غادرت القطة “لوسي” بمغادرة العائلة الشقة. كانت قد دخلتها منذ أكثر من سنتين عندما أتى بها الأخ الأكبر، توفي الأخ وغادر أهله الشقة فلم تطق البقاء بعدهم.
كائنات كثيرة شاركت أصحابها ألم الظروف التي يعيشونها، ألم القصف والنزوح والحصار، لكن خيارات تلك الكائنات كانت محدودة.
“أم صالح” صاحبة القطة “لوسي” لم تكن تهوى الحيوانات كثيرًا، ولم ترب في بيتها أيًا من الحيوانات الأليفة سابقًا، رغم تصميمه “العربي” الذي يحتوي فسحة وأرض دار.
لكن بعد نزوحها إلى أرض زراعية لأحد معارف العائلة في ريف إدلب، أصبحت تشعر بالوحدة والمللK فأتى ابنها الأكبر بقطة صغيرة لم تتجاوز الشهر من ولادتها، لتأخذ حيزًا من اهتمام العائلة.
دخول قوات الأسد إلى مدينة إدلب في آذار 2012، كان سببًا لنزوح آلاف المقاتلين مع أهاليهم إلى الأراضي الزراعية القريبة من المدينة، كأراضي “بروما” و”جدار بكفلون”، سافر بعضهم إلى تركيا فيما فضل البقية الاستقرار في هذه المناطق لسنوات ثلاث، حتى إعادة تحرير المدينة في 2015.
القطة البيضاء المشوبة بالأشقر والأسود أسمتها العائلة “لوسي”، اسم بسيط يسهل مناداتها به، واستمرت بالعيش مع العائلة سنتين وأنجبت قطتيها الصغيرتين، كانتا سلواهم في غربتهم.
مساءً، حين تأتي “لوسي” بصيدها (فأرة أو عصفورًا)، لا يحلو لها أكلها إلا داخل الشقة المكونة من غرفتين، وربما خبأته في ثنايا الغرفة ما يضطر العائلة للكثير من التنظيف بعدها. تقول “أم صالح” إن اعتيادها على العائلة جعلها تأنس بهم كما أنسوا بها.
أثناء القصف تدخل لوسي إلى الشقة محتمية بـ “محمل” عليه الكثير من الوسائد واللحف والبطانيات، لكنها عندما أصبحت أمًا صارت تحضر وليدتيها معها، وعندما كبرن قليلًا صارت تموء لهما مواء خشنًا للاختباء بجانبها.
اعتادت الحياة مع العائلة، وكانت تدخل الدجاجات العشر إلى مأواهن عند غروب الشمس، حين رأت “أبو صالح” يفعل ذلك، ثم تنادي أحد أفراد العائلة ليساعدها بنقل وليدتيها لتلاعبهما عند اجتماع العائلة مساءً.
حين تحررت مدينة إدلب عادت العائلة إلى بيتها، لكنهم لم يرغبوا بترك القطة “لوسي” في المزرعة خارج المدينة، أحضروها معهم إلى بيتهم. أصوات القصف الشديد داخل المدينة في بداية التحرير وأصوات الباعة جعلها تنكفئ على نفسها.
قلقت العائلة على القطة خشية إصابتها بمرض جراء خوفها المتزايد، فأعادوها للأرض التي كانت فيها. لم تطق “لوسي” بقاءً بعد ذهابهم، ماءت مواء حزينًا حين رأتهم يركبون سيارتهم مغادرين المزرعة للمرة الأخيرة.