عنب بلدي – العدد 78 – الأحد 18-8-2013
العمل الإغاثي في مدينة داريا في لقاء مع مدير المكتب الإغاثي في المجلس المحلي, الأستاذ عبد المجيد أبو أحمد
يعتري عمل اللجان الإغاثية والإنسانية في سوريا الكثير من التساؤلات، وأحيانًا الشكوك، ولا سيما من قبل أوساط النازحين، الذين يعتبرون المستفيد الأكبر من العمل الإغاثي. وذلك بعد أن تحول ما يزيد عن ربع السكان في سوريا إلى نازحين في الداخل والخارج، بفعل العنف المفرط والقتل الممنهج الذي يتبعه النظام السوري منذ أكثر من سنتين بحق المواطنين في مختلف المناطق، والذي جعل الكثيرين منهم بلا مأوى أو غذاء، يتراكضون إلى مراكز الإغاثة للحصول على ما يسد رمقهم ويحفظ كرامتهم، في الوقت الذي تتناهى إلى مسامعهم أخبار الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية التي ترسل إليهم دون أن يصلهم منها إلا النذر اليسير، كما يقول البعض.
وقد تفاقمت ظاهرة نزوح السوريين والبطالة في السنة الأخيرة ما دفع الكثير من النشطاء إلى تشكيل هيئات وجمعيات ومنظمات إغاثية، بغية إيصال المساعدات إلى المتضررين وتنظيم عملية توزيعها عليهم.
داريا، هي إحدى المدن التي تعرضت لعملية تهجير جماعي حولت أهلها البالغ عددهم ما يزيد عن 250 ألف نسمة، إلى لاجئين ونازحين وعاطلين عن العمل، وذلك إثر الحملة العسكرية الممتدة على المدينة منذ ما يزيد عن تسعة أشهر.
ويعود العمل الإغاثي في داريا إلى ما قبل الأزمة في داريا بسنة، حيث استقبل أهالي المدينة نازحي مدينة حمص إثر تعرضها لحملة شرسة قبل عام ونصف، حينها تشكلت مجموعات أهلية قامت بتقديم الدعم والمساعدة للضيوف الوافدين، وبدأت تأخذ شكلًا تنظيميًا أكثر جدية مع ازدياد عدد الشهداء والمعتقلين في المدينة والذي رتب على هذه المجموعات مسؤولية مساعدة ذويهم وأبنائهم، إلى أن تشكل المجلس المحلي لمدينة داريا وضم مكتبًا خاصًا للإغاثة والأعمال الإنسانية.
وللتعرف على واقع العمل الإغاثي في مدينة داريا التقت عنب بلدي الاستاذ عبد المجيد أبو أحمد، مدير المكتب الإغاثي في المجلس المحلي لمدينة داريا، وأجرت معه لقاءًا مسجلًا، حول طبيعة عمل المكتب وأهدافه، وآليات توزيع موارده على النازحين، كما وجهت له بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الكثيرين من نازحي مدينة داريا، وفيما يلي مقتطفات من اللقاء:
تأسيس المكتب وأهدافه:
يقول أبو أحمد أن المكتب تأسس مع بداية تأسيس المجلس المحلي للمدينة، عقب مجزرة آب الماضي، وكانت عمليات الإغاثة قبل ذلك تتم عبر لجان متفرقة يقوم كل منها بدعم فئة معينة من أهالي المدينة، بعضها يوجه دعمه لعائلات الشهداء وبعضها الآخر لعائلات المعتقلين وهكذا. لكن تأسيس المجلس مطلع تشرين الأول من العام الماضي أدى إلى توحيد الجهود والجهات القائمة على الدعم، إضافة إلى توحيد الدعم الذي يأتي إلى المدينة وتنظيمه بشكل كامل.
