برهان عثمان – أورفة
تضاءلت الإجراءات الإدارية التي لطالما حرص تنظيم “الدولة الإسلامية” على تطبيقها في مدينة الرقة، معقله الرئيسي في سوريا، وتراجع تطبيق القوانين التي اعتنت دائمًا بالمظهر العام للمدينة، ليحل مكانها تشديد أمني وعسكري، تحسبًا لبدء هجوم مرتقب على المدينة من ريفها الشمالي.
بعد أعوامٍ ثلاثة من سيطرة تنظيم “الدولة” على الرقة، منتصف شباط 2014، ثم اختيارها لتكون “عاصمة الخلافة” بعد ستة أشهر، انتهج خلالها التنظيم سياسات “مجحفة” كما يصفها أهالي المدينة، تقف عنب بلدي من خلال التقرير على واقع الحياة داخل المدينة، وتأثيراتها على المدنيين هذه الأيام.
تصرفات التنظيم تغيّرت والأهالي متخوفون
“فرق شاسع بين التنظيم الذي صال وجال قبل ثلاث سنوات، وبين ما هو عليه اليوم”، يقول الشاب فاروق، أحد أهالي حي المشلب، ويرى أن خفايا الأمور تغيرت بشكل ملحوظ، كما تغيرت تصرفات الناس العاديين، رغم بقاء الشكل الخارجي مرسومًا بالأطر القديمة نفسها.
ويؤكد فاروق أن المدينة اليوم، غالبًا ما تشهد حملات دهم واعتقال وانتشار للحواجز الطيارة التي تفتش المارة دون سبب، وفق تعبيره، مشيرًا إلى أن المظاهر السابقة إجراءات إدارية وقانونية فرضت غرامات “قاسية” على من يخرقها، معظمها اهتمت بالشكل العام للمدينة وشوارعها.
تلك القوانين والإجراءات كانت “هيبة التنظيم”، كما يصفها فاروق، رغم اعتراض الأهالي على بعضها، “إلا أنها شكلت ضابطًا يحتاجه المجتمع المحلي ورقيبًا على التصرفات المخالفة كالسرقة، والاحتيال، والخطف، وصولًا إلى الاستيلاء على الأملاك والأموال.
الفوضى أو التنظيم
كلام فاروق تعززه روايات الأهالي الذين تحدثت إليهم عنب بلدي، واعتبروا أن التنظيم “أهون الشرين” (الفوضى أو وجود التنظيم)، ورغم اعتراضهم على أفعاله وتضييقه، إلا أنهم يستشعرون اليوم خطر الفوضى ويخافون التشرد وردات فعل عناصره مع اقتراب المعارك من المدينة، كما يقولون.
بالمقابل يعترض كثيرون على ما سبق ويتمنون الخلاص من التنظيم بأي وسيلة، وهو ما جاء على لسان الشاب محمد، مالك أحد المحال التجارية في الرقة، “أفسد عناصر التنظيم الحرث وأهلكوا النسل ودمروا كل شيء، مضيفًا بلهجة محلية “ما ضل شي نخاف عليه، خلينا نخلص”.
تخوّف من عودة السرقة والخطف
يتخوف معظم من استطلعت عنب بلدي آراءهم من عودة حالات السرقة والخطف إلى المدينة ومدن وبلدات ريفها التي تخضع لسيطرة التنظيم، وسط تدهور الخدمات داخل المدينة (النقل والاتصالات)، رغم رقابة التنظيم عليها، بينما أطلق الأخير يد التجار والباعة، وغابت بذلك الرقابة الجزئية التي كان يفرضها عناصر التنظيم، ما أدى إلى غلاء أسعار كافة المواد.
عمر نازح من دير الزور، يعيش في الرقة منذ ثلاث سنوات، يقول إن ما يخشاه الناس، هو تفاقم هذا الحال خلال الأيام والأشهر المقبلة، وخاصة مع انشغال التنظيم في حروبه على جبهات متفرقة وإهماله أوضاع المدنيين، الذين يتزايد عددهم في ظل موجات النزوح الأخيرة من مناطق في سوريا والعراق.
لطالما شغلت إدارة المدينة وتقديم الخدمات لساكنيها حيزًا واسعًا لدى التنظيم، الذي حاول فرض هيبة الدول والحكومات، من خلال نشر صور دورية لمظاهر إدارته المدينة، الأمر الذي يشهد تراجعًا ملحوظًا بشكل مستمر، فالكهرباء تغيب اليوم لساعات طويلة، كما أن المياه دائمة الانقطاع، فضلًا عن تدني المستوى الصحي في المدينة، وفق الأهالي.
ويؤكد عمر أن الشوارع التي لطالما زينها التنظيم وأعاد طلاء أرصفتها غدت اليوم متسخة، على حساب خنادق يحفرها التنظيم على أطرافها، بينما يستمر عناصره بتجميع الإطارات تجهيزًا لحرقها للتشويش على الطيران الحربي، وغطى آخرون بعض شوارع المدينة بـ “الشوادر”.
يرى بعض أهالي الرقة ومنهم الشاب محمد، الذي يقطن في شارع الباسل، أن غاية التنظيم فيما سبق لم تكن إلا إحصاء وتحديد هويات المُلّاك وأصحاب المحال، في حين يتخوف كثيرون من قادم مجهول يُشدد الخناق بشكل أكبر على الأهالي. ويقول محمد إن الحديث يدور في المدينة اليوم عن إمكانية تهجير بعض السكان من منازلهم، وهذا ما يوقع أعدادًا أكبر من الضحايا، ويدمر المدينة بشكل أوسع، وفق تعبيره.
لا أحد يستطيع الجزم بما ستعيشه المدينة قريبًا، فرغم الإعلان الأمريكي عن اقتراب معركة “تحرير” الرقة وتجهيز 40 ألف مقاتل لها، واستكمال قوات “سوريا الديمقراطية” تجهيزاتها للمعركة، فضلًا عن حديث تركيا حول نيتها في المشاركة بشروطها، إلا أن مصير الرقة يبقى غامضًا في ظل معارك الموصل.
ويؤكد مراقبون أن معارك أكبر المدن العراقية، ستنعكس دون شك على ما يجري في سوريا، وربما تدفع بالكثير من عناصر التنظيم في العراق، إلى نقل مقراتهم إلى مناطق السيطرة في سوريا وعلى رأسها الرقة، التي قد تتحول إلى خط مواجهة، في حين يُشكك كثير من العسكريين في إمكانية أن تكون عملية طرد التنظيم من الرقة أمرًا سهلًا وسريعًا، مرجحين معارك قد تطول أشهرًا وينتج عنها دمار واسع.