ضحايا، مقاتلون، محرومون، جائعون.. لم يسلم أطفال سوريا من تبعات الحرب التي أدخلت اضطرابات إلى حياتهم تحتاج سنواتٍ لتجاوزها.
لكنّ الحرب ليست وحدها المسؤولة عن هذه الاضطرابات، بل ساهمت جهاتٌ رسمية وأهلية في انتهاك حقوق الطفل أو حرمانه منها، واستغلال مأساته سياسيًا وعسكريًا ودعائيًا، في الوقت الذي تحاول فيه بعض المنظمات والجمعيات التغلب على هذه المصاعب، وشقّ طريق من نور في مسألة مظلمة تهدّد جيلًا كاملًا بالجهل والضعف.
لم تنجح الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية برئاسة أحمد طعمة، منذ تشكيلها في أيلول 2013، برعاية كافة الفئات من الأطفال في الداخل السوري، إذ أدارت تشكيلتان حكوميتان، على مدار سنتين، المكاتب من خلال وزاراتها في الخارج، وعملت على مشاريع للأطفال في تركيا أكثر من نشاطها داخل سوريا.
الحكومة الجديدة التي وُلدت في الأيام الأولى من تموز 2016، وترأسها الدكتور جواد أبو حطب، ماتزال تبحث عن سيدة لتدير “هيئة الأسرة والمرأة”، التي تتضمن فئة الأطفال، ويقول شادي الجندي، مدير مكتب الإعلام والعلاقات العامة في الحكومة، إنها مازالت تستقبل ترشيحات لسيدات لإدارة هذا الملف.
ويرى الجندي في حديثه إلى عنب بلدي أن التحديات والقصف على حلب، ومشاكل الطلاب والجامعات، يشغل الحيز الأكبر من تفكير الحكومة في الوقت الراهن، لافتًا إلى أن “ملف هيئة الأسرة والمرأة مؤجل، فهناك أولويات أخرى، لكنها ستُنشأ قريبًا”، وبالتالي يقتصر اهتمام الحكومة بالطفل من خلال وزارة التربية التي تدير مديريات في الداخل.
في هذا الوقت، نشطت منظمات محلية أهلية تعمل على رعاية الطفل والتعريف بحقوقه، وتحوّل بعضها إلى المؤسساتية والعمل المنظم، في حين أسهم “جهل” أخرى أو محاولات استغلال الأطفال من قبلها في ترسيخ الفجوة بين الطفل ومجتمعه، وزادت المسألة تعقيدًا فوق تداعيات الحرب.
أطفال مقاتلون في سوريا.. جميع الأطراف تنتهك القانون
أدخل أبو عبد السلام، الرجل الأربعيني المقيم في مدينة كفرزيتا شمال حماة، ابنه حسين ذا الأربعة عشر عامًا، إلى مقر عسكري لفصيل محلي، معلنًا على الملأ رغبته بتطويع الطفل لـ “الجهاد في سبيل الله”، فهو ذو بنية جسدية قوية، فارع الطول، عريض المنكبين.
حالة وثقتها عنب بلدي قبل عامين في ريف حماة الشمالي، ولا تمثل استثناءً على الإطلاق، بل كادت تغدو قاعدةً معمولًا بها وسط جميع الأطراف المتصارعة في سوريا، من الميليشيات الرديفة للنظام السوري، وفصائل المعارضة، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، والفصائل الكردية والعربية في قوات “سوريا الديمقراطية”.
في الطرف النقيض، يعتمد النظام السوري على ميليشيات محلية زجت بدورها بالأطفال في ساحات المعارك، وهو ما رصدته مؤسسات حقوقية وإنسانية وإعلامية، ولعل حادثة مقتل عبد الله تيسير العيسى، في تموز 2016، أظهرت انتهاكات كبيرة بحق الأطفال من قبل الميليشيات المحلية في سوريا، بعدما تبين أنه جُنّد للقتال ضد فصائل المعارضة قبل أن يتم الثامنة عشر من عمره.
كما يدفع “حزب الله اللبناني” بالأطفال إلى خطوط القتال الأمامية في سوريا، وتعدّ حادثة مقتل محمد حسين عواضة (16 عامًا)، في تموز 2014، في معارك ضد فصائل المعارضة السورية، نقطة فارقة في تاريخ تجنيد القاصرين. إذ رأى مراقبون أن الإعلان عن مقتل الشاب، والإفصاح عن عمره آنذاك، يعتبر تخليًا من قبل “حزب الله” عن شرط اعتمده سابقًا، بأن أعمار كافة مقاتليه الذين يزج بهم في القتال يجب ألا تقل عن 18.
ورغم أن الحزب تنصّل من القضية التي أثارت ضجّة في لبنان، إلا أن حسابات ومواقع مقربّة منه، على غرار “SouthLebanon.org”، تنشر بشكل دوري نعوات لقاصرين يقاتلون في صفوفه.
المشهد يتكرّر أيضًا عند فصائل المعارضة السورية، التي تنعي بشكلٍ مستمر مقاتلين تحت 18 عامًا.
وعلى العلن، لا يخفي تنظيم “الدولة الإسلامية” تجنيد الأطفال في مناطق سيطرته، تحت مسمى “أشبال الخلافة”، وقد شاركوا في أكثر من عمليةٍ في سوريا أو ظهروا في تسجيلات مصورة لإعدام أسرى في مناطق سيطرة التنظيم.
وتناقلت بعض وسائل الإعلام خبر مقتل عشرات الأطفال السوريين من “الأشبال” إلى جانب تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال معارك الموصل الأخيرة، وهو ما أكده “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
الأطفال بين التحضير النفسي والمشاركة الفعلية في القتال
يمازح عبد الله صديقه في المدرسة الإعدادية، “هل تستطيع فك البندقية وإعادتها؟ في الرقة كانوا يعلموننا ذلك”، حوار لا يبدو عاديًا، لكنه طبيعي في هذا الظرف الاستثنائي.
يعتبر سن الثامنة عشر العمر القانوني للتجنيد في القانون الدولي، فيما يعتبر تجنيد أقل من 15 سنة انتهاكًا دوليًا، بينما يعتبر تجنيد بين 15 إلى 18 تجنيدًا قاصرًا، وهو السن الذي يشهد رغبة أكبر بالمشاركة في العمليات الحربية، ما يجعل الكثير من القادة يخضعون للموافقة على ضم عناصر من هذا العمر ضمن مجموعاتهم.
ثمة اختلاف بين المشاركين الفعليين في المعارك والعمليات القتالية، وبين المنتسبين للفصائل، لا سيما مع توزيع المهام إلى مهمات قتالية وأخرى إدارية تابعة للفصائل، فلا يشارك جميع المنتسبين في المعارك، والكثير منهم توكل إليهم مهام إدارية داخل المقرات.
بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقًا للمعاهدات والأعراف المتعلقة، يُحظر تجنيد واستخدام الأطفال دون الخامسة عشر من العمر للعمل بوصفهم جنودًا، حيث تعرفه المحكمة الجنائية الدولية كجريمة حرب. أما قانون حقوق الإنسان فينص على أن سن الثامنة عشر هو الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال إلى قائمة العار التي يصدرها الأمين العام للأمم المتحدة سنويًا.رفع “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة” السن الأدنى للتجنيد الإجباري في القوات المسلحة إلى 18 سنة، والذي تعتبر سوريا طرفًا فيه. |
إلا أن المثبت أن معظم الفصائل تقبل انتساب مقاتلين أقل من 15 سنة، على مستوى ضيق، والأمر يكون سريًا، وفق ما خلصت إليه عملية عنب بلدي في التقصي عن الأسباب وراء الظاهرة، والذي واجه مصاعب عديدة، أبرزها رفض المقاتلين والمعلّقين على الموضوع الكشف عن أسمائهم كاملةً.
عبد الرحمن (23 عامًا)، وهو مقاتل في إحدى الفصائل، قال إن أحدهم رفض انتساب ابنه ذي الثلاثة عشر عامًا، رغم رغبة الطفل بالانتساب، ونجحوا بإقناعه للعودة مع والده، على أن يعود للقتال بعد الخامسة عشر، وأكد أن الكثير من الجنود على خطوط التماس الأولى بأعمار بين 15 و19 عامًا.
وجود أطفال بين صفوف المقاتلين ينبع من رغبتهم بذلك، الكثير من الأهالي يعارضون أطفالهم، ما يوقفهم عن إكمال مسيرتهم، البعض الآخر يفضلون بقاء أطفالهم في ذلك الطريق رغم صعوبته، إذ ربما أكسبه ذلك خبرة بالسلاح وقوة بالبنية، معتبرين ذلك أفضل من بقائه في الشارع دون فائدة.
وقد عزز موقف الأهل وتشكيل الجو العام الراضي عن تجنيد الأطفال، عدم اليقين السياسي بالوصول إلى حلّ والشعور بالعجز عن تقديم شيء لصالح الموقف من النظام السوري، سوى التقدم في المعركة، والذي يتمّ، بحسب اعتقاد الأهالي، بزيادة عديد المقاتلين.
سمير (21عامًا) مقاتل آخر في كتيبة تحوي 20 مقاتلًا، قال إن خمسة من مقاتلي الكتيبة لم يتجاوزوا 18 عامًا، أحدهم 15 عامًا ويعمل “قناص دوشكا”، والآخر “ملقم بي كي سي”، والثالث 16 عامًا “اقتحامي”، وأضاف “جميع المنتسبين يتم قبولهم إن كانوا يستطيعون التعامل مع سلاحهم”.
الأفكار القتالية تنتشر بين الأطفال بكثرة في مراهقتهم، تحت تأثير قدواتهم من آباء أو أشقاء أو أصدقاء، بسبب الظروف التي يعيشونها، ويبقى أمر انتسابهم غير إجباري، لكن القادة يقبلون انتسابهم، معتبرين أن ذلك “ضروريٌ” لأن المعركة “حرب وجود”.
“أبو طلحة”، “شرعي” لفصيل مقاتل، قال إنه رفض قبول أي طفل تحت الثامنة عشر، لكنه من وقت لآخر يشرح للأطفال بأعمار مختلفة الواقع الذي يعيشونه والأسباب التي تدعوهم للقتال، موضحًا لهم أنه “جهاد دفع الأعداء” وليس “جهاد فتوحات”، ومضيفًا “الكثير من المقاتلين لم يخرجوا بدافع دين إنما بدافع من الظلم الموجود، المقاتلون المنتسبون هم أبناء المناطق التي يقاتلون فيها”.
أما “أبو محمد”، وهو معلّم في مدرسة خاصة، فيوجد بين طلابه مجموعة من الأطفال فقدوا آباءهم في المعارك، وأوضح أن “بعضهم لديه رغبة بالثأر”، لكنه يذكرهم مرارًا بفكرة “الجهاد بالعلم، وليس بالسلاح”.
ولدى رصدنا لتقرير مصور أصدرته حركة “أحرار الشام الإسلامية”، أيلول الفائت، لمجموعة فتية قادوا معارك ضد قوات الأسد في ريف حلب الجنوبي، أظهر التقرير قائد المجموعة، ويدعى “طارق أبو زياد”، وبدا عليه أنه دون الثامنة عشر من عمره، ليتبين عند سؤالنا عنه، أنه دون السابعة عشر، تطوع في الحركة منذ فترة ليست ببعيدة، وأصبح قائد مجموعة فيها، قبل أن ينفصل عن الحركة مع لواء “صقور الشام” مؤخرًا.
وتوجهت عنب بلدي بسؤال إلى قسم الموارد والانتساب في حركة “أحرار الشام”، حول ظاهرة التجنيد، وأوضح رضا الحمصي، الإداري في القسم، أن من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر في الشخص المنتسب هو العمر، فلا يتم قبول أي شخص تحت عمر الـ 17 عامًا، كشرط أساسي للقبول، كما يتم الأخذ بعين الاعتبار البنية الجسدية للأشخاص المنتسبين، فإن كانت بنية الشخص ضعيفة رغم تحقيقه للعمر المطلوب لا يتم قبوله.
تجنيد الأطفال ظاهرة لا يمكن نفيها في منطقة الجزيرة
وإلى المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” المعلنة من قبل حزب “الاتحاد الديمقراطي”، والتي جوبهت بانتقادات محلية بخصوص تجنيد الأطفال، تعترضنا حادثة اختطاف الطفلة لافا أنور حنان (14 عامًا) من أمام منزلها في قرية معراتة، التابعة لمدينة عفرين شمال حلب، في كانون الثاني من العام الجاري، ليتبين لناشطين أنها اقتيدت لأحد مراكز التدريب التابعة لوحدات “حماية الشعب” الكردية.
حادثة لافا كانت مثالًا لكثير من الحوادث المشابهة التي تداولها ناشطو مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين، حيث تسيطر فصائل “الإدارة الذاتية”، رغم صدور قانون “واجب الدفاع الذاتي” مطلع العام الجاري، والذي ينص على أن السن القانوني للتجنيد بين 18 و30 عامًا للذكور فقط.
وفي حديث لعنب بلدي مع عضو ديوان المجلس التشريعي في “مقاطعة الجزيرة”، عبد الكريم سكو، أوضح أن تجنيد الأطفال وإشراكهم في النزاعات المسلحة ليس بالأمر الجديد، بل له ارتباطات وثيقة بثقافات ووعي المجتمعات والشعوب.
وقال سكو “بالنسبة لي، أعتبر ظاهرة تجنيد الأطفال مخالفة للمواثيق الدولية، ويجب حثهم على التعلم واكتساب العلوم والمهارات، كي يصبحوا أجيالًا يحتذى بهم في قيادة مجتمعاتهم وشعوبهم، والأجدى أن يلقوا نصيبهم من العلم والمعارف، إلى جانب ممارسة الهوايات التي ينجذبون إليها”.
وحول تجنيد الأطفال في مناطق الإدارة الذاتية، أو ما يطلق عليها “روج آفا” (غرب كردستان)، لا سيما ضمن وحدات “حماية الشعب” ووحدات “حماية المرأة”، قال المسؤول إنه “لا يمكن نفي هذه الظاهرة عن روج آفا، فمثلها مثل أي منطقة من مناطق سوريا والعالم، لا بد من وجود حالات، ولكنني أؤكد أنها قليلة جدًا مقابل هذا التضخيم الإعلامي، إضافة إلى أن القائمين كانوا دومًا يتجنبون مشاركة القاصرين في العمليات القتالية مهما كانت الأسباب”.
وأشار سكو إلى أن “الإدارة الذاتية” وجدت ضرورة في العمل على إعادة دمج القاصرين، الذين تم تجنيدهم سابقًا، في المجتمع والعمل، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم، وبالتالي سارعت إلى تسريحهم بالتنسيق مع المنظمات الحقوقية والإنسانية، وأضاف “أستطيع القول اليوم بأنه لا يوجد بين المقاتلين قاصرون، ولكن هناك بعض الأطفال في شوارع مدننا يتباهون بالزي الرسمي لوحدات حماية الشعب… لا أدري إذا كان البعض يظنهم من الوحدات”.
