يمكن التنبّؤ بقليل من مُسلّمات الكاتب وثوابته الأولى من المعيار الذي اختار اسم مؤلفه بناءً عليه، وهو “فلسفة الثورة في الميزان”.
إذ ينطلق مباشرةً إلى محاكمة فلسفة الثورة، ووضعها في الميزان، حاسمًا أصلًا قضية لُزوم وجود فلسفة تدير وتحرك فكر الثورات، وتسهمُ برسم ملامحها ومسارها.
ويبدو العقاد، الفيلسوف الذي لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، في أطروحته مقتنعًا جدًا أنّ النهايات محكومةٌ بالبدايات، فيركزُ على أهمية الالتفات للشعارات التي سيرفعها الثوار والثورة في البداية، ويشدّدُ على ألا تُنتقى عشوائيًا، لأنها ستتحول إلى مبادئ فيما بعد، توجّه مسارَ الثورة وجهودها وتضحياتها.
خلاصةُ قوله إنّه يجبُ اختيار الشعارات والمبادئ وفق معطيات الواقع، لا التقليد الأعمى لتجارب الثورات الأخرى، واستنساخ تلك التجارب والشعارات، واجتزاؤها من سياقها الزمني والمجتمعي، وإسقاطها كما هي على المجتمعات المحلية، دون التبصر بفوارق الظروف، أو اختلاف حاجات الشعوب ودوافعها التي دعتها للقيام بالثورات.
بدأ الكاتب مؤلفه بالحديث عن الفرنسيين، الذين كانوا قد قرروا شعاراتهم مُسبقًا قبل أن يقوموا بثورتهم، وهي “حرية، إخاء، مساواة”، وبأنها كانت تلخصُ أبرز ما كان الفرنسيون بحاجة إليه، قبل القيام بثورتهم.
ثمّ يقارن شعارات الثورة الفرنسية بالتركية، والتي اختارت في مظاهراتها شعار “حرية، عدالة، مساواة”، إذ حذف مبدأ الإخاء، لأن النسيج المجتمعي التركي حينها لم يكن بحاجة إلى هذا الجانب، فهو مترابط ومتآخ، بينما كان العدل والعدالة هو ما ينقصُه بشكل رئيسي.
ثمّ عرّج الكاتب على تجربة مصر مسقط رأسه، خلال الثورة في الخمسينيات، حيث اتخذت من “اتحاد، عمل، نظام” شعارًا للتعبير عن مسارها ووجهتها، ودوافع اندلاعها كذلك.
ما يمكنُ اعتبارُه زبدة الكتاب، هو ما أشار إليه العقاد في نهاية كتابه، من ضرورة أن تنطلق كل ثورة من معطيات واقعها الذي تعيشه، دون محاولة الاقتباس أو تقليد ثورات أخرى قامت في مجتمعات وظروف مختلفة، أو استجرار قصص الماضي وأخبار العظماء التاريخية، ومُحاولة إسقاط سيرتهم كاملةً على المجتمعات المحلية والواقع الحديث، لما سيؤدي إليه ذلك من مآسٍ وكوارث… بإمكاننا ملاحظةُ بعضها بوضوحٍ اليوم.