محمد قطيفان – درعا
شكّلت سلسلة التراجعات الأخيرة لفصائل المعارضة، في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، والتي تزامنت مع حالة الركود العسكري في المنطقة الجنوبية، فرصة أمام كثيرين ممن وجهوا أصابع الاتهام نحو فصائل درعا، واتهموهم بالتخاذل بحق الغوطتين والتخلي عنهما، لتصبح الأوساط الدرعاوية تحت سهام الصديق والعدو، فكيف يدافع المتهمون عن أنفسهم؟ وهل ما يُقال إنصاف أم إجحاف بحقهم؟
منذ بدأت قوات الأسد انتهاج سياسة الحصار والتجويع في غوطتي دمشق، كانت المطالبات الدائمة لفصائل المعارضة في درعا، بضرورة التحرك بفاعلية لفك الحصار عن الغوطتين، باعتبارها الأقرب جغرافيًا والأكفأ عسكريًا، رغم أنها شنت أكثر من معركة في محاولة للوصول نحو الغوطة الغربية تحديدًا، إلا أن المعارك لم تشفع لها، عندما استفاق ناشطو الثورة على مشهد الباصات الخضراء، التي فرّغت داريا والمعضمية وقدسيا من أهلها وثوارها، فأفرغ كثيرون غضبهم على محافظة درعا، التي غدت قسرًا في قفص الاتهام.
سيل الاتهامات طال جميع فصائل المعارضة دون استثناء، فجمود جبهاتها ضد قوات الأسد، أتاح للأخيرة حشد تركيزها العسكري في مكان واحد، ما أدى كما يُقال إلى “سقوط داريا وانسحاب الثوار منها”، وتساقط المدن والبلدات في الغوطتين بعدها بشكل متتالٍ وسريع.
“النظام رسم خطوط المعارك برعاية دولية“
عنب بلدي، تحدثت إلى القيادي في “الجيش الحر”، حمزة أبو يوسف، الذي لم يبرئ الفصائل من الاتهامات، “بكل تأكيد نتحمل في درعا جزءًا من المسؤولية، نظرًا لضعف العمل العسكري في الجنوب مقارنة بالقوة الكبيرة التي تمتلكها الفصائل”، إلا أن “أبو يوسف” رفض “المزاودة” التي حصلت، معتبرًا أنها لا تُجسّد المشهد كاملًا.
“تعاني درعا من كثافة الثكنات العسكرية للنظام فيها، بينما تخفى على من يطالب بفك الحصار عن الغوطتين هذه القوة”، أوضح القيادي، معتبرًا أن السبب الذي جلب السخط على فصائل الجنوب بالتحديد، “هي بعض هذه التهم التي تحمل مضامين مشبوهة”، وأشار إلى أن “فصائل الغوطة الشرقية تقاتلت فيما بينها في أشد الظروف التي مرّت بها داريا، بينما كانت فصائل الغوطة الغربية مهادنة للنظام، وبالتالي تركيز الاتهام على درعا وحدها يثير الشكوك”.
المحنة التي تعيشها الثورة في درعا اليوم، تعيشها محافظات أخرى لكن بأسلوب مختلف، وفق “أبو يوسف”، الذي يرى أن النظام رسم خطوط للمعارك برعاية دولية.
الأمر في الأوساط الدرعاوية، لم يختلف كثيرًا عن إطار الحملة خارجها، فقد طالت الاتهامات الفصائل العسكرية من قبل الأوساط الشعبية، وخرجت بعض المظاهرات الغاضبة، رفع فيها عدد من الناشطين لافتات، عبرت للمرة الأولى عن السخط الشعبي، في وقت اعتبرت بعض الأطراف أن المسؤولية شاملة لا تقتصر على جهة دون أخرى.
دعوات لتصحيح المسار
الشيخ بلال المصري، إمام وخطيب مسجد في ريف درعا الشرقي، اعتبر في حديثه إلى عنب بلدي، أن الفصائل وليدة المجتمع في درعا، وحالة الحزن والغضب بخصوص ما يحصل في الغوطتين يسيطر عليها “ويجب ألا ننسى ذلك”، مطالبًا الفصائل بتجسيد هذه الحالة على أرض الواقع، “الفصائل من تقود الثورة اليوم، وبيدها إكمالها حتى النصر، أو أن تقودنا إلى الهزيمة، لا قدر الله”.
وعن دور النخب الاجتماعية في هذه القضية، أضاف المصري، “كان من الضروري، الوقوف بوجه الحملة التي دفعت لتحميل الجهات العسكرية المسؤولية الكاملة، التي ظهر أنها نسيت قوات الأسد بشكل كامل”، داعيًا للاستفادة من هذه المرحلة “الحساسة” في عمر الثورة، “لإعادة النظر في هيكلية الفصائل وارتباطاتها، وإعادة قرارها ليد الثورة، من أيدي من سلبهم هذا القرار”.
ويرى الشيخ المصري أن الفصائل اليوم بأمسّ الحاجة للحاضنة الشعبية لتصحيح المسار، مردفًا “لن يصحح مسار الفصائل إلا حواضنها الشعبية، لذلك يجب الحذر من تأجيج أي فتنة بين الطرفين، فالمستفيد الوحيد هو النظام ومن يقف في صفه”، وفق تعبيره.
“قادات حوران للدولار قد ركعوا ، تبًا لكم قد زدتم مآسينا”، “يا للعار .. باعوا الثورة بالدولار”، عبارات كتبها متظاهرون في درعا عقب خروج أهالي مدينة داريا إلى ريف إدلب، آب الماضي، بينما عبّر آخرون عن تضامنهم معهم تحت شعار “داريا نحن معاك للموت”، مشاهد متكررة تعكس خلافًا مستمرًا حتى اليوم بين متهمين للفصائل، وآخرين يعتبرونها لعبة النظام.
يعتبر ناشطون أن الثورة السورية تحوّلت من دعم الفصائل العسكرية لبعضها، كما جرى في بدايتها، لتصبح اليوم عكس ذلك، إذ يعمل النظام جاهدًا لتغيير هذه القاعدة، ونجح، إلا في استثناءات محدودة، بفرض واقعٍ ميداني، جعل كل منطقة تتحمل أعباءها دون النظر إلى أخرى، وفق رؤيتهم.