عانت مدن وبلدات الغوطة الشرقية بعد حصار النظام السوري لها مطلع عام 2013، من فراغ أمني كبير كان له تأثيره على فئة من الأطفال في القطاع الجنوبي منها على وجه الخصوص، الذين ضبطوا من قبل فصائل الغوطة بجنايات مختلفة، كان أبرزها استدراجهم من قبل النظام وتنفيذ إملاءاته.
في تلك الفترة الزمنية ضُبط العشرات من الأطفال وأودعوا في سجن “التوبة”، الذي يديره “جيش الإسلام” حتى اليوم، بعد أن اعتبره الفصيل “موضوعًا خطيرًا”، إلا أن مصدرًا مطلعًا (رفض كشف اسمه)، أكد لعنب بلدي أنهم وضعوا في مكان خاص وتلقوا الدروس الشرعية والتعليمية، حتى نقلوا إلى إصلاحية تديرها قيادة الشرطة في الغوطة عام 2014.
النظام يستدرج أطفال الغوطة الفقراء
تهمٌ مختلفة وُجّهت للأطفال الذين كانوا يتخذون من معبر مخيم الوافدين مكانًا لكسب رزقهم، باعتبارهم فئة فقيرة وجاهلة. ووفق مصدر “جيش الإسلام” فقد كان النظام يستدرجهم من المخيم، الذي يقع قرب أوتوستراد دمشق- حلب، ويغريهم ويجبرهم على نزع الألغام التي زرعها “جيش الإسلام”، على طول خط الجبهة القريب من “الوافدين”، كما أجبرهم على زرع ألغام داخل مناطق سيطرة الفصيل.
لم تطل فترة بقاء الأطفال داخل سجن “التوبة”، حتى اعترفوا بتورطهم بعمليات قتل بالإجبار واستدراجٍ للنساء إلى مناطق النظام وتعطيل الألغام، ثم نقلوا إلى سجن “الإصلاحية”، الذي يتبع للقيادة الموحدة المشكلة في آب 2014، تحت قيادة زهران علوش، ممثلة عن الفصائل العسكرية، والهيئة العامة التي تنوب عن المؤسسات العاملة على أرض الغوطة.
داخل “الإصلاحية”
معظم أهالي الغوطة لا يعلمون بوجود سجن “الإصلاحية” في مدينة دوما، ويقتصر أمر معرفته على أهالي الأطفال الذين سجنوا داخله، ويعتقد أنه أنشئ خصيصًا للأطفال الذين نقلوا من سجن “التوبة”، بينما يقول هيثم عبد الغني، مدير العلاقات العامة في قيادة الشرطة، لعنب بلدي إنه تأسس لإعادة تأهيل وتعليم الأطفال الذين أخطؤوا.
يضم السجن ساحة للتمارين الرياضية والفترة الترفيهية، وكادرًا تعليميًا يعمل في مجال الدعم النفسي وإصلاح الأطفال الأحداث، لإعادة دمجهم في المجتمع من جديد، ويرى عبد الغني أن الحصار دعا بعض الأطفال للخروج إلى مناطق النظام وأصبحوا عرضة لاستغلال عناصره، واستخدموا في نقل المعلومات من داخل الغوطة.
ويتابع كادر السجن الوضع الصحي للأطفال الذين يحصلون على طعامٍ يطبخ داخل “الإصلاحية”، ويراعى فيه برنامج غذاء معين (حليب، ولحوم، وأسماك وغيرها)، كما دعمت بعض المؤسسات الإغاثية مشروع الإطعام، إضافة إلى الاهتمام بالنظافة، وفق عبد الغني، الذي يوضح أن زيارة الأهالي للأطفال داخل السجن متاحة في أي وقت.
