لم يمض شهران على تفريغ مدينة داريا في الغوطة الغربية بريف دمشق، وخروج آخر مقاتل من فصائل “الجيش الحر” باتجاه مدينة إدلب بعد الاتفاقية بين المقاتلين والنظام السوري، حتى بدأت نية النظام بالتغيير الديموغرافي للمنطقة تظهر للعيان.
اهتمام واضح أبرزته حكومة النظام بالمدينة، فطالبت وزراءها بإطلاق عملية إعادة تأهيل البنى التحتية والمنشآت العامة والشبكات في الجزء غير المدمج بمشروع الأبراج خلف مشفى الرازي.
اجتماع وزاري أول في المدينة
وزراء ومسؤولون في حكومة النظام السوري اجتمعوا في مبنى المركز الثقافي، الاثنين 24 تشرين الأول، كأول اجتماع عقب تفريغها، في آب الماضي، وضم الاجتماع كلًا من وزراء الأشغال العامة والإسكان حسين عرنوس، والصحة نزار يازجي، والإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، إضافة إلى محافظ دمشق بشر الصبان، ومحافظ الريف علاء منير إبراهيم.
وكالة الأنباء الرسمية (سانا) ذكرت أنه تم خلال اجتماع الوزراء مع مديري المؤسسات الخدمية بالمحافظتين، دراسة المخطط التنظيمي الجديد لوصل ريف دمشق بالمدينة وربطهما وظيفيًا واستثماريًا، ليتم الإعلان بشكل رسمي عن بدء مخطط المرسوم 66 الذي صدر لتنظيم منطقة خلف الرازي بالمزة، بحسب محافظ ريف دمشق، علاء منير إبراهيم.
وأكد إبراهيم أن الآليات بدأت عملها في المدينة إضافة إلى أنه “سيتم إدخال شركات القطاع العام لتأهيل مناطق ضمن المخطط التنظيمي على مراحل وفق خطط إعادة الإعمار التي رصدتها الحكومة من خلال لجنة إعادة الإعمار”.
وأعلن المكتب التنفيذي لداريا، التابع للنظام السوري، عبر صفحته في “فيس بوك” عن تقدير تكاليف الأضرار الواقعة على المباني العامة وتكاليف إعادة تأهيل البنى التحتية بـ 50 مليار ليرة سورية.
تقسيم المدينة إلى قطاعات
من جهته قال وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام، حسين مخلوف، إنه تم تخصيص المبالغ اللازمة لإعادة تأهيل داريا، وتقييم الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والمرافق الصحية والتربوية والخدمات العامة والطرقات وشبكات الكهرباء والمياه.
مخلوف أكد “تقسيم المدينة إلى قطاعات سيتم العمل فيها بشكل متتال ومتواصل، وذلك بالتعاون مع الشركات الإنشائية العامة لإعادة تأهيل البنى التحتية بالمدينة على الشكل اللائق”.
وكان مخلوف أقرّ، في أيلول الماضي بدمج جزء من مدينة داريا في الغوطة الغربية ضمن مشروع الأبراج خلف مشفى الرازي، إلا أنه لم يحدد بالضبط المنطقة التي ستدمج مع التنظيم، ومن المرجح أن تكون “الخليج الزراعي”، الواقعة شمال داريا بمحاذاة مطار المزة العسكري، وبساتين المزة المتداخلة معها، والتي سويّت بالأرض خلال الحملة العسكرية التي شنتها قوات الأسد على المدينة.
ولم تتطرق اجتماعات الحكومة إلى مسألة تعويض سكان المنطقة التي سيبدأ فيها المشروع، بعدما هجّروا منها، أو إلى تسليمهم عقاراتٍ فيه عند الانتهاء منه.
ماذا وراء الاهتمام الحكومي؟
المتتبع لإعلام النظام السوري في الفترة الأخيرة يلاحظ توجيه ماكينته الإعلامية نحو المدينة بشكل كبير، إضافة إلى الزيارات المتعددة التي يقوم بها مسؤولون في الحكومة إليها.
الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أرجع الاهتمام الحكومي بداريا إلى عدة أسباب، أولها إظهار الانتصار المعنوي للنظام، وما يؤكد ذلك أن معظم المصالحات تمت عقب سيطرته على داريا.
أما السبب الثاني فإن مشروعًا متكاملًا يتوفر الآن في داريا، فالبنية الأولية لانطلاق المشروع ونجاحه جاهزة، إضافة إلى وجود المخططات والظروف البيئية المساعدة بعد تهجير أهلها.
الأمر الثالث بحسب الكريم، هو إظهار النظام للعالم بأنه سوف يعيد بناء المدينة للأهالي من خلال انطلاق المشروع، لكن في الحقيقة المشروع ينقسم إلى مشروعين، الأول الذي يطل على المزة (مشروع الرازي) وهو مخصص لرجال الأعمال، والثاني سيكون باتجاه صحنايا (جنوب داريا).
وعن اجتماع الوزراء أكد الكريم أن الهدف هو إظهار بسط سيطرة النظام على دمشق وريفها، وبالتالي ستكون داريا نقطة لإعادة إعمار سوريا، ويصبح النظام الآمر الناهي وجميع من يريد المساهمة في إعادة الإعمار لا بد له من طرق أبوابه.
اتهامات متبادلة بين حكومة النظام التي ترى أن المشروع أحد الروافد الاقتصادية المهمة وأولى محطات إعادة الإعمار في المنطقة، والمعارضة التي ترى أنه يهدف إلى تغيير معالم وتركيبة السكان في المنطقة، مستدلةً على أن التهجير طال حوالي أربعة آلاف عائلة من المزة دون تأمين السكن البديل لها.
وظهرت نوايا تغيير التركيبة السكانية للمنطقة، بإصرار النظام السوري على إخلاء مدينة داريا من سكانها، وإحضار عائلات عراقية للسكن فيها، بحسب ما نقلته مواقع موالية للنظام.