ويسعى المكتب منذ تأسيسه -بحسب أبو أحمد- إلى تعويض الفئات المتضررة ماديًا من الثورة، ويتقدم عمله مع التغييرات التي تطرأ على الوضع في المدينة وتطورات الأحداث فيها، ففي البداية كان التعويض لأهالي الشهداء والمعتقلين، ثم توسع ليشمل تعويض المتضررين من القصف والدمار عقب المجزرة مباشرة، وحاليًا يقوم المكتب بتقديم الدعم للنازحين، ويؤكد أبو أحمد أن تقديم الدعم يتم لجميع المتضررين «بغض النظر عن دينهم أو سياستهم أو فكرهم، لأنه يعتبر عملًا إنسانيًا بحتًا».
الهيكلية والنظام الداخلي للمكتب الإغاثي:
المكتب موجود داخل مدينة داريا، وله فرعان، واحد داخل المدينة وآخر خارجها، ويتألف المكتب من 13 عضوًا يشكلون هيئة عامة تنتخب 5 أعضاء لإدارته، ثم ينتخب أحدهم لرئاسة المكتب.
تعتمد الإدارة كليًا على الأعضاء الثلاثة عشر الموجودون داخل مدينة داريا والذين يتفرع عنهم ما يزيد عن 300 موظف ومندوب يتوزعون على فرعي المكتب في الداخل والخارج.
ويضم الفرع الداخلي 70 موظفًا يمثلون مختلف الجهات الإغاثية داخل داريا كالفرن، المطعم، المطبخ..، بمعدل خمس ممثلين عن كل جهة، ويتم اختيارهم من قبل الجهات التي يمثلونها، ويختص هذا الفرع بتأمين عناصر الجيش والحر والمدنيين المقيمين داخل المدينة بالطعام والشراب. أما الفرع الخارجي فهو المسؤول عن تأمين احتياجات النازحين خارج المدينة ومن ضمنهم أبناء الشهداء والمعتقلين والأيتام، ويضم 240 موظفًا يتوزعون على المناطق التي يتواجد فيها النازحون من أهالي داريا.
ومعظم العاملين في المكتب (أعضاء ومندوبين) متطوعون في العمل الإغاثي والإنساني على أساس «التضحية» كما يقول أبو أحمد، وليس هناك رواتب محددة توازي المخاطر الأمنية التي يتعرض لها العاملون في هذا المجال، إذ لا يملك عاملو المكتب من الحصانة الدبلوماسية والدولية التي يحظى بها العاملون في الهلال الأحمر، ويكتفون «بالحماية الربانية».
وقد خسر المكتب الإغاثي منذ بداية الحملة الأخيرة (معركة الحواجز) 14 شهيدًا من أعضائه، ليصل عدد شهداء العمل الإغاثي في داريا منذ بداية الثورة إلى 22 شهيدًا، تم إعدام 10 منهم ميدانيًا خارج المدينة أثناء أدائهم لعملهم الإغاثي. كما اعتقل 25 متطوعًا في المكتب في أماكن مختلفة وتواريخ مختلفة.
إدارة الموارد وآلية العمل:
يحصل المكتب الإغاثي على الدعم من خلال مكتب العلاقات العامة التابع للمجلس المحلي، والذي يضم مندوبين في دول عربية وأجنبية. إذ يقوم المكتب بتقديم مشاريعه (مشاريع غذائية، مشاريع للنازحين، مشاريع إطعام، مشاريع سلات غذائية، مشاريع ملابس) إلى مكتب العلاقات، الذي يقوم بدوره بتقديم هذه المشاريع المنظمات والهيئات والجمعيات الداعمة ومنها منظمات إسلامية وأخرى أجنبية.
ويقول أبو أحمد أن «أغلب الأموال التي تقدم للثورة هي أموال مسيّسة» وأن بعض الجهات «ترسل المال مع القرار» لكن المكتب الإغاثي في مدينة داريا يصر -كما يقول مديره- على الدعم الغير مشروط ويقبل فقط المال «الغير مسيس».
