عنب بلدي – خاص
صبيحة الجمعة، 28 تشرين الأول، بدأت فصائل المعارضة هجومًا واسعًا على أطراف مدينة حلب، يهدف في المقام الأول إلى فك الحصار عن الأحياء الشرقية الخارجة عن سيطرة النظام، والتي سعت روسيا والنظام السوري إلى تفريغها من سكانها ومقاتليها، خلال أيلول وتشرين الأول الجاري.
بدأ الهجوم في تمام العاشرة صباحًا من محورين رئيسيين، وفق خطة مغايرة لما اتبعته الفصائل في المعركة السابقة من محور الكليات العسكرية في حي الراموسة، وبزخم بدا أكبر من المعركة السابقة، من ناحية عدد الفصائل والتسليح.
من يشارك في المعركة وما هي مستويات التسليح؟
دخل نحو 14 فصيلًا من المعارضة المسلحة في معركة حلب، وتوزعوا على غرفتي عمليات رئيسية، وهي “جيش الفتح” و”فتح حلب”، وتميز الهجوم باستخدام عدد غير مسبوق من “العربات المفخخة”، وامتلاك أعداد كبيرة من الصواريخ.
وضمت غرفة عمليات “جيش الفتح” الفصائل التالية: حركة “أحرار الشام الإسلامية”، جبهة “فتح الشام”، ألوية “صقور الشام”، تجمع “أجناد الشام”، حركة “نور الدين زنكي”، “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام”.
في حين شاركت الفصائل التالية في غرفة عمليات “فتح حلب”: “الجبهة الشامية”، تجمع “فاستقم كما أمرت”، “جيش المجاهدين”، “فيلق الشام”، “جيش الإسلام”، “جيش إدلب الحر”، كتائب “الصفوة”، وجبهة “أنصار الدين”.
رافق الهجوم رمايات مكثفة على معاقل قوات الأسد في مطار النيرب العسكري، والأكاديمية العسكرية، براجمات صواريخ “غراد”، إلى جانب صواريخ ثقيلة محلية الصنع من طراز “فيل”، عدا عن عشرات الدبابات وعربات المدفعية والعربات المجنزرة، وآليات ثقيلة أخرى.
كما جهزت أيضًا فصائل في “جيش الفتح” نحو 20 عربة مفخخة لاستخدامها في العملية، وهو عدد كبير غير مسبوق في العمليات العسكرية ضد قوات الأسد، استخدمت منها خمس عربات في اليوم الأول للمعركة.
خطة تضرب قوات الأسد من محورين
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من غرفة عمليات “جيش الفتح”، فإن التكتيك المتبع في المعركة يمر بثلاث مراحل رئيسية، ابتداءً من المرحلة الأولى التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على ضاحية “الأسد” الواقعة على الأوتوستراد الدولي جنوب غرب حلب.
عقب السيطرة على الضاحية السكنية، والتي باتت تحت نيران المعارضة فعلًا، ستتجه الفصائل إلى مشروع “3000 شقة” الواقع في منطقة الحمدانية، ويحاذي ضاحية “الأسد “من الجهة الغربية، ومشروع “1070 شقة” الخاضع لسيطرة المعارضة من الجهة الجنوبية.
وفيما لو نجحت المعارضة في إنجاز المرحلتين، فإنها تكون قد أحكمت قبضتها على ضاحية “الأسد” ومشروع “3000 شقة” ومشروع “1070 شقة”، وبالتالي خط جبهة واسع ضمن المباني السكنية، لكن ورغم ذلك فإن فك الحصار يتطلب مرحلة ثالثة تبدو أكثر تعقيدًا.
وتهدف المرحلة الثالثة إلى السيطرة على أكاديمية “الأسد” العسكرية في منطقة الحمدانية، وبالتالي إحكام نفوذها على دوار الحمدانية (الموت)، وهو ما يجعل الطريق سالكًا باتجاه الأحياء المحاصرة، وسيكون دخولها من منطقة “أرض الصباغ” وحي “صلاح الدين”.
المحور الثاني للعملية سيتركز على أطراف جمعية الزهراء وحلب الجديدة في الجهة الغربية لمدينة حلب، إذ تسعى الفصائل إلى إحداث ثغرات في مواقع قوات الأسد من هذه الجهة، متبعة سياسة قضم الكتل السكنية بتغطية مدفعية وصاروخية مكثفة، وينظر إلى المعركة من هذا المحور أنها تهدف بشكل رئيسي إلى تشتيت تركيز قوات الأسد بين المنطقتين، والاستحواذ على معظم الأبنية والأراضي الزراعية في محيط حلب.
ما نتائج المعركة حتى الآن؟
فرضت فصائل المعارضة سيطرتها على ضاحية “الأسد” بشكل كامل، بعد ظهيرة الجمعة، وهو ما جعلها على أبواب الأكاديمية العسكرية، والتي تعتبر قلعة النظام الحصينة في المدينة.
كما نجحت الفصائل في السيطرة على معمل “الكرتون” وكتلة مناشر “منيان” على أطراف حلب الجديدة، واستعادت سيطرتها على مواقع قوات الأسد في مشروع “1070 شقة”.
في اليوم الثاني للمعركة، بدأ التمهيد المدفعي والناري بشكل مكثف على أطراف جمعية الزهراء، وسيطرت الفصائل أيضًا على مبنى “فاميلي هاوس” وكتلة أبنية مجاورة، ليستمر العمل على هذا المحور حتى ساعة إعداد التقرير.
أيضًا، أعلن “جيش الفتح” بدء التمهيد الناري على مشروع “3000 شقة” المجاور لضاحية “الأسد” في منطقة الحمدانية، بغية السيطرة عليه، وذلك في تمام الساعة الرابعة من عصر يوم السبت.
