عفاف جقمور – إدلب
بقي لدى أم يوسف زيدان، ذات الستين عامًا، ولدان هما أكبر أبنائها، وبناتها الأربع، لكنّ فراغًا وحزنًا غمراها وهي تودع ثالث أبنائها وأحبّهم إلى قلبها، ما دفعها للعودة إلى الأرض التي استصلحتها قبل فترة لتزدهر بعد تراكم أحزانها، تسلو بها كلما اشتدّ عليها الألم، عساها تمضي ذلك الوقت الذي أصبح طويلًا بعد فراقهم.
كان الابن الأصغر هو الأسرع فقدًا، فوليد (27 عامًا) الذي كان أصدقاؤه يلقبونه بـ “القلب الشجاع”، انتسب للواء شهداء إدلب منذ تشكيله وشارك في معاركه.
كانت “معركة حارم” هي الأخيرة، إذ قتل فيها أواخر 2012، وتقول أخته ناديا زيدان (26 عاما)، “قدر الله أن ندفنه في حارم، كان يوصينا قبل وفاته ألا ندفنه فيها بسبب ما واجهه في تلك المعركة، لكنّنا لم نستطع فعل شيء بعدما دفنوه”.
تقول أمه إنّ مفاجأته كانت الأقل ألمًا، لأنها كانت تتوقع خبر وفاته مع كلّ رنّة هاتف، “قبل وفاته بأربعة أيام كنت أعاتبه على ظهوره على التلفزيون في مقابلة ما، اعتذر لي ودعاني ألا أقلق إن ظهر اسمي على الشاشات بعد أربعة أيّام، كان يشعر بدنو أجله. قتل بعد أربعة أيام حقًا، وكان الفقد الأول لي”.
لقي حتفه قبل التقائه بعروسه
كان أحمد على موعد مع خطبة فتاة اختارتها أخته وقررا الذهاب إليها يوم الأربعاء، لكن قبل ذلك بيومين حانت منيته.
انتسب أحمد لحركة “أحرار الشام” في أواخر 2013، وكان يعرف بدهائه وقدرته على التعامل مع الحواجز العسكرية ومساعدة عساكر على لانشقاق.
تقول أخته إن تشييعه كان عرسًا حقيقيًا، ورغم أنهم لم يخبروا كثيرين من جيرانهم بسبب الوضع الأمني السيئ في ذلك الوقت، لكنهم تفاجؤوا بمئات المشيعين.
الوداع الثالث كان الأقسى
“لم أتفاجأ بمقتل أحمد ووليد، لكن عمر لم أتوقعه أبدًا، مازلت غير مصدّقة رحيله إلى الآن”، امتلأت عيناها بالدموع وهي تتحدث إلينا، كان يعمل ببلدة سيجر كونها منطقة آمنة نسبيًا، لكن قصفًا جويًا طال محلّه.
لم تكن الأم تدري ما حدث لابنها، ولم يعرف الجيران طريقة لإخبارها، تقول أم يوسف إنهم ذهبوا ليتأكدوا من سلامته لكنها كانت تعلم أنهم ذاهبون لدفنه.
ابنه الصغير وليد، الذي يحمل اسم عمه الراحل، مايزال يتوعد بقتل الطيار الذي قتل أباه ودمّر بيت جدّته.
تجربة فقد في الماضي
أم يوسف كانت ودعت طفلة فيما مضى، سمتها ميادة، وتوفيّت وهي ابنة أربع سنوات.
وروت الأم قصة مقتل ابنتها ذات الشعر الأشقر والشفاه الكرزية، بحادث سير بتفاصيلها. لم تعلم حينها أنها ستودع إخوتها الثلاثة فيما بعد على حياتها، وتضيف “أسأل الله أن يكون امتحانًا لا عقوبة، ورفع درجات، وأن يتقبلهم الله في عداد الشهداء”.
أرض زراعية أسلو بها
بجانب البيت يوجد أرض زراعية صغيرة، ماتزال أم يوسف تتعهدها بالرعاية.
كان لدى العائلة في السابق أرض كبيرة في جوار غابات الباسل، التي تبعد خمسة كيلومترات غرب المدينة، لكن بعد رحيل زوجها وأبنائها لم يبقَ من يهتم بها وأصبح هناك صعوبة للوصول إليها، دفع ذلك أم يوسف لزرع شتلات جانب منزلها للخضراوات الأساسية تسلو بها حين تشعر بالضجر والفقد والألم.
“لا شيء أصعب من خسارة الولد”، تتنهد أم يوسف، “قصف بيتي بصاروخين فراغيين ولم أتأثر طالما أن بقيّة أولادي مازالوا بخير، حتى الأطفال حاملو أسماء الشهداء لن يعوضونا عنهم ريثما يكبرون”.