بعد تهجير أصحابها.. النظام يستثمر الأراضي الخاضعة لسيطرته زراعيًا

  • 2016/10/30
  • 9:26 ص
مشروع زراعي في المنطقة الغربية من محافظة درعا (راف)

مشروع زراعي في المنطقة الغربية من محافظة درعا (راف)

محمد قطيفان – درعا

تفتقر معظم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في محافظة درعا للبنية التحتية الزراعية، وتعتمد بشكل شبه كامل على ما تنتجه المناطق “المحررة”، حيث استطاعت فصائل المعارضة إحكام سيطرتها خلال السنوات الماضية على معظم ريف حوران، والذي يشكل السلة الغذائية للجنوب السوري عمومًا وصولًا للعاصمة دمشق، ليحتفظ النظام بالمراكز السيادية ذات الكثافة السكانية والموارد الغذائية المحدودة.

أثار قرارٌ غير معلن للنظام في درعا، حالة من الاستغراب والتخوف في الأوساط الشعبية، حيث بدأ بالتوجه لاستثمار الأراضي الزراعية الواقعة تحت سيطرته، في خطوة يراها مراقبون محاولة للخروج من عباءة سيطرة المناطق “المحررة” على غذاء المناطق الخاضعة للنظام، بينما رآها آخرون محاولة جديدة من النظام لفرض واقع ديموغرافي جديد في درعا، عبر التحكم واستثمار الأراضي الزراعية دون الالتفات لملاكها الأصليين.

زراعة أراض دون معرفة أصحابها

رغم أن المساحات الجغرافية الصالحة للزراعة والمتوقع أن يشملها قرار النظام، محدودة جدًا، مقارنة بتلك الموجودة في المناطق “المحررة”، إلا أن هذا التوجه بحد ذاته، يشكل تحركًا جديدًا وغير متوقع في المرحلة الحالية، ويكرس النظرية التي ينتهجها النظام بالتعامل مع المهاجرين خارج الحدود، أو السوريين المعارضين له، بأنهم غير موجودين، وتعتبر أملاكهم مستباحة.

عنب بلدي استطلعت آراء بعض أصحاب الأراضي الزراعية الذين يقطنون في المناطق “المحررة”، وتخضع أراضيهم الزراعية لسلطة النظام، فاعتبر معظمهم هذه الخطوة، استكمالًا لحالة التقسيم التي فرضتها توقف جبهات المعارك في درعا.

وأشار أبو قاسم الناصر، وهو صاحب إحدى الأراضي الزراعية في محيط بلدة جدية في ريف درعا الشمالي، إلى أنه “حتى عامين على بداية الثورة، كنت أستطيع زراعة أرضي بشكل طبيعي، وعند تحول المنطقة لنقطة اشتباك واسعة، انتشرت فيها الألغام بكثافة، لم أعد قادرًا على زراعتها”، وأضاف أنه تبلّغ من أحد المقربين منه أن هناك نشاطًا زراعيًا في أرضه، “كنت أتصور أن المنطقة التي توجد فيها أرضي عسكرية بالكامل، وهي كذلك فعلًا، فكانت المفاجأة كبيرة عندما علمت أن هناك من يعمل فيها ليزرعها”.

وعن الجهة التي تزرع أرضه حاليًا، قال أبو قاسم “بعد متابعة الأمر من قبل أحد الأصدقاء، توصلنا إلى أحد العاملين في الأرض، لنُفاجأ أن العمل بإشراف مديرية الزراعة التابعة للنظام… ثم علمت أن هناك قرارًا بزراعة كل الأراضي غير المزروعة، ليعود إنتاجها لصالح النظام”، وعبّر أبو قاسم عن عجزه عن القيام بأي شيء في الوقت الراهن “آمل أن نستطيع تحرير أرضي وكامل درعا، ويعود الحق لأصحابه من جديد”.

خطوة قد تغني عن وارد “المحرر”

بدوره قلل المهندس الزراعي، أبو يمان المسالمة، من العوائد التي سيحققها النظام من هذه الخطوة، معتبرًا أنه لن يستطيع الاستغناء عن إنتاج المناطق “المحررة” حاليًا، لكنه حذر أن تكون هذه الخطوة مقدمة لما هو أكبر، وأضاف “أرياف درعا تمتلك المقومات على المستوى الزراعي والحيواني واليد العاملة، على عكس المناطق الخاضعة للنظام”.

ولكن، تعتبر هذه الخطوة بحسب “أبو يمان”، مهمة جدًا، ويجب الوقوف عندها، مضيفًا “توجه النظام نحو الاستقلال الزراعي عن المناطق المحررة، بالإضافة للخطوة السابقة التي قام بها لجر المياه من آبار بلدة خربة غزالة باتجاه مدينة درعا بهدف الاستقلال المائي، يعني أن النظام يتحضر لما هو أكبر”، رابطًا بين هذه الخطوة وبين التحركات العسكرية لقوات الأسد في ريف درعا الأوسط “النظام يحاول السيطرة على بلدتي داعل وإبطع، وربما يسعى للتقدم بعدهما باتجاه بلدة طفس، التي تعتبر البلدة الأهم زراعيًا في حوران”.

وأشار المهندس الزراعي إلى أن هذه الخطوة ليست وحيدة، فمديرية الزراعة في درعا، بالتعاون مع إحدى الجهات الدنماركية، تقيم حاليًا دورات زراعية للمواطنين، بهدف تعليم الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتزويدهم ببعض المعدات اللازمة، “بكل تأكيد يعتبر استثمار الأراضي الزراعية، مكملًا لخطوة تدريب الأهالي، ويبدو أننا أمام خطة كاملة ينتهجها النظام لاستعادة السيطرة الزراعية”.

وختم المهندس المسالمة محذرًا هيئات المعارضة في درعا عمومًا والفصائل العسكرية خصوصًا، من التبعات المترتبة على سعي النظام للاستغناء عن منتجات المناطق الخاضعة لسيطرتها، موضحًا “قد لا يقتصر سعي النظام في المرحلة الحالية على الاستغناء عن إنتاج المناطق المحررة، بل ربما يتوسع للتضييق عليها، ودفعها للخيارات الأصعب”.

شكلت سيطرة المعارضة المسلحة على معظم أرياف المحافظات السورية، ضربة اقتصادية كبيرة للنظام، ظهرت آثارها تدريجيًا مع مرور الوقت، فانقسمت مناطق النفوذ في سوريا، بين المعارضة التي تسيطر على الموارد الرئيسية، وبين النظام الذي تفتقر معظم مناطقه لهذه الموارد، ويبدو أن التوجه العسكري الجديد للنظام، والخطوات التي ترافق هذا التوجه، تهدف إلى البحث أو استعادة السيطرة، على الموارد الاقتصادية المهمة، لإنعاش اقتصاده، وإضعاف اقتصاد المعارضة في وقت واحد، فهل لدى المعارضة أي خطط مضادة؟

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية