"أجمل لحظة في حياتي عندما قُبلت بالفرع الذي أحلم به"
المنح الدراسية للطلاب السوريين.. فرصةٌ للعودة إلى أروقة الجامعات
حنين النقري – عنب بلدي
أتمّت الثورة السورية النصف الأول من عامها السادس، وكلمة “السادس” هنا ليست مجرد رقم، إذ تعني، إضافة لآلاف المعاني الأخرى، أن الطفل الذي شهد جموع المتظاهرين تمرّ أمام مدرسته صار شابًا اليوم، والشاب الذي حاول نقل النشاط الثوريّ إلى أروقة الجامعة، تجاوز سنّ التخرّج منذ سنوات.
وهو ما يبرز تعقيدًا جديدًا في قائمة التحديات التي تواجه السوريين، متمثلًا بمئات الآلاف من جيل الشباب الجديد الذين يبحثون عن فرصة لمتابعة تعليمهم ودخول حياة الجامعة والدراسة الأكاديمية خارج بلادهم، وآلاف الطلاب الجامعيين ممن انقطعوا عن تعليمهم بسبب نشاطاتهم الثورية في الجامعات السوريّة، ينتظرون أملًا جديدًا باستئنافها ونيل الشهادة. ولعلّ المنح الجامعية من أبرز نوافذ الأمل لهم جميعًا.
من مقعد الجامعة إلى المعتقل
من القاعة الامتحانيّة في كليّة الطب البشري في دمشق، اعتُقل منير (اسم وهمي)، ولم تكن قوات الأمن بحاجة لتلفيق تهمة ما إذ كانت تهمته في جيبه، وهي قيد نفوسه المسجّل في الهوية والتابع لمدينة ثائرة في ريف دمشق، يقول منير “دخل عناصر الأمر القاعة الامتحانية، سألوا عن اسمي، وسحبوني من بين زملائي بوحشيّة ولا مبالاة بحرمة للجامعة أو مشاعر الطلبة في الامتحان”.
قضى منير في المعتقل سبعة أشهر، هي الأسوأ بين سنوات عمره كلّها، حسب تعبيره، ولعل ذلك هو السبب الذي يجعله يرفض ذكر أي تفصيل لأيامه في فروع الأمن، سوى “الله يفك أسر المعتقلين”.
بعد خروجه من المعتقل لم يعد منير إلى الجامعة، فقد كان تكرار تجربة الاعتقال أمرًا محتملًا للغاية، وهنا كانت تركيا مقصده الأقرب والمتاح، يقول “فوّضتُ أحد أقربائي باستخراج أوراقي الجامعية وكشوف علاماتي من الجامعة بوكالة خاصّة، وسافرتُ إلى تركيّا على الفور”.
كان هدف منير واضحًا منذ اللحظة الأولى له، إذ يرغب بإتمام دراسته الجامعيّة “بقي لي عامان للتخرج من الطب البشريّ، وأنا مدركٌ للفائدة التي سأعود بها على بلدي وأبنائه من دراستي، لذا بدأتُ بتعلم اللغة التركية منذ الأسبوع الأوّل لي في اسطنبول بأحد المعاهد، وخلال خمسة أشهر كنتُ بمستوى يتيح لي الدراسة في الجامعة”.
إلى مقاعد الجامعة من جديد
قدّم منير أوراقه إلى جامعات تركيّة لاستكمال دراسته الجامعيّة عبر عدّة منح، لكنّه توقّف أمام شروطها، يقول عن تجربته “يُفترض عند التقدم لمنحة دراسة البكالوريوس أن يكون عمر المتقدم أقل من 26 عامًا، هنا شعرتُ بالعمر الذي ضاع في السجن والانتقال من بلد لآخر وأثناء دراسة اللغة، فشرط العمر لا ينطبق عليّ، وهكذا ضاعت عليّ فرص التقدم للمنح الدراسية”.
لم يثنِ ذلك منير عن إكمال مسيرته نحو التخرج، فراسل الجامعات التركية لاستكمال الدراسة على حسابه بعد أن اجتاز امتحان الكفاية للغة التركيّة، وكان القبول حليفه أخيرًا، يتابع “قُبلت في النهاية في جامعة تركيّة ذات مستوىً مرموق في دراسة الطبّ، وفي نفس السنة الدراسية التي توقّفت عندها، والآن تبقّى لي عام واحدٌ للتخرج ومن بعده الاختصاص”.
وتستقبل الجامعات التركية طلبات الاستكمال وفقًا للمادة “رقم 2” من القانون الخاص بها، سواء عن طريق المنح للطلبة المستوفين لشروطها، أو من خلال التسجيل المباشر في الجامعات التي تفتح باب الاستكمال مع رسوم بسيطة للتسجيل وتثبيت القيد تُدفع بداية كلّ عام دراسيّ وتختلف حسب الجامعة والتخصص والسنة الدراسية.
رسالة الأمل
أبرز المنح الدراسية في تركياتتنوع المنح الدراسية المتاحة للطلاب السوريين في الجامعات التركية، بين المنح لدراسة البكالوريوس وأخرى موجهة للدراسات العليا. كذلك تختلف المنح في مدى تغطيتها المادية لتكاليف إقامة الطالب ومعيشته. ومن أشهر المنح، منح الحكومة التركية “YTP”، وتوفر ألف منحة دراسية سنويًا للاجئين السوريين. منحة “DAFI” أحد أكبر برامج المنح لمفوضية الأمم المتحدة، وهو مفتوح للطلاب السوريين المقيمين في تركيا، ويقدم منحًا لإكمال درجة البكالوريوس. وكذلك برنامج “HOPES” للمنح الدراسية، ويموّل من قبل الصندوق الاستئماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي. |
بعد أشهر من انتظار جواب منحة “DAFI”، فقد عبادة أمله في متابعة الدراسة الجامعيّة، وقرّر البدء بالعمل في معمل خياطة تركيّ على أمل الادخار ليتمكن من دفع تكاليف معيشته ودراسته لاحقًا، يقول عبادة “رغم معدّلي المرتفع في شهادتي الثانوية وامتحان المعياريّ وهو 91%، إلا أنني لم أحصل على جواب لطلب المنح التي تقدّمت عليها، وكان الخيار الوحيد أن أعمل لأدّخر من المال ما يكفي لمعيشتي ودراستي في فترة لاحقة، فأهلي لا يملكون تكاليف دراستي وأملي الوحيد معقود على المنحة”.
براتب لا يتجاوز ألف ليرة تركية، وعملٍ يقارب 12 ساعة يوميًّا أمضى عبادة شهرين من الانتظار، ابتعد فيهما كل البعد عن أحلامه والجو الأكاديمي الذي يتمناه، يقول “كنتُ أعود منهكًا في نهاية النهار، أبحث عن أقرب وسادةٍ لأنام، أمضيتُ أيامًا صعبة بالمقارنة بين ما أريد وما أعيشه، إلى أن قررت عدم التفكير في تفوّقي أو رغبتي بالدراسة الجامعيّة، وأن أتأقلم مع حياة المشغل حيث كنتُ أعمل في طيّ الثياب وتوصيلها”.
كان الأمل في حالة عبادة رسالة بريد إلكترونيّ، وصلته بعد طول انتظار تحتوي مكان وموعد المقابلة التي طُلب لها من قبل الجهة المقدّمة للمنحة، يضيف موضحًا “علمتُ هنا أنني تجاوزت المرحلة الأولى من المنحة، فقلّة من يُطلبون للمقابلة، هناك حيث مرّت الأمور بسلاسة وعفوية وتجدد الأمل لديّ بإمكانية تحقيق حلمي”.
بعد قرابة الشهرين من المقابلة، وفي بداية شهر تشرين الثاني تحديًدا من عام 2016 تحقّقت أمنيات عبادة وحصل على منحة لدراسة الهندسة البحريّة في جامعة البحر الأسود للتقنية، يقول “لعلّها أجمل لحظة في حياتي، قُبلتُ في الفرع الذي أريده مع منحة تغطي الدراسة والسكن والمعيشة لخمسة أعوام، متضمّنة دراسة اللغة”.
لم يكد عبادة يقرأ الخبر حتى حجز في أول رحلة متوجّهة إلى ولاية طرابزون لتثبيت تسجيله في الجامعة، وبدأ الدوام في دورة تعلّم اللغة، يقول “الحمد لله كانت أمور التسجيل ميسّرة للغاية، وأنا الآن طالبٌ جامعيّ، تعرّفت على الكثير من الطلاب بمثل حالتي من أكثر من ثلاثين بلدًا في دورة اللغة، حيث أتيحت لي وأخيرًا فرصة دراسة اللغة التركية بشكل منهجي بعد عامين من عيشي في تركيا وعدم إتقاني لها”.
ماذا عن الصعوبات؟
مقابل حالات النجاح، يعاني الكثير من الطلبة السوريين على الجهة الأخرى صعوبات في الحياة الجامعية في تركيا، وفي برامج المنح المختلفة، ومن بينهم إياد، طالب هندسة إلكترون من جامعة البعث يستكمل دراسته في إحدى الجامعات التركية، يقول “كنت في السنة الدراسية الخامسة عندما اضطررت للخروج من سوريا، ما يعني أن أمامي أقل من سنة واحدة للتخرج، لكن الأمر كان مختلفًا عند قبولي في الجامعة، إذ قُبلت في السنة الثانية، وتأخر تخرّجي ثلاث سنوات”.
بالإضافة إلى ما ذكره إياد، يواجه الكثير من الطلاب صعوبة في تطبيقات التقديم إلى المنح وشروطها الكثيرة، تقول الطالبة ندى “التقدم على المنح صعبٌ وغير ممكن للجميع، فالشروط كثيرة سواء للاستكمال أو للطلبة الجدد، ويضيع الطالب بين الشهادة السورية وشهادة الائتلاف، الشهادة الليبية والشهادة التركية، امتحان المعياري وامتحان اليوس، شروط وقوانين كل نوع منها وطريقة احتساب الدرجات فيه”.
تشرح لنا ندى قصتها مع هذه الصعوبات، فبعد أن نالت شهادة البكالوريا الليبية بمعدّل جيّد جدًا، نصحها البعض بالتقدم للامتحان المعياري ولو من دون تحضير مسبق، تتابع “بالفعل تقدمت للامتحان المعياري بدافع التجربة واستجابة للنصيحة، لكني لم أعلم أن نتيجتي النهائية ستكون المتوسط الحسابي لنتيجة الثانوية ونتيجة الامتحان المعياريّ، وهكذا انخفض معدلي بشكل كبير ولم أُقبل بأيّ فرع يتناسب مع طموحي”.
تُضيف ندى أن تطبيقات المنح عن طريق الإنترنت تحتاج في غالب الأحيان لفتح مواقعها عن طريق جهاز الحاسوب، “وهو ما لا يتوافر لدى الكثير من الطلاب، عدا عن حاجتنا لدليل مختصٍ لمساعدتنا بملء هذه الاستمارات، فأي نقص أو خطأ فيها يلغي الطلب كاملًا”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :