عنب بلدي – العدد 79 – الأحد 25-8-2013
أسماء رشدي – داريا
في ظل الحروب والثورات يتعرّض الكبار والصغار لأبشع أنواع الظروف الصادمة والضاغطة، وإذا كان الكبار أقدر على تحمل الصدمات من الأطفال، فإن الحرب وما يصاحبها من مصائب ونكبات يكون أثرها النفسي أكبر بكثير على الأطفال، ويرجع ذلك لعدم اكتمال نضج الأطفال نفسيًا واجتماعيًا ومعرفيًا ووجدانيًا. هذا يترك الباب مفتوحًا لكل الاحتمالات، خاصة احتمالات التشوه الفكرية، ناهيك عن زلزلة قناعاتهم وتهدمها وتكوّن اتجاهات العدوان والانتقام وعدم ثقتهم بأي شيء، حتى في أنفسهم، وقد يقعون ضحيةً للخوف الشديد والكوابيس التي قد تحتوي صورًا مما عاشوه من اقتحامات عنيفة لبيوتهم، رؤيتهم لآبائهم يساقون للاعتقال، أصوات الرصاص بين الليل والنهار والقذائف التي تنزل على البيوت.
إن ما يشهده أطفالنا في سوريا اليوم من ظروف مروعة سوف تترك صورًا لا تنسى، قد تؤثر على صحتهم النفسية وتتسبب في أزمات يصعب علاجها، وقد تتحول إلى أزمات نفسية مزمنة. ومما يعيق الكشف عما يعيشه الأطفال هو عدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم، وحالتهم النفسية التي يمرون بها، بينما يختزل عقلهم هذه الأحداث الصادمة ويؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة، خاصةً إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها. لذلك وجب أن ننوه إلى دور الأهل في رعاية أطفالهم في مثل هذه الظروف الاستثنائية، هذا الدور أكثر أهمية من دور الطبيب المعالج لأن دور الأهل وقائي، أما دور الطبيب فهو علاجي والوقاية خير من العلاج.
في حال تعرض الأطفال إلى ظروف الحرب والمجازر كما يحصل مع أطفال سوريا، يتجلى دور الأهل في:
• البدء مباشرةً بإحاطة أطفالهم بالطمأنينة وعدم تركهم عرضة لمواجهة هذه المشاهد دون دعم نفسي، وذلك عن طريق الحديث المتواصل معهم وطمأنتهم بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنهم في أمان ولن يصيبهم أي أذى، بكلمات فيها الكثير من الحب والحنان.
• محاولة تشتيت انتباههم عن ما يحدث في حال وقوع الحدث المروع على مقربة منهم إذا كانوا أطفالًا صغارًا، أما إذا كانوا أطفالًا كبارًا فيمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم أنهم في مكان آمن وأن الخطر لن يطالهم.
• السماح لهم بالبكاء والسؤال عما يجري، فمن الضروري معرفة ما يدور في تفكيرهم وأن يعبروا عن مشاعرهم (الألم، الحزن، الغضب) وأحاسيسهم مع الانتباه للأسلوب والألفاظ التي يستطيع الطفل استيعابها والتفاعل معها.
• عدم إرغام الطفل على التحدث عما يزعجه إذا كان رافضًا الحديث، ولكن من الممكن تشجيعه أن يعبر بالرسم أو وصف ما حدث من خلال دور يحب أن يقوم به عادة أثناء اللعب.
• إعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن نفسه، فالطفل بحاجة إلى نشاطات قد تشكل متنفسًا لطاقاته وتشعره بأنه قادر على الحكم وقيادة نفسه والسيطرة على محيطه، وقد يتم ذلك عن طريق القصص وتمثيل الأدوار.
• المراقبة الدائمة للأطفال وملاحظة أي سلوك غريب يطرأ عليهم بحيث يتم أخذه بعين الاعتبار وعرضه على المختصين النفسيين عند توافرهم.
• التماسك في مثل هذه اللحظات العصيبة ومحاولة عدم إظهار الهلع والخوف أمام الأطفال.
لا ينبغي أن ننسى أن هناك فروقًا فردية بين الأطفال في ردّات أفعالهم، وهذا يعتمد على نوع الحدث الصادم وطبع الطفل وعمره والجو العائلي وعلاقة الطفل بأسرته وقدرته على التعبير عما يجول في فكره وتعبيره عن مشاعره. كما يجب أن لا ننسى أن الأطفال قد لا يظهرون شعورًا بالأسى والألم في صغرهم لكن تطورهم سيظل متأثرًا بصورة سلبية عن هذه التجارب، إذ قد تظهر عناصر وذكريات الأحداث الصادمة في نشاطاتهم وألعابهم بعد فترة لاحقة من الزمن لأن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليست تلك الآثار التي تظهر وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها، فهم كالزهور الصغيرة التي تذبل مع بدء الحرب وتتأثر بشكل كبير بعدها.