عبادة كوجان– عنب بلدي
لا ثابت في الحدود السورية منذ مطلع القرن العشرين، فسوريا الطبيعية خسرت مناطق وولايات تعادل مساحتها الحالية بضعفين، منذ انتهاء عهد الدولة العثمانية، ودخول منطقة الشرق الأوسط مرحلة الانتداب البريطاني والفرنسي، وهو ما يطرح سؤالًا جديًّا حول مستقبل سوريا وحدودها الحالية، هل تحافظ عليها أم تتقلص ثانية، في ظل الحرب المستمرة منذ آذار 2011؟
سوريا الطبيعية
سوريا الطبيعية، أو سوريا الكبرى، هو مصطلح جيوسياسي، أطلق على الدول التي تشكل حاليًا بلاد الشام، وهي سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، بما فيها المناطق الخاضعة حاليًا للكيان الإسرائيلي، وتضم أيضًا المناطق الواقعة في الجنوب التركي، وأبرزها أضنة ومرسين وعنتاب ومرعش ولواء اسكندرون، وصولًا إلى ديار بكر وأورفة وماردين، وظلت هذه المناطق كتلة واحدة حتى أعلنت كلٌ من فرنسا وبريطانيا انتدابها للمنطقة عام 1920. |
كانت توصية رئيس الوزراء الفرنسي، أريستد بريان، في التاسع من تشرين الأول 1915، ضمن المراسلات البريطانية الفرنسية التي أدت إلى اتفاقية “سايكس بيكو”، هي “تثبيت الحدود الإدارية الحالية لسوريا، وتشتمل أرضها على ولايات أو متصرفيات القدس وبيروت ولبنان ودمشق وحلب، وفي الشمال الغربي على الجزء الكامل من ولاية أضنة الواقع جنوب طوروس”.
بعد توصية بريان، خسرت سوريا القدس وبيروت وأضنة ومناطق كثيرة أخرى، تحاول عنب بلدي تسليط الضوء عليها، وتلخيص الواقع الميداني والجغرافي في سوريا، واستشراف مستقبل البلاد، في ضوء الصراع المحلي والدولي المعقد.
اتفاقيات مزّقت سوريا الكبرى
منذ عام 1916 وحتى عام 1939، عقدت اتفاقيات على أنقاض الدولة العثمانية المتلاشية، فتت سوريا الكبرى إلى أربع دول فرضت عليها صكوك الانتداب الفرنسي البريطاني، واقتطعت أقاليمها الشمالية لصالح تركيا الأتاتوركية فيما بعد.
اتفاقية سايكس بيكو 1916
في وقت كانت الحرب العالمية الأولى مستعرة بين الألمان والحلفاء، انتدبت كل من لندن وباريس (عاصمتا القرار في العالم آنذاك)، “السير مارك سايكس” ممثلًا عن بريطانيا، و”مسيو جورج بيكو” ممثل فرنسا، على اعتبارهما من أكثر دبلوماسيي البلدين حنكة وتدبيرًا.
عقب محادثات ومباحثات سرية استمرت من أواخر عام 1915 وحتى أيار 1916، خرج الرجلان باتفاقية عرضت آنذاك على روسيا القيصرية، فوافقت عليها، مقابل اتفاق تعترف فيه بريطانيا وفرنسا بحقها في ضم مناطق معينة من آسيا الصغرى بعد الحرب.
نصت اتفاقية “سايكس بيكو” على تقسيم بلاد الشام وبلاد الرافدين إلى ثلاث مناطق: العراق وتخضع للإدارة البريطانية، سوريا وتخضع للسيادة الفرنسية، فلسطين وتخضع لإدارة دولية كمقدمة لاحتلالها من قبل اليهود بعد أعوام وفقًا لـ “وعد بلفور”.
تمتد الأراضي السورية الخاضعة للسلطة الفرنسية من السواحل الشرقية للبحر المتوسط وحتى مدينة الموصل، التي كانت تتبع لسوريا وفقًا للمعاهدة، كذلك فإنها تشمل الأراضي الجنوبية لتركيا حاليًا، بما فيها لواء اسكندرون، في حين تشمل الأراضي العراقية الخاضعة للسلطة البريطانية الضفاف الغربية والجنوبية للخليج العربي، بما فيها الكويت، وتمتد إلى الأردن.
