ربى محيسن.. أحرجت المجتمع الدولي وكرّمتها بريطانيا

  • 2016/11/20
  • 12:20 ص
ربى محيسن تفوز بجائزة "مارش 2016"- 13 تشرين الثاني (فيس بوك)

ربى محيسن تفوز بجائزة "مارش 2016"- 13 تشرين الثاني (فيس بوك)

عبادة كوجان – عنب بلدي

“تكلموا معنا، ولا تتكلموا عنا، ولا تتكلموا باسمنا”، بهذه العبارة أنهت الدكتورة ربى محيسن كلمتها المؤثرة وغير الاعتيادية في مؤتمر “مساعدة سوريا والمنطقة” المنعقد في لندن، شباط الماضي، لتعتبرها الصحافة محرجةً للمجتمع الدولي وبان كي مون، الحاضر المستمع آنذاك. وفي 13 تشرين الثاني الجاري أعلنت الخارجية البريطانية فوز ربى بجائزة “مارش 2016” لصناعة السلام وبناء السلام، لعملها من خلال منظمتها “سوا للتنمية والإغاثة” لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان.

ربى محيسن (28 عامًا) فتاة من أب سوري وأم لبنانية، نشأت في لبنان وتلقت تعليمها الكامل فيه، لكنها لم توفر أي فرصة لزيارة بلدها الأم سوريا في العطلات الأسبوعية والأوقات المتاحة.

حازت ربى على بكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت، وماجستير في التنمية الاقتصادية، ودكتوراه في الشؤون الاقتصادية من جامعة “Soas” في لندن.

بدأت الشابة عملها مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ثم مع اللاجئين اللبنانيين في سوريا عام 2006، ثم لتعمل منذ عام 2011 في مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان، وتؤسس منظمتها “سوا” المتخصصة في مجال الإغاثة والتعليم وسبل العيش.

شاركت الشابة السورية في صياغة القوانين وتشكيل مجموعات ضغط على الجهات السياسية العالمية والمحلية من أجل حقوق اللاجئين، ومازالت مستمرة في عملها الإنساني حتى الآن.

أسلوبٌ رشيقٌ مبسّطٌ في استعراض واقع عملها الإنساني، بلَكنةٍ بيروتيةٍ مكتسبةٍ من والدتها اللبنانية، مع مصطلحاتٍ توضح بطبيعة الحال انحيازها للثورة ضد نظام الأسد، بدا ذلك خلال حوار أجرته عنب بلدي مع الشابة السورية، عشية حصولها على جائزة “مارش” وتكريمها في لندن، لتكون واحدة من السوريات اللاتي نجحن في إيصال صوت السوريين للمجتمع الدولي.

سوا للتنمية والإغاثةوظروف نشوئها

نقل الإعلام خبر لجوء أوّل 40 عائلة سوريّة إلى لبنان في كانون الأول 2011، هربًا من ظروف الحرب التي أشعلها الأسد في وجه خصومه السلميين، وهنا بدأ فعليًا نشاط ربى الإنساني، وقالت “تواصلت مع بعض أصدقائي، وتوجّهنا نحو شمال لبنان لنرى حاجات الوافدين.. زيارتي هذه تركت فيّ أثرًا وألمًا هائلين من القصص التي سمعتها، وأوّل ما قمت به عندها هو إخبار كل من أعرف عن حالة العائلات المأساوية عبر رسالة نصية شرحت فيها ما هي الحاجات الطارئة، وفورًا انتشرت رسالتي بسرعة خيالية وتواصل معي مئات الأشخاص الذين أرادوا التبرع، أو التطوع وتقديم الدعم”.

ازدادت الحاجات مع تواصل لجوء العائلات إلى لبنان، الأمر الذي دعا ربى لتأسيس منظمتها، وقالت “أسست (سوا) لتكون منظمة محلية تستند على المجتمع المحلّي في لبنان وتدعمه في الوقت ذاته.. المنظمة الآن مسجّلة في المملكة المتحدة باسم مؤسسة سوا، للعمل على دعم السوريين بشكل أساسي في المنطقة وفي أوروبا”.