كلام سكو لا يتفق تمامًا مع تقريرٍ لمنظمة “هيومين رايتس ووتش” في تموز 2015، تحت عنوان “قوات كردية تنتهك حظر تجنيد الأطفال”، الذي أوضح أن وحدات حماية الشعب وقعت، في حزيران 2014، “صك التزام” مع منظمة نداء جنيف غير الحكومية، تعهدت فيه بتسريح جميع المقاتلين دون سن 18 عامًا في غضون شهر. وبعد شهر، قامت الوحدات بتسريح 149 طفلًا.
ورغم الوعد الذي قدمته، وتحقيق بعض التقدّم، وثقت “هيومن رايتس ووتش” على امتداد سنة من تاريخ التوقيع، التحاق أطفال دون سن 18 سنة بالقتال في صفوف الوحدات، ويبدو أن بعض الأطفال قتلوا في معارك في 2015، بحسب التقرير.
وأكدت “هيومين رايتس ووتش” أن عشرة من بين 59 طفلًا ذكرت تقارير أنهم التحقوا بوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في السنة الماضية هم دون سن 15 سنة.
بدوره أكّد أمين حسام، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، أن كثيرًا من التنظيمات “الراديكالية” جنّدت الكثير من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة، في معسكراتهم الإلزامية التدريبية بالشكلين الترغيبي والترهيبي.
وحذر حسام من أن ذلك سيخلق جوًا من عدم الاستقرار وفقدان جيلٍ كاملٍ في المستقبل، داعيًا الأمم المتحدة لمراقبة التنظيمات وضبط آليات العمل لديها بالشكل الملائم.
عمليات تجنيد الأطفال ظاهرة يصعب كبحها والقضاء عليها، طالما أن الحرب مستمرة، وفق مسوغات ثورية ودينية وقومية ومادية، من جميع الأطراف المتصارعة في سوريا.
أرقام “مخيفة” عن واقع الأطفال في سوريا
خلال أعوام الثورة، كان الطفل السوري أكبر الخاسرين، بحسب أرقام مؤسسات محلية ودولية لرصد واقع الطفل والجهات المسؤولة عن حرمانه من حقوقه، وأولها الحق في الحياة.
من يقتلهم؟
قتل 19 ألف طفلًا على يد القوات الحكومية (النظام السوري)، وهم يمثلون نسبة 90% من عدد الأطفال الضحايا في سوريا، بحسب آخر إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في آذار 2016.
وأضافت الشبكة، في تقرير يستعرض حصيلة خمس سنوات، أن فصائل المعارضة قتلت 668 طفلًا، والقوات الروسية 443، وتنظيم داعش 307، والتحالف الدولي97، والإدارة الذاتية 61، وجبهة النصرة (فتح الشام حاليًا) 47 طفلًا.
جيلٌ مهددٌ بالجهل
أثناء إعداد هذا التحقيق، نشرت منظمة “يونيسيف” تقريرًا في 21 تشرين الأول 2016، قدّرت فيه أنه مايزال أكثر من 1.7 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، و1.3 مليون طفل آخرين معرضون لخطر التسرب.
وهو ما اعتبرته مديرة الإعلام في المكتب الإقليمي لمنظمة “يونيسيف” في عمان، جولييت توما، انخفاضًا طفيفًا في الرقم، الذي كان بداية السنة الماضية أكثر من 2.1، مؤكدةً في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن “الرقم مايزال كبيرًا، والصورة بشكل عامٍ ليست جيدة”.
وتقف عدّة عوامل وراء إجبار الأطفال على البقاء خارج المدرسة، منها تصاعد العنف، والنّزوح، وتفاقم الفقر، إلى جانب النّقص في الموارد التي يحتاجها نظام التعليم.
واحدة من بين ثلاث مدارس في أنحاء سوريا غير صالحة للاستخدام، بحسب تقرير “يونيسيف”، إما بسبب الأضرار الّتي تعرّضت لها أو دمارها الكامل، أو بسبب استخدامها لأغراض أخرى مثل إيواء النّازحين من مناطق أخرى أو لأغراض عسكرية.
وبحسب التقرير فإن المدارس تعرضت لأكثر من أربعة آلاف اعتداء منذ بداية الثورة عام 2011، وهو ما يتوافق مع أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
يكبرون في المعتقلات
من بين أكثر من 215 ألف معتقل لدى القوات الحكومية، فإن عدد الأطفال المحتجزين لا يقل عن 1400 طفل، بحسب تقريرٍ لـ”هيوين رايتس ووتش” في تموز 2016.
وتتراوح أعمار المحتجزين بين 13 و17 عامًا، في حين قال بعض المنشقين والشهود إن بعض الأطفال المحتجزين لا تتجاوز أعمارهم ثماني سنوات.
ودون غذاء
1.3 مليون طفل، هو الرقم الذي تهدف “يونيسيف” لتوصيل الرعاية التغذوية إليهم في سوريا، وفق تقرير نشر في أيلول 2015.
ووجد تقييم أجري للوضع التغذوي للأطفال المهجرين سنة 2014، وهو الأول من نوعه، أن مستوى سوء التغذية الحاد في محافظات حلب وحماة ودير الزور “خطير”، وأن الوضع التغذوي بشكل عام “سيئ”.
وأسهمت آثار خمس سنوات من النزاع، وأعداد المهجّرين الكبيرة، ونظام الرعاية الصحية المعطل، وسبل العيش المتراجعة، ونقص المياه المأمونة ومرافق الصرف الصحي المناسبة، في إيجاد وضع تغذوي سيئ جدًا بين الأطفال، بحسب “يونيسيف”.
مقاتلون صغار
منذ انتقال الثورة إلى العمل المسلح أواخر عام 2011، وقعت انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، تتحمل القوات الحكومية النظامية بالأساس المسؤولية عنها، بحسب تقرير لمنظمة “العفو الدولية” في تموز 2014.
لكنّ الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة ارتكبت بدورها انتهاكات جسيمة أيضًا، ومنها تجنيد واستخدام الأطفال تحت سن 18 عامًا في القتال وفي الاضطلاع بأدوار دعم مباشر للقتال، بحسب توصيف المنظمة.
ووثقت “هيومن رايتس ووتش” هذه الممارسة للمرة الأولى في تشرين الثاني 2012، إذ وجدت أن فتية تبلغ أعمار أصغرهم نحو الرابعة عشر ساعدوا في أدوار داعمة لـ “الجيش السوري الحر”. ومنذ ذلك التوقيت، زاد عدد الجماعات المسلحة في سوريا، وأصبح منها جماعات إسلامية متطرفة، والتي لجأت بشكل ممنهج إلى تجنيد الأطفال.
لا يوجد تقدير دقيق لعدد الأطفال الذين شاركوا في النزاع، لكن حتى أيار 2014، وثق مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، مقتل 194 طفلًا “غير مدنيين” من الذكور.
ولم يقتصر استخدام الأطفال في صفوف جماعات المعارضة المسلحة على جماعة واحدة، أو عقيدة أو عرق واحد. فقد قابلت “هيومن رايتس ووتش” أطفالًا أفادوا بخدمتهم في كتائب وفصائل على صلة بـ “الجيش الحر”، وجبهة “النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وفي “وحدات حماية الشعب” وقوات شرطة “آسايش” بالمناطق الخاضعة للسيطرة الكردية شمال سوريا.
وعملًا بالقانون الإنساني الدولي العرفي ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر تجنيد عناصر تابعين لقوات مسلحة غير حكومية لأطفال دون 15 سنة، أو استخدامهم في أعمال عدائية، “جريمة حرب”.
من هي الجهة الأكثر تهديدًا لمستقبل الأطفال في سوريا؟
في استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها ومنصاتها الإلكترونية، وشارك فيه أكثر من 1200 مشارك، تحت عنوان “برأيك: من هي الجهة الأكثر تهديدًا لمستقبل الأطفال في سوريا”، جاءت الإجابات على الشكل التالي:
45% النظام السوري، 10% التنظيمات المتطرفة، 7% المعارضة والجيش الحر، 2% الفصائل الكردية.
إلا أن النسبة الباقية، وهي 36%، اعتبرت أن جميع الأطراف السابقة تهدّد مستقبل أطفال البلد.
“يونيسيف” لعنب بلدي: لا نستطيع الوصول لكل الأطفال وتحديد المجرم ليس مهمتنا
خلال البحث عن واقع الطفل في سوريا اعترضتنا عدة قضايا وانتهاكات واتهامات، حملها فريق التحقيقات في عنب بلدي إلى “يونيسيف”، باعتبارها الوكالة الإنسانية والإنمائية الرئيسية العاملة في مجال حقوق الأطفال في العالم.
لا تتدخل “يونيسيف” في عمل كثير من المنظمات المحلية التي تعمل على رعاية الأطفال ولا تنسق معها، ما يترك الباب مفتوحًا أمام انتهاكات خاطئة بحق الأطفال أو عدم احترام خصوصيتهم.
المنظمة “تسلّط الضوء” على استغلال الأطفال
وحول إجراءات “يونيسيف” لتحميل هذه المنظمات مسؤولياتها بشكل فاعل أو مساءلتها وتقييمها، قالت مديرة الإعلام في مكتب “يونيسيف” الإقليمي في عمان، جولييت توما، إن المنظمة تعمل مع مجموعة ضخمة من المنظمات غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، وهذا إجراء اعتيادي في كل دول العالم، مشددةً على “إجراء صارم” للتعامل مع هذه المنظمات، بناءً على تاريخها، وماذا قدمت للأطفال وإمكانياتها المادية ومواردها البشرية، وعدم انتمائها لأي حزب سياسي.
لكنّ توما أوضحت أنه “ليس من مهام يونيسيف أن تجري رقابة على المنظمات العاملة في سوريا، أو غيرها من البلدان، هذا ليس جزءًا من دستورنا”.
ولم تنفِ توما استغلال الأطفال ومعاناتهم لأغراض سياسية وعسكرية وحربية ودعائية، وعلى رأسها قتل الطفل وإصابته، مؤكدةً أن هذا مرفوض، وأن المنظمة تعمل على تسليط الضوء على استغلال الأطفال كجزء من دستورها، ولفت النظر ورفع الوعي حول الظاهرة، مستدلةً بتقارير دورية تصدرها المنظمة تحدّد الانتهاكات والخروقات، ثم تُرسل لجهات رسمية في الأمم المتحدة.
انتقادات تقابل بالرد: ليست مهمتنا
وجه ناشطون سوريون انتقادات واسعة لـ “يونيسيف”، كونها تقف على الحياد في تقاريرها التي توثق الانتهاكات، ولا تحمّل الجهة المنفذة للجرم المسؤولية، وتحاول الضغط عليها لإيقافه. لكنّ مديرة الإعلام في المكتب الإقليمي لـ “اليونيسيف” أكّدت أن المنظمة ليس من مهامها توجيه إصبع الاتهام لأي طرف من أطراف النزاع، ليس فقط في سوريا، بل في كل أنحاء العالم، وليست مخولةً بذلك.
وأوضحت أنه من منطلق الحيادية، ولأننا لسنا فقط منظمة حقوق طفل وحقوق إنسان، ولكن منظمة فاعلة على الأرض إغاثيًا ونقدم مساعدات ومعونات عينية للأطفال والعائلات، فهناك خط رفيع لأن تكون المنظمة مخولة لرصد الانتهاكات بحقوق الطفل، وهاجسًا بين القدر الذي يستطيع موظفوها “رفع الصوت” وبين الحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية للأطفال.
ويدعم موقف “يونيسيف” مشاريعها والاستجابة لها، والتي قالت عنها توما إنها “ضخمة في مناطق النزاع”، مجيّرةً توجيه الاتهامات إلى منظمات ثانية في منظومة الأمم المتحدة، دورها الأساسي إجراء تحقيقات ومساءلة.
وخلال استطلاع عنب بلدي حول وصول اللقاحات إلى أطفال سوريا، وهو واحدٍ من أهم المشاريع التي تعتبر “يونيسيف” مسؤولة عنها، وجدت أن بعض الأطفال لم تصلهم اللقاحات الروتينية، رغم الحملات المتكررة للمنظمة في سوريا.
وردّت توما على هذا التساؤل بالقول “في سوريا واجهنا تحديًا كبيرًا جدًا بإيصال اللقاحات، وكان الدليل بعودة طفور مرض شلل الأطفال أواخر عام 2013، بسبب عدم وصول اللقاحات، وبسبب تلوث المياه والظروف المعيشية الصعبة”.
أطفال دون لقاحات
“عدم حصول الأطفال على اللقاحات الروتينية، هو واحد من التحديات الضخمة التي تواجه يونيسيف، ولكن هناك تقدمًا نوعًا ما، بعد تجنيد كل الجهود داخل سوريا، وفي دول الجوار”، قالت توما، موضحةً “أطلقنا حملة تلقيح أطفال متكررة، وهي الأكبر بتاريخ الشرق الأوسط، إذ حصل 25 مليون طفل على اللقاحات بشكل متكرر… وفي سوريا، ركزنا على الأطفال، فبدل أن يحصلوا على ثلاث جولات حصلوا على ست جولات”.
وأكّدت مديرة الإعلام في مكتب عمّان أن المنظمة لم تتمكن من الوصول إلى كل طفلٍ وتلقيحه، مشيرةً إلى أن “أطفالًا لم يحصلوا على اللقاح في حياتهم أبدًا”.
واعتبرت أنه “طالما يوجد أطفال لا يحصلون على اللقاح بشكل دوري، فإن مخاطر تفشي أمراضٍ مثل شلل الأطفال والحصبة موجودة، وهذا أمر غير مقبول أبدًا، بعدما كانت نسبة الحصول على لقاحات الأطفال في سوريا أكثر من 90% قبل 2011 (كل طفل كان يأخذ اللقاحات الروتينية تقريبًا)”.
من يتحمل المسؤولية؟
وأضافت توما حول الجهة التي تتحمل المسؤولية عن عدم وصول اللقاحات “بالنسبة لنا إيصال اللقاحات هو على رأس سلم أولوياتنا، لكن في سوريا عندنا مشكلة في الوصول إلى كافة الأطفال، ليس هناك وصول اعتيادي ومنتظم لكل الأطفال المحتاجين، ودائمًا هناك عمل ومفاوضات ومناشدات لأطراف النزاع”.
وختمت حديثها بالقول “هناك فسحة أمل، يجب أن نستغلها لنستطيع الوصول إلى الأطفال المحرومين، وهي بحاجة لتبقى دائمًا مفتوحةً، لأن الأوبئة والأمراض لا تعرف أحزابًا سياسية ولا انتماءات ولا حدودًا ولا خطوط نار، ولا حواجز عسكرية، الأوبئة تتفشى، ومن المهم أن نصل”.
