جريدة عنب بلدي – العد14 – الأحد – 6-5-2012
تعالت الأصوات مرددةً أجمل الهتافات ومناديةً بمطالبها التي طالما تعطشت لنيلها في سنين عجاف رزحت تحتها في ظل صمت وخنوع وظلم رهيب، لكن حين هبت رياح الربيع العربي لم تشأ لها الأقدار أن تبقى صامتة فصدحت بأعلى صوتها مطالبةً: حرية، كرامة، مساواة، عدالة انسانية، وبذلك تمحورت حولها ماهية الثورة السورية وغايتها وسرعان ما شكل الشباب الثائر أداة لهذه الغاية فنادوا بها معلنين: سلمية، سلمية، أما الشيء الذي أغنى تلك الشعارات وزادتها وعيًا وأهمية هي تلك المشاركة الشعبية بجميع فئاتها وأطيافها فزادتها جمالاً وبهاءً بندائها: إسلام ومسيحية ودروز وعلوية، عرب وكوردية، هي وحدة وطنية، وكلنا بدنا الحرية.
لكن النظام الذي اتبع مع الشعب سياسة «فرق تسد، وضروب شعبك وحسين أدبو ما بموت ليجي أجلو» ذهل أمام هذه المشاركة ولم يرق له هذا الحال واستشعر به خطرًا، فما إن دوت في أذنه أول صرخة من صرخات شعب مكلوم، مقهور حتى استعمل أداته الحربية ليسكتها بشتى الوسائل مقيمًا بذلك مبدأ القوة والغلبة للأقوى، فقتل وسجن وعذب وهجر واستباح المدن بطريقة فاقت البربرية، الشيء الذي أبهر العالم ككل والشعب السوري كجزء من هذا الانبهار، ولأنه شعب لم يعرف السياسة ولم يقربها في حياته قط وليس لشيء سوى أنها كانت من المحرمات فتركها خوفًا من جهنم النظام، فكان لهذا البعد عن السياسة أثر في هذه الثورة، حيث أخرج في بعض اللحظات «الشعب عن طورو» كما يقولون، لهول الفظائع والجرائم التي ارتكبها النظام، فبدأ هذا الشعب «المعتر»، المغلوب على أمره أن «يسب أبو هالعيشة ع شوية لعن وشتم والذي منو» كمتنفس عن الضغط الذي يتعرض له وبدأت تدخل هذه الشتائم مع تلك الهتافات المذكورة أعلاه لتطغى عليها في مرحلة من المراحل وتغدو السمة الأساسية لمطالب الشعب، الشيء الذي سيؤثر سلبًا عليه، سواء على صعيد النظام الذي سيتخذ ذلك ذريعة ومبررًا لانتهاكاته على أنه لا يوجد مطالب للشعب وإنما هي عبارة عن حالة شغب وفورة شعبية فارغة المطالب أو على صعيد الرأي العام العالمي، وفي البداية على صعيد الشعب الذي بالفعل خرج وعرض نفسه للقتل والاعتقال ولهمجية النظام لأن لديه مطالب وحقوق يريد نيلها، وبالتالي سيبعده عن أهداف الثورة من حيث لا يدري.
عفوية ردة فعل الشعب لتلك الهمجية هي نتيجة طبيعية لشعب لم يُعلّم السياسة، ولشعب تحكمه العواطف وردات الفعل، وتصعيد الشعب لبعض الشتائم هي نتيجة تصعيد النظام لانتهاكاته، ولكنها لن تزد الثورة في شيء، ولكي لا نغدو كما النظام في أخلاقه، علينا الابتعاد عما يقربنا من أسلوبه ويجعلنا نسخة أخرى عنه بمسمى آخر، فما خرجنا عليه لنصبح مثله، وأمام هذا التحول لابد من وقفة نعيد بذاكرتنا بها إلى البداية حيث النقاء والصدق والحق والشرعية للمطالب، وإن أردنا التصعيد فلنصعد بالأفكار والأهداف بعيدًا عن السباب والشتم فمثلاً «حملة أوقفوا القتل» هي كانت بمثابة مطلب جديد في ظل القتل المستمر وبالتالي لاقت قبولاً وانتشارًا واسعًا، لأنها شعار ذات مطلب، ولأن السياسة تحتاج إلى عقل أكثر منه إلى غضب وعاطفة وردة فعل عفوية فلابد من السعي إلى معالجة هذا التحول والتغلب على انحراف مسار الثورة في ظل رغبة النظام القوية في انحرافها وابتعادها عن أهدافها الأساسية، والنصر لقضيتنا والحرية للشعب السوري الأبيّ .