محمد رشدي شربجي
يعتقد كثيرون اليوم أننا مقبلون على اضطراب عالمي واسع قد ينتهي بنا إلى حرب عالمية ثالثة، ستكون الأخيرة بالتأكيد التي تشهدها البشرية، يدعم ذلك صعود اليمين المتطرف في القارة العجوز، وفوز متطرف برئاسة الولايات المتحدة، وجنون عظمة ورغبة عارمة بالانتقام لهزيمة الحرب الباردة تحكم الكرملين، عدا عن تراجع عالمي للديمقراطية والإيمان بها كطريقة جيدة بالحكم، مع يونان ديمقراطي غارق بالديون، وصين ديكتاتورية حققت لعقود ومازالت تحقق معدلات نمو مرتفعة.
والحال أن هذا الذعر من فوز ترامب بالانتخابات ناتج بالأساس من تجربة قاسية مرت بها الديمقراطية في ثلاثينيات القرن الماضي، مع فوز هتلر بانتخابات ديمقراطية في ألمانيا ثم مضت في طريقها حتى وصلنا إلى الحرب العالمية الثانية.
ولكن التشابه بين الحالتين مايزال بعيدًا، لا يملك أي يمين أوروبي وأمريكي صاعد أيديولوجية قريبة من النازية الألمانية أو الفاشية الإيطالية، لا يتحدث ترامب ولا ماري لوبان في فرنسا عن “عرق” صافي يجب تحسينه من خلال إجراء عمليات إخصاء جماعي للمعاقين وأصحاب الأمراض الوراثية و أصحاب “المنطق الضعيف” في الحياة بحسب التصنيف العجيب الذي وضعه النازيون، ولا يتحدث خيرت فيلدرز في هولندا عن ضرورة إخضاع الأعراق الأخرى المتخلفة بالقوة للعرق الآري المنزه.
لا ينفي هذا طبعًا وجود كراهية عميقة ومدعاة لليأس للأجانب عامة وللمسلمين خاصة، كراهية تجاوزت مسؤولية أفراد الجالية المسلمة الموجودة في أوروبا عن تقديم صورة حسنة أو سيئة عن الإسلام إلى فوبيا ورهاب مرضي يغذيه سياسيون “بيض” مصابون بهلع الانقراض لصالح “الغرباء” الذين هم غالبًا المسلمون، هلع تجاوز القارة العجوز لينتشر في العالم أجمع.
لا يعني ما سبق طبعا أننا كمسلمين أو كجنس بشري في وضع جيد، فالمراهنة على “عقلنة” التطرف أو إدراكه لحدوده في لحظة معينة هي ضرب من الخيال، والدعوات التي يطلقها هذا اليمين صباح مساء ضد المسلمين تعيد للذاكرة ما كان يحدث ضد اليهود قبل قرن من الزمان في ذات القارة، مسلمو أوروبا اليوم قد يكونون يهود القارة الأوروبية الجدد.
ولكن هذا يعني أن النضال ضد اليمين المتطرف والعنصرية لم يحسم بعد لصالح اليمين، فما زالت كتلة وازنة ضمن المجتمعات الغربية تحارب ضد هذا التوجه، وعلى المسلمين المقيمين في أوروبا أن يكونوا جزءًا من هذا المعركة داخل مجتمعاتهم الجديدة، معركة تخاض بالأدوات التي تتيحها الأنظمة الديمقراطية وهي كثيرة ومتنوعة، معركة تحتاج إلى تعاون المسلمين مع هذه المجتمعات لمحاربة اليمين والدفع نحو سياسة أخلاقية.
أزمة العالم اليوم ليست أزمتنا نحن المسلمين وحدنا وإن كنا نبدو أننا أكثر المتضررين منها، نحن الذين قتلنا الإرهاب والحرب اللعينة على الإرهاب، نحن أبناء ريف دمشق وحلب والرقة وباقي مدن سوريا، ولكنها مع ذلك أزمة يكتوي بها العالم أجمع، أزمة نظام عالمي صاغه وحوش أقوياء، ولا بد للمستضعفين أبناء دور الخراب أن يعيدوا صياغته مرة أخرى إن كان الجنس البشري يريد البقاء.