المعاهد الشرعية للأطفال.. منهجٌ يلقى قبولًا في إدلب
ارتبط اسم إدلب منذ زمن بـ “الأزهر الصغير”، إذ يقبل أهلها على الدروس الدينية واشتهر التعليم في المساجد سابقًا لحفظ القرآن وتعليمه، حسب المنهج الأشعري (الطريقة الصوفية) التي كانت منتشرة في سوريا سابقًا.
وبداية الثورة في سوريا، شهدت المحافظة قدوم أعداد من المهاجرين عن طريق الحدود المتاخمة لتركيا وبذلك بدأ انتشار “الطريقة السلفية” رويدًا رويدًا، حتى انتشرت لها معاهد ومعلمين في إدلب وريفها بشكل كبير.
تقول أم صالح، وهي أم لثلاثة مقاتلين في فصائل إسلامية، إن “هجرة شيوخ كثر من أبناء مدينتهم وترك المهاجرين في الساحة لوحدهم في ظروف صعبة جعل المنهج السلفي أكثر تقبلًا للمجاهدين”، ومنهم أبناؤها، وتوضح “ابني الأكبر رحمه الله كان يبحث عن الشيوخ المهاجرين بعد أن عاش وأصدقاءه ظروفًا صعبة دون أن يجدوا شيوخًا من مدينتهم يقفون معهم. وحدهم شيوخ السلفية فوقفوا معهم آنذاك”.
يوجد نوعان من دروس الشرعية، أولها في المعاهد الشرعية، والآخر هو “حلقات” القرآن في الجوامع، وتهتم حلقات القرآن في حفظ القرآن وتجويده وإتقان مخارج الحروف وصفاتها، بينما تنصبّ جهود المعاهد الشرعية على العقيدة والفقه وأصوله والسيرة النبوية، وربما بالخطابة واللغة العربية متوجهةً نحو بناء الفكر لدى الأطفال والشباب الذين يرتادونها.
ما لبث الفكر السلفي أن أخذ حيزًا في المجتمع بعد أن سيطر على الفصائل الإسلامية، والتوجه للأطفال كان جزءًا من العملية لتربية الجيل الناشئ على فكر عقائدي يتلاءم مع التوجهات تلك، وتماشيًا مع رغبة الأطفال أنفسهم في تقليد رموز المجتمع.
أبو طلحة (31 عامًا)، يقول إن التوجه للأطفال أمر غير منتشر كثيرًا مقارنة مع التوجه لمن هم أكبر سنًا، ويضيف “أتوجه للمدارس بشكل شخصي من وقت لآخر لأعطي دروسًا للمراحل الابتدائية والإعدادية، وألاقي قبولًا واستجابات من قبل الأطفال صغيري السن أكثر مما أجده لمن هم أكبر سنًا”.
مروة عوض (28عامًا)، معلمة شرعية حاصلة على إجازة في الأدب العربي، تقول “عندما أنشأنا المعهد للنساء، فاجأتنا كثرة الطلبات من قبل الفتيات الصغيرات بالسن، ما جعلنا نقسّم الحلقة إلى حلقتين، إحداها للنساء والثانية للفتيات الصغيرات”، وتضيف “هناك جهل منتشر في المجتمع، إحدى الطالبات بعمر 14 كانت لا تعرف طريقة الوضوء الصحيحة”.
عادت الجوامع لتفتح أبوابها أمام حفاظ القرآن وتجويده للأطفال، بينما اقتصرت الدروس الشرعية العقائدية على من هم أكبر من 12 سنة.
يحيى مرجان، مدير حلقات تحفيظ القرآن للأطفال في مدينة إدلب، يقول إن عملهم كان خلال سيطرة النظام السوري بشكل طوعي تمامًا، بعد التحرير بشهرين استكملوا عملهم وأصبح المجال أكبر، لكن وجود بعض العثرات بسبب قلة الموارد لدى الأساتذة والقصف، سبّب تراجعًا في حضور الأطفال.
ويضيف “بدأنا بـ 13 مسجدًا، أشرفت شخصيًا على العمل عليها، ثم تضاعفت الأعداد الآن وأصبح كل مسجد يضم حوالي 20 حلقة على الأقل. الخطة نفسها نضيف عليها شيئًا من العقيدة والفقه والسيرة بكتب وسطية الفكر والمنهج، ومعظم طلابنا بين 5 سنوات إلى 15 سنة”.
روشان (30 عامًا)، مدرّسة لحلقة قرآن في أحد الجوامع، تقول “أعطي الأطفال ورقة فيها شجرة ويلونونها بحسب أعمالهم اليومية، الورقة الخضراء صلاة بوقتها والصفراء صلاة بغير وقتها والثمرة هي عمل صالح، كل طالب لديه شجرة في كل أسبوع يملؤها بأعماله، يمكنهم أن يروا نتيجة أعمالهم بشكل مادي أقرب لأذهانهم”.
هناك معاهد تتبع لفصائل محددة تتبع منهجها، إن كان وسطيًا أو يميل إلى الشدة، كحال بشرى (40 عامًا)، وهي مديرة معهد “حرائر الإسلام”، الذي يحوي سبعة فروع في إدلب وريفها، تقول إنهم يهتمون إضافة للمواد الشعرية بوجود مواد علمية، كما أن بعض فروعهم لديهم مدارس تحوي صفوفًا متخصصة، إضافة لنشاطات شهرية تحوي مسرحيات وأناشيد هادفة.
بعض النشاطات كان يبلغ عدد الحضور فيها 400 طفل، بحسب بشرى، وتضيف “كنا نخشى القصف بسبب وجود تجمع”.
معلمون يعملون “آباءً” لأبناء الشهداء في إدلب
دخل المدرسة مواريًا وجهه تتلعثم الأحرف في حنجرته. زين العمر، ذو السنوات الست لم يعد كسابق عهده قبل وفاة والده، عزلة طغت عليه في أولى خطواته في مدرسته لم تلبث أن اختفت ملامحها من نفسه بعد شهر ونيف.
مدرسة خاصة تُعنى بأبناء الشهداء والمعتقلين، تتبع لمنظمة “شام شريف” الثقافية، أنشئت لتعويض الأطفال الأيتام شيئًا مما افتقدوه بفقدان آبائهم، وكان للمنظمة تجربة لمدرستين في أطمة، لكنها التجربة الأولى في مدينة إدلب.
يرتاد المدرسة ما يقارب 100 طفل موزعين على خمسة صفوف دراسية، من الأول إلى الخامس الابتدائي.
فقدُ الأطفال لذويهم بالقتل والاعتقال جعل لهذه الشريحة ظرفًا متشابهًا من حيث قساوته، البعض منهم كان يعاني من مشاكل نفسية وحركية كالعزلة والشلل الدماغي وفرط النشاط. استطاع البعض تجاوز مشكلته وعاد اندماجه في المجتمع بشكل طبيعي، أما آخرون فاحتفظوا بانكفائهم على ذاتهم وعادوا أدراجهم دون أن يستطيعوا الاستمرار في المدرسة.
أبو محمد (38عامًا)، معلم الرسم والرياضة في المدرسة، يعتبره الأطفال أبًا روحيا لهم، يقول “التربية لديّ أكثر أهمية من التعليم، نحن نحاول تأمين جو مريح يعوضهم عن الحنان الذي افتقدوه، نعلمهم الإيثار والإخاء والتعاون والانتظام هذا ما لم نجده في المدارس التقليدية التي اعتدناها، نحاول أيضًا إيجاد طرق جديدة في التعليم لربط المواد ببعضها، بيولوجيًا الرياضة مرتبطة بالفكر وصفاء الذهن معًا”، ويضيف “ربما كنّا أكثر حنانًا على هؤلاء الأطفال من مجتمعاتهم”.
يعمل في المدرسة كادر مكون من 11 معلمًا مختصًا، عدد منهم إداريون، وتعتمد المنهاج السوري المعدل المعتمد من قبل الحكومة المؤقتة، يضاف إليه مادتي تفسير “العشر الأخير” و”الرحيق المختوم” (سيرة نبوية)، وتتنوع نشاطاتها بين التعليم والتربية والنشاط الرياضي اليومي والنشاط السينمائي الشهري، إلى جانب رحلات مختلفة تنظمها إدارة المدرسة.
أستاذ الرياضيات كمال الدين هلال، صاحب الخبرة التدريسية لـ 20 عامًا، يقول “نستخدم أساليب متنوعة لإيصال المعلومة، المستويات الضعيفة نعتمد معها الطريقة الاستقرائية، بينما نعتمد الطريقة الاستنتاجية مع المستويات الجيدة… العصف الذهني طريقة رائعة أيضًا نستخدمها مع الطلاب المتميزين الذين يبلغون في تقديري حوالي ثلث الموجودين وهي نسبة مرتفعة”.
ثماني ساعات يوميًا يقضيها الطفل في مدرسته، تتضمن وجبتي الفطور والغداء إضافة إلى كتابته للنشاطات المنزلية خلال هذه المدة.
وتؤمّن الإدارة اللوازم المدرسية من قرطاسية وكتب، كما تتكفل بالمواصلات للطلاب ذهابًا وإيابًا.
سبعة أشهر على هذا النسق كانت كافية لتخريج أول دفعة من الأطفال إلى الصف السادس، والبدء بمجموعة جديدة من الصف الأول.
عبد الرحمن فتوح، موجه في المدرسة كان يعمل في فرع المنظمة في أطمة، يقول إن “إدارة المدرسة لا تستطيع تأمين شهادات لهؤلاء الطلاب، فهي غير معترَف فيها من قبل (مديرية) التربية الحرة أو الحكومة المؤقتة، ولذلك أوقفنا الصف السادس”، ويوضح “التربية الحرة طلبت تعاقدًا لكي تمنحنا الاعتراف لكن إدارة المدرسة رفضت التعاقد لمنع تدخل أي طرف في الأسلوب المتبع والمنهاج والكوادر”.
“الثأر” فكرة سيطرت على أطفال كثرٍ هنا، لا سيما الذين افتقدوا آباءهم أثناء المعارك، وتحولت هذه الفكرة إلى “بناء المجتمع بالعلم” بعد توجيه المعلمين للأطفال. غاية المعلمين في ذلك تحويل نقاط الضعف التي تحويها شخصيات الأطفال هؤلاء إلى نقاط قوة تعود بالفائدة عليهم وعلى مجتمعهم.
المجالس المحلية ومديرية التربية ترعيان التعليم
الغوطة الشرقية.. الأيتام والمعوّقون حصّة الجمعيات والمنظمات
تحتضن الغوطة الشرقية عشرات المنظمات الإنسانية المهتمة بالطفل، ويراها مراقبون للملف السوري تجربة ناجحة في عملها وتنظيمها رغم الحصار، وإن كانت الجهود المبذولة تتوزع على تلك المنظمات، ولا تُدار من قبل جهة معينة.
وبينما تكفل بعض المنظمات الأيتام ماديًا، تحاول مع غيرها في الوقت ذاته، سد ثغراتٍ حفرتها الحرب في طريق ومستقبل هؤلاء الأطفال.
وتُساهم المجالس المحلية في الغوطة، برعاية الأطفال على الصعيد التعليمي بشكل خاص، في حين تقل نسبة مساهمتها المباشرة في النشاطات الأخرى، فتقتصر على التنسيق والتعاون مع المنظمات المهتمة بالطفل، دون رعاية مشاريع تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا منه في المجتمع.
لا تقف عنب بلدي على كافة النشاطات التي تستهدف الطفل في الغوطة، بل تحاول تسليط الضوء على بعض التجارب الناجحة، التي تعكس الجانب المضيء في رعاية الأطفال، وسط غياب إحصائية واضحة لعدد المنظمات العاملة في هذا المجال داخل الغوطة، وعدم توفر أخرى دقيقة لأعداد من يحتاجون منهم لرعاية في مجالات مختلفة.
يرعى مجلس المحافظة في ريف دمشق العملية التعليمية للأطفال، بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم، التابعة للحكومة المؤقتة، بينما يقتصر الاهتمام بالفئات المتضررة على المنظمات، ويقول خليل عيبور، رئيس المجلس المحلي لمدينة دوما، لعنب بلدي، إن المجلس يساهم بالتنسيق مع المنظمات من خلال حملات توعية بهذا الخصوص، عبر مكتب المرأة فيه.
تنتشر مظاهر الفقر بشكل واسع في الغوطة الشرقية، ويرى هشام حوا، مسؤول العلاقات العامة في مديرية التربية والتعليم في ريف دمشق، أن ذلك يؤثر على سير العملية التعليمية، من خلال التسرب والانقطاع عن الدراسة، بسبب عمل معظم الأطفال لتأمين رزق عوائلهم، كما أن الخوف من القصف يمنع بعض الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المدرسة، مردّدين عبارة “يقعد بالبيت وما يتعلم أحسن ما أخسره”.
يُقارب عدد الطلاب والتلاميذ في مدارس الغوطة الشرقية التابعة للمديرية، 39 ألف طالب وتلميذ، ممن هم تحت سن 18 عامًا، ثلث العدد من الحلقة التعليمية الأولى (من الصف الأول إلى الرابع)، بينما تستقطب مدارس التعليم الأهلي والخاص والخيري ربع طلاب الغوطة، ويصل عدد الأطفال فيها إلى 11 ألف طالب، ويقول حوا إن جميع الطلاب والتلاميذ يدرسون في 132 مدرسة عامة، و42 مركز تعليم أهلي وخاص.
لم تجد مديرية التربية قوة ملزمة للأهالي لإعادة الأطفال إلى المدارس، إلا أنها عملت على وسيلة تعتبرها “ناجعة” وهي ربط الإغاثة بالتعليم، وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي، ويقول حوا إن المديرية تطبقها منذ شهر أي مع انطلاق العام الدراسي الحالي، مؤكدًا أنها “عالجت نسبة كبيرة من المشكلة ولم تُلغِها، إذ ليست كل العائلات تحصل على مساعدات إغاثية، حتى نلزمهم بتسجيل طفلهم في المدرسة”.
مكتب “أصدقاء اليتيم”
يعتبر مكتب “أصدقاء اليتيم” مشروعًا من مشاريع الجمعية الخيرية لإغاثة المحتاجين في دوما، والتي تأسست عام 1960، كمؤسسة اجتماعية، ويقول أحمد عبد الله، رئيس المكتب، إنه تأسس بشكل متكامل عام 2005، وتراوحت حينها الأعداد التي يكفلها من الأطفال بين 300 و500 يتيم، ليستمر بعد الثورة ويكفل حاليًا قرابة 1300 كفالة مالية، إضافة إلى دعم نفسي وتعليمي لحوالي 600 منهم.
ويكفل المكتب الأطفال الأيتام في مناطق مختلفة من الغوطة، ويوضح عبد الله لعنب بلدي أنهم يتوزعون في المدن والقطاعات الرئيسية: القطاع الأوسط، وقطاع دوما وريفها (حوالي 3500 يتيم)، إضافة إلى قطاع المرج.
