براء الطه
الباب، المدينة الحدودية التي تحولت إلى خط تماس بين جميع القوى المتصارعة في سوريا، هل ستكون “جائزة ترضية” و”مفتاح تسوية” أم تتحول إلى “بيضة القبان”؟
تُثار التساؤلات والتحليلات عن مصير مدينة الباب الحلبية والتي تتصارع على إحكام السيطرة عليها ثلاث قوى، قوات المعارضة المدعومة تركيًا والجيش والقوات الحليفة، إضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية وما ينضوي تحتها أو معها من قوى أخرى.
كل هذا تزامن مع معركتين رئيسيتين هما معركة حلب التي تسعى من خلالها المعارضة جاهدة لفك الحصار عن الأحياء الشرقية، فيما استراتيجية الجيش والقوات الرديفة تقوم على مبدأين، الأول: هو استيعاب الهجوم على قواته من داخل الأحياء أو من خارجها، والثاني هو توسيع نطاق الطوق حول حلب والسيطرة على أكبر قدر من المناطق المحيطة بحلب (الريف الحلبي عمومًا). أما المعركة الثانية فهي معركة الرقة التي أُعلِن عنها قبل قليل، والتي ستكون معقدة وطويلة إذا لم ينسحب منها التنظيم، لا نستطيع إنكار أهمية هاتين المعركتين لكن ما سيحدد جغرافيا المنطقة وهويتها هي معركة الباب والتي لها أهمية لجميع الأطراف.
بالنسبة للنظام السوري
تأتي أهمية مدينة الباب كونها عقدة ربط رئيسية بين جميع مناطق الشمال السوري (محافظة حلب)، وفيها تتبدد مخاوف الجيش من إمكانية الضغط مجددًا على مواقعه في مدينة حلب في حال تمت له السيطرة الكاملة عليها. كما لا ننسى تقليص مساحة المنطقة الآمنة التي تسعى الحكومة التركية لإقامتها في الشمال السوري، والتي ستكون بحسب الرؤية التركية نقطة انطلاق لقوات درع الفرات من أجل التقدم باتجاه الرقة عن طريق ريف الباب الجنوبي الشرقي.
وبذلك تزيد حالة التوتر الموجودة أصلًا بين الحليفين الأمريكيين (الكرد والاتراك)، إذ لن يكون للأخير أي منفذ إلى مدينة الرقة سوى منطقة تل أبيض، وبالتالي إحراج للإدارة الأمريكية، التي لن تقف بكل تأكيد عائقًا أمام رغبات الشريك الأطلسي، طالما هو من يدفع فاتورة تدخله ويحقق مصالحها.
بالنسبة للمعارضة المدعومة تركيًا
لم تواجه هذه القوات، بالرغم من المساحات الكبيرة التي سيطرت عليها، أي معركة حقيقية مع تنظيم الدولة، الذي يعتمد استراتيجية التخلي عن الأرياف مقابل التمترس القوي داخل المدن والمقاومة فيها إلى آخر رمق (شذَّتْ عن هذه القاعدة مدينة تدمر التي كان لطبيعة موقعها الكلمة الفصل في المعركة)، تقف هذه القوات اليوم على مسافة تقدر بحوالي كيلومترين شمال غرب، وسط تسريبات عن وجود ثلاثة آلاف مقاتل من التنظم داخل مدينة الباب أعدوا العدة لخوض معركة الدفاع الأخيرة عن أحد أهم أسس أيديولوجيتهم، التي فضلوا الانسحاب منها للعودة إليها لاحقًا وهي دابق.
يدرك الأتراك جيدًا أن الباب ليست جرابلس من ناحيتين، الأولى أن عناصر التنظيم في الباب تختلف اختلافًا جذريًا عن العناصر الذين كانوا موجودين في جرابلس، والثاني هو أن الاقتراب منها يعني التماس المباشر بين قوات روسية وأخرى أطلسية وهو ما سيزيد التوتر بينهما، لذلك نرى أن التقدم باتجاهها يجري بتلكؤ وحذر شديدين.
إضافة لذلك تعلم الحكومة التركية أن قوات درع الفرات لا يمكنها خوض معركة مع التنظيم إذا ما تركت دون تغطية، بسبب عدم الكفاءة القتالية لعدد جيّد من العناصر المنضوين فيها، ما يجعلها تسعى إلى تسوية هذا الملف أولًا مع النظام السوري عن طريق الروس والإيرانيين، الذين أعدوا العدة جيدًا لأي تقدم يجري باتجاه المدينة دون سابق اتفاق، ظهر ذلك في تقدمها شرق الباب انطلاقًا من المنطقة الصناعية للشيخ نجار، وسيطرتها على قرية المقبلة، التي تبعد عن الباب مسافة 19 كيلومترًا، وقبله نصب منظومة “S200” في مطار كويرس. كل ذلك يجب أن يأخذه الأتراك على محمل الجد، والحساب الدقيق قبل أي تحرك باتجاه الباب، لا سيما أن الجيش قادر على إغلاق أي منفذ باتجاه الطبقة وبالتالي الرقة، عن طريق السيطرة على دير حافر إلى مسكنة.
ماذا عن الكرد؟
أما بالنسبة للكرد فنستطيع القول إن مسألة التقدم باتجاه الباب باتت من الماضي، كون الدعم الأمريكي لن يكون في هذا الاتجاه.
وأخيرًا لن تكون معركة الباب نزهة وإنما معركة معقدة تتطلب دخول الأطراف الداعمة فيها على الأرض.
–