حذام زهور عدي
كانت إهانة بوتين لبشار واضحة، حين استدعاه على طائرة شحن روسية أرسلها لجلبه (مخفورًا) إلى موسكو، فمن يعرف الأساليب الدبلوماسية وطرق التعامل بين الرؤساء وحتى من يجهلها، يعلم مدى تلك الإهانة بالرغم من محاولة الإعلامين السوري والإيراني تبريرها والتغطية عليها.
لقد كانت الإهانة واضحة، لدرجة أن أحد المعارضين السوريين البارزين ومن أهم من يدعون لإسقاط النظام شعر بأنها إهانة لسوريا، فاحتج لدى السفير الروسي على ذلك الأسلوب في التعامل قائلًا: أنا أتمنى أن ينتهي بشار اليوم وليس غدًا، لكنني لا أستطيع قبول إهانتكم له بهذه الدرجة ليس لأنه لا يستحقها ولكن لأنكم مازلتم تعترفون به كرئيس لسوريا.
قد نتفهم أو لا نقبل منطق الدبلوماسي المعارض السابق، وقد نشمت بإهانة بشار الذي لم يترك فرصة للعالم كله كي يعبر له عن أي احترام، فهو قاتل شعبه، ومُدمّر بلده، والذي بتمسكه بالبقاء جالسًا على كرسي الحكم، سمح لغطرسة بوتين ونازيته وغروره واستكباره أن تصل الذروة، ليس باحتقاره فحسب، وإنما بإهانة السوريين جميعًا، وبوقاحة قلّ نظيرها، حتى بات يتعامل مع الشعب السوري بأسوأ من تعامله مع أي قبيلة من قبائل القوقاز، التي قبعت تحت سلطة القيصر الروسي تاريخيًا.
لم يكتف بوتين بإمداد النظام بالأسلحة وبالتغطية الدبلوماسية والإعلامية له، فأحب أن يبرهن لحلفائه الإيرانيين عن مصداقية علاقته معهم، ومع دعم بشار، فمارس الدور الذي لا يستطيع غيره ممارسته، ورفع يد الفيتو في مجلس الأمن.. واستمرت اليد مرفوعة طالما لم يدفع السوريون والعرب والعالم كله ثمن إنزالها، ذلك الثمن الذي يُتوج بوتين زعيمًا أوحد على العالم، يتلاعب بمصائر الشعوب كما يوحي إليه غروره.
فطن بوتين إلى أن بشار مستعدٌ لبيع حتى نفسه مقابل الاحتفاظ بالإرث العائلي، فلماذا لا يشتري سوريا منه، لا سيما أن سوريا هي الكرة السحرية التي توجه القيصر الأكبر، ليس على الاتحاد الروسي فقط وإنما على العالم كله، وبذا يضمن لنفسه ولروسيا أمجادًا لم تعرفها في تواريخها كلها على اختلاف أزمنتها ونُظمها.
بعد أن ضمن بوتين صفقة شراء سوريا، لم يعد تهمه السُمعة الدبلوماسية للبائع، فترك وزير دفاعه يستدعيه في أرضٍ ليست بعيدة عن مسقط رأس العائلة الأسدية ذاتها، ألم تصبح أرضه؟ ويُفاجئه في قاعدة حميميم الروسية، وبضحكة بلهاء، أظهر كغبي صغير دهشته للقاء المندوب السامي الروسي فيها.. والإعلام الروسي نشرها عمدًا.
وكان وزير خارجيته لافروف قبلًا يُفصّل لسوريا الحكم الطائفي المناسب لهم، فلا تسامح أبدًا مع مجيء السنة للحكم، وهذا لم يمنع الوقاحة الروسية من التصريح الدائم “لماذا تريدون أيها الأوغاد الثائرون أن يرحل بشار؟” وأيها العالم اترك السوريين ينتخبون من يريدون!”.