لا إحصائية دقيقة لعدد الأطفال الأيتام في الغوطة، إلا أن المكتب قدّرها بـ 12 ألف يتيم، ويرى رئيسه أنه عدد كبير جدًا في منطقة يبلغ عدد سكانها حوالي 250 ألف نسمة، مضيفًا أن المكتب يُسلّم كل يتيمٍ مبلغ 30 أو 60 دولارًا حاليًا، وهناك دراسة لزيادة الرقم في الأيام المقبلة.
ويحرص المكتب على ألا يُعزل اليتيم عن مجتمعه، لذلك يرعى نشاطات مختلفة تدعمه نفسيًا، إلى جانب مشاريع تعليمية أحدها “تعليم ما بعد المدرسة”، وفق عبد الله، ويشير إلى أنه يتلخص بتعليم الطفل على مدار ساعتين يوميًا بعض المواد الأساسية كالرياضيات، واللغة الإنكليزية، والكمبيوتر، واللغة العربية.
تغطي الجمعية الخيرية بعض ضواحي دمشق وريفها، مثل جوبر، والقابون، وحرستا، ودوما، وبيت سوا، وجسرين، وحزّة، وغيرها، ويتحرك فريقها عن طريق الأنفاق بين المناطق، بعد دراسات لتلك المناطق، كما تدير نشاطاتها من خلال أكثر من 80 متطوعة، وعشرة متطوعين، وفق عبد الله، الذي يؤكد أنها تتشارك وكبرى المؤسسات داخل وخارج سوريا، في تنفيذ المشاريع وتمويلها، وأبرزها هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH).
“بيت العطاء” مدرسة داخلية لرعاية الأيتام
لم يكن في الغوطة مدارسُ ودورٌ داخلية حتى منتصف عام 2015، حين بدأ كادر “بيت العطاء” عمله في رعاية الأيتام، فكانت المدرسة الداخلية الأولى في الغوطة الشرقية، إلى جانب دار جمعت 50 يتيمًا ويتيمة أغلبهم من فاقدي الأب والأم، وافتتحتها جمعية “تكافل الخيرية” في نيسان 2016.
“بيت العطاء” كان مجموعة شقق سكنية، إلا أنه تحول إلى مدرسة بعد بحثٍ استمر لأشهر، وجد القائمون عليه بلدة “حزّة” في القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية، المكان الأكثر أمنًا، وفق يوسف الحكيم، مدير المشروع، ويقول لعنب بلدي إن أكثر من 50 معلمة خضعت لدورات، أدارها مجموعة من الخبراء.
داخل بناء متكامل من أربعة طوابق وقبوٍ، يعيش أكثر من 40 يتيمًا، ويوضح الحكيم أن الشريحة التي استُهدفت كانت من مدن جسرين، والمليحة، وكفربطنا، وجوبر، ودوما، وغيرها، اختارتهم مجموعة من المعلمات بعد التواصل المتكرر مع عوائلهم ودراسة حالاتهم.
يضم المركز 18 طفلة و25 طفلًا، وترعاه مؤسسة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) بالتعاون مع مؤسسة “راف” القطرية، بينما يتوزع الأطفال على ثلاث شقق مجهزة بالكامل، مساحة كل واحدة منها 240 مترًا، شقة للذكور، وأخرى للإناث، والثالثة للإدارة، وقاعة للتعليم، وغرفة للمكتبة، وطاقة شمسية للمياه والكهرباء، ونظام “حراقات” لتوفير الماء الساخن.
وينقسم الأيتام داخل كل شقة وفق الأعمار، كما تضم المدرسة “بوفيه” بيع للأطفال من خلال نظام نقاط، يحصل عليها الطفل من التزامه بطعامه ونظافته الشخصية وهيأته، بينما يضم الطابق الأرضي مكانًا ترفيهيًا وقسمًا للإطعام، إضافة إلى ملاعب كرة قدم، وتنس، وطائرة، وحديقة حيوانات.
مريم بلطحجي، تحمل دبلوم دراسات عليا وتحضر للماجسيتر في الذكاء العاطفي، تدير الإرشاد النفسي لأطفال “بيت العطاء”، وتقول لعنب بلدي إنها وضعت مع الكادر برنامجًا تأهيليًا للكوادر الإيوائية والتعليمية والنفسية، بعد دورة استهدفتهم على مدار ثلاثة أشهر.
بعض الأمهات دخلوا مع أطفالهم إلى المدرسة بشروط، وتشير بلطحجي إلى أنها تضمنت معايير الثقافة والشهادة والنظافة وطريقة التربية، وخضعت الأمهات المقبولات لدورة الذكاء العاطفي، وفن الحوار وحل المشكلات.
عدد كوادر المدرسة يصل إلى 49 شخصًا، بينهم عشر مربيات يتعاملن مع الأطفال بشكل مباشر، وتتراوح أعمار الأطفال فيها بين ثلاثة إلى 11 عامًا للذكور، ومن ثلاثة إلى 15 عامًا للإناث، ويلفت مدير مشروع المدرسة إلى أن القائمين عليه يدرسون تجهيز مكانٍ آخر ليتوجه إليه الأطفال الذكور بعد عمر 11 عامًا “إذ سيختلف التعامل معهم ويُضاف لعملهم جزء مهني”.
نعمت درويش، مديرة “بيت العطاء”، تحدثت لعنب بلدي عن التعامل مع الطفل، وتقول إن المدرسة تهدف ليس فقط إلى تربية الأطفال، “وإنما لتخريج أشخاص مهمين”، مشيرةً إلى أن النشاطات “عدّلت من سلوك الأطفال، بعد أن انقطعوا عن المدرسة”.
يخرج الأيتام من المدرسة يومين أسبوعيًا (الخميس والجمعة)، لزيارة من يدير شؤونهم، بينما يستطيع الأطفال أو المسؤولون عنهم الدخول إلى المدرسة مرة واحدة كل 15 يومًا لمدة ساعتين فقط. كما يجتمع كادر المدرسة مع ذوي الأيتام دوريًا، وتقول درويش “في النهاية لا يمكننا عزل الطفل عن ذويه”.
ينتهي عقد المشروع مطلع تشرين الثاني 2016، بعد أن كلّف أكثر من 100 ألف دولار أمريكي، في حين بلغت قيمة العقد 84 دولارًا، وفق الحكيم، ويشير إلى أن تجديده يقع على عاتق من يرعاه، مؤكدًا “سنستمر بكافة الأحوال ولن نوقف المدرسة”.
“لمسة عافية” يرعى ذوي الاحتياجات الخاصة
تأسس مشروع “لمسة عافية” لذوي الاحتياجات الخاصة عام 2014، ويقول القائمون عليه إنه يتطور بشكل ملفت باستمرار، لتخديم الأولاد المعوقين أولًا، والمشلولين ثم مبتوري الأطراف والمتخلفين عقليًا، من خلال نشاطات صحية ودعم غذائي ونفسي ومادي.
ورصدت عنب بلدي منذ مطلع العام الحالي، عدة مسابقات ونشاطات نظمها كوادر المشروع، أبرزها مسابقة الطبخ للأيتام، ويقول أمين الساعور، مدير الجمعية الخيرية، التي تدير المشروع بالتعاون مع جمعية الصحة الخيرية، إنها تدرس دعمهم تعليميًا في الوقت الراهن، داخل مدرسة خاصة تقلهم إليها وتعيدهم إلى منازلهم، “نُجهّز المكان حاليًا، وسنحاول افتتاحه في أقرب وقت خلال الموسم الدراسي الحالي”.
أنس محمود، عضو مجلس الإدارة في “لمسة عافية”، يقول لعنب بلدي إن المشروع جاء نتيجة زيادة عدد الأطفال المعوقين في الغوطة، مع استمرار القصف على الغوطة، إلى جانب من تضرر منهم نتيجة حوادث معينة أو مشاكل خلقية، من خلال كفالتهم بمبالغ مالية، وهو يستهدف من هم بعمر سنة، وحتى دون 18 عامًا.
لا إحصائية دقيقة لأعداد هذه الفئة من الأطفال، إلا أن المشروع يكفل 300 طفل تتنوع إصاباتهم بين الشلل الدماغي، والنصفي، والرباعي، والبتور، وحالات الصمم وفقدان البصر، في دوما وريفها فقط. ووفق تقديرات القائمين على المشروع فإن ما لا يقل عن ألف طفل يعاني من هذه الحالات، “وهذا يشمل المعقدة منها وتستثنى الإصابات البسيطة”.
“نحن في بداية الطريق ولكن كثرة المشاكل وغياب الاستقرار، إضافة إلى زيادة الحالات وضعف الدعم وكثرة الاحتياجات، هي عوائق كبيرة في طريقنا والمنظمات الأخرى”، وفق محمود، الذي يؤكد أن الكادر “يعمل على تطوير الخدمة من خلال تقييم الرعايا المسجلين، فلسنا قادرين على تقديمها لكل الناس”.
يتعاون القائمون على “لمسة عافية” مع الهلال الأحمر والمجالس المحلية في الغوطة، ويسعون من خلال الحفلات التي ينظمونها باستمرار، “لإشراك الأطفال المعوقين ليتجاوزوا الشعور بالاختلاف عن الأطفال العاديين، فهم قادرون على اللعب والعمل وتقديم شيء للآخرين ولأنفسهم”.
روضة “البيان” تنفرد برعاية الصم والبكم في الغوطة
تنفرد روضة “البيان”، التي تديرها الجمعية الخيرية لإغاثة المحتاجين في دوما، برعاية الأطفال الصم والبكم في الغوطة، بإمكانيات محدودة مستهدفةً أعدادًا قليلة من هذه الفئة.
وتسعى بعض صاحبات الخبرات الحياتية، من أمهات الأطفال على وجه الخصوص، عبر محاولات وصفت بـ”الخجولة” لسد الثغرة في هذا الملف.
وبينما ترعى الروضة عشرات الحالات، مايزال آخرون دون رعاية ويعيشون أوضاعًا صعبة رغم رعاية فردية من بعض الأشخاص لحالات محدودة، في حين تغيب الإحصائيات الدقيقة لأعداد الأطفال الصم والبكم.
يصف أمين محمد الساعور، مدير الجمعية، في حديثه لعنب بلدي، عمل الروضة التي تأسست منذ عام 2006 بـ”الضخم”، من خلال رعايتها بعض الأطفال عبر مشرفات مؤهلات لتعليمهم لغة الإشارة والكتابة والقراءة، ودعمهم نفسيًا من خلال حفلات ترفيهية ونشاطات تفاعلية يتشاركون فيها مع الأيتام.
للوقوف على عمل الروضة، تحدثت عنب بلدي إلى مديرتها لينا الشامي، وتقول إن الروضة واجهت فترة انقطاع خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة، إلا أنها تابعت عملها في تعليم هذه الفئة، من خلال كادر تدريسي من ذوي الخبرات، وخاضع لدورات في التعامل مع الصم والبكم.
رعت الروضة قبل الثورة 45 طفلًا من كافة مدن وبلدات الغوطة، وفق الشامي، إلا أن الظروف الحالية التي تعيشها الغوطة أجبرت كادرها المحدود على رعاية 30 طفلًا من مدينة دوما حيث مكان الروضة، إلى جانب بعض القرى المحيطة بها.
وتضيف مديرة “البيان” أنها أحصت عشرات الحالات ممن يعانون نقص السمع في مدارس الغوطة، تأثر بعضهم بشكل كبير نتيجة أصوات القصف، إلى جانب آخرين ورثوا الحالة عن آبائهم أو ولدوا بتشوهات خلقية، وترعى قسمًا منهم من خلال صف “تصحيح النطق”، وهو أحد أربع شعب مقسمة على فئات حسب العمر ودرجة نقص السمع.
تتراوح أعمار الأطفال بين 4 إلى 14 عامًا، وتدرس أكبر الفئات عمرًا منهاج الصف الثاني بحكم حالتها، بحسب مديرة الروضة، وترى أن إيصال المعلومة للطفل، أمر مهم باعتباره الداعم الرئيسي لتأهيله، “رغم أن بعض الآباء يخافون من تعليم لغة الإشارة حتى لا يعتاد عليها الطفل”.
النشاطات وتدريب الكوادر
يصل الأطفال إلى الروضة بعمر 4 سنوات، ويدربهم كادر الروضة المكون من أربع معلمات، على تمارين “النفخ” (بالون، شمعة، نفخ في الماء)، وتعتبر الشامي أن التمارين تحقق اللعب والتعليم في الوقت ذاته، ثم يتدرب الأطفال على كتابة الأحرف ولغة الإشارة “التي نسحبها بشكل تدريجي حتى إلغائها”.
ولم يقتصر عمل كادر الروضة على الحالات فيها، بل تجاوزها ليشمل تنظيم دورات تعليمية للتعامل مع الصم والبكم، إضافة إلى تعليم لغة الإشارة، لبعض الكوادر من الغوطة، وتوضح الشامي أن بعض الخبيرات من الأهالي أسسن مركزًا لرعاية هذه الفئة في عربين قبل حوالي عام، مشيرة “يعتمد كادره على أمهات الأطفال الصم اللواتي يملكن خبرة من تجاربهن، إلا أنه مازال ينقصهن الخبرة في هذا المجال”.
لا تسرُّب للأطفال من الروضة ولا مشاكل حقيقية بخصوص التعليم، كما تؤكد الشامي، إذ ينظم الكادر جلسات أسبوعية لتأهيل أهالي الأطفال داخل الروضة، “حتى يستطيعوا التعامل بشكل جيد مع أطفالهم في المنزل وخاصة في الإشارات، ما يسهل عملهم وعملنا في وقت واحد”، إضافة إلى دورة جديدة في مخارج الحروف وصفاتها ومشكلاتها وكيفية علاجها، تستمر على مدار شهرين.
مدة التعليم اليومي في الروضة ليست كافية لسد النقص لدى فئة الصم والبكم، وهي تستمر على مدار ثلاث ساعات من صباح كل يوم، إضافة إلى نشاطات بسيطة (رسم، تلوين، أشغال)، بينما لا تتوفر وسائل الترفيه بشكل كافٍ داخل الغوطة.
صعوبات تواجه فئة الصم
يُعاني عشرات الأطفال من صعوبات متفاوتة أبرزها توفر وسائل العلاج، وبينما تتلقى نسبة قليلة من أولئك الأطفال العلاج والجلسات الدورية في دمشق، تُحرم النسبة الأكبر من ذلك، وفق ما رصدت عنب بلدي من خلال استطلاع آرء لأهالي هؤلاء الأطفال.
ويخرج بعض الأطفال الذين يستطيع ذووهم تحمل تكاليف البقاء في دمشق، كل شهرين أو ثلاثة أشهر إلى العاصمة لمراقبة حالتهم وإجراء تخطيط السمع، وفق الشامي، وتقول “لا يوجد علاج أو تخطيط جيد في الغوطة على الإطلاق، إذ يذهب الطفل إلى الطبيب ويخطط له درجة سمعه شفهيًا، وحتى لو منحه تخطيطًا إلا أنه غير دقيق، فمعرفة درجة السمع أمر مهم جدًا للتعامل مع الحالة”.
