عبير حيدر
23/1/2013
«العيش في ليل داريّا إذا بردا، والراح نمزجها بالماء من بردى».
بهذه الكلمات تغنى البحتري واصفاً جمال مدينة داريّا وطيب جوها، أكبر مدن الغوطة، المولودة مع بزوغ دمشق نفسها أقدم عاصمة في التاريخ. لم يمر حدث في تاريخ دمشق إلا وكان لداريّا بصّمتها فيه، فقد تعرضت منذ القدم للتدمير والنهب مرات عدة، لاسيما على يد التتار.
بهذه الكلمات تغنى البحتري واصفاً جمال مدينة داريّا وطيب جوها، أكبر مدن الغوطة، المولودة مع بزوغ دمشق نفسها أقدم عاصمة في التاريخ. لم يمر حدث في تاريخ دمشق إلا وكان لداريّا بصّمتها فيه، فقد تعرضت منذ القدم للتدمير والنهب مرات عدة، لاسيما على يد التتار.
وكم من زلزالٍ حولها ركاماً، وفي كل مرة ترمم داريّا ضروب الزمن وتنهض من جديد. وقد واجهت المدينة الفرنسيين في معركة أطلق عليها «معركة داريّا الكبرى» حيث سقط فيها العشرات من الشهداء.
منذ بداية الحراك الشعبي قبل عامين، تميزت داريّا بحراكها السلمي رغم حملات التنكيل والاعتقال والقتل ضد أبنائها، ومنهم «غياث مطر» أحد رموز سلمية الثورة، الذي حمل الزهور في إحدى التظاهرات ليقدمها ورفاقه إلى جنود الجيش النظامي الذين اعتقلوه. وهو عُذب حتى الموت في سجنه. وتزامناً مع ارتفاع صوت الرصاص، أدرك الشباب السوري أهمية تأسيس صحف تحمل أصواتهم المهمشة لعقود طويلة.
منذ بداية الحراك الشعبي قبل عامين، تميزت داريّا بحراكها السلمي رغم حملات التنكيل والاعتقال والقتل ضد أبنائها، ومنهم «غياث مطر» أحد رموز سلمية الثورة، الذي حمل الزهور في إحدى التظاهرات ليقدمها ورفاقه إلى جنود الجيش النظامي الذين اعتقلوه. وهو عُذب حتى الموت في سجنه. وتزامناً مع ارتفاع صوت الرصاص، أدرك الشباب السوري أهمية تأسيس صحف تحمل أصواتهم المهمشة لعقود طويلة.
فقد آمنوا بأن الكلمة هي السلاح الأمضى في رسم طريق العدل ومحاربة العنف الذي لا يقود إلا للانتقام. ومن هنا فكر شبان وشابات داريّا بإصدار»جريدة» تحمل صوت المدينة المحاصرة والقابعة تحت رحمة براميل الموت والقذائف.
ومن مذاق عنب داريّا الحلو، ولِدت جريدة «عنب بلدي» لتبدد مرارة أيامها الطويلة المختنقة برائحة الدخان والبارود. هي جريدة أسبوعية تتناول مواضيع سياسية وثقافية متنوعة، يحررها مجموعة من ناشطي داريّا السلميين، لإيمانهم بدور الجريدة المحرض والناظم أثناء انتفاضتهم، ولنشر أفكارهم ورؤيتهم حول مستقبل سوريا، والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من السوريين. كان العدد «صفر» قد نُشر في 20 كانون الثاني 2012.
ورغم التزام محرري الجريدة بموعد إصدارها، إلا أنها توقفت لمرتين متتاليتين إثر القصف الذي تعرضت له المدينة وراح ضحيته أكثر من ثلاثمئة شهيد من أبنائها ومن ضمنهم أحد مؤسسي الجريدة الصحفي والناشط السلمي»محمد قريطم»، الذي ابتدع فكرة «مظاهرة الفزاعات»: كان شباب داريّا يجهزون فزاعات على شكل جسم الإنسان بأحجام مختلفة ويلبسونها ثياباً متنوعة، ومن ثم يلصقون عليها شعارات مناهضة للنظام ويضعونها في ساحة المدينة ليلاً إيهاماً بوجود معتصمين، ما كان يثير قوات الأمن الذين سرعان ما يداهمونها بإطلاق الرصاص، ظناً منهم بأنها مواطنون حقيقيون.يُعرِّف العاملون في الجريدة أنفسهم بأنهم مجموعة من الهواة، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلونها في سبيل توثيق ما يحدث في داريّا من جرائم واستباحة لحرمات المدينة أمام صمت العالم كله. يُطبع من الجريدة في كل عدد حوالي ألف نسخة، ويتم توزيعها سراً في أنحاء داريّا ودمشق وعلى الناشطين في سوريا، إضافة لوجود الجريدة على شبكة الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي.جريدة «عنب بلدي» تتضمن إضافة إلى الافتتاحية الثابتة، أبواب عدة هي: «عنب بلدي»، «عنب مشكل»، «عناقيد العنب»، «كرم الثورة»، «كرم الجيران»، «ورق عنب» و«الورقة الأخيرة». وتتنوع المواضيع تحت هذه العناوين، ما بين أخبار اقتصادية وسياسية من العالم في صفحة «عنب بلدي»، إلى أخبار الحراك الشعبي في داريّا وباقي المدن السورية، مع توثيق لأسماء الشهداء ومتابعة شؤون المعتقلين في صفحتي «كرم الثورة» و«كرم الجيران».أما في صفحة «عناقيد العنب»، فيتم نشر الصور وأسماء المواقع التي تغطي مظاهرات الثائرين ومواكب تشييع الشهداء. وفي صفحة «ورق عنب» يُنشر «ملف العدد»الذي يتناول تحقيقاً لأبرز حدث مرّ خلال أسبوع، لتحمل «الورقة الأخيرة» أنشطة وفعاليات ومناسبات خاصة بالانتفاضة.
ولم تخلُ الجريدة، كغيرها من الصحف المحترفة، من المواضيع الترفيهية كالأبراج والإعلانات ومواضيع تتناول أخبار صفحات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ملاحق ومنشورات تختص بالإسعافات الأولية أثناء الحروب.
لم تعد الجدران واللافتات تتسع لما يجول في صدور المنتفضين. ولم تعد صفحات التواصل الاجتماعي، على أهميتها، كافية لنشر ما يحدث في سوريا ولنقل أفكار الناشطين. ومن هنا فجريدة «عنب بلدي» وغيرها من الجرائد التي بدأت تعلن عن نفسها تدريجياً في المدن والمناطق السورية المختلفة، لاسيما المحررة من قبضة النظام، ليست إلا خطوات أولية نحو تأسيس ورسم هيكلية للإعلام السوري الحر في المستقبل.
* كاتبة من سورية