استغلت الدول صاحبة القرار آنذاك المرض الذي ألم بجسم السلطنة العثمانية، فكانت المعاهدة التي رسمت الحدود بين الدول العربية، والتي نراها اليوم متزعزعة في ضوء الصراع في الشرق الأوسط، والذي ربما تنتج عنه حدود جديدة تزيد من عمق التقسيم.
معاهدة سيفر 1920
وقعت هذه المعاهدة في العاشر من آب عام 1920، في منطقة سيفر بفرنسا، بين العثمانيين والحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وكانت بمثابة المسمار الأخير في نعش تفكك وانهيار الدولة العثمانية، إذ تضمنت تخلي الحكومة العثمانية عن جميع الأراضي التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، بما فيها المنطقة العربية.
وخرجت منذ ذلك الوقت سوريا والعراق ومصر والحجاز عن التبعية للدولة العثمانية بشكل رسمي، لتكون منطلقًا لتشكيل حدود جديدة لدويلات متعددة في المنطقة.
معاهدة أنقرة 1921
لاحقًا وعقب معاهدة سيفر، وخلال حرب “الاستقلال” التي قادها مصطفى كمال أتاتورك لاستعادة هيبة تركيا، وإسقاط الحكومة العثمانية في اسطنبول، واسترجاع الأراضي التي انتدبتها بريطانيا وفرنسا واليونان وإيطاليا، وقّع في 29 تشرين الأول 1921 معاهدة “أنقرة” التي أعطت المناطق الشمالية من سوريا لحكومة أتاتورك.
وقعت المعاهدة في العاصمة التركية الحديثة أنقرة، بين فرنسا وتركيا، وأعادت ترسيم الحدود لتركيا لتمنح لها كلًا من: أضنة، العثمانية، مرعش، عنتاب، كلّس، أورفة، ماردين، ديار بكر، نصيبين، وجزيرة ابن عمر (جزرة)، بعد سلخها عن سوريا.
مؤتمر لوزان 1922- 1923
لم يؤثر هذا المؤتمر الذي استضافته مدينة لوزان السويسرية على الحدود السورية بشكل مباشر، بعدما اقتطعتها فرنسا لصالح تركيا عام 1920، إلا أنه أعطى شرعية دولية لتركيا بحدودها الحالية، بما فيها الإقليم السوري الشمالي المقتطع.
تعثّر المؤتمر الأول في تشرين الثاني 1922، والذي جاء بعد 20 يومًا على إعلان إلغاء السلطنة العثمانية، لفرض شروط بريطانية تقضي بإعلان العلمانية وحرية الملاحة المائية في المضائق وطرد السلطان العثماني وعائلته، وإعلان أنقرة تخليها عن الموصل (الغنية بالنفط).
إلا أن المؤتمر الثاني في لوزان، تشرين الثاني 1923، شهد مرونة من أنقرة وقبولها بالتوقيع على الاتفاقية التي تنازلت من خلالها عن سوريا والعراق ومصر والسودان وامتيازاتها في ليبيا، وأعطاها شكلها الحالي بحدودها البرية والبحرية بشكل تقريبي، فيما لو استثنينا لواء اسكندرون، الذي دخل ضمن أراضيها فيما بعد.
سلخ لواء اسكندرون 1939
يقع لواء اسكندرون شمال غرب سوريا على البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ مساحته 4800 كيلومتر مربع، تبع خلال الحقبة العثمانية لولاية حلب، ويضم حاليًا عددًا من المدن والبلدات، أهمها: أنطاكية، اسكندرون، الريحانية، قراخان.
يعد لواء اسكندرون أحد أبرز القضايا الإشكالية بين سوريا وتركيا، بين عامي 1916 و1939، إذ حظيت هذه المنطقة عقب انهيار الدولة العثمانية بحكم ذاتي يتبع للحكومة السورية، وما لبث أن أعيد ربطه بالدولة السورية عام 1926، في عهد الرئيس السوري أحمد نامي.
استصدرت فرنسا قرارًا من عصبة الأمم المتحدة عام 1937، أعطى لواء اسكندرون حكمًا ذاتيًا، وربطه شكليًا بالحكومة السورية في دمشق، لكن ما لبثت أن دخلته القوات التركية عام 1938، وانسحبت فرنسا منه.