“يمكن أن نشعر بأطفال يسمعون ويكونون عكس ذلك، ونضع بعضهم في صف الإشارة ويتبين بعد شهرين أنهم يسمعون أفضل من غيرهم”، تشير مديرة “البيان”، بينما يؤكد بعض الأهالي لعنب بلدي (رفضوا كشف أسمائهم) أن التسجيل للخروج إلى دمشق، مجاني من خلال بعض المنظمات وانتظار الطفل دوره، على أن يخرج مع ذويه بموجب تقرير طبي وبيان “غير محكوم”.
يصل سعر السماعة من خارج الغوطة إلى 150 ألف ليرة سورية (حوالي 270 دولارًا حاليًا)، وتؤكد الشامي أن بعض الآباء يبيعون الروضة سماعات كانت لأطفالهم الذين قتلوا خلال القصف، مردفةً “لا نستطيع تأمين السماعات إلا بهذه الطريقة، كما أن تكلفة صيانة أعطالها تصل إلى 25 ألفًا خارج الغوطة في حال استطعنا إخراجها”.
“ليس لدينا مواصلات حاليًا ولسنا قادرين على تأمينها، لنرفع العدد إلى 75 طفلًا، وهو الحد الأقصى الذي تتسع له الروضة”، تختم الشامي حديثها، وترى أن الروضة رغم الإمكانيات المحدودة، ستستمر لتأهيل الأطفال، وحتى يستطيعوا تقديم امتحانات شهادة التعليم الأساسي، فلا يمكنهم التعلم خارج الغوطة.
إصلاحية للأطفال “الأحداث” تُعيد تأهيلهم في الغوطة الشرقية
عانت مدن وبلدات الغوطة الشرقية بعد حصار النظام السوري لها مطلع عام 2013، من فراغ أمني كبير كان له تأثيره على فئة من الأطفال في القطاع الجنوبي منها على وجه الخصوص، الذين ضبطوا من قبل فصائل الغوطة بجنايات مختلفة، كان أبرزها استدراجهم من قبل النظام وتنفيذ إملاءاته.
في تلك الفترة الزمنية ضُبط العشرات من الأطفال وأودعوا في سجن “التوبة”، الذي يديره “جيش الإسلام” حتى اليوم، بعد أن اعتبره الفصيل “موضوعًا خطيرًا”، إلا أن مصدرًا مطلعًا (رفض كشف اسمه)، أكد لعنب بلدي أنهم وضعوا في مكان خاص وتلقوا الدروس الشرعية والتعليمية، حتى نقلوا إلى إصلاحية تديرها قيادة الشرطة في الغوطة عام 2014.
النظام يستدرج أطفال الغوطة الفقراء
تهمٌ مختلفة وُجّهت للأطفال الذين كانوا يتخذون من معبر مخيم الوافدين مكانًا لكسب رزقهم، باعتبارهم فئة فقيرة وجاهلة. ووفق مصدر “جيش الإسلام” فقد كان النظام يستدرجهم من المخيم، الذي يقع قرب أوتوستراد دمشق- حلب، ويغريهم ويجبرهم على نزع الألغام التي زرعها “جيش الإسلام”، على طول خط الجبهة القريب من “الوافدين”، كما أجبرهم على زرع ألغام داخل مناطق سيطرة الفصيل.
لم تطل فترة بقاء الأطفال داخل سجن “التوبة”، حتى اعترفوا بتورطهم بعمليات قتل بالإجبار واستدراجٍ للنساء إلى مناطق النظام وتعطيل الألغام، ثم نقلوا إلى سجن “الإصلاحية”، الذي يتبع للقيادة الموحدة المشكلة في آب 2014، تحت قيادة زهران علوش، ممثلة عن الفصائل العسكرية، والهيئة العامة التي تنوب عن المؤسسات العاملة على أرض الغوطة.
داخل “الإصلاحية”
معظم أهالي الغوطة لا يعلمون بوجود سجن “الإصلاحية” في مدينة دوما، ويقتصر أمر معرفته على أهالي الأطفال الذين سجنوا داخله، ويعتقد أنه أنشئ خصيصًا للأطفال الذين نقلوا من سجن “التوبة”، بينما يقول هيثم عبد الغني، مدير العلاقات العامة في قيادة الشرطة، لعنب بلدي إنه تأسس لإعادة تأهيل وتعليم الأطفال الذين أخطؤوا.
يضم السجن ساحة للتمارين الرياضية والفترة الترفيهية، وكادرًا تعليميًا يعمل في مجال الدعم النفسي وإصلاح الأطفال الأحداث، لإعادة دمجهم في المجتمع من جديد، ويرى عبد الغني أن الحصار دعا بعض الأطفال للخروج إلى مناطق النظام وأصبحوا عرضة لاستغلال عناصره، واستخدموا في نقل المعلومات من داخل الغوطة.
ويتابع كادر السجن الوضع الصحي للأطفال الذين يحصلون على طعامٍ يطبخ داخل “الإصلاحية”، ويراعى فيه برنامج غذاء معين (حليب، ولحوم، وأسماك وغيرها)، كما دعمت بعض المؤسسات الإغاثية مشروع الإطعام، إضافة إلى الاهتمام بالنظافة، وفق عبد الغني، الذي يوضح أن زيارة الأهالي للأطفال داخل السجن متاحة في أي وقت.
آخر أربعة “أحداث” خرجوا قبل حوالي شهرين، بعد أن أمضوا فترة عامٍ كاملٍ داخل السجن لتعاملهم مع النظام في وقت سابق، ويؤكد عبد الغني أن الشرطة تتابعهم وتراقبهم حتى اليوم، بينما استقبل السجن بعض الأطفال المتهمين بالسرقات “الكبيرة والصغيرة”، وخرجوا جميعًا بعد أيام، على خلفية كتابة تعهد من قبل الأهل، يضمن عدم تكرار الحادثة.
وتراوحت أعداد الأطفال داخل المركز خلال الفترة ذاتها، بين خمسة إلى 15 طفلًا، واختلفت أعمارهم بين ثماني سنوات و14 عامًا، جميعهم تلقى التعليم المسرّع (التركيز على المواد الأساسية)، على يد معلمة وشرعي لإعادة تأهيل الطفل، “كي يكون لديه كمٌّ جيدٌ من المعلومات حين خروجه، يساعده على الاندماج مع أقرانه في المدارس خارج الإصلاحية”.
لا يدخل الطفل إلى “الإصلاحية” إلا بعد أن يحكم القضاء في الغوطة، ويرسل كوادر السجن تقارير دورية عن حالة الأطفال للقضاء، ويؤكد مدير العلاقات العامة في قيادة الشرطة أن أطول مدة قضاها الأطفال بلغت عامًا واحدًا، “بعد أن جاءت مخففة لأحكام بين أربع وخمس سنوات تبعًا للتقارير المرسلة وبعد التأكد من أن الطفل لن يجلب أي خطر وأصبح جاهزًا للاندماج في المجتمع”.
رفض أهالي بعض الأطفال الذين عاشوا تجربة السجن داخلها الإدلاء بأي تصريح لعنب بلدي، إلا أن سجن “الإصلاحية” خالٍ من الأطفال حاليًا، ووفق ناشطي الغوطة فإن قيادة الشرطة مازالت تستجيب للمؤسسات المدنية دون تمييز، رغم الإشكاليات بين الفصائل، والتي أوقفت العمل بالقيادة الموحدة، التي تتبع لها الشرطة.
حوران.. “غصن زيتون” تجربة رائدة في العناية بالطفل
تحاول المنظمات المدنية والمجالس المحلية والمديريات التابعة للحكومة المؤقتة، سد الثغرات التي أحدثتها سنوات الحرب الخمس في محافظتي درعا والقنيطرة، لا سيما أن مساحات واسعة منها باتت خارجة عن سيطرة النظام السوري.
وتعتبر “غصن زيتون” من أبرز المؤسسات التي نشأت في ظل الثورة، وتهتم بالعملية التربوية والاجتماعية لأطفال حوران. فمن حلم صغير لثلاثة شباب برسم الابتسامة على شفاه الأطفال، انطلقوا قبل أربعة أعوام، ليغدو حلمهم اليوم مشروعًا متميزًا.
“غصن زيتون” هي منظمة إنسانية، تُعنى بالجانب الإنساني بشكل عام ومنه الجانب التعليمي، تأسست بجهود تطوعية من قبل شباب مثقفين، من أجل النهوض بالواقع التعليمي للطفل في حوران، بحسب ما أوضح محمد فارس أبو مجد، نائب مدير التعليم في المنظمة، وأطلع عنب بلدي على عملها ومشاريعها في المنطقة، والصعوبات التي تعترض الفريق.
وأوضح أبو مجد أن “غصن زيتون” نفذت 35 مشروعًا تعليميًا، توزعت بين مراكز ثقافية وروضات للأطفال في مرحلة الروضة والمرحلة الابتدائية بدوامين، بالإضافة إلى مراكز ثقافية ومراكز مهنية، وباصات زيتون الترفيهية، التي تقوم بعملية الترفيه والتعليم. أيضًا الفرق الجوالة ومراكز الدعم النفسي وتطبيق برامج التعلم الذاتي، كذلك المشاركة بفعاليات وجهود تقوية طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، من خلال دورات التقوية عبر مراكزها، والاستعداد الدائم للمشاركة في أي جهود تستهدف النهوض بالواقع التعليمي في محافظة درعا.
بالنسبة لكوادر المنظمة، فهم من الاختصاصيين والأكاديميين، حملة الشهادات الجامعية والمعاهد المتوسطة، يتم اختيارهم دائمًا من خلال مسابقات لتعيين الكوادر، ومن خلال تطبيق معايير اختبار واضح وشفاف، بالإضافة لسياسة “غصن زيتون” في المجال التعليمي، وتطبيق برنامج التدريب المستمر.
وأشار أبو مجد إلى أن المنظمة تعمل بشكل دائم على تدريب الكوادر، من خلال إخضاعهم لدورات تقوية ودورات في مجال الدعم النفسي والتوجيه التربوي والمجال الإداري بشكل مستمر، إيمانًا منهم بأن التدريب بكل اختصاص يجب أن يبقى مستمرًا، لتطوير العمل والنهوض به بشكل أكبر.
كما تحدث أبو مجد عن عمل المنظمة في مجال الدعم النفسي، والتي تهدف من خلاله إلى إخراج الطفل من أجواء الحرب والصراع، وتحقيق عملية الانسجام مع التعليم والنهوض بواقعه ومستقبله التعليمي، وقال “هناك برامج كثيرة، منها برامج (أنا أتعامل)، وبرامج (المساحات الصديقة)، وبرامج (المهارت والمرونة)، وغيرها من برامج الدعم النفسي، التي تحقق التوازن عند الطفل، وتجعله أكثر انسجامًا مع العملية التعليمية، وتأقلمًا مع الظروف التي تعيشها سوريا في ظل هذه الأحداث”.
تهتم “غصن زيتون” بحالات التأخر العلمي أو الإعاقات الجسدية، وتابع المسؤول فيها “هناك اهتمام خاص بهذه الحالات من قبل الكادر والمشرفين التربويين، مع سعي المنظمة لافتتاح مراكز خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، لتكون الجهود متكاملة وشاملة تستهدف كل الأطفال بجميع حالاتهم”.
تنسق المنظمة عملها مع الهيئات التعليمية في حوران بشكل دائم ومباشر، وتركز بالمقام الأول التنسيق مع الإدارة المدنية المتمثلة بالمجالس المحلية، ومجلس المحافظة وكل الهيئات التعليمية التي تتبع له، بالإضافة للتنسيق والتشارك بالأفكار والاقتراحات والفعاليات مع كل المنظمات الشريكة العاملة في هذا المجال، من خلال الفعاليات واللقاءات المشتركة، ومن خلال الزيارات وتنسيق أو تشارك بعض الأفكار التي تنهض بهذا الواقع التعليمي، بحسب “أبو مجد”.
الوضع الأمني في حوران والخوف على الأطفال من الاستهداف المباشر يبقى الهاجس الأكبر للقائمين على المنظمة، سواءً في “غصن زيتون” أو أي مركز ومنظمة أخرى، كما أوضح أبو مجد، مضيفًا في حديثه حول الصعوبات التي يواجهها فريقه، أن الهاجس الثاني يكمن في عدم توفر جميع الوسائل والمواد التي تحتاجها برامج التعليم أو برامج الدعم النفسي.
تعتمد “غصن زيتون” دائمًا على المتاح، الذي يضمن نجاح مشاريعها وبرامجها التعليمية، وتطمح بالنهوض بواقعها التعليمي بشكل أكبر، من خلال زيادة عدد المشاريع واستهداف فئة وشريحة أكبر من الأطفال واليافعين، لإنجاز دور مهم فعلًا بالعملية التربوية، في ظل التأخر التعليمي الذي تشهده البلاد خلال هذه الظروف.
أطفال أطلقوا شرارة الثورة ثم غطوها إعلاميًا
نال أطفال درعا “شرف” إطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية، بعدما خطت أصابعهم الشعارات الأولى لإسقاط نظام الأسد، ولعل هؤلاء الأطفال لم يكتفوا بإطلاق الشرارة، بل أسهموا في مواكبتها إعلاميًا، كما فعل الطفل الشهيد عمر هيثم القطيفان.
فالطفل الذي لم يتجاوز 14 عامًا من عمره، حمل الكاميرا وتقدم الصفوف الأولى في درعا البلد، لتغطية الأحداث الميدانية منذ العام الثاني للثورة، وكانت كاميرته إحدى أبرز العدسات في مواكبة معركة “الرماح العوالي” التي أطلقتها فصائل المعارضة في أحياء درعا البلد.
نال عمر لقب “الإعلامي الصغير”، ووصفه المقربون منه بأنه لا يخشى أزيز الرصاص في ساحة المعركة، يتقدم جسده الصغير بين أجساد الكبار، يحمل كاميرته ويحملون سلاحهم.
رحل عمر القطيفان في أيار 2013، بعدما أصابته رصاصة قناص قوات الأسد، أثناء تغطيته لمعركة “الرماح العوالي” في درعا البلد، لتشيعه مدينة درعا بأبرز شخصياتها، ويحمل هذا الطفل الصغير، ألقابًا كبيرة، فأصبح الشهيد الطفل الإعلامي.
يقول الكاتب عارف العودات “عمر هيثم قطيفان، ذو 14 ربيعًا، واحد من الذين نذروا أنفسهم لإيصال الحقيقة كي يرى العالم حجم الدمار والقتل، الذي يذوقه هذا الشعب العظيم في سبيل نيل الحرية والكرامة، فتىً عندما تنظر لصورته لا تملك إلا أن تحبه، ويزداد حبك أكثر عندما تعلم أنه أصغر إعلامي، وهو معروف من قبل الجميع وحبيب الكل، لا يخاف أزيز الرصاص في ساحة المعركة، ويزاحم الرجال فيها. ودعه الأبطال في الجيش الحر والأهالي والأصدقاء، ولسان حالهم يقول: لن نفرط في دمك، ولن نخذلك، وسنحقق حلمك الذي مزجت محبته بدم قلبك الصغير، رحمك الله أيها الشاب وألهم أهلك الصبر والسلوان”.
