عنب بلدي– خاص
لم تكن ليلة الخامس عشر من تموز الفائت اعتيادية على تركيا وشعبها وثلاثة ملايين لاجئ سوري فيها، فقوبلت محاولة الانقلاب العسكري برد فعل غير مسبوق على المستوى الشعبي، أجهضت وأفشلت مساعي النيل من الشرعية الدستورية، وكان للمصورَين السوريَّين محمد البانياسي وعلاء خويلد نصيب المشاركة في توثيق الأحداث بعدستيهما.
اعتصامات في ساحات اسطنبول، كبرى المدن التركية، استمرت ثلاثة أسابيع، وهتافات تشاركية بين ألوف الأتراك وضيوفهم العرب، ومشاعر فاضت بالوطنية والانتماء لتركيا وليس للعسكر، كل ذلك بدا من خلال آلاف الصور والتسجيلات المصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووضع الشابان اسميهما ضمن أفضل 50 مصورًا نقلوا بعدساتهم قصة الانقلاب الفاشل.
محمد البانياسي من مدينة بانياس في محافظة طرطوس، وعلاء خويلد من حي الصليبة في مدينة اللاذقية، تحدثت إليهما عنب بلدي لتقف على مجريات توثيقهما أحداث 15 تموز، وتكريمهما مؤخرًا.
ليلة مرعبة دون نوم
في الساعة الثامنة من مساء 14 تموز تغير كل شيء، بدأت الأنباء تتوالى عن حركة طيران غير اعتيادية في سماء العاصمة التركية أنقرة، وسادت أجواء التوتر في اسطنبول، إلى أن تكشف كل شيء في غضون ساعة، إنها محاولة انقلاب عسكري.
بدأت قطعات الجيش “الانقلابي” تدخل المدينة الكبيرة، في محاولة لفرض حظر تجوال يسهل عملية الانقلاب، وهنا كان علاء خويلد حاملًا كاميرته التي لا يكاد يفارقها يقف في محطة “جيفيز ليبا” وسط المدينة، أوقفه عناصر الجيش وأنزلوه قسرًا من المحطة مع من كان فيها، وأخبروا الناس أنهم سيطروا على البلاد ومنعوا التجول، ليبدأ بالتصوير في تلك اللحظة.
أصيب السوريون بالخوف والهلع نتيجة الانقلاب المفاجئ، والذي قد يؤدي إلى طردهم من البلاد لو نجح، أو إلى اضطرابات تجعل هذا البلد جحيمًا كما هو الحال في سوريا، لكن علاء تعوّد على العمل في ظروف الحرب والمخاطر الأمنية، كونه عمل سابقًا لصالح وكالة “رويترز” مدة ثلاث سنوات في المناطق المحررة، ولعدة وكالات وقنوات تلفزيونية، باختصاص التصوير الفوتوغرافي والسينمائي.
“كنت بعيدًا عن منزلي، وبصعوبة بالغة وصلت إلى البيت لنرقب أين ستذهب الأمور، وصوّرت من منزلي الطيران الحربي عندما انقض على مطار أتاتورك بوجود الرئيس رجب طيب أردوغان داخله” قال علاء، وأضاف “صباحًا ذهبت إلى المطار وصورت التجمع الشعبي فيه، ثم وثقت مظاهرات واعتصامات حي الفاتح في ذات اليوم، وبقيت مع المعتصمين في معظم ساحات اسطنبول مدة أسبوع كامل تلا الانقلاب”.
في تلك الليلة أيضًا، كان الصحفي والمصور محمد البانياسي على طاولة عشاء مع أصدقائه في أحد مطاعم اسطنبول، عاد إلى المنزل مسرعًا وجلس في منزل صديقه يتابع الأخبار بتمعن لمعرفة حقيقة الوضع، وبعدما طالب أردوغان الشعب التركي بالنزول إلى الشوارع، كان خيار البانياسي ورفاقه هو “الوقوف مع الشعب التركي الذي وقف إلى جانب السوريين شعبًا وقيادة”.