في عام 1939 أجرت تركيا استفتاءً في اللواء، أشرفت عليه فرنسا، وأظهرت نتائجه قبولًا شعبيًا بضمه رسميًا إلى تركيا، وهو ما حدث فعلًا رغم السخط العربي من هذا الإجراء والتشكيك بنتائج الاستفتاء، ومايزال حتى يومنا هذا ضمن الأراضي التركية، تحت مسمى “إقليم هاتاي”.
شكّل سلخ اللواء صدمة للسوريين، فخرجت المظاهرات الغاضبة في شوارع دمشق وحلب وباقي المحافظات السورية، أطاحت بحكومة جميل مردم، وكانت سببًا مباشرًا لاستقالة الرئيس هاشم الأتاسي، وشكّلت قضيته صدامًا مباشرًا بين تركيا وسوريا طيلة عقود مضت.
“نكسة حزيران” واحتلال الجولان 1967
تقع هضبة الجولان جنوب غرب سوريا، إلى الغرب من العاصمة دمشق، وتبلغ مساحتها حوالي 1800 كيلومتر مربع، وتتبع إداريًا لمحافظة القنيطرة، قبل احتلال معظم مساحتها من قبل الكيان الإسرائيلي، في حزيران عام 1967، في حرب انتصرت فيها إسرائيل على القوات السورية والمصرية، وسميت بـ “نكسة حزيران”.
حاول الجيش السوري استرجاع الجولان في حرب تشرين الأول 1973، إلا أنه فشل في ذلك، وانسحبت القوات الإسرائيلية من مساحة قدرها 60 كيلومترًا شملت مدينة القنيطرة المهدمة ومحيطها، لتبقي تل أبيب سيطرتها على ثلثي مساحة الهضبة فعليًا، وقرر الكنسيت الإسرائيلي ضم المناطق المحتلة للكيان، في قرار أحادي الجانب، صدر عام 1981.
نزحت آلاف العوائل من الجولان إلى الداخل السوري، فيما آثر نحو 40 ألف مواطن البقاء في منازلهم، وأصبحت قضية المطالبة بالجولان بعد حرب 1973 إعلامية بحتة، دون تحرك فعلي لاسترداد الأراضي المحتلة، ووسط ترجيح معارضي الأسد الأب تنازله عن هذه الرقعة الجغرافية الغنية بالمياه والأراضي الزراعية الخصبة في اتفاقيات سرية مع تل أبيب.
الثورة وواقع الحدود “المهترئة”
حافظت سوريا على استقرار حدودها الإدارية طيلة أربعة عقود سبقت الثورة ضد بشار الأسد، فشهدت العلاقات بين سوريا وتركيا تحسنًا تدريجيًا، لا سيما أواخر عهد حافظ الأسد حينما وقع الجانبان اتفاقية أضنة الأمنية عام 1998، عززتها العلاقات التجارية والسياسية المميزة بين حكومة رجب طيب أردوغان وبشار الأسد مطلع الألفية الثانية إلى ما قبل آذار 2011.
الحدود الحالية لسوريا
تبلغ مساحة سوريا الحالية 185 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ طول حدودها مع الجوار نحو 2250 كيلومترًا، ويحدها من الشرق دولة العراق بحدود يصل طولها إلى 605 كيلومترات، ومن الجنوب الغربي دولة فلسطين بحدود طولها 76 كيلومترًا، ومن الجنوب مملكة الأردن بحدود طولها 375 كيلومترًا، ومن الغرب جمهورية لبنان بحدود طولها 370 كيلومترًا، ومن الشمال الجمهورية التركية بحدود تبلغ 822 كيلومترًا. |
وتزامن ذلك مع تهدئة الجبهات إلى نسبة صفر مئوية مع “العدو” الإسرائيلي، وهو ما اندرج أيضًا على الحدود البرية مع الأردن والعراق، والتي لم تشهد أي متغيرات منذ ترسيمها من قبل لندن وباريس، رغم القطيعة الدبلوماسية والمواقف الندية بين الأسد الأب وصدام حسين.
في العام الثالث للثورة ضد النظام السوري، بدأت الحدود الإدارية لسوريا تشهد ارتخاءً وضعفًا متزايدًا، كان سببه الجوهري فقدان حكومة الأسد سيطرتها على معظم المنافذ الحدودية، إلى جانب حركة اللجوء إلى دول الجوار هربًا من الحرب، ودخول التنظيمات والميليشيات المسلحة إلى ساحة الصراع، والتدخل الدولي المباشر فيها، ما ينذر بمتغيرات في جغرافية سوريا في المستقبل القريب.