نشاطات لإنقاذ أطفال حلب.. التسرب من التعليم طال نصفهم
أكثر المدن خطورة في العالم، كما صنفتها منظمات دولية عديدة، يشكو أطفال ضفتها الشرقية كم الموت والدمار اليومي، وتنهمك المنظمات المعنية بالطفولة فيها بالحفاظ على العجلة التعليمية والصحة النفسية في ظل الظروف المعقدة.
أرقام تعكس حجم المأساة
إلا أن أرقامًا كشفها مدير التربية في حلب المحررة لعنب بلدي، أوضحت أن نسبة التسرب فاقت 50% من المقاعد الدراسية، وتعكس بالتالي الواقع المرير فيها.
وقال محمد مصطفى، مدير التربية، إن عدد الطلاب فاق 32 ألفًا للعام الدراسي الماضي في حلب المحررة، بينما سيكون العدد خلال العام الدراسي الحالي بين 25 و27 ألف طالب فقط.
وأشار مصطفى في حوار مع عنب بلدي، أن نسبة الطلاب في الحلقة الأولى هي 60% من الطلاب عمومًا، وترتفع إلى 80% فيما لو أضيف لهم طلاب الصفين الخامس والسادس، بينما تبلغ نسبة الطلاب دون المرحلة الثانوية 15%، و5% فقط هم طلاب المرحلة الثانوية.
ووفق أرقام، قال المصطفى إنها “تقريبية”، قدّر نسبة التسرب من المدارس في حلب الشرقية بنحو 50% لجميع المراحل بشكل وسطي، واستطرد “نسبة التسرب تختلف من مرحلة إلى أخرى، من الصف الأول إلى الرابع 25%، ترتفع إلى 70% في الصفين الخامس والسادس، وترتفع إلى 85% في السابع والثامن والتاسع، وترتفع إلى 95% في المرحلة الثانوية”.
أمنت مديرية التربية والتعليم، الكتاب المدرسي للطلاب في مدينة حلب في العام الماضي بشكل جيد، كما أوضح مديرها، وأضاف أن الكتب المدرسية متوفرة هذا العام بنسبة 30%، يضاف إليها الكتب المدورة من العام الماضي لتسد بذلك احتياجات الطلاب.
تبدو النسب التي سردناها واقعية بالنظر إلى الأوضاع الأمنية والمعيشية في حلب الشرقية، والتي تعيش في حصار مستمر منذ قرابة شهرين، بالتزامن مع قصف وتصعيد جوي أجبر معظم الأهالي (البالغ عددهم قرابة 275 ألف نسمة)، على العيش في أقبية وملاجئ تحت الأبنية المدمرة.
المجلس المحلي يركز على الدعم النفسي
عمد مكتب الشؤون التعليمية والاجتماعية في المجلس المحلي إلى التركيز بشكل كبير على الدعم النفسي للطفل في حلب المحررة، وهو ما أوضحه مدير المكتب، محمد بدوي، مشيرًا إلى أن المكتب وقع في الآونة الأخيرة مذكرات تفاهم مع بعض منظمات المجتمع المدني، المتخصصة في هذا المجال.
وأشار بدوي إلى أن حصار مدينة حلب دعا المكتب للتواصل مع بعض منظمات المجتمع المدني، وتوقيع مذكرات تفاهم وتجهيز مراكز، باشرت عملها في أقبية تحت الأرض. وأضاف أن المكتب يشرف بشكل مباشر على مركز “بلقيس” في مدينة حلب، والذي يختص بتقديم دعم نفسي للأطفال، وتنفيذ برامج توعية وتدريب على الحاسوب والألعاب الحركية، وقال “إن الأوضاع الراهنة تسببت بتراجع نفسي للأطفال، فاهتممنا بهذا الجانب، إلى جانب تنمية المساحات الصديقة”.
اهتمام فريد بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
لم تمنع الحرب والأوضاع الأمنية المعقدة في حلب الشرقية، السيدة نور الهدى حفار، من إنشاء مركز متخصص للأطفال المعوقين من ذوي الاحتياجات الخاصة، أطلقت عليه اسم “مدرسة الجسر الذهبي”، كان ذلك في أيار 2015.
زارت عنب بلدي المدرسة، واطلعت على الواقع التعليمي الخاص بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من صم وبكم ومصابين بالتوحد ومتلازمة داون، والتقت بالسيدة نور الهدى، وأوضحت بدورها أن المدرسة تستضيف اليوم 35 طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، دون أي دعم حقيقي توفره منظمات محلية أو دولية.
وقالت حفار “كان هذا النوع من الطلاب مهمشين في حلب الحرة، لكن المدرسة جعلت لهم أملًا في الحياة، ووصلنا إلى مراحل متقدمة في تقديم التعليم لهم من قبل أخصائيين، ووفق مناهج الحياة الخاصة بهم، من نشاطات متعددة تتيح لهم التعرف على الناس من حولهم”.
أمنت المدرسة قبيل حصار حلب وجبة طعام يومية ومستلزمات التعليم المتعددة، وألعاب وألبسة تدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال، بحسب مديرتها، موضحة أن الحصار جعل الأمر مختلفًا، إذ قلّ الدعم الغذائي، وتضاءلت نسبة المستلزمات اليومية، وهو ما أثر على العملية التعليمية برمّتها، موجهةً نداءً للمنظمات المهتمة، بضرورة تأمين بعض احتياجات هؤلاء الأطفال المعوقين “هم جزء من هذا المجتمع، ووجب وضعهم بعين الاعتبار”.
حمص.. المنظمات والهيئات تُخفف معاناة الأطفال والمشاكل مستمرة
يعيش الطفل في مدن وبلدات ريف حمص الشمالي وحي الوعر المحاصر مأساة مستمرة، مع تنقل معظم الأهالي في هذه المناطق من بلدة إلى أخرى، ما يجعل العملية التعليمية وغيرها من النشاطات مرتبطةً بمكان وجوده، ومن يغطيه من المنظمات والهيئات الإنسانية.
ندرة وسائل وسبل العيش متمثلة بالغذاء والأدوية على وجه الخصوص، أثّر سلبًا على الأطفال، وجلب أمراضًا مختلفة جعلت من نمو وتطور بعضهم أمرًا صعبًا، بينما انتشر الجهل وتسرب المئات منهم عن التعليم، وسط محاولات وصفت من قبل أهالي تلك المناطق بأنها تخفف مما يعيشه الطفل، إلا أنها لم تجد حلًا لمشاكله حتى اليوم.
معهد “أبناء الشهداء” في الوعر
معاهد تعليمية مختلفة نشطت في ظل تدهور القطاع التعليمي في حي الوعر، وهدفت إلى احتواء الخلل الناتج عن انقطاع الدراسة، من ضمنها معهد “أبناء الشهداء”، ويقول مديره عبد الحفيظ الحافظ، لعنب بلدي إن المعاهد الخاصة ليست حلًا وإنما تخفيفًا من وطأة المشكلة.
يضم المعهد 100 طفل من “أبناء الشهداء”، وتتابعهم كوادر مختصة تساعدهم في وظائفهم المدرسية إلى جانب تلقيهم التعليم في المدرسة، وفق الحافظ، الذي يؤكد أن المعهد يقدم خدماته مجانًا ويؤمن مسلتزمات التعليم للأطفال منذ تأسيس المعهد قبل حوالي عام ونصف.
ولا تقتصر رعاية العملية التعليمية على المعاهد، بل تنتشر مجموعات وهيئات تضع على عاتقها تعليم الأطفال، إلى جانب مديرية التربية والتعليم التابعة لوزارة الحكومة المؤقتة.
محاولات لدعم الأطفال نفسيًا
تدعم عشرات المنظمات الأطفال نفسيًا من خلال نشاطات مختلفة، ويرعى نادي “بسمة نور” في حي الوعر، 220 طفلًا في الوقت الحالي، بعد انتقاله إلى مركز مصغّر، عقب استهداف مقره الرئيسي بأسطوانة متفجرة خلال التصعيد العسكري الأخير الذي طال الحي قبل شهرين، وفق مازن المسموم، مدير النادي.
يقول المسموم إن النادي ضم 380 طفلًا قبل تدمير مقره، ورعى نشاطات ترفيهية في محاولة لتخفيف وطأة الحصار على الأطفال، كبرنامج التدريب ومحو الأمية، والنشاطات الترفيهية، مشيرًا “استطعنا بفضل ذلك تصحيح جزء من الاعوجاج السلوكي والنفسي لدى الأطفال عبر اتباع طرق جديدة، تمكنا فيها من تحفيز القدرات الذهنية المغيبة في المدارس الحكومية، وأظهرنا القدرات الإبداعية من خلال النشاطات الأدبية، متمثلة بالشعر والخطابة والإلقاء”.
تسببت الحملات العسكرية على المناطق المحررة في سوريا، بأزمة نفسية حادة للأطفال، يصعب تجاوزها، بينما تحاول المنظمات سد النقص من خلال الحفلات الترفيهية والحملات التوعوية التي تعزز ثقة الطفل بنفسه، ويجمع معظم من استطلعت عنب بلدي آراءهم على أن أكثر المناطق تضررًا في ريف حمص، هي منطقة الحولة، فلا تعليم ولا نشاطات كما يجب.
مكتب رعاية الطفولة والأمومة في الرستن
يعتبر مكتب رعاية الطفولة والأمومة في الرستن نموذجًا ناجحًا لرعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة في ريف حمص الشمالي، وتديره مها أيوب، إضافة إلى 19 شخصًا بينهم خمس نساء يعملن بشكل تطوعي.
ويؤمّن المكتب مادة الحليب للأطفال دون عمر السنة، كما تقول أيوب لعنب بلدي، إضافة إلى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بكافة الفئات العمرية، ويكفل 80 طفلًا يتيمًا بالتعاون مع مؤسسة “حمزة الخطيب”.
صعوبات جمّة تحدثت عنها أيوب، أبرزها الحصار المفروض على الرستن وباقي مدن وبلدات المنطقة، ما يمنع دخول المواد الغذائية والحليب والمستلزمات الخاصة بالمعوقين، وتضيف أن كادر المكتب يدفع مبالغ لتهريب تلك المواد بهدف مساعدة حوالي 1200 طفل رضيع دون السنة، و1300 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفق سجلات المكتب.
المجلس المحلي يُنسّق ولا يرعى المشاريع
يُنسّق المجلس المحلي لمحافظة حمص بعض الكفالات عن طريق شراكات مع منظمات في الداخل السوري، إذ أسهم منذ منتصف عام 2015، بتأسيس مراكز لحماية الطفل، كمكتب رعاية الطفولة والأمومة، ومركز في منطقة الحولة بالتعاون مع جمعية “الحولة الخيرية”، التي تعنى بالشؤون الإغاثية والإنسانية، إلا أنه لم يعد يدعمها منذ مطلع العام الحالي، وفق مدير مكتب المشاريع في مدينة غازي عنتاب التركية، زكريا المولية.
ركّز المجلس منذ مطلع العام الحالي اهتمامه بالأيتام، ويقول المولية لعنب بلدي إن منظمة “Human care” تدعم حاليًا 35 يتيمًا في ريف حمص الشمالي عن طريق المجلس، لمدة عام كامل، وتمنحهم 45 دولارًا شهريًا، بينما تدعم منظمة “Hand In Hand For Syria”، 93 يتيمًا في ريف حمص الشمالي، بـ30 دولارًا شهريًا.
بدورها تقدم جمعية “Alsace” الفرنسية، دفعات مالية غير منتظمة ككفالات طارئة لمجموعة من الأيتام، بواقع أربعة إلى خمسة آلاف يورو كل فترة، ويوضح المولية أن المجلس يتدخل لتوزيع الكفالات على الأيتام الذين لا تستهدفهم المنظمات، “تكفي المبالغ المرسلة لكفالة قرابة 60 يتيمًا لمرة واحدة، إلى حين وصول الدفعة الأخرى”.
بسبب رفض بعض الداعمين التعامل بشكل مباشر مع المجالس المحلية، يُنسّق مجلس محافظة حمص مع بعض المنظمات التي ترعى قرابة ألف يتيم عن طريق مؤسسة “عبد القادر السنكري”.
ويشير المولية إلى أن المجلس لا يرعى الأيتام بشكل مباشر وليس لديه إحصائيات بخصوص أعدادهم، مؤكدًا أن المجلس طلب من المجالس الفرعية أكثر من مرة، إحصاء تلك الفئات من الأطفال، “ولم نجد تجاوبًا فهناك معوقات كثيرة لإتمام هذه الخطوة”.
ويعمل كادر المجلس منذ أربعة أشهر على مشروع لدعم المواهب المتميزة للأطفال في حي الوعر، ويشير مدير المشاريع في المجلس أنه يستهدف 96 طفلًا من المتميزين لتنمية قدراتهم الفنية والعلمية، موضحًا “ننتظر رد إحدى الجهات الداعمة لنبدأ العمل، من خلال كوادر مختصة ومؤهلة داخل الحي”.
يقف أطفال سوريا وحمص على وجه الخصوص على مشارف الكارثة، وفق عبد العزيز دالاتي، عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ويقول إن الأطفال في المناطق المحاصرة نالوا النصيب الأكبر من نقص الاهتمام والرعاية.
ويرى دالاتي في حديثه إلى عنب بلدي أن الأنشطة التي تستهدف الطفل على الأرض، ورغم أهميتها وجهود القائمين عليها حتى اليوم، إلا أنها لم تستطع تأمين الحد الأدنى من الحياة المثالية الاجتماعية والنفسية للطفل، بل اقتصر دورها على تخفيف معاناته خلال ساعات النشاط، “فهو يعود إلى حياة الشقاء والحرب حال خروجه من ذلك الجو”، داعيًا إلى العمل على المبدأ الثامن من الميثاق العالمي لحقوق الطفل، والذي يضمن أن يكون الأخير من أول المتمتعين بالحماية والرعاية.
“الإدارة الذاتية” تُجهّز منهاجًا جديدًا للتلاميذ والطلاب
العمالة والتسرب من المدرسة أبرز ما يؤثر على الطفل في الحسكة
تطغى ظاهرة عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس على حديث الشارع في محافظة الحسكة، وبينما تستمر مؤسسات “الإدارة الذاتية” بوضع مناهج جديدة تحددها بموجب سياساتها، تعاني المنطقة من تشتت في العملية التعليمية، الأمر الذي طال شريحة الطلاب بأكملها، وعلى رأسهم التلاميذ.
وتُشابه النشاطات في محافظة الحسكة إلى حد كبير، مثيلاتها في المدن السورية الأخرى، رغم الاختلاف الذي يراه البعض جذريًا في ظل فرض “الإدارة الذاتية” شروطها على المنظمات، لم تمنع عشرات المنظمات من رعاية فعاليات للفئات الأكثر ضعفًا من الأطفال.