نزل الشاب المنحدر من مدينة بانياس، والتي شهدت أولى المظاهرات ضد نظام الأسد، مع أصدقائه إلى شوارع اسطنبول، واتفقوا على الحديث والهتاف باللغة التركية حصرًا، خوفًا من ردود فعل محتملة قد تكون سلبية “هتفنا معهم (يا الله.. بسم الله.. الله أكبر)، فكشفونا من لهجتنا وعرفوا أننا عرب.. أخذونا بالأحضان وشكرونا على وجودنا معهم في الساحات”.
وثق البانياسي بكاميرته ما شاهده من تفاعل شعبي كبير رافض للانقلاب، وأجرى بثًا مباشرًا في اليوم الأول للمظاهرات لثلاث محطات عربية عبر “فيس بوك لايف”، وصوّر لصالح وكالتين عربية وأجنبية، وبقي في الساحات مشاركًا في الاعتصامات حتى مليونية “يني كابي” في 7 آب، بحضور الرئيس أردوغان وكبار مسؤولي الحكومة، والتي أعلنت فشل الانقلاب كليًا ونهاية الاعتصامات في الشوارع.
تكريم على “رد الجميل“
فشل الانقلاب، وتنفس الأتراك وضيوفهم السوريون الصعداء، واحتفظ علاء ومحمد بمخزونهم الوفير من الصور، ليقفا صدفة أمام ملصق لبلدية “كوتشوك تشكمجه” قبل ثلاثة أشهر، يعلن عن مسابقة للمصورين الذين غطوا الاعتصامات وأحداث الانقلاب الفاشل، فأرسل كل منهما أربع صور للمشاركة في المسابقة.
إحدى أبرز الصور التي التقطتها عدسة خويلد هي لأب وابنه في مسجد الفاتح التاريخي وسط اسطنبول، يجلسان ويضعان على كتفيهما علم بلادهما، في مشهد يحمل الكثير من المعاني، كما في صورة البانياسي، والتي تظهر شابًا تركيًا يحمل العلم التركي في إحدى ساحات التظاهر، ويحمل طفلته على كتفيه رافعة علم بلادها أيضًا.
اختيرت صورتا علاء ومحمد ضمن أفضل 57 صورة وثقت أحداث 15 تموز، وحازا على مراتب متقدمة، في المسابقة التي شارك فيها 600 مصور بـ 2000 صورة، ووضعت الصور في معرض بمركز “صفا كوي” التابع لبلدية “كوتشوك تشكمجه”، في 13 تشرين الثاني الجاري، كما وضعت صورتاهما في ألبوم توثيق تاريخي للانقلاب، احتوى على أسماء الضحايا والأشخاص الذين ضحوا بأنفسهم لإفشاله.
وحصل أصحاب المراتب السبعة الأولى على مبالغ مالية كبيرة، بينما حاز الشابان اللذان جاءت صورهما في المرتبتين الثانية عشرة والثالثة عشرة على تكريم وشكر من فعاليات رسمية بينها رئيس البلدية وقائم مقام اسطنبول وشخصيات تركية رفيعة، ومبلغ مالي بسيط.
وعقب خويلد على فوز صورته بالقول “سعدت بالفوز والتكريم، من الجميل أن يذكر اسم مصور سوري ضمن هذه الفترة التاريخية المهمة في تركيا، وأن يوضع اسمي ضمن مصورين أتراك وثقوا المرحلة”، مضيفًا “الشيء الذي فعلناه ليس بطوليًا، هو رد جميل لشعب وقف معنا وساعدنا خلال ثورتنا، وفتح لنا أبواب بلاده”، وهو ما أكد عليه البانياسي أيضًا، مشيرًا إلى أنها رسالة للشعب التركي “نحن لسنا لاجئين في هذه البلاد فقط، بل نحن معكم ومع إرادتكم للوقوف في وجه الظلم”.
لدى الشابين السوريين غصّة بدت واضحة خلال حديثهما إلى عنب بلدي رغم تكريمهما، عبّر عنها محمد البانياسي بالقول “عسانا نستطيع تكريم مصورينا في سوريا كما فعل أشقاؤنا الأتراك، وتوثيق الثورة ضد النظام بآلاف الصور التي ضحى بعض أصدقائنا بحياتهم من أجل الحصول عليها”.