تحولت “سوا” من النشاط الإغاثي إلى التعليمي، ثم التنمية الشاملة للاجئين السوريين في لبنان، وتابعت ربى “بدأنا بتعزيز مفهوم التنمية الشاملة، فتغطّي المنظمة الآن مجالات الإغاثة، والتعليم، والتنمية، وسبل العيش، وتشمل البرامج الحاجات الأساسية للأفراد والمجتمعات وتتجاوزها، كذلك نقدّم برامج الدعم النفسي الاجتماعي، الروحي وغير العقائدي، والذي يساهم في الربط بين أفراد المجتمع الواحد، وبينه وبين المجتمعات الأخرى، من خلال الموسيقى والفنون والرياضة والطبيعة، إضافةً إلى برنامج (Bridging) الذي يعيد تأهيل المنقطعين عن التعليم للدخول إلى المدارس الرسمية، أو التوجه نحو التدريب المهني”.

تتبع “سوا للتنمية والإغاثة”، وفقًا للقائمة عليها، نهجًا يختلف عن باقي المنظمات المحلية والدولية، ويستند إلى ثلاثة مبادئ تأسيسية هي: الكرامة، الملكية، والفاعلية، وأوضحت “كل إنسان يملك الحق لإدارة حياته وعيشها كما يشاء، كل إنسان لديه الحق بأن يعيش حياة كريمة، عملنا ليس عملًا خيريًا، إنه عمل مجتمعي يبدأ في المجتمع ويكون من أجله، فنعمل مع كل فرد في العائلة، ونشاطاتنا مدفوعة من المجتمع الذي في المخيمات والمهجر، هم من ينتقون المشاريع ويديرونها وينفذونها، ودورنا كإدارة المنظمة هو تسهيل المشاريع التي يرغب بها الأهالي”.

نقلة نوعية عقب خطابها المؤثر في لندن

ألقت ربى محيسن كلمة استمرت ثماني دقائق، أمام سياسيين ومسؤولين غربيين وعرب، حضروا مؤتمر “مساعدة سوريا والمنطقة” المنعقد في لندن، شباط الماضي، منهم أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس وزراء المملكة المتحدة وقتها، ديفيد كاميرون.

انتشرت كلمة ربى عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت، وتحدثت عنها مواقع وصحف محلية وغربية، معتبرةً أنها تمكنت من إحراج بان كي مون وممثلي المجتمع الدولي، عندما استهلت كلمتها بالقول “قيل لي إنني أتيت إلى هنا لكي أسبب لكم صدمة، أو كي أجعلكم تبكون، أو ربما لأخبركم قصصًا عن اللاجئين السوريين، إلا أنني لن أقوم بذلك”.

اتسمت كلمة الشابة السورية بالشجاعة والواقعية، والنقد البناء لطريقة تعامل الدول المانحة مع القضية السورية برمتها، وتعامل الدول الأوروبية والمجاورة مع آلاف اللاجئين، لتختم كلمتها بعبارة “أدعوكم وأحثكم جميعًا أن تتكلموا معنا، ولاتتكلموا عنا، ولاتتكلموا باسمنا، وأعدكم من هذا المنبر أنني سأرد جميل استضافتكم لنا اليوم، في مؤتمر المانحين القادم الذي سيعقد في سوريا”، ليعلق بان كي مون على المداخلة بالقول “شكرًا على شجاعتك.. سنبذل قصارى جهدنا”.

ولدى سؤالنا عن أي نقلة نوعية في عمل ربى محيسن، حققتها الكلمة التي ألقتها قبل أشهر، أجابت الشابة “ما قلته أمام بان كي مون أتحدث فيه منذ عام 2011، لم أعرف أن هذا الفيديو تناقله السوريون وترجموه”، وتابعت “الكلمة هي نتيجة عمل طويل مع جمعيات محلية وناشطين سوريين، لكيفية الضغط على سياسات الدول”.