عنب بلدي تواصلت مع هيئة التربية والتعليم التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، وأكد القائمون عليها أنها لا تملك إحصائيات حول المتسربين أو الأيتام، ولا حتى بأعداد الطلاب المتسربين من المدارس.
تولين محمد حسن، واحدة من أعضاء مركز “طفولتي” في القامشلي، تقول لعنب بلدي إن المركز يرعى مشاريع متنوعة أبرزها الروضة التي تستقبل الأطفال من عمر الحضانة وحتى خمس سنوات، وهي واحدة من بين العشرات التي تقدم الخدمات ذاتها.
ولا تهتم الروضة بالأطفال العاديين فقط، بل تعمل من خلال برنامج “قوس قزح” يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، على دمج الأطفال العاديين، والآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، “وأكثرهم نازحون وأطفال شهداء”، وفق حسن، وتشير إلى أن أكثر المدارس لا تستقبل أولئك الأطفال، “وهنا نحاول تعويضهم ونعلمهم اللغات الإنكليزية والعربية والرياضيات، ضمن إمكانياتنا المحدودة”.
“الإدارة الذاتية” تفرض منهاجًا وكتبًا
ويقول مالك حنا، نائب رئيس هيئة التربية والتعليم في مقاطعة الجزيرة، إن الهيئة تعمل منذ قرابة عام كامل داخل مقرها في الرميلان على تجهيز منهاج وكتب جديدة للطلاب والتلاميذ، مشيرًا في حديثه إلى عنب بلدي أنه “يجمع من أكثر من مصدر، بحيث تراعى ثقافة الأمة الديمقراطية وليست ثقافة معينة مفروضة على المكونات بأكملها”.
ويضم المنهاج المبادئ الأساسية والخصوصية لكل مكون ضمن الكتب، وفق حنا، الذي أوضح أن الصفوف الثلاثة الأولى يدرس كل تلميذ لغة مكونه، بينما يدخل بعد الصف الثالث لغات المكونات الأخرى ليتعرف عليها ضمن منهاجه.
وخلق فرض المناهج مشكلة، وفق ما رصدت عنب بلدي، فبعض التلاميذ توجهوا نحو المدارس الخاصة، وفضّل بعض الأهالي إبقاء أبنائهم دون تعليم، واصفين العام الدراسي الحالي بأنه الأسوأ منذ سنوات في المحافظة.
في الجانب الآخر لدى النظام السوري، لا يبدو الأمر أفضل حالًا، ويؤكد معظم من استطلعت عنب بلدي آراءهم من الأهالي أن بعض المدارس في مناطق سيطرة النظام المحدودة في الحسكة، خالية من التلاميذ بشكل كامل، ويقول مدرّس اللغة العربية، دحام بشير، “مدراؤها يرفعون قوائم وهمية بأسماء طلاب، كي لا تغلق المدرسة”، وفق تعبيره.
عمالة الأطفال تكتسح القامشلي
لا تتركز ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا بمحافظة الحسكة على وجه الخصوص، إلا أن الأهالي يشتكون من زيادتها بشكل متواتر خلال الأشهر القليلة الماضية بشكل كبير، تبعًا لعوامل مختلفة، أهمها تدهور العملية التعليمية في المنطقة، في ظل غياب المتابعة من الجهات المعنية.
يقول محمد علي عثمان، الاختصاصي النفسي في مركز “سمارت” بالقامشلي، إن الأهالي في المدينة يرون أن التعليم السيئ حاليًا لا يُشجّعهم على الاهتمام بأطفالهم، لافتًا في حديثه لعنب بلدي أن الوضع الاقتصادي المتدني للأسر، جعل من الطفل عاملًا لجلب 400 ليرة سورية يوميًا ثمن الخبز، “وهذا يكون أفضل من تعليمه وفق وجهة نظرهم”.
وطرح عثمان عاملًا آخر يزيد من الظاهرة، وهو هجرة أرباب الأسرة إلى خارج سوريا، على أمل أن يلموا شمل عوائلهم، وهو ما يسبب عامل ضغط على الأسرة، وبالتالي يجبرون أطفالهم على العمل، الأمر الذي يزيد من ضغوطهم النفسية، وفق رؤيته.
ومما زاد ظاهرة العمالة هي “الهجرة الداخلية”، ووصول عدد من النازحين من أرياف حلب والرقة ودير الزور، ويؤكد الاختصاصي النفسي أن قسمًا كبيرًا منهم لم يدخل المدرسة نهائيًا، “بل عملوا بمجالات متنوعة وبما أن أعدادهم كبيرة، أثروا على تفكير باقي أهالي المنطقة، بعد أن تعرفوا على المردود الذي يجلبه الأطفال النازحون”.
ويرى معظم من استطلعت عنب بلدي آراءهم من أهالي الحسكة، أن الجمعيات والمنظمات المرخصة من “الإدارة الذاتية” وغير المرخصة، الدولية منها والمحلية، تعمل نظريًا إلا أنها لا تستطيع فعل شيء من خلال ما تعمل عليه حاليًا، فذلك يحتاج جهودًا كبيرة تتكفل بها جهات رسمية تضغط على أرباب العمل والأهالي للحد من العمالة، وتطرح مشاريع فعّالة تضمن إعادة تأهيل الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة بالشكل الأمثل بعيدًا عن التشتت وغياب التنظيم في العمل.
أطفال سوريون أثارت مأساتهم الرأي العام العالمي
خمسة أعوام ونصف على انطلاق الثورة ضد النظام السوري في آذار 2011، حملت مشاهد مأساوية لأطفال توفوا أو أصيبوا بظروف مختلفة، وأثارت مأساتهم التي رصدها الإعلام المحلي والأجنبي، الرأي العام العالمي.
ورغم الاهتمام الدولي بحوادث مقتل وإصابة الأطفال في سوريا، وما تبعها من تنديد واستنكار ولغة وعيد لنظام الأسد باعتباره المتسبب الأول بها، إلا أن ذلك لم يغير شيئًا، فالنظام مازال على حاله في دمشق، دون أن تنجح المنظومة الدولية بمحاسبته أو حتى الشروع بذلك.
حمزة الخطيب
الطفل حمزة علي الخطيب، من مواليد بلدة الجيزة في محافظة درعا، عام 1997، خرج مع أهالي بلدته في مظاهرة هتفت لفك الحصار عن مدينة درعا، التي كانت شرارة الثورة السورية، في نيسان 2011.
اعتقل حمزة من قبل عناصر الأمن العسكري في حاجز بلدة صيدا، 29 نيسان، وسلّم جثة هامدة لأهله في 25 حزيران من العام ذاته، وبدت عليها آثار التعذيب والتشويه، بشكل غير مسبوق في سوريا آنذاك.
أحدث مقتل الخطيب والتمثيل بجثته غضبًا في الشارع الحوراني، وخرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، وطالبوا بإسقاط الأسد ونظامه، وتحدثت عنه عشرات الصحف ووسائل الإعلام العربية والعالمية، وندد سياسيون غربيون بالحادثة، ومايزال اسمه محفورًا في ذاكرة السوريين حتى اليوم.
هاجر الخطيب
الطفلة هاجر الخطيب، من مواليد مدينة الرستن في محافظة حمص، عام 2000، خرجت كالمعتاد من مدرستها “الروافد”، ظهيرة الاثنين 29 أيار 2011، وركبت حافلة خاصة تقلها يوميًا إلى منزل عائلتها.
على طريق العودة، استهدف عناصر تابعون لقوات الأسد الحافلة، ما أدى إلى مقتل الطفلة على الفور، وإصابة خمسة من أشقائها وأبناء عمومتها.
ضجّت مدينة الرستن وتلبيسة المجاورة وسائر محافظة حمص بمقتل الطفلة، وخرجت مظاهرات عارمة طالبت بالقصاص من القتلة، ومحاسبة النظام السوري، واعتبرها مراقبون أحد عوامل تأجيج المظاهرات ضد الأسد، إلى جانب حمزة الخطيب.
آلان الكردي
الطفل آلان عبد الله شنو، من مواليد مدينة “عين العرب” (كوباني) في ريف حلب الشرقي، عام 2011، وعرف عالميًا بـ “آلان الكردي” أو “إيلان الكردي”، انتقل مع عائلته من “كوباني” نحو مدينة دمشق، ليخرج بعدها إلى تركيا، ومن ثم إلى اليونان عن طريق البحر، حيث غرق مركبهم، بتاريخ 2 أيلول 2015.
توفي آلان وشقيقه غالب، ووالدته ريحان أيضًا، بينما نجا والدهما عبد الله من الغرق، واستقبل المئات من أهالي “كوباني” جثامين الضحايا، حيث دفنوا في مسقط رأسهم.
حادثة غرق آلان وعائلته شغلت وسائل الإعلام العربية والأجنبية، كما شارك عدد كبير من مشاهير الرياضة والفن والأدب من كل أرجاء العالم في فعاليات، لفتوا من خلالها إلى مأساة السوريين وعذاباتهم في رحلتهم الطويلة للوصول لحلم اللجوء الأوروبي، فيما دعا العديد من السياسيين العالم لضرورة إيجاد حل حقيقي للتخفيف من معاناتهم، من خلال استقبال أعداد أكبر من هؤلاء اللاجئين.
قصي عبطيني
الطفل قصي فهد عبطيني، من مواليد مدينة حلب، عام 2001، هو بطل الجزء الأول من مسلسل “أم عبدو الحلبية”، ولعب دور زوجها “أبو عبدو”، وحاز على إعجاب مئات الآلاف ممن تابعوه على موقع “يوتيوب”.
درس قصي في مدرسة عبد الرحمن الغافقي، إلى أن اقتحمت الثورة السورية حياته في عامه العاشر، وهنا تغير واقعه ليخطفه الموت شهيدًا على طريق “الكاستيلو” خلال محاولة عائلته الفرار من شبح الحصار في 8 تموز من العام الجاري، بعد استهداف سيارة عائلته من قبل قوات الأسد.
نالت قصة قصي عبطيني حيزًا واسعًا من اهتمام الإعلام العربي والغربي، وتفاعل معها ناشطو الثورة السورية، والذين أملوا أن “ينعم قصي بالحرية في ملاذه الأخير”، كحال الآلاف من أطفال سوريا.
عمران دقنيش
الطفل عمران دقنيش، من مواليد مدينة حلب، عام 2011، نجا من الموت بأعجوبة بعد قصف تعرض له منزل عائلته في مدينة حلب بتاريخ 17 آب الماضي، والتقطته كاميرا مركز “حلب الإعلامي” عند دخوله سيارة الإسعاف، وهو ملطخ بالغبار والدماء، وسط حالة من الصمت والذهول.
بعد ثلاثة أيام، توفي الطفل علي دقنيش، شقيق عمران، متأثرًا بجراحٍ أصيب بها جراء ذات الغارة الجوية التي استهدفت منزل العائلة في حي القاطرجي.
صمت عمران وحركاته دون أن يبدي أي رد فعل أو بكاء بعد إخراجه من تحت الأنقاض، أحدث صدمة في العالم دفعت أبرز الصحف العالمية إلى وصفه بـ “أيقونة الحرب السورية”، ودفعت سياسيين غربيين وعرب للحديث عنه، في حين اعتبر بشار الأسد أن صورته كانت مجرد “تمثيلية”.
الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.. معركة بعد المعركة
يؤثر النزاع في سوريا على نمو الأطفال في سوريا ويتسبب بمشاكل نفسية وأسرية لديهم، لذلك تعمل عددٌ من المنظمات على تقديم خدمات الصحة النفسية والحماية.
ومن هذه المنظمات “مستقبل سوريا الزاهر”، التي تأسست عام 2008 تحت اسم “المجموعة النفسية السورية”، وبدأت بالاهتمام بالصحة والعافية النفسية، ليستمر العمل مع بداية الثورة، بالانتقال إلى الأردن عام 2012، ثم إلى تركيا حيث حصلت على ترخيص في أيار 2014.
“مستقبل سوريا الزاهر” تتوجه إلى الصحة النفسية والحماية
ويقول الطبيب النفسي عمار بيطار، منسق الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في المنظمة، إن الصحة النفسية لم يكن يسلط الضوء عليها في سوريا، إذ توسم في مجتمعاتنا باسم المرض النفسي، والصحة النفسية هي تدخل اختصاصي، وممارستها في الأزمات ليست كما قبلها. لذلك حددت المنظمة وجهتها بالعمل بموضوع الصحة النفسية والحماية للأطفال وبالقطاع الدراسي.
الممارسة الطبية النفسية في سوريا كانت، تشبه مثيلاتها في كثير من دول العالم، إذ تعتمد على طبيب يقدم وصفات دوائية، وبعض الأطباء يحولون إلى المعالجة النفسية، لكنها غير مؤطرة بشكل صحيح، لغياب قانون ناظم لخدمات العلاج النفسي غير الطبي.
الخدمات التي تقدم بالأزمات هي دعم نفسي اجتماعي وصحة نفسية، وظهرت فكرة الدعم النفسي الاجتماعي كحاجة للسوريين، لأنهم أبناء أزمة، لذلك اتخذت “مستقبل سوريا الزاهر” هذا المنحى الأكثر توسعًا، وشمولية لمناحي الحياة، وفق الدكتور بيطار.
دورنا هو إنشاء مكان صديق للطفل
هرم الدعم النفسي الاجتماعي، يبدأ من احتياجات الإنسان الأساسية، كالمكان الآمن والمأوى والحاجات الغذائية وحاجات النظافة والمرافق الصحية والمياه الصحية، وخاصة في المخيمات، فإذا تأمنت هذه الجوانب، فإن قدرًا كبيرًا من مخاوف الناس تتلاشى، ويصلون إلى الاستقرار النفسي. وهذا ما يدفع المنظمة للتنسيق والتواصل والتشبيك مع منظمات أخرى إغاثية وطبية.
وبعد تأمين الحاجات الأساسية ينتقل الدعم الاجتماعي إلى العائلة والمجتمع، وخصوصًا عند الناس الذين تجمعوا في مناطق خلقت مجتمعات جديدة، لا تجمعهم هوية، يقول الدكتور بيطار “نحاول تشكيل هوية يشعر الموجودون (في المجتمعات الجديدة) بالانتماء لها، عن طريق نشاطات الدعم الاجتماعي، خاصة وأنه عند النزوح تغيب القيادات في المجتمع كالمختار وشيخ الجامع… إما لأنهم يفقدون التأثير بفقد الأدوات، أو لأنهم لم يخرجوا مع المجموعة”.
ويوضح “نعمل على تماسك الأسرة والمجتمع وخلق هوية لهذه المجتمعات، وهنا يأتي دورنا في إنشاء المكان الصديق للطفل، المكان الآمن للمرأة، ومركز الخدمة المجتمعية التي تعمل على بيئة مناسبة للناس لتعود إلى التشبيك مع بعضها، وتبني علاقات جديدة”.