تركيا تشرف من الداخل على “درع الفرات”
تشرف تركيا بشكل مباشر على غرفة عمليات “درع الفرات” منذ آب الماضي، ونجحت فصائل “الجيش الحر” المدعومة من أنقرة بالسيطرة على مساحات واسعة من مدينة جرابلس وحتى مدينة اعزاز شمال حلب، في استراتيجية تشمل مدينتي الباب ومنبج، بحسب التصريحات التركية، وهو ما يشكل “المنطقة الآمنة” التي طرحتها تركيا مرارًا خلال العام الفائت والجاري.
وباتت الحدود السورية- التركية في محافظتي حلب وإدلب تحت الهيمنة التركية، عدا عن منطقتي كوباني وعفرين، وساهمت في طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” منها بشكل كامل، وعززت النفوذ التركي في الشمال السوري.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أشار في 22 تشرين الأول الماضي، إلى أن “بعض الجهات تطلب من تركيا عدم السيطرة على بلدة الباب، إلا أن قوات المعارضة السورية المدعومة تركيًا عاقدة العزم على السيطرة على البلدة، من أجل إنشاء منطقة خالية من الإرهاب هناك”، مضيفًا “نحن نحترم الحدود السياسية الموجودة، رغم الغصة التي في قلوبنا.. ليس لدينا أدنى مشكلة مع سيادة أي دولة من دول الجوار، همنا الأول هو حماية إخواننا وتراثنا”.
حدود شاسعة لـ “الإدارة الذاتية” مع تركيا وكردستان
تسيطر “الإدارة الذاتية” المعلنة من حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي على معظم المناطق الحدودية مع تركيا، في محافظات الحسكة والر قة وحلب، وتتهم تركيا الجماعات الكردية المسلحة هناك بالتبعية المباشرة لحزب “العمال الكردستاني”، والتعاون العسكري المشترك بينهما.
كما أعلنت أنقرة مطلع تشرين الثاني الجاري تفجير نفق يمتد من نصيبين التركية إلى القامشلي السورية، في إشارة إلى التعاون العسكري بين المنظمتين الكرديتين، لكن تركيا ورغم ذلك مازالت تسيطر بشكل فعال على الشريط الحدودي، وتضبط حركة المرور فيها.
من جهة أخرى، تسيطر “الإدارة الذاتية” على المنطقة الحدودية مع العراق، من الجهة الشرقية لمحافظة الحسكة، ويقابلها في الطرف المقابل مناطق تتبع حاليًا لإقليم كردستان العراق، وتشهد الحدود بين الجانبين نشاطات تجارية متبادلة، وتضمن تنقل الأفراد والشاحنات عبر معبر “سيمالكا” الحدودي.
تنظيم “الدولة” يصل سوريا بالعراق
كسر تنظيم “الدولة الإسلامية” الحدود بين سوريا والعراق، في محافظة دير الزور والأجزاء الجنوبية الشرقية من محافظة الحسكة، وأصبحت هذه المساحة بين البلدين كتلة واحدة دون حدود إدارية منذ مطلع عام 2014.
وأسهمت الحدود المكسورة بتسهيل حركة المقاتلين العرب والأجانب في صفوف التنظيم بين البلدين بديناميكية عالية، عدا عن التبادل التجاري، وخصوصًا في مجال المشتقات النفطية، والتي توفر النقد الأجنبي لخزينة التنظيم، وأعطت هذه السيطرة الذريعة للولايات المتحدة ودول التحالف بالتغلغل بريًا وجويًا في سوريا، وإنشاء قواعد عسكرية في منطقة الرميلان بمحافظة الحسكة، وتسليح فصائل محلية لمحاربة التنظيم.
إسرائيل تتحرك على الحدود الجنوبية
شهدت الحدود الجنوبية الغربية المتاخمة للأراضي المحتلة من قبل الكيان الإسرائيلي توترًا وقصفًا مدفعيًا متقطعًا من قبل الجيش الإسرائيلي، في إطار الرد على القذائف التي تتساقط بين الحين والآخر على مستوطناته في الجولان المحتل، كما رصدت المؤسسات الحقوقية استيعاب المستشفيات الإسرائيلية لعشرات من الجرحى السوريين، في ظل غياب سلطة النظام السوري عن معظم الأراضي المتاخمة للكيان، عدا عن ناحية حضر التابعة لمحافظة القنيطرة.