آخر أربعة “أحداث” خرجوا قبل حوالي شهرين، بعد أن أمضوا فترة عامٍ كاملٍ داخل السجن لتعاملهم مع النظام في وقت سابق، ويؤكد عبد الغني أن الشرطة تتابعهم وتراقبهم حتى اليوم، بينما استقبل السجن بعض الأطفال المتهمين بالسرقات “الكبيرة والصغيرة”، وخرجوا جميعًا بعد أيام، على خلفية كتابة تعهد من قبل الأهل، يضمن عدم تكرار الحادثة.
وتراوحت أعداد الأطفال داخل المركز خلال الفترة ذاتها، بين خمسة إلى 15 طفلًا، واختلفت أعمارهم بين ثماني سنوات و14 عامًا، جميعهم تلقى التعليم المسرّع (التركيز على المواد الأساسية)، على يد معلمة وشرعي لإعادة تأهيل الطفل، “كي يكون لديه كمٌّ جيدٌ من المعلومات حين خروجه، يساعده على الاندماج مع أقرانه في المدارس خارج الإصلاحية”.
لا يدخل الطفل إلى “الإصلاحية” إلا بعد أن يحكم القضاء في الغوطة، ويرسل كوادر السجن تقارير دورية عن حالة الأطفال للقضاء، ويؤكد مدير العلاقات العامة في قيادة الشرطة أن أطول مدة قضاها الأطفال بلغت عامًا واحدًا، “بعد أن جاءت مخففة لأحكام بين أربع وخمس سنوات تبعًا للتقارير المرسلة وبعد التأكد من أن الطفل لن يجلب أي خطر وأصبح جاهزًا للاندماج في المجتمع”.
رفض أهالي بعض الأطفال الذين عاشوا تجربة السجن داخلها الإدلاء بأي تصريح لعنب بلدي، إلا أن سجن “الإصلاحية” خالٍ من الأطفال حاليًا، ووفق ناشطي الغوطة فإن قيادة الشرطة مازالت تستجيب للمؤسسات المدنية دون تمييز، رغم الإشكاليات بين الفصائل، والتي أوقفت العمل بالقيادة الموحدة، التي تتبع لها الشرطة.
تابع قراءة ملف: من المهد إلى الحرب.. أطفال سوريا كبروا
– أطفال مقاتلون في سوريا.. جميع الأطراف تنتهك القانون
– أرقام “مخيفة” عن واقع الأطفال في سوريا
– “يونيسف” لعنب بلدي: لا نستطيع الوصول لكل الأطفال وتحديد المجرم ليس مهمتنا
– المعاهد الشرعية للأطفال.. منهجٌ يلقى قبولًا في إدلب
– معلمون يعملون “آباءً” لأبناء الشهداء في إدلب
– الغوطة الشرقية.. المجالس المحلية ومديرية التربية ترعيان التعليم
– مكتب “أصدقاء اليتيم” يرعى نشاطاته في دوما
– “بيت العطاء” مدرسة داخلية لرعاية الأيتام في الغوطة الشرقية
– “لمسة عافية” يرعى ذوي الاحتياجات الخاصة
– روضة “البيان” تنفرد برعاية الصم والبكم في الغوطة
– إصلاحية للأطفال “الأحداث” تُعيد تأهيلهم في الغوطة الشرقية
– حوران.. “غصن زيتون” تجربة رائدة في العناية بالطفل
– أطفال أطلقوا شرارة الثورة ثم غطوها إعلاميًا
– نشاطات لإنقاذ أطفال حلب.. التسرب من التعليم طال نصفهم
– حمص.. المنظمات والهيئات تُخفف معاناة الأطفال والمشاكل مستمرة
– “الإدارة الذاتية” تُجهّز منهاجًا جديدًا للتلاميذ والطلاب في الحسكة
– أطفال سوريون أثارت مأساتهم الرأي العام العالمي
– الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.. معركة بعد المعركة
– المسرح والتمثيل طريقٌ للسلام في “بسمة وزيتونة”
– الطفل السوري ضحيةٌ لجميع الحروب
لقراءة الملف كاملًا: من المهد إلى الحرب.. أطفال سوريا كبروا