«رغم كل شيء، عجلة الحياة لن تتوقف»، كم من المرات سمعنا هذه العبارة تتردد على مسامعنا في إشارة إلى ضرورة استمرارنا بنشاطاتنا وما كنا نقوم به قبل الثورة، وهذا صحيح بالطبع -على الأقل بالحد الادنى لما كنا نقوم به ولا يمكننا التوقف عنه- ما سيختلف حقّا هو طريقة أدائنا وإنجازنا لهذه الأمور.
ولا شكّ أن أحد الزوايا الهامّة التي تعطّلت بشكل كبير في المدن المحاصرة والمنكوبة هي : الزواج!
نعم، حيث توقّفت مصالح وأعمال الكثيرين، وفي ظل غياب أبسط النعم التي كنا لا ندركها، توقفت مشاريع زواج كثيرة، وتأجلت زيجات العديدين انتظارًا للفرج والانتصار، بل غدا التفكير بزوايا مشابهة مستهجنًا عند البعض قبل تحرير سوريا والفرحة الكبرى.
هذا التفكير كان منطقيًا في بداية الثورة، في الأشهر الأولى، أما اليوم، في ظل الأفق الضبابي، وغياب ملمح بموعد محدد لرحيل النظام، غدا بحثنا عن أفكار عملية تساعدنا على تيسير الزواج وتسهيله لراغبيه بأبسط الوسائل وأقل التكاليف أمرًا مطروحًا، بل ومطلوبًا.
ومن هذه الوسائل:
• تيسير المهور: ربما كانت هذه الفترة فرصة ذهبيّة لإرساء هذه الفكرة، تيسير الزواج بشكل عام، وتيسير المهور وعدم المغالاة بها بشكل خاص، والمطّلع على هذه الناحية في الفترة السابقة يشهد بأن المغالاة والتفاخر بالمهور بات ظاهرة منتشرة بشكل كبير في المجتمع، لا يستثنى منها غني ولا فقير، لعلّ ظروفنا في هذه الفترة تجعلنا نعيد النظر في نظرتنا للزواج، فهو ليس صفقة تجارية يربح بها من يحصل على الثمن الأعلى!
• الحفلات: تتعذر في هذه الفترة إقامة الحفلات ببذخها ومظاهرها وصخبها السابق لسببين: الأول عدم تناسب هذه المظاهر الاحتفالية مع ارتقاء أعداد كبيرة من الشهداء يوميًا، السبب الثاني: إغلاق صالات الأفراح في معظم المدن المحتلّة وهو أمر طبيعي في ظل غياب الأمن وانتشار العصابات الأسدية في الشوراع، من الممكن الاستعاضة عنها بحفلات عائلية منزلية، تؤدي المطلوب منها من حيث إشهار الزواج وجمع الأحباب ونشر السرور في النفوس، وتكون أيسر تكلفة وبمظاهر مادية أقل.
• الهديّة: الكثير والكثير من باقات وأكاليل الزهور المكلفة (سيكون مصيرها سلة المهملات بعد يومين أو أكثر)، ساعات غالية الثمن، تحف وثريات ولوحات… أليست هذه أنماط وانواع الهدايا التي تقدم للمتزوجين ممن حولهم غالبًا، لم لا نفكر بتحويل الهدية من عبء يرهق المُهدَى بكيفية الاستفادة منه، وكيفية رده، إلى شيء نافع يحتاجه من يؤسس منزلًا وعائلة، بحيث نوفر عليه ثمن أشياء كان سيشتريها أصلًا؟
سؤالنا لمن سنهديه عما يحتاجه ويريده ليست من قلة اللباقة في شيء، بل هو من حسن التقدير لحاله، يمكننا أيضا شراء هدايا جماعية لأمور أساسية كقطع أثاث منزلية، أو تقديم وصل مدفوع من أحد المتاجر ليختار هو ما يحتاج.
كانت هذه بعض الأفكار التي أحاول من خلالها لا تيسير الزواج أثناء الثورة فحسب، بل طرح تساؤلات حول عاداتنا الاجتماعية المرسخة للمظاهر، ومحاولة للثورة عليها.
إذ أن العوائق الموجودة في وجه من يرغب بالزواج ليست نتاج الظروف الراهنة، بل هي نتاج تفكير اجتماعي يقيم للمظاهر والمادة الوزن الأكبر، ورغبتنا بتيسير الزواج اليوم، تعني رغبتنا بتيسيره وإزالة هذه العوائق الاجتماعية بعد النصر أيضًا!
أن نضطر للاقتصاد في ظروفنا اليوم شيء، وأن يغدو أسلوب عيش متبع في الرخاء قبل الشدة أمر آخر، أن نبتعد عن المظاهر والبذخ لعدم موافقتها لأسلوب معيشتنا تحت الحصار لا يعني أننا تخلصنا منها، التحدي أن تتخلص منها النفوس، وألا نعود إليها كمعايير اجتماعية في إطلاق الأحكام على الناس وفق «الأكثر»، «الأفخم»، «الأغنى»،و «الأكثر ترفًا واسرافًا»، فهل ترانا سننجح في إسقاط هذه المظاهر الزائفة من نفوسنا نجاحنا في إسقاط الظلم من بلادنا؟