الاسئلة التي طرحت في اعقاب ظهور دبابات حزب الله وملالاته في بلدة القصير السورية على هذا النحو المفاجىء، تفادت سؤالاً بسيطاً وعابراً، يختصر الجدل المثار حول هذا العرض العسكري المثير للذهول: متى ستعود تلك الاليات العسكرية الى الاراضي اللبنانية وكيف ستعبر الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا؟
الصور التي نشرت لمدرعات حزب الله، لا توضح وجهة القافلة، وما اذا كانت قد تجمعت في البلدة السورية المهجّرة من أجل المناسبة التي لم يحتفل بها على الاراضي اللبنانية، وما اذا كانت في طريق الذهاب او الاياب من إحدى جبهات الحرب السورية. لا يكفي القول مثلاً ان القوة المدرعة التي جرى استعراضها هي جزء من الجيش السوري، وحدة من وحداته القتالية ، فرع من فروع اسلحته الحربية. فتلك حقيقة معروفة منذ تأسيس الحزب في ثمانينات القرن الماضي ، وهي لا تخضع للشك ولا للجدل. مثلها مثل القول ان الحزب فرقة عسكرية ايرانية متقدمة تتبع قيادة الحرس الثوري الايراني.. بقدر ما هي قوة لبنانية صافية ذات جدول أعمال لبناني محدد.
كان شائعاً ان لدى الحزب ملالات وآليات غنمها من العدو الاسرائيلي ومن مليشياته ، واحتفظ بها للذكرى في مستودعات ومخازن مغلقة. لكن ظهور الدبابات، التي يتردد انه حصل عليها من الجيش السوري او من الحرس الايراني. حدث استثنائي فعلا، على ما يقول الخبراء العسكريون، الذين يعتبرون ان الحزب اقترب خطوة إضافية من تثبيت صورته كقوة عسكرية تقليدية، كجيش مصغر، بعدما كان ينظر اليه على انه قوة كوماندوس متطورة، قوة مقاومة لا تعرض قوتها ولا تتباهى بها.
الدبابات التي ظهرت في القصير، لم تكن في الضاحية ولا في الجنوب طبعا ولا ربما في البقاع الشمالي حيث لا يمكن ان تغيب عن الاستطلاع الجوي الاسرائيلي. الارجح انها كانت في قواعد ومخازن داخل الاراضي السورية، مثلها مثل غالبية المنظومات الصاروخية التي يمتلكها الحزب منذ ما قبل حرب العام 2006 وما بعدها. وهي بالتالي ستبقى هناك عندما تنتهي الحرب السورية، سواء بإنتصار النظام او بإنكساره. ملكيتها كانت وستبقى للجيش السوري. ووظيفتها الراهنة انها أحد اسلحة الحرب الاهلية السورية، ولا تخدم الحزب في اي مواجهة مع العدو الاسرائيلي.
هذا التعديل الجوهري في صورة الحزب وبنيته العسكرية، لا يستدعي الكثير من الاستغراب، ولا الاعتراض ربما ،لاسيما وان سلاح المدرعات لم ولن يكون السلاح الاخير على جدول اعمال الحزب وحلفائه. سلاح البحرية وارد ، وكذا الطيران الذي يستخدم بكثافة الان الطائرات الموجهة عن بعد على مختلف جبهات الحرب السورية ومن قبل الجميع ، وكأنها لعب أطفال.
لم يبقِ سوى اسلحة الدمار الشامل على انواعها التي صارت مثل الاسلحة الفردية في سوريا. والتي توسع الروس في استخدامها (اليورانيوم المنضب الموجود في الصواريخ الاستراتيجية البعيدة المدى) بعدما كانت تقتصر على الاسلحة الكيميائية او الجرثومية المعروفة والمستخدمة من قبل المليشيات المقاتلة كافة.
سؤال التورط في الحرب السورية مكرر وممل. وهو لا يفيد أي غرض، خصوصا وأن الحزب يثبت منذ ست سنوات او أكثر ان قوته العسكرية تفوق حاجة لبنان، وطاقته على الاحتمال.. وهي قوة تستثمر وتستهلك في سوريا الان بالطريقة المثلى، من دون ان تثير خوف العدو او قلق الخصم او فخر الحليف.. بل هي تثير فقط حرج الجميع إزاء تلك العلنية في استخدام عرض عسكري بالدبابات والملالات للكشف عن تعديل جذري جديد في الديموغرافيا السورية المستباحة، وما يثيره ذلك من هواجس مبكرة حول تعديل ممكن لخط الحدود بين البلدين.
لم يكن الحزب بهذه الخطوة الاستعراضية الغريبة التي تخلو من أي منطق سياسي، بل تتنافى مع سلوك الحزب التقليدي المتحفظ عادة في مقاربة الشؤون العسكرية وفي كشف أسرارها، يخاطب الداخل اللبناني بأي شيء . تمنى البعض لو أنه كان يفعل، لكي يحسم من رصيد الرئيس ميشال عون ومن مكانة الرئيس سعد الحريري ومن عهدهما الآتي.
ظهور مدرعات حزب الله في القصير، لا يضيف الكثير الى زعمه انه قوة إقليمية، لعل العكس هو الصحيح. العرض العسكري علامة تغيير متواضعة في موازين القوى السورية وفي توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الحلفاء ليس إلا.