تبدو المعركة من حيث تعدد المحاور، من جمعية الزهراء غربًا وحتى منطقة الحمدانية في الجنوب الغربي، أكثر اتساعًا وزخمًا من سابقتها، وقد تستمر أيامًا وأسابيع حتى تحصد نتائجها المرجوة، فيما لو أتمت الفصائل المشاركة تنفيذ مراحلها بنجاح.
الرد الروسي والإعلام الرسمي
في خطوة غير متوقعة، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلبًا من هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، ينص على ضرورة استئناف القصف الجوي على مدينة حلب، بالتزامن مع إطلاق فصائل المعارضة معركة فك الحصار، وهو ما قوبل بتجاهل الإعلام الرسمي وغضب الحاضنة الموالية.
وأعلنت هيئة الأركان أنها طلبت من بوتين، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، السماح باستئناف الضربات الجوية في مدينة حلب، وقال الفريق سيرغي رودسكوي، رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان، إن “هذا القرار اتخذ بسبب استمرار سفك دماء المدنيين، ومسارعة الإرهابيين إلى استئناف الأعمال القتالية ضد القوات الحكومية”، وأكد أن “تعليق تحليق الطيران الروسي والسوري، فوق مدينة حلب مستمر منذ عشرة أيام مضت”، مضيفًا “توجهنا إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة طلب استئناف الضربات الجوية ضد التشكيلات المسلحة غير الشرعية في حلب الشرقية”.
طلب الأركان الروسية قوبل برفض بوتين بشكل قاطع، وقال الناطق الصحفي باسمه، دميتري بيسكوف، الجمعة، إن “بوتين رفض استئناف القصف من أجل إعطاء فرصة لفصل المعارضة المعتدلة عن الجماعات الإرهابية”، وأكد أنه من الضروري تمديد “التهدئة الإنسانية” في حلب فقط، كما يرى أنه من غير المناسب والمفيد استئناف القصف.
وفي السياق، تجاهل الإعلام الرسمي والموالي للنظام السوري ما أعلنه الكرملين حول رفض بوتين اسئتناف قصف الأحياء الشرقية، واقتصر خبر الوكالة الرسمية (سانا) حول الموضوع بالقول “الرئيس بوتين سيتخذ كل القرارات الاستراتيجية حول سير العملية ضد الإرهاب في سوريا”.
مؤيدو الأسد.. والنمر
بينما علّقت صفحة “القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية”، والتي تصف نفسها بأنها صفحة غير رسمية للقاعدة الروسية في حميميم، على الرفض الروسي لاستئناف القصف، بالقول “القوى البرية الصديقة المقاتلة في حلب تملك بعض الوحدات النوعية القادرة على التصدي للهجمات الإرهابية دون الحاجة للدعم الجوي”.
ورصدت عنب بلدي آراءً وتعليقات غاضبة لمتابعي الصفحة من القرار الروسي الأخير، وصل حد اتهام روسيا بـ “الخيانة”، فعلّق موريس فوزي قائلًا “فاشلين وتوقيت توقيف الضربات الجوية فاشلة، وكأن القيادة الروسية تعطي الروح للمسلحين.. لماذا المماطلة بالحسم؟”.
بينما وجّه متابع الصفحة، جلال هولا، انتقادًا لطيفًا للقيادة الروسية “الحكيمة”، جاء فيه “نحن مع الدولة الروسية شعبًا وقائدًا… وما قدمتموه كبير جدًا في سوريا، والرئيس بوتين رجل حكيم وصديق، ولكن الوضع في سوريا لا يحتمل أي بطء، في كل مرة الجماعات المسلحة تقوي نفسها، والعدو يسبقنا بخطوة دائمًا… لذلك نتمنى أن لا تقف الطلعات الجوية.. تحيا روسيا”.
إبراهيم شحادة تساءل أيضًا “ليش المماطلة من الأصدقاء الروس ليش؟.. التاريخ لن يرحم”، في حين أقرّ علي حيدر بضعف قوات الأسد دون إسناد جوي “نترجاكم أن تستأنفوا الطيران لأن المسلحين بياكلوا جيشنا من غير طيران”.
وفي خطوة وصفها متابعو صفحته بـ “التشجيعية”، قال الإعلامي السوري المؤيد للنظام، شادي حلوة، إن العقيد سهيل الحسن وصل إلى مدينة حلب، لقيادة العمليات العسكرية فيها.
وأكد حلوة أن وصول الحسن جاء بتكليف من “القيادة العامة” لقوات الأسد، ولم يعرف إلى الآن “المحور الذي سيقوم بفتح جبهة فيه وتطهيره من دنس الإرهاب”، وفق منشور عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”، صباح اليوم، السبت 29 تشرين الأول.
ويرى مؤيدو الأسد في سهيل الحسن (النمر)، الضابط المخلّص من “الإرهاب”، بحسب تعبيرهم، وشارك في معارك حمص وحماة وإدلب وحلب، في حين يرى ناشطون أن الحسن تحوّل إلى “فزّاعة” دون تأثير فعلي، وهو المعروف باتباعه سياسة “الأرض المحروقة” تجاه خصومه.
وفيما سبق، تظهر فصائل العارضة بشتى توجهاتها، القدرة المرنة على التكيف مع الواقع المفروض من قبل روسيا وإيران والنظام السوري، وتؤكد أن حلب لن تكون لقمة سائغة لمجاميع حلفاء الأسد، كما أظهرها الإعلام الرسمي، وصورها أنها ستكون في حضن الأسد قريبًا.