في تموز الماضي، أقدمت قوات إسرائيلية على اجتياز الشريط الحدودي الفاصل مع سوريا، وتوغلت عدد من المدرعات بالقرب من تل عكاشة في محافظة القنيطرة بمسافة 400 متر، وأقامت دشمًا عسكرية وأسلاكًا شائكة في المناطق التي دخلتها، بحسب المجلس المحلي التابع للمعارضة، في خطوة هي الأولى من نوعها، وكانت هذه المنطقة تحت إشراف قوات الفصل التابعة للأمم المتحدة.
وينظر باحثون إلى هذه الخطوة كونها استغلالًا واضحًا للأوضاع والحرب في سوريا، وتعزيز نفوذ الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل، وسط ترجيحات بخطوات مماثلة قد تلجأ لها إسرائيل مستقبلًا، وتخسر من خلالها سوريا مساحات أخرى من أراضيها.
الأردن سيطرة حدودية من جانب واحد
مع إغلاق الأردن منافذها الحدودية مع سوريا، واقتصارها على إجلاء المصابين ودخول القوافل الإنسانية، باتت هي المتحكم الفعلي بالشريط الحدودي، دون وجود للنظام السوري في الطرف المقابل، رغم احتفاظ النظام بالشريط الحدودي في محافظة السويداء.
تستثمر الأردن الحدود مع سوريا بدعم فصائل الجبهة الجنوبية في الجيش الحر، عن طريق غرفة تنسيق الدعم (موك)، كذلك ساهمت في إنشاء مراكز تدريب لفصيل “جيش سوريا الجديد” في ريفي المنطقة الحدودية من البادية السورية، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
الحدود مع لبنان تحت تصرف “حزب الله”
إلى الحدود الغربية مع لبنان، والتي بات الوجود الرسمي السوري واللبناني فيها شكليًا، لهيمنة ميليشيا “حزب الله” على المنطقة الممتدة من ريف حمص الغربي وحتى جنوب القلمون في ريف دمشق.
تجاوز “حزب الله” مسألة الحدود، وسيطر فعليًا على عدد من المدن والبلدات في المحافظتين، أبرزها مدينة القصير الحدودية وريفها المجاور، ومدينة يبرود القلمونية والقرى المحيطة فيها مثل فليطة وعسال الورد.
ضمن “حزب الله” بعد هيمنته على الحدود، برضا من حكومة النظام، تدفق مقاتليه من وإلى سوريا، كونه أبرز الميليشيات الأجنبية الرديفة لقوات الأسد، وعزز بذلك سطوته محليًا، في ظل انكفاء فصائل المعارضة عن المنطقة.
استشراف المرحلة المقبلة:
هل تبقى سوريا أم تزول؟
هل تبقى سوريا أم تزول؟ هل تشهد تقسيمًا أم فدرلة؟ هل تحافظ على حدودها الإدارية أم تتآكل مجددًا؟ هي مجموعة أسئلة طرحتها عنب بلدي على الباحث السياسي ساشا العلو، في حوار رأى من خلاله الباحث أن جميع الاستفسارات يحددها ويجيب عليها شكل النظام السياسي المقبل.
عن التقسيم والفدرلة
الفدرلة، فيما لو حدثت في سوريا، فستكون في سياق غير طبيعي، إذ لا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة إلا بعد قطع مراحل المركزية الإدارية إلى المركزية السياسية، وفق اقتصاد حر ونظام اقتصادي يتماشى مع الفدرالية، أما في الحالة الراهنة فالمنطقة تسير وفق نظرية الأمريكيين، والتي باتت تسمى بـ “الفوضى الخلّاقة”، بحسب العلو.
وأوضح الباحث أن “الفوضى الخلّاقة”، تنص على تصارع القوى المحلية في المنطقة، والناجي والأقوى يتم تحضيره وتنظيفه، ومن ثم تسليمه زمام الأمور، وبالتالي هي شرعنة للفوضى، وأضاف “إذا لم نستطع السيطرة على هذه الفوضى، وطال أمد الصراع، فالشمال بفصائله سيحظى بشرعية، والجنوب كذلك الأمر، وسوريا المفيدة أيضًا، والإدارة الذاتية ستحظى بقبول كذلك، وستكون الفدرالية ضمن هذا السياق، ولن يكون لها أي تراتبية سياسية أو إدارية أو اقتصادية”.