ويقوم المكتب بتنظيم أولويات الصرف كون «الواردات أقل بكثير من الاستهلاك». ويقول أبو أحمد أن الأولوية هي «للمعركة» حيث يتم تأمين إطعام الجيش الحر وتقديم إعانات للمدنيين المتبقيين في المدينة ويلي ذلك دعم النازحين من أهالي المدينة «لأن صمود الجيش الحر في المدينة هو من صمود الأهالي في الخارج»، ويتم توزيع الدعم بينهم حسب أولويات أيضًا، حيث تكون الأولوية لأولاد الشهداء منذ بداية الثورة متضمنين شهداء الحملة الأخيرة المستمرة على المدينة، ثم أولاد المعتقلين، ثم أهالي من تبقى في المدينة من أبناءها الصامدين ثم بقية النازحين اجمالًا.
إحصاء العائلات وتوزيع الدعم بين الداخل والخارج:
لم تكن الأعداد «هائلة» كما هي عليه الآن، أي بعد مرور تسعة أشهر على بدء الحملة العسكرية على داريا، يقول أبو أحمد. ومع ازدياد العدد عمل المكتب على وضع لجنة مؤلفة من خمسة أشخاص في كل مدينة، تتعاون مع المكتب الإغاثي هناك ومع الهلال الأحمر إن وجد. واستطاع المكتب خلال الأشهر الماضية جمع معظم أسماء وبيانات عدد كبير من النازحين، إلا أنه لا يزال هناك تخوف عند بعض العائلات من تسجيل أسمائهم، لا سيما في بعض المناطق التي يتواجد فيها أمن النظام.
ويقوم المكتب بتوزيع الدعم على قرابة 6800 مدني بين طفل وامرأة ورجل داخل المدينة، بالإضافة إلى عناصر الجيش الحر، الذين تحفظ أبو أحمد على ذكر عددهم، حيث يتم توزيع المعونات الغذائية عليهم بالإضافة لتقديم الطعام لهم من المطبخ الذي تم تأسيسه من أجلهم. كما يقدم المكتب الدعم لأهالي مدينة داريا المقيمين في المعضمية (المجاورة) والذين يتجاوز عددهم الألف نسمة.
أما خارج المدينة فيتم توزيع الدعم من خلال التنسيق بين ثلاث مؤسسات إغاثية، هي المكتب الإغاثي لمدينة داريا، ومنظمة الهلال الأحمر، والمكاتب الإغاثية في المدن الأخرى؛ ويُقدَّم الدعم شهريًا لـ 27 ألف عائلة دارانية نازحة، موزعة على 50 مدينة منتشرة في العاصمة دمشق وفي الريف الغربي بين مناطق الجديدة والكسوة والمقيلبية وغيرها، أي المناطق التي تعتبر شبه آمنة والتي تكون القبضة الأمنية للنظام فيها أخف من غيرها. ففي كل مدينة يوجد مكتب موحد يقوم بتوزيع المساعدات بالتنسيق مع الجهات الاغاثية الأخرى لأن مكتب داريا وحده غير قادر تغطية «ثلث» الاحتياجات في تلك المناطق.
كما يتم، بالإضافة إلى دعم العائلات النازحة، دعم حوالي 40 حالة ولادة شهريًا من خلال علاقات المكتب الطبية في الخارج، كما يتم تأمين الدواء لـ 4000 طفل بحاجة للدواء بشكل دائم، إضافة إلى حالات العجزة البالغة 2800 حالة.
الإغاثة بين داريا والمعضمية:
يقول أبو أحمد أن «المعركة في داريا الآن هي معركة موحدة مع مدينة المعضمية وكلانا في صف واحد»، فالحدود مفتوحة بين المدينتين وهناك «علاقة إغاثية وطيدة» معها إلا أنها من طرف واحد. فالمكتب الاغاثي في مدينة داريا يقدم الدعم من المال والغذاء حسب استطاعته لأهالي مدينة المعضمية وللجيش الحر المتواجد فيها هناك دون مقابل.
كمية المساعدات وطرق توزيعها:
تجاوز المبلغ الذي تم صرفه من قبل المكتب الإغاثي على المدنيين والنازحين منذ بدء معركة الحواجز قبل تسعة أشهر الـ 85 مليون ليرة سورية، ويؤكد أبو أحمد أن هذه المبالغ تم جلبها بواسطة مندوبي المجلس في مختلف الدول العربية والأجنبية. وقد تم دفع أكثر من 12 مليونًا منها لأصحاب المحال التجارية من أجل تأمين مواد غذائية داخل داريا، «إذ يصعب تأمين المواد من الخارج في ظل الحصار المفروض على المدينة». أما بقية المبلغ فقد تم صرفه على شكل إعانات للنازحين، ومن ضمنها ما يقدم لجمعية كفالة اليتيم.