لا فارق لدى التصاريح الروسية أن تكون مهزلة وسخرية بالعالم كله، أليست طائراتهم وصواريخهم ومدافعهم ومستشاروهم وضباطهم منتشرين على أرض سوريا المفيدة لهم ولبشار معًا؟
ويستمر الاستهتار بالشعب السوري والتلاعب بمصيره دون خشية من عقوبة أو وازع من حياء أو ضمير، فيرد لافروف على من يُحملهم وزر مأساة سوريا بأنهم غير قادرين على التحكم بسلوك النظام السوري، وسرعان ما يرد رئيسه على المسؤولين الأوربيين بأنه قادر على إيقاف الأسد عن توحشه إن ضمنوا له ما يريد، وبخاصة أنه لم يُقابلهم إلا بعد أن أوحى لمجلس الدوما صنيعته أن يُقرّ بقاء الاحتلال الروسي لسوريا إلى الأبد، وضَمن ورقته بوجه الغرب كله، بالطبع الاحتلال يحتاج للمصادقة عليه من قبل الدوما وليس من قبل ممثلي الشعب السوري.
وتتابع إهانات بوتين للشعب السوري، يقذفها مع صواريخه التي تقصف السوريين في الغوطة والجنوب ودرَة الشمال، حلب، فيصرح نائب وزير دفاعه أنهم يُعدّون دستورًا للسوريين، وكأنَ السوريين إحدى قبائل مجاهل إفريقيا، ولم يبق سوى أن يأمر مجلس الشعب السوري بدعوة مجلس الدوما الروسي لمشاركته بالمصادقة على هذا الدستور، أو يرسل طائرات الشحن ليشحن أعضاء مجلس الشعب السوري فيصادق مع الدوما على ذلك الدستور، بل لماذا تتكلف روسيا أجرة الشحن المرتفعة الكلفة، الأفضل أن يشحنهم بعنابر السفن مع الأغنام وهل هناك فارق بينهم وبين الأغنام؟
وبوقاحة من يتفرعن وهو مدرك أن أحدًا لن يرده عن فرعنته، يجيب على اعتراضات ميركل وهولاند حول القصف المتوحش على حلب: أجل سأستمر بالقصف، وسأدمر حلب كما فعلت بغروزني، كأنه يقول: لن يثنيني أحد عما أريد فعله في ممتلكاتي الخاصة.
لم تكتفِ الوقاحة البوتينية بإعلانها عن جعل سوريا والشعب السوري ميادين تدريب للجيش الروسي وأسلحته، ولا عن تنسيق الأسلحة القديمة غير النافعة على رؤوس السوريين، ولا عن اعتبار سوريا اليوم جزءًا من الاتحاد الروسي وإمارة من إماراته المتخلفة، حتى تستمر بالإهانات المتعمدة لسوريا والسوريين وفي المقدمة الأسد ونظامه، أليس إرسال تلك الصحفية لمقابلته ثم نشرها لآلية المقابلة، إهانة غير مسبوقة لمن مايزال يحمل بقايا شرف أو أخلاق؟
إذا كان الثوار السوريون يردون الإهانات بأمعائهم ودمائهم وأطفالهم.. فكيف لمناصري الأسد ونظامه أن يسكتوا عنها؟ وهل يظن هؤلاء أنهم أكرم على بوتين من الشعب السوري الآخر؟ أم يظنون أن روسيا ستخرج من سوريا وينتهي الاحتلال فور إبادة السوريين المختلفين عنهم؟ لن أذكرهم بقصة الثور الأبيض والأسود، فالوقاحة البوتينية لا حدود لها، وبالتأكيد يلمس كثيرٌ منهم استهزاء الروس برئيسهم بشار فكيف سيكون الأمر معهم؟
أسألهم، أيها الموالون: هل أنتم سوريون؟ هل حقًا تجري في عروقكم الدماء السورية؟ هل تتحملون وزر استعمار استعنتم به على إخوتكم في الوطن؟ أيها الموالون متى تستيقظون؟