زواج الأطفال أبرز مشاكل البنات
واستعرض بيطار مجموعة من المشاكل النفسية التي تواجه بجلسات توعية هادفة لتعزيز مرونة هذه المجموعة من الناس، كتدريبات مهنية للمرأة، وجلسات توعية بتأثير الأزمة النفسية على البيوت والنساء والرجال والأطفال، وشرح آليات التعامل مع الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أو المنعزلين أو معدومي الشهية أو من فقدوا التواصل مع أقرانهم، في المكان الصديق للطفل، مؤكدًا “الطفل ينمو من خلال اللعب”.
وتابع في ذكر المشاكل التي تستند على أساسٍ نفسي، كزواج الأطفال الذي يسبّب إشكالًا أكبر للبنت لأنها ليست جاهزة لتربية الولد، وحتى جسديًا يمكن ألا تكون جاهزة للزواج والحمل والولادة، وقد يكون الشخص الذي ارتبطت به غير جاهز للزواج، ما يؤدي إلى الطلاق المبكر، والدخول في صعوبات أكبر. وهذا ما تعمل المنظمة عليه في الأماكن الآمنة للنساء، بتوضيح الخيارات الأخرى في هذه الحياة غير الزواج.
كيف تواجه مشاركة الأطفال في القتال
ظاهرة مشاركة الشباب المراهقين في القتال خطيرةٌ، بحسب الطبيب، خاصةً عندما يحمله شخص لم يكتمل نضجه للحياة، فيمكن توجيهه بسهولة، وهناك عمالة الأطفال بعد فقد المعيل لدعم الأسرة اقتصاديًا.
وتواجَه هذه الظواهر عبر حملات التوعية المجتمعية التي توجه للأهالي والشباب، من خلال إظهار فرص أخرى بالحياة، أو وسائل أخرى لخدمة الثورة السورية، وأنها ليست حمل سلاح فقط، فهناك إكمال التعليم والنشاطات المدنية. وتتم هذه الحملات بالتوجه لأشخاص مفتاحيين في المجتمع كقادة الكتائب والفصائل لتصل المنظمة إلى علاقة تفاهم، بحسب الطبيب الذي أكد أن هناك تجاوبًا من بعض الشخصيات بينما يطالب آخرون بتأمين الخدمات الأساسية وإيقاف القصف، قبل هذه الحملات.
ويلمّح الدكتور إلى صعوبة في قياس نجاح هذه الحملات، وسط غياب الأبحاث والدراسات المتخصصة، لكنه أوضح آليات التدقيق والمراقبة الداخلية والخارجية من بعض المنظمات الداعمة.
ويقول “نراقب الفرق داخل سوريا عن طريق الزيارات الميدانية، والتواصل مع الجهات الفاعلة في المجتمع، والإحصاءات والتقارير الدورية التي يرفعها مدراء الفرق، ثم نلجأ للاتصال بالمستفيدين عشوائيًا للسؤال عن خدمات المركز”.
المسرح والتمثيل طريقٌ للسلام في “بسمة وزيتونة”
من التجارب البارزة في التعامل مع الطفل والتخفيف من صدماته، نشاطات “بسمة وزيتونة”، المنظمة التي تطرح حلولًا مبتكرة في هذا المجال، وهذا ما تعتمده اليوم، في أحد مشاريعها التي تركز على التمثيل المسرحي لتفريغ أزمات الطفل وما يدور في مخيلته.
بدأت المنظمة عبر مجموعة من الشباب السوري في لبنان عام 2012 بتقديم مساعدات إغاثية للاجئين في مخيم شاتيلا في بيروت، الذي يضم سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، تحت اسم “بسمة وزيتونة”، إلى أن رخصت المنظمة في لبنان عام 2014، وتوسعت إلى المرج والبقاع وطرابلس والنبعة، ثم إلى تركيا في غازي عنتاب وأورفة.
برنامج التربية على السلام
في منزل “عربي” صغير وسط أحياء المدينة القديمة في غازي عنتاب التركية، تستقبل “بسمة وزيتونة” أطفالًا بشكل يومي، وتطبق برامجها عليهم، تقول “ميرا”، مشرفة مشروع التربية على السلام في المنظمة، إن هذا المشروع يعمل على الدعم النفسي عن طريق الفنون التعبيرية وتمثيل الواقع بالمسرح، والموسيقا، ويستهدف الطفل السوري الذي مر بأزمات نفسية متراكمة خلال الحرب، فأصبح لديه فرصة من أجل التعبير عما مرّ به بتمثيل الواقع مع أصدقائه.
وتوضح “الطفل يخبرنا قصته ويختار ثلاثة من أصدقائه الذين معه، يختار شخصًا يمثله وشخصًا آخر سيئًا، وعندما يشاهد قصته مطبقة على شخص آخر أمامه، تخف عنده عتبة الألم، ويساعده في التفريغ بأنه ليس الوحيد الذي تعرض لهذه الصدمة ومن الممكن لأي شخص التعرض لمثل ذلك”.
تجري المنظمة جلسات “بناء ثقة” بين الأطفال بحسب أعمارهم، وبعد بناء الثقة لا يسمح لطفل جديد بالدخول، كما لا يتم تمثيل الواقع أمام الأهل لضمان خصوصية الطفل وعدم إحراجه أثناء التمثيل.
وتضيف “ميرا”، “لاحظنا تغير الطفل، منذ بدأنا في تشرين الثاني 2015، ولاحظنا التغير الكبير بين الأطفال الذين استمروا معنا حتى الآن، والأشياء التي مروا بها وطريقة تناولها، لا أقول إنهم عادوا طبيعيين وبوضع مثالي، إلا أنه أصبحت للطفل مساحة أمان يعبر فيها عن نفسه بطريقة أفضل”.
تقيس المنظمة التحسن في سلوك الطفل باستمارات قبل دخوله وخضوعه لأي جلسة، لقياس المعرفة والمرونة عند الطفل، إلى جانب استمارة مع الأهل لقياس مدى معرفتهم بالطفل وعاداته وماذا يحب، وعند نهاية البرنامج تطبق الاستمارات ذاتها، وبذلك يتم قياس نسب المرونة ومقدار تغيرها.
أقامت المنظمة احتفالية، في 30 نيسان الماضي، بعد نهاية تدريب برنامج “تربية السلام” في كنيسة بمنطقة إيران بازار، وضمت الاحتفالية مواهب أطفال أرادوا الغناء، ضمن كورال أسسته المنظمة بالتعاون مع متطوع، وأدوا أغنيتين للفنانة ريم بنا.
وشهدت الاحتفالية مسرحيتين، لعب بطولتها أطفالٌ ويافعون، وضمن كل فقرة طفل يروي تجربته بلغته قبل انضمامه لـ”بسمة وزيتونة” وكيف أصبح بعد انتسابه لها.
تمثيل الواقع هو تطبيق تدرب القائمون على الجمعية عليه قبل الأطفال، بحسب “ميرا”، التي تؤكد أن تمثيل الحالة التي مرّ بها الطفل تساعده في تخفيف عتبة الألم لديه.
مدونة سلوك تحدّ من انتهاكات الأعضاء
بعد مقابلة الشخص الذي سينضم إلى الفريق، يخضع لدورة تدريبية، تحت مظلة مدونة السلوك، وهي حجر الأساس لدى المنظمة، والتي تحظر بنودها التمييز الطائفي، والعرقي، والسياسي، وأي نوعٍ من الاستغلال الجنسي، والعنف اللفظي، والجسدي.
ويدور التدريب حول مظاهر يتطلب من المدرب مراعاتها كطريقة كلامه، ولباسه، تقول “ميرا”، “نحن حريصون على مراعاة ذلك، بحيث لا يبدأ من سيعمل معنا قبل توقيعه على المدونة ويتم مراقبتها من قبل مشرف المركز وإعطاء الملاحظات المناسبة لضمان سوية واحدة في العمل”.
ما معايير اختيار الأطفال؟
لا توجد معايير أو “فلاتر”، كل طفل مرحب به ولا يوجد أي تصنيف، بحسب مسؤولة مشروع تربية السلام، التي تؤكد أن “مكان المركز ضمن الفئة الشعبية والبيئة الفقيرة، ولا يوجد تمييز لأن كل الأطفال من نفس البيئة”.
الهدف من البرنامج الأول هو رفع مقاومة الطفل للأحداث التي مر بها خلال السنوات الماضية، وتقليل عدد الأطفال الذين يتوقع دخولهم في النزاع المسلح.
وفي الجزء الثاني يهدف التدريب إلى تعريف الطفل بذاته ووعيه للمحيط والمجتمع، وقد يتطور لمعرفة الكون والفضاء والتفكير بسلمِ أكثر ما بينه وبين أصدقائه، وأيضًا إدراك الطفل للمكان الذي يعيش فيه كون الطفل ليس ببلده، وهي خطوة تنبهه إلى معرفة الخدمات التي حوله ضمن البلد، كالتوجه إلى المسجد إن ضاع أو المشفى أو قسم الشرطة.
الطفل السوري ضحيةٌ لجميع الحروب
فادي القاضي
تقدر منظمة اليونيسيف المعنية بحماية الطفولة والتابعة للأمم المتحدة، أن 6 ملايين طفل سوري هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة داخل الأراضي السورية وحدها. وبحسب الاتفاقية الخاصة بحماية حقوق الطفل، فإن الأطفال هم أولئك الذين هم دون سن 18 أو لم يبلغوها بعد.
وبالإضافة إلى التحديات العاجلة والمتمثلة في توفير الغذاء والدواء وسبل النمو الصحي السليم وعلاج الأمراض وعلى الأخص تلك المتفشية، للأطفال السوريين على الأراضي السورية وخارجها في بلدان اللجوء المجاورة مثل الأردن وتركيا ولبنان والعراق، هناك طائفةٌ واسعةٌ من التحديات التي ليس من السهل التصدي لها وليست في الوقت ذاته مسائل تحتمل التأجيل.
ومن نافل القول إن الأطفال في سوريا، أصبحوا عرضةً للقتل، مثلهم مثل المدنيين البالغين، جراء الهجمات غير التمييزية (أو التي تقصد استهداف المدنيين عمدًا) التي تشنها القوات الحكومية في أرجاء سوريا، وبدرجة أقل الهجمات التي تشنها مجموعات المعارضة المسلحة.
ويتصدر التعليم قائمة التحديات الأخرى التي تواجه مسيرة الطفل السوري في أتون النزاع الممتد. وبالنسبة لفرص التعليم على الأراضي السورية، وفي المناطق غير الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، فإن كارثةً لحقت بكافة مؤسسات التعليم، ليس أقلها استمرار تعرض المدارس للقصف من جانب القوات الحكومية السورية مُعززةً بدعم روسي. وقالت منظمة إنقاذ الطفولة (سيف ذا شيلدرن) في أيلول من العام 2015، إن أكثر من نصف الهجمات التي استهدفت مدارس في العالم أجمع في الفترة بين 2005 إلى 2015، قد وقعت في سوريا وحدها.
وبمعزل عن فرص التعليم (غير الرسمي) الذي تحاول المنظمات الإغاثية المحلية والدولية توفيره، والمستند إلى توفير أساسيات التعليم وفق منهج إنساني، فمن غير المستبعد أن تكون المؤسسات التعليمية الباقية، في المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، قد تم السيطرة عليها أو على إدارتها، من قبل الفصائل المسلحة، ومما يضعها (والأطفال الدراسين فيها) عُرضةً لتلقي تعليم لا يفي بمتطلبات النمو والتطور، في الدرجة الأولى، أو آخر يقوم على نهج أيديولوجي أحادي لا يُقيم اعتبارًا لاحتياجات الطفل، ويعطي الوزن الأساسي للتغذية الأيديولوجية، أيًا كانت.
وبسبب حركة النزوح الداخلية والخارجية الهائلة التي شهدتها سنوات الحرب الخمس الأخيرة أصبحت “الأسرة” وهي الحاضن الطبيعي لنماء الطفل ومصدر العناية الرئيسي له، عرضةً للضياع والتفكك، وإن لم يكن السبب في ذلك هو مقتل موفري الرعاية الأساسيين، مثل الأم والأب، فقد يكون أحد الأسباب هو افتراق الأطفال عنهم. وأحد أمثلة النتائج عن ذلك يتمثل في ارتفاع نسب تشغيل الأطفال طلبًا لرزق أصبح عسير المنال في دول الجوار أو حتى على الأراضي السورية.
والأطفال بحكم طبيعتهم الأزلية، كائناتٌ هشةٌ عُرضة للاستغلال. ويُشكل التحدي الأكبر هنا هو توفير الحماية للأطفال من التشغيل القسري، والاسترقاق، والاستغلال الجنسي وغيرها من ضروب الاستغلال، أكبر التحديات التي تواجه جميع العاملين على إنقاذ الطفولة في سوريا. وفي غياب إطار حماية قائم على إنفاذ القانون، فمن الصعب جدًا استبعاد أن يكون الطفل السوري قابلًا بدرجات كبرى للتعرض لمخاطر الاستغلال المذكورة هنا، أو غيرها.
لكن إحدى المسائل الإشكالية الراهنة تكمن في التجنيد القسري للأطفال في صفوف القوات المتحاربة في سياق النزاع في سوريا، وهي مسألةٌ بات في حكم المؤكد أن جميع أطراف النزاع أصبحت متورطةً بها. ولا يجوز التذرع بوجود حاضن شعبي يؤيد ويوافق مثل هذه الممارسات، وتتحمل حكومة دمشق والميليشيات المتحالفة معها، ومجموعات المعارضة المسلحة وداعموها، المسؤولية الكاملة عن تجنيد الأطفال للقتال.
ومن ضمن المسائل التي تغيب عن أجندة النقاش غالبًا هي الصور النمطية التي بات ذهن الطفل السوري يحملها عن النزاع في سوريا، بالإضافة إلى صورة نمطية بات يحملها عن نفسه. وتتحمل وسائل الإعلام قسطًا ليس باليسير عن هذه الصور النمطية، وهي غالبًا صور سيحملها معه طيلة العمر. ويقوم الجوهر في هذه الصور على الخوف وإشاعة بيئة عدم الأمن، معززًا برؤية الأحباء يُقتلون أو يُشَوهون أو يُصابون أو يختفون، وهذا كله نقيضٌ وحشي للعالم الذي يحتاجه الطفل للنمو والبقاء سليمًا، عالمٌ يشعر فيه بالأمن والأمان والاطمئنان.
ومن المنطقي الافتراض بأن جيلًا كاملًا من الأطفال ضاع في سوريا للأسباب الواردة سابقًا، لكن الاستسلام لهذا المنطق يجر ويلات استسهال التفريط بالجيل الذي يليه، ومن يليه لاحقًا، وهكذا دواليك. تتحمل حكومة دمشق وزر الجرائم التي تُرتكب ضد أطفال سوريا، ويُشاركها في ذلك كل جهة تُضيعُ أي فرصة لإنقاذهم والسعي لتوفير فرص لبقائهم ونموهم وتطورهم، بشروط الحد الأدنى.