ورأت ربى في كلمتها أنها “كانت نقطة تحول لي في مسيرتي الإنسانية، ليس من مبدأ الشهرة، لأن عملنا نسأل أن يكون خالصًا لوجه الله وهو واجبنا، بل من خلال الرسائل المؤثرة التي وصلتني من أهلنا في المناطق المحاصرة والتي تتعرض للقصف، ومن هذا المنطلق أحسست بمسؤولية كبيرة أحملها تجاه أهلنا في سوريا، وشعرت بضغط مضاعف وواجب أكبر يجب أن أؤديه بأفضل طريقة ممكنة”.

لن تكون هذه الكلمة الأولى أو الأخيرة، كما أكدت ربى، وقالت “نحن مواظبون بعملنا للضغط على المجتمع الدولي والحكومات، لحماية المدنيين وتأمين سبل العيش الكريمة للسوريين، لإنهاء الحرب، ووقف القصف على المدنيين، وحماية المدارس والمستشفيات، ولكن للأسف المجتمع الدولي والأمم المتحدة صمٌ بكمٌ لم يأخذوا كلامنا بعين الاعتبار، وخذلوا القضية السورية”.

معوقات وأعباء العمل الإنساني

لا تخفي مسؤولة “سوا” الأعباء الكبيرة التي تقع على عاتقها، وهي مازالت في الثامنة والعشرين من عمرها، من ناحية الشعور الدائم بالتقصير، نتيجة الحاجة الكبيرة للاجئين السوريين، وطموحها بمستوى مثالي للأهالي في المخيمات يختلف جذريًا عما هم فيه الآن، وهو عبء تحمله معها أينما ذهبت، لكنها تتقاسمه مع فريقها “أنا محاطة بفريق رائع من السوريين والسوريات في منظمة سوا أو المجتمع المدني السوري، وأفضل ما حصل معنا خلال السنوات الخمس هو التعرف على رفقة يؤمنون بذات المبادئ، ونعمل معًا لمستقبل أفضل”.

جملة من المعوقات تواجه ربى محيسن وفريقها في “سوا”، أبرزها تجاهل المجتمع الدولي للمناشدات التي أطلقتها المنظمات السورية لضرورة حماية المدنيين، كما أن الوقت يشكّل عائقًا إضافيًا في عملها “الوقت يسير ضدي، هناك أعمال يجب إتمامها في أوقات ضيقة نسبيًا”، أما المعوّق الثالث فيتجلى في أن “المبالغ المادية التي تتبرع بها الدول تذهب إلى الجمعيات الكبيرة والإقليمية، أما الجمعيات المحلية فتبذل جهدًا مضاعفًا للحصول على تبرعات، والتي باتت شحيحة في العامين الأخيرين”.

استنزاف الكوادر المؤهلة، أمر تعاني منه ربى، باعتبار أن عشرات الشباب السوريين يرون في لبنان جسر عبور نحو الدول الأخرى “خسرنا الكثير من كوادر الفريق، الذين تركوا لبنان للبحث عن حياة أفضل، واضطررنا أن نجذب كوادر جديدة نعمل معها من جديد”، لكنها أشارت أخيرًا إلى معاناة مع طبيعة عملها كامرأة “هناك أناس لا يرغبون في أن تقود امرأة مؤسسة، وتظهر في منابر عامة، ورغم ذلك لاقيت ترحيبًا وتشجيعًا من المحبين والسوريين عمومًا”.

تم ترشيح ربى محيسن للفوز بجائزة “مارش” الصادرة عن الخارجية البريطانية، ومنحت إياها لعملها في “سوا للتنمية والإغاثة”، وأهدتها خلال حفل التكريم للاجئين السوريين، وتبرعت بالمبلغ الذي حصلت عليه (1000 جنيه استرليني) للمنظمة التي أسستها قبل خمس سنوات، ومازالت مستمرة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع