لماذا إدلب؟

  • 2016/11/05
  • 11:37 م
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

ليس المحللون السياسيون فقط هم الذين تساءلوا عن سر أهمية إدلب لدى النظام الأسدي وحلفائه، حتى المهجّرون أنفسهم وبالرغم من أوضاعهم المأساوية كانوا يطرحون التساؤل نفسه، أما مفاوضو المحليات المحاصرة، فكانوا يحاولون التملص من النزوح إلى إدلب ويعرضون مناطق بديلة كريف حماة أو بعض أرياف حمص (فهي أقرب إلى مهجري الغوطة والزبداني وما حولها) أو درعا (الأقرب إلى داريا)، لكنهم كانوا يفشلون أمام إصرار ممثلي الاحتلال والنظام الأسدي من جهة، ويشعرون بالحرج من العائلات التي أشرفت على الهلاك من ناحية أخرى، وقد يبررون قبولهم في سرهم بأن إدلب منطقة محررة لن يجدوا فيها من يساومهم على حياتهم وحياة أطفالهم وأسرهم.

أما المتابعون للأخبار وما تُسربه الصحافة منها، فيتحدثون عن اتفاق روسي- تركي بشأن المنطقة العازلة، ولذلك يريد الأسد وحلفاؤه ملء تلك المنطقة بالشعب المعادي لبقائه، وتفريغ المدن والأرياف ممن ينادون بإسقاطه أو بالتغيير، أو ممن لا يضمن ولاءهم الطائفي، على أن يستبدلهم بمن يدافعون طائفيًا عنه، وهو في ذلك يُحمّل السنة تحديدًا مسؤولية معاداته تغطيةً على إجرامه وبيع البلاد وجلب محتلين، ويستنفر الموالين ليقاتلوا حتى آخر رمق ورجل من أجل بقائه وأسرته إلى الأبد.

لكنّ من يتفحص الخارطة السورية وموقع إدلب فيها، سيلاحظ أنها تُشرف من جانب على سهل الغاب الذي تنتشر في جانبه الغربي القرى والبلدات الموالية، كما يمرّ من ريفها، لا سيما جسر الشغور، نهر العاصي والطريق الذي يصل حلب بالساحل، كما أن الريف الشرقي الشمالي لسهل الغاب معظم سكانه من المعارضين، يفصل بينهم وبين الموالين، وسط السهل تقريبًا، بلدات يحسب النظام سكانها من الموالين وتحسبهم المعارضة من الحياديين، أما الشمال الغربي فجبال ووديان تفصل بينها وبين شمال المنطقة الموالية، بمعنى آخر، إذا افترضنا أن سوريا المفيدة للعرش الأسدي، هي منطقة الساحل السوري وحدود سهل الغاب شرقًا فإن إدلب وريفها يحيطان بها من الشمال والشمال الشرقي، وبكل تأكيد فإن الكثافة السكانية المعادية ستشكل خطرًا على إمارتهم في حال التقسيم، مما يُسبب عدم استقرار للإمارة الأسدية وللقواعد الروسية فيها، ويُتيح (للإرهابيين) الهجوم المستمر ليس على أطراف الإمارة فحسب وإنما على أهم قلاعها بما فيها القرداحة مسقط رأس عائلة الأسد.

أما إذا كانت الاستراتيجية الروسية- الإيرانية تحسب أنها تستطيع محاصرة إدلب من خلال زنار الفوعة وكفريا وبعض القرى الأخرى التي وقفت موقف الحياد من الثورة السورية، مدعومة بنبل والزهراء من ريف حلب، فإن الكثافة السكانية في إدلب وريفها المعارض، أكبر بكثير من أن يحتويها ذلك الحزام بالرغم من موجات الميليشيات الإيرانية التي يوطنون عائلاتها في الفوعة وأخواتها، حتى أصبح عدد سكان تلك المناطق يفوق أصولها بأضعاف. وقد يراهن النظام الأسدي وحلفاؤه على الشريط الكردي المفترض والذي قد يمر من شمال إدلب، ليكون حاجزًا بين تركيا والإمارة المفيدة لآل الأسد، وليشغل بالوقت نفسه إدلب ومن بها، فهو احتمال مايزال في أدراج المساومات الدولية، وحتى في حال تنفيذه فإنه لن يعرف الاستقرار بين فكي كماشة تركيا شمالًا، وكثافة إدلب بمهجريها جنوبًا.

إن المعطيات السابقة تسبب الحيرة والتعجب من استراتيجية الأسد في التهجير إلى إدلب، يريد أن يضمن دمشق فيهجر الغوطة كاملة حتى أطرافها البعيدة إلى إدلب، التي بدورها قد تكون خطرًا واضحًا على إمارته التي يسعى إليها… لكن رؤية أوسع لمن يعتبرون أنفسهم أصحاب القرار في سوريا، ومراجعة لتقاليد الاستراتيجية الروسية فيما قامت به للقضاء على “التمرد الشيشاني”، قد يُساعد في فهمٍ لاحتمال آخر لهذا التهجير.

كانت الاستراتيجية العسكرية الروسية تعمل، إضافة إلى عوامل نفسية وطائفية ومخابراتية أخرى، على محاصرة المناطق الشيشانية الثائرة الواحدة تلو الأخرى ثم تفتح بابًا للهجرة من جانب إجباري وفق منطق غريزة محافظة الناس على حياتهم، إلى أن توصلت إلى تجميعهم بغروزني، وعندما اطمأنت إلى تطهير المناطق الثائرة جميعها من أهلها وثوارها بدأت القصف الجوي حتى دمرت غروزني بالكامل، وأعلنت نصرها التام على “الإرهابيين” الشيشان.

فهل ننتظر تنفيذ الاستراتيجية الروسية على إدلب بعد الفراغ من حلب؟ إذ من المستبعد أن يترك الروس خطرًا قادمًا على قاعدة حميميم العسكرية لا سيما بعد توسيعها، دون معالجةٍ بالعنف المطلق وفق تقاليدهم العسكرية، واطمئنانهم للموقف الدولي الغارق بالنوم، أم ننتظر اتفاقًا دوليًا يكشف المستور ويَجعلنا نرسو على بر كما يُقال؟

وريثما يتبين الخيط الأسود من الأبيض تظل الخشية من خيوط الدماء الحمر أن تلف إدلب وما حولها بأشد مما تلفها الآن الهجمات الصاروخية، والقصف المتناوب الروسي والسوري، ولا نملك إلا الأمل في أن يتوحد الثائرون ويُخططون لما يجدونه الأقرب للخطر المقبل، والدعاء بتجنيب المهجرين هجرة أخرى للعراء في وحول الشتاء أو في البحار المهلكة.

مقالات متعلقة

  1. ورود داريا
  2. ناشطو داريا لمقاتلي الغوطة: أنتم الأمل في عودة المهجرين
  3. مهجّرون يتبادلون خبرات العمل “على قلّته” في الشمال السوري
  4. حماة بين التدمير والتحرير

رأي

المزيد من رأي