ورأى الباحث العلو، أن معركة الموصل الحالية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” لها حساسية خاصة بالنسبة لسوريا، فما بعد الموصل لن يكون كما قبله، والوضع العراقي بعد طرد التنظيم من المدينة قد ينسحب على سوريا، عدا عن عبور مقاتليه إلى الأراضي السورية.
لكنه، رغم ذلك، لم يرجّح الباحث ساشا العلو فرضيتي التقسيم والفدرلة في المستقبل، ففعليًا الخيارات في سوريا هي رهينة توافقات دولية وإقليمية، وليس للأطراف أي مصلحة بالتقسيم، رغم أنه مشروع إسرائيلي لطالما دفعت باتجاهه، إلا أنه في الحالة السورية قد ينعسك عليهم سلبًا، لا سيما أن الأمريكيين حذّروا تل أبيب من أن فدرلة أو تقسيم المنطقة، وسحب هذا المشروع على العراق وسوريا والأردن ولبنان، قد ينتقل إلى إسرائيل ويدعم خيار الدولتين، وهو ما لا تريده تل أبيب.
الإيرانيون ليس من صالحهم هذان المشروعان أيضًا، بحسب الباحث، فطهران تريد سوريا كاملة، ومنافذ سليمة على البحر الأبيض المتوسط، وهو قاسم مشترك مع تركيا، إذ تسعى الأخيرة إلى إيقاف الطموحات الكردية، ومن الممكن أن يؤدي التقسيم إلى هوامش تولد فيها كيانات قومية تكون أنقرة الخاسر الأكبر فيها، وبالتالي فإن من يناهض مشروع التقسيم الإسرائيلي فعليًا هم الإيرانيون والأتراك.
كما سيضعف خيار الفدرلة حكومة النظام (الحكومة المركزية)، ويجعلها في موقف صعب، كما ترجح التحليلات أن الأسد قد ينكفئ إلى الساحل ويكتفي بدويلة علوية فيما لو تم التقسيم، لكن الخيارين يرفضهما بشكل قطعي، لأنهما يفقدانه المبرر لوجوده كرئيس، ويحرجانه أمام طائفته ومؤيديه.
وقال الباحث علو إن “الجغرافيا السورية، بقدر ما هي لعنة على سوريا، بقدر ما هي حامية وضامنة لها، وهذه الانزياحات التي نراها كونها مجاورة لإسرائيل وتركيا، وعقدة توازن وسياسة”، وأوضح أن دور سوريا في عهد حافظ الأسد تمارسه تركيا الآن، بعدما أصبحت عقدة توازنات في المنطقة، وتقاطع مصالح مع الفاعلين الدوليين.
حدود هشة تفتح باب الاحتمالات
لا ريب أن مستقبل سوريا بات غامضًا، يصعب التكهن فيه، حول الحكم الجديد لها وشكل البلاد بعد الحرب، إلا أن المعطيات الحالية المعقدة، والتداخلات الإقليمية غير المسبوقة فيها، تنذر بتصدع الوحدة السورية مرة أخرى، وربما نشهد اتفاقيات كتلك التي حدثت مطلع القرن العشرين، تفتتها إلى دويلات أو أقاليم يحددها الدين أوالقومية، في ظل انعدام الحالة الوطنية الجامعة. |
وبخصوص الحدود السورية، أشار العلو إلى أن لا أحد يضمن ضبطها اليوم، لكن من الممكن تثبيت نقاط تمركز، كالحالة الإسرائيلية، إذ تسعى إسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية لانتهاز الفرصة وانتزاع قرار دولي لتثبيت الحدود، وتضم الجولان بشكل قانوني، فالحدود مرسومة قبل عام 1967 وهي تحاول إعادة رسمها من جديد.
أما الأتراك، وفق الباحث، فالجميع يعلم أن تدخلهم جاء لحماية الأمن القومي التركي، وقال إن “الأتراك بطبيعة تفكيرهم، وطبيعة الحزب الحاكم القائم على تركيا، لديه ميول تجاري جدًا، وتوجههم للمناطق هو توجه استثمارات، فعلى سبيل المثال تمنع أي منظمة سورية من الدخول إلى جرابلس، فجميع المنظمات العاملة هناك تركية حصرًا”.
واستبعد العلو أن يكون دخول تركيا من الشمال بهدف السيطرة على أراضٍ جديدة، بقدر ما هي تحالفات جاءت لملء فراغ الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ودخول روسيا وإيران بدلًا عنها “دور تركيا هنا اللعب على المحورين، إذ تتطور العلاقات الروسية التركية بشكل ملحوظ، بينما تبدو العلاقات التركية الإيرانية غير صفرية، فمن الممكن الاختلاف في الموصل والتنسيق في سوريا”.
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الحدود السورية باتت رخوة، منذ كسرها عام 2014 من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو ما أدى إلى استحالة عزل سوريا عن باقي المتغيرات في المنطقة، فعلى سبيل المثال يعاني المسلمون السنة في سوريا من حالة اضطهاد عالية، يشاركهم بذلك سنّة العراق، وقال “لو أعطيت الفدرلة لسنة سوريا في حالة حدود جغرافية معينة، من الممكن أن يلتحموا على المدى البعيد مع العراقيين، وهو مشروع نادى فيه شخصيات مرموقة من كلا البلدين”.
وشدد العلو على أن النظام السياسي المقبل في سوريا، هو من يحدد الهوية السيادية والحدود الإدارية، وتابع “نحن أمام خيارات متعددة، منها إمكانية الذهاب إلى نظام “كوتا”، وهو قائم على محاصصة طائفية مثل لبنان والعراق، ويكمن الخطر على الحدود في هذا النظام، في التجارب الناجزة سياسيًا في الدول المجاورة، فدروز سوريا سيكون قرارهم عند دروز لبنان، كذلك فإن قرار أكراد الإدارة الذاتية سيخرج من أربيل أو قنديل، حسب الاستقطاب السياسي، ليس لأنهم تابعون، وإنما لوجود تجارب جاهزة”.
ومما يضعف الحدود ويمزقها، قانون “مكافحة الإرهاب”، وطالما بقيت المنظمات المصنفة “إرهابية” في سوريا، فستكون مظلة لعبور الحدود لكل الجهات، وكسرها في أي لحظة، وبالتالي فإن “الإرهاب” يعطي شرعية سياسية لأي جهة تريد التدخل في سوريا، تحت ذريعة مكافحته، بحسب الباحث.
المنطقة العازلة وسلبياتها
وفيما يخص المنطقة العازلة (الآمنة) والدور التركي الكبير في إنجازها، رجّح العلو أن قرار إنشائها بات واقعًا، حتى لو لم يصدر بشكل رسمي، مشيرًا، وفق معلومات حصل عليها، إلى أن منظمة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة بدأت تجتمع مع منظمات بهدف زراعة مساحات واسعة في المنطقة التي باتت تحت سيطرة فصائل “درع الفرات” شمال سوريا، وقال “باعتبار أن الفاو دخلت هذه المنطقة، فإن قرار المنطقة العازلة أنجز”.
وأشار الباحث إلى أن سكان المنطقة الشمالية خليط من عرب وأكراد وتركمان، وتجميعهم في المنطقة العازلة واقتطاعها لصالح تركيا مستقبلًا هو احتمال ضئيل، كونها خليطًا غير متجانس، وأضاف “لا أستطيع أن أخمن إن اقتطعتها تركيا أو لا، بقدر ما أؤكد أن هذه المنطقة لها مضار، فستؤدي إلى انكفاء الدور التركي في سوريا، باعتبارها أنجزت وأمنت بجدار بشري ثم عسكري ثم الحدود، كما من الوارد أن تشرعن استهداف باقي المناطق بالنسبة للنظام، فأي منطقة خارجها هي ليست آمنة بالمفهوم المحلي”.
ولفت العلو إلى أن عقلية الأتراك تجارية بحتة، فهم لا يطمحون بأكثر من استثمار نفوذ وليس سيطرة على الأرض “من الممكن أن يغرقوا حلب بمنتجاتهم في المستقبل، كما من الممكن أن يحافظوا على بعض آبار النفط تحت سيطرة التركمان، ما يضمن نفوذهم السياسي في سوريا مستقبلًا، كما أنهم لا يملكون مشروعًا أيديولوجيًا متبلورًا في المنطقة كالإيرانيين، الذين يدعمون النظام ويريدون السيطرة على الأرض.. الأتراك لا يتجاوز مشروعهم الاقتصاد، فهو محرك النهضة لديهم”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :