج، إلا أن الانتقادات لم توقف منظمي الحفل، عن تنظيم آخر مشابه في ريف حمص الشمالي 13 تشرين الثاني الجاري، وشمل 55 شابًا، وفق آلية دعم نفسية وتأهيلية، بحسب سليمان أبو ياسين، أحد منظمي الحفل.
ويرى أبو ياسين في حديثه إلى عنب بلدي أن بناء “أسرة ثائرة”، أهم من المعارك، مشيرًا إلى أن المشروع “بعيدٌ كل البعد عن معيار نجاح العلاقات أو فشلها، فنحن بذلنا أكبر الجهود في سبيل التوعية، و نأمل أن يجلب المشروع نتائج إيجابية”.
لا تبدو ظاهرة فشل العلاقات الزوجية، جديدة على الواقع السوري حاليًا، إلا أن التعريج على حالات من وحي الواقع، ربما يُسلّط الضوء على القضية، لطرح حلول أو اهتمام أكبر من قبل المنظمات المعنية، وفق رؤية ناشطي حمص.