دعاء بيطار
شعور الإحباط المفاجئ يصاب به الكثيرون وهو مؤشر صحي لدى غالبية بني الإنسان، فبما أننا بشر وخلقنا من ضعف فالتراجع والارتباك أمر فطري في كل منا، غير أن الأمر يتعدى عن كونه صحيًا فيما إذا كبر في نفس الإنسان وتعاظم حتى دحرج كرة الجليد بداخله إلى أعماق ذاكرته حيث تتجمع داخلها كل إخفاقاته الماضية، لتقف عائقًا في طريق أحلامه، فما إن يتعثر تفتح لديه كافة الملفات القديمة التي يتشابه فيها شعوره الحالي مع شعوره الماضي، وبالتالي تجعله منزعجًا ويحاول الهروب منها ونسيانها فيقوم بشكل لا إرادي بتفضيل المكوث في منطقة الراحة وعدم السعي إلى فهم المشكلة أو تحكيم العقل في حلها، ومن ثم يوضع هذا الملف مع سابقيه في أرشيف الفشل ليتضخم بعد ذلك هذا الأرشيف، وتتساقط أوراقه على ملامح الإنسان الداخلية والخارجية وبالتالي تتشكل شخصيته السلبية على أساسه، ليصبح من الصعب تنظيف هذا الماضي التعيس.
قد لا يكون الأمر بهذا السو، فالدماغ يرسل إشارات عند أي موقف سلبي لينبهنا أن نفتح ملفات قديمة طواها الزمن ولكنها تتشابه إلى حد كبير مع شيء يذكرنا بها الآن ولكن.. هل الحل في التعامل معها كما سبق أم بتغيير بسيط وهو استقبالها بشكل مختلف؟
لا شك أن التغيير البسيط أسرع وأفضل في ايجاد فرصة للخروج من الأزمات النفسية، فقد يكون التغيير بابتسامة بسيطة ونفس عميق، أو بكلمة طيبة وصادقة مع من نختلف معه وينتهي كل شيء، قد تكون بتغيير المكان والانسحاب الفوري أو بكأس من العصير المثلج، قد تكون في تفريغ الطاقة السلبية بالاستحمام أو الرياضة، وقد تكون بالكتابة إلى النفس أو الحديث مع شخص محب وناصح وتتعدد في ذلك الطرق للتغيير الصحيح لكل موقف سلبي إلى إيجابي بل متعد الايجابية ومزدوج النفع.
قد يكون هذا الكلام مثاليًا لدرجة أن يعتقد البعض أنه هروب من الواقع ومحاولة لملأ الصفحات بما لا فائدة منه، ولكنها طرق مجربة في التغلب على شهوة النفس الأمارة بالسوء، ولو بالتدريب على بعض هذه الطرق، فمثلا بمجرد أن تبتسم يفتح لك الدماغ كل الملفات التي تدعم هذا النمط الجديد الذي اخترته ولو بدون داع محدد، ولكنك فتحته بإرادتك وعقلك الباطن سيتم خداعه بهذه الطريقة، فسيأتى لك بكل ما يكمل تلك الصورة الجميلة وبالتالي ستكون قد أوجدت البيئة التي تستمتع بها مع من حولك بتغيير بسيط لن يكلفك سوى عضلتين في الوجه ونفس عميق.
كما أن الكتابة إلى النفس تعد أحد أهم العلاجات النفسية لأي أزمة أو موقف مزعج ظل يرافق الإنسان لفترة طويلة لما لها من أثر في تخفيف التوتر وفتح الملف وجعله عقلانيًا ومنطقيًا أكثر، بشكل ييسر على المرء فهم نفسه وما يزعجها دون الحاجة إلى مساعدة من أحد، لكن الأمر يظل عصيا على الحل ما لم تأتي عوامل أخرى لتخفيفه، فأن تتكلم إلى نفسك بصدق وتتفهمها جيدًا فقد تكون تجاوزت نصف الحل وعبرت إلى منصف الطريق ولكن تبقى الأمور معلقة ورهينة بقوة هذا الشخص النفسية واستعداداته الفطرية لأن يتجاوز المصاعب.
خلاصة القول، إن الكثير من المشاكل النفسية يكون حلها أبسط مما نتخيل بعيدًا عن المهدئات والمنومات والأقراص الطبية وعيادات الأطباء، فقد تكون بكلمة طيبة وصادقة من شخص محب، أو ابتسامة دائمة في وجه من نحب، قد تكون في نصيحة بليغة الشكل والمضمون، وقد تكون في عطاء مادي أو معنوي، وكل ذلك لا يتم إلا بتفعيل الإحساس بالآخرين وأوجاعهم وتلك المزية موجودة لدى غالبية الناس لكنها تظل مطوية في دواخلهم خوفا عليها من الاستغلال أو الإحراج، والأمر لا يعدو كونه مخاوف لا وجود لها في الحقيقة.