ناشطات داريا والدعم النفسي لأطفال المجزرة

  • 2013/08/26
  • 9:27 ص

عنب بلدي – العدد 79 – الأحد 25-8-2013
6

«أنا ما بحب الثورة … يا ريت نرجع لأيام زمان وقت ما كان في قتل»، هذا ما قاله الطفل فادي، بعد أن فقد والده أثناء مجزرة داريا في آب 2012، متوجهًا بذلك لمدربته في أحد مراكز الدعم النفسي للأطفال الذين تضرروا خلال الثورة.
منذ بداية الثورة كان لأطفال داريا نصيب من المشاريع السلمية التي تميزت بها المدينة، إذ شاركوا بمعارض ورسومات عن الثورة، كما قدموا مسرحيات تجسد معاناتهم ومعاناة أهاليهم. لكن هول المجزرة وما حملته لهؤلاء الأطفال من فقدان أقاربهم، كما حصل مع بانا ودانا معضماني اللتين فقدتا والدتهما، وصباح ورياض قفاعة اللذين فقدا أباهما وعمهما وجدهما وقرابة عشرين شهيدًا من عائلتهم، أو معاناة من التشوه والإعاقة كما حصل مع محمد الذي أصيب بقدميه ما أفقده القدرة على المشي، دفع بمجموعة من ناشطات المدينة لحضور تدريبات عن الدعم النفسي بمساعدة مختصين نفسيين، تؤهلهن للتعامل مع الأطفال المتضررين وإخراجهم من جو العنف والقتل الذي يعيشونه. وقمن بعدها بزيارات للأطفال في منازلهم بالإضافة إلى أيتام المدينة ومن ضمنهم أبناء عملاء النظام -الذين تمت تصفيتهم على يد الجيش الحر-، جمعن خلالها معلومات كاملة عنهم، ما مكنهنّ من ترتيبهم ضمن مجموعات مكونة من 15 طفل في كل مجموعة، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 12سنة بهدف دعمهم نفسيًا.
بدأت أنشطة الدعم النفسي في مركز مجهز بصفوف توفر معايير الراحة والهدوء للأطفال، حيث جهز بوسائل تربوية وألعاب متنوعة، وبدأ الأطفال بالتوافد، ونظموا في دورات خضعوا خلالها إلى برنامج من أنشطة مختلفة من الرسم والتلوين والمسابقات والقراءة وألعاب تفريغية وحركية، كما عرضت عليهم مقاطع كرتونية مسجلة أعادتهم إلى أجواء الطفولة، بعد أن اعتادوا على متابعة الأخبار والأغاني الثورية، متأثرين بذلك بمشاهد الدم والقتل، فضلًا عن مشاهداتهم بأم أعينهم.
ولاحظت المدربات أن الأطفال عبروا بشكل مختلف عن معاناتهم، إذ أبدى بعضهم حركةً وشغبًا أكثر مما كان عليه سابقًا، فيما أبدى آخرون انطواءً وحذرًا من كل ما يحيط بهم.
ضحى، التي فقدت والدها، لم تستطع اللعب مع الأطفال أو مبادلتهم الكلام، وحاولت المدربات إخراجها من هذا الجوَ، حتى استطاعت التغلب على صمتها. بينما رياض، الذي تأثر بوفاة والده وبقي فترة يبكي أمام باب بيته طالبًا من أمه أن تعيد له والده ليلعب معه، فانعكس ذلك على علاقته مع رفاقه، إذ لم يلتزم دومًا بتوجيهات المدربات، كما كان يريد كل شيءٍ لنفسه فقط، على عكس أخته صباح التي اتسمت بالهدوء.
أما أحمد الذي يبلغ من العمر عشر سنوات فكان يحرص على أخته شهد (4 سنوات) في المجموعة الثانية بعد أن استشهد والدهما، إذ كان يتفقدها كل فترة وجيزة، ويطعمها بيده، متحملًا مسؤولية «الأب الحنون» رغم صغره.
كما قامت الناشطات بإرسال بعض الأطفال الذين تأثروا نفسيًا في المجزرة إلى حد كبير -بالتعاون مع منظمات حقوقية- للمعالجة النفسية في بلدان أخرى، كما حصل مع عبير جوجو، وإرسال بعض الأطفال لمعالجة إعاقاتهم وتشوهاتهم، مثل نور وغدير كناكرية اللذين تعرضا للتشوه بعد إصابتهما بقذيفة دبابة أودت بحياة والديهما.
ولم تكتف المدربات بالدعم بمتابعة الأطفال خلال الدورات، بل استمرت المتابعة والزيارات إلى المنازل بعد انتهاء الدورات، إلى أن أضطر المدنيون النزوح من المدينة في تشرين الثاني 2012.

هؤلاء الأطفال لم يحرموا من أحبائهم فقط، بل تعدت نيران الأسد لتصل إليهم، إذ استشهد العشرات منهم خلال القصف الذي تشهده المدينة منذ أكثر من تسعة أشهر.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب