مراد عبد الجليل
“لم يبق سوى الهواء حتى تطالبنا الحكومة بدفع ثمنه”، بهذه الكلمات عبر أحد المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبه، عقب تحديد وزارة الاتصالات والتقانة في حكومة النظام السوري، في 8 تشرين الثاني، قيمة تسجيل الهاتف النقال على الشبكة السورية بعشرة آلاف ليرة سورية، إضافة إلى 800 ليرة أجرة لشركات المحمول مقابل خدمة التصريح، لتضيف معاناة جديدة على المواطن بعد سلسلة قرارات منذ بداية العام الجاري.
الكشف عن القيمة جاء بعد قرابة خمسة أشهر من إصدار “الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات” قرارًا، في 23 حزيران الماضي، طلبت بموجبه من الفعاليات التجارية والمستوردين والوافدين إلى البلاد، التصريح عن أجهزة الهاتف النقال التي يتم شراؤها، ولم تدخل إلى سوريا بطريقة نظامية عبر المنافذ الجمركية، وبالتالي لم تخضع لموافقة “الهيئة”.
مواطنون: القرار “غير عادل”
القرار الصادر لاقى موجة من الغضب على مواقع التواصل لاجتماعي من قبل المواطنين السوريين، خاصة فيما يتعلق بتحديد قيمة موحدة لأجرة التصريح لجميع أنواع الأجهزة بغض النظر عن نوعها وثمنها.
فأصحاب الجوالات التي لا يتجاوز ثمنها 60 أو 70 ألف ليرة سورية، سيدفعون ثمن فتح الشبكة بالمساواة مع مواطنين يمتلكون جوالات يقدر ثمنها بـ 300 أو 400 ألف ليرة، ما دفع بعضهم لاعتبار القرار ظالمًا ولا عدل فيه.
لكن المدير العام للهيئة الناظمة للاتصالات، إباء عويشق، أرجع توحيد قيمة التصريح وعدم ربط قيمته بنوع الجهاز، إلى “تجنب احتمالية الوقوع في أخطاء عند فرز الأجهزة وتصنيفها، ثم تحميل رسوم خاطئة لأصحاب هذه الأجهزة، أي أن الأمر يرتبط بالناحية التقنية وتقليل حجم المشكلات والأخطاء في تنفيذ عمليات التصريح”، بحسب ما نقلت عنه صحفٌ محلية.
ملايين الليرات إلى خزينة النظام والشركات
مدير الجمارك في دمشق، خالد عسكر، كشف لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، في 9 تشرين الثاني، أن عدد أجهزة الخلوي الممتلكة من التجار والتي تم تسويتها بلغ 4784 جهازًا، بقيمة نحو 20 مليون ليرة سورية أغلبها في دمشق.
وإلى جانبه أعلن عويشق، عن “مئات الآلاف” من الأجهزة الخلوية التي دخلت بطرق غير نظامية وتحتاج إلى تصريح داخل سوريا، ما يعني أن ملايين الليرات ستدخل إلى خزينة النظام السوري إن كان عن طريق الجمارك أو عن طريق تصريح الهواتف المهربة.
أحد الموظفين في شركة مابكو في دمشق (رفض الكشف عن اسمه) قال لعنب بلدي إنه عقب القرار زادت مبيعات الشركة بشكل كبير، بسبب إقبال المواطنين على شراء الجوالات من الشركة كونها دخلت البلد بشكل نظامي وغير مهربة، إضافة إلى كفالة الشركة.
وأكد أن الشركة زادت من استيرادها للجوالات عقب صدور القرار، فبعد أن كانت تستورد حوالي أربعة آلاف جهاز شهريًا ارتفع العدد إلى حدود 25 ألف جهاز.
وهذا يعني أن أكثر من 104 ملايين ليرة (201 ألف دولار باعتبار سعر الصرف 517) ستدخل إلى خزينة الجمارك شهريًا (إذا حسبنا أن كلفة كل 4784 جهاز هي 20 مليون ليرة بحسب مدير الجمارك).
وهذه قيمة الأرباح من شركة واحدة فقط (مابكو)، في حين تستورد شركات أخرى الهواتف النقالة كبراق في دمشق، تضاف قيمة تصريحها إلى قيمة تصاريح الهواتف غير النظامية.
أما عن كيفية ربح أصحاب المحلات فأكد المصدر أن الشركات بدأت ببيع الهواتف بالـ “الجملة”، وبسعر أقل من السعر المعروض بمقر الشركة بألف ليرة.
هل سيتراجع التهريب؟
وزارة الاتصالات اعتبرت أن القرار يأتي لمنع إدخال أجهزة الخلوي عبر التهريب والطرق غير الشرعية التي انتشرت في السنوات الماضية وخاصة الهواتف التي تدخل عن طريق لبنان، وكانت مصدر رزق لكثير من المحلات خاصة في برج دمشق، أهم الأماكن الذي يقصدها المواطن إذا أراد شراء جهاز أرخص من الأجهزة التي تباع في الشركات.
ودعت الوزارة المواطنين إلى تجنب شراء الأجهزة ما لم يتأكدوا من البائعين بأن هذه الأجهزة مصرح عنها أصولًا، وأنها قد خضعت مسبقًا لإجراءات التصريح المعمول بها لدى “الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات”، و”المديرية العامة للجمارك”، وسيجنبهم ذلك إجراءات التصريح وبالتالي دفع أجر التعريف.
لكن خالد علي، صاحب محل في منطقة البحصة في دمشق، اعتبر أن القرار سيحدّ من تهريب الهواتف في الوقت الراهن حتى تتضح تفاصيله وماهية تنفيذه، واستدرك أن التهريب لن يتوقف كون أن الأجهزة المهربة ستكون أرخص من الهواتف التي تدخل نظاميًا.
وعن تعريف الهاتف على الشبكة اعتبر علي أنه يمكن عقب إغلاق الجهاز للمستخدم تغيير الرقم التسلسلي له عن طريق عدة برامج، وبالتالي سيمنح صلاحية تعريف جديدة ويمكّنه من استخدامه على الشبكات السورية، عبر محلات ستنتشر لهذا الغرض والتي ستوفر على المستخدم دفع عشرة آلاف ليرة قيمة الرسم الجمركي.
وهذا ما حذر منه المدير العام لهيئة الاتصالات، بالقول إن “بعض المحال ستقدم خدمات لا يجوز تقديمها، لتغيير رقم المعرف الخاص بالجهاز، بحيث يعمل على الشبكة ويكون عبر إعطائه رقمًا من أرقام الأجهزة النظامية”، مؤكدًا أنه “من الناحية التقانية لا يمكن منع هذه الظاهرة بسهولة”.
مناطق المعارضة السورية “محرومة”
القرار سيحرم شريحة واسعة من المواطنين السوريين في مناطق سيطرة المعارضة، الذين مايزالون يستخدمون خدمات الشركتين من الاتصالات، خاصةً الذين لا يستطعيون التوجه إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام لأسباب أمنية.
مراسل عنب بلدي في درعا أكد أن القرار لن يؤثر بشكل كبير، كون أغلب المواطنين يستخدمون الشبكة الأردنية للاتصال، إضافة إلى أن أكثرهم يشترون الهواتف النقالة التي تدخل من الأردن من أجل استخدام الإنترنت فقط، وبالتالي فإن تهريب الجوالات سيستمر.
أما في مدينة إدلب شمال سوريا فأكدت مراسلة عنب بلدي عدم تأثر المستخدمين بالقرار، كون المدينة عقب سيطرة فصائل المعارضة عليها، في آذار 2015، شهدت تخريبًا لأبراج التغطية وسرقة البطاريات الخاصة بها، ما أدى إلى خروج المنطقة بشكل كامل عن تغطية شبكات الاتصال.
وأوضحت أن أغلب المستخدمين يشترون الهواتف من أجل تشغيل تطبيقات الإنترنت فقط عبر “WIFI”، والتحدث عن طريق برامج التواصل كـ “فيس بوك” و”واتس آب”.
ورغم أن بعض المناطق ماتزال تشبك اتصالاتها على الشبكة السورية، إلّا أن المناطق الشمالية من المحافظة تحوّلت إلى الخطوط التركية التي تغطي أجزاءً واسعةً منها.
أما في الغوطة الشرقية بريف دمشق فبدأ المواطنون عقب صدور القرار، بشراء هواتف دخلت بشكل نظامي، وأصبح المستخدمون يتأكدن أن الهواتف التي يدخلها مهربون من مناطق النظام إليهم مسجلة على الشبكة، عن طريق الموقع الذي طرحته وزارة الاتصالات عبر الإنترنت.
وينظر بعض المراقبين إلى قرار التصريح عن الأجهزة الخلوية، على أنه باب جديد للكسب لصالح شركتي الخلوي الوحيدتين في سوريا وهما “سيريتل” و”MTN”، ويزيد عدد المشتركين في الهاتف المحمول في سوريا عن 11 مليون مواطن، بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الاتصالات والتقانة، التي توقفت عن تحديثها منذ 2010، عبر موقعها الرسمي.