إيضاحات حول عمل المكتب الإغاثي
- اختلاف كمية المساعدات من منطقة إلى أخرى
في إجابته عن سؤال حول تفاوت الدعم بين منطقة وأخرى، والذي يتم تداوله بين الكثير من نازحي داريا، يقول أبو أحمد مدير المكتب الإغاثي، أن كمية المساعدات التي توزع في منطقة ما متعلقة بعدة عوامل، كالقبضة الأمنية عليها، وتواجد الهلال الأحمر فيها وكمّ الدعم الذي يقدمه، إضافة إلى دور المكاتب الإغاثية في تلك المناطق، فمنطقة الكسوة مثلًا، حيث الشدة الأمنية منخفضة نسبيًا يتواجد فيها هلال أحمر مدعوم بشكل جيد، كما أن المكتب الإغاثي لمدينة الكسوة مخدم بشكل جيد ويقدم دعمًا ماليًا وغذائيًا، كما يقدم البيوت أو يساهم في تكلفة إيجارها، ويخدم النازحين من داريا وغيرها؛ أما مدينة الجديدة فتتعرض لضغط أمني شديد، كما أن الهلال الأحمر المتواجد فيها لا يسهم بدعم جيد كما هو الحال في الكسوة، «فنضطر نحن كمكتب إغاثي إلى رفع قيمة المال الذي نقدمه لمدينة الجديدة حتى نحاول سد الثغرة الحاصلة بين الكسوة والجديدة».
بعض الأسر تحصل على المساعدات من أكثر من جمعية بينما لا تحصل أسر أخرى على مستحقاتها:
يعمل المكتب على ضبط هذه الأمور قدر الامكان من خلال التوثيق الرقمي للبيانات، إلا أن العدد الهائل والمخاوف الأمنية يفتحان الباب أمام التجاوزات، ويقول أبو أحمد أن «هناك بعض العائلات من الناس الذين تحسبهم أغنياء من التعفف لا يطلبون شيئًا ولكن حالتهم مزرية، وهناك عائلات تجد معها من المال الوفير ولكنها تذهب إلى الجمعية الأولى والثانية والثالثة والمدينة الأولى والثانية والثالثة». ويضيف: «لا نستطيع ضبط هذه الحالة بصراحة لأننا لا نستطيع الربط بين كل المدن في الخارج بسبب الضغط الأمني علينا» إذ يصعب ربط البيانات بين المناطق بسبب صعوبة حركة مندوبي المكتب بين المناطق والمدن؛ إلا أن المكتب «يستطيع قدر الإمكان ضبط هذه الأمور في المدينة الواحدة» كما يؤكد أبو أحمد.
- ضمانات وصول المساعدات لمستحقيها:
يؤكد أبو أحمد أن المكتب الإغاثي لديه توثيق واضح لما يتم صرفه من أموال خارج داريا، علمًا أنّ معظم الجهات الداعمة تطلب أسماءً صريحةً وأرقام وطنية وأرقام جوالات في بعض الأحيان لمن سيقدم لهم الدعم، وتتواصل معهم للتأكد من وصول المساعدات. «هناك وثائق عقود تم توثيقها فيما دفعه المكتب الإغاثي من ثمن ما تم شراؤه من المحال التجارية سواء داخل داريا أو من الشركات من الخارج ما تم شراؤه من سلات غذائية تم توزيعها».
حالات الفساد في المجال الإغاثي التي ظهرت حول سوريا تدفع دومًا إلى توجيه الاتهامات والانتقادات لجميع الإغاثيين:
يحاول المكتب الإغاثي امتصاص الغضب الذي وصل إلى أوجه عند الكثير من الناس، والذي يدفعهم إلى اتهام الجهة التي تقدم الدعم كلما قل الدعم عنهم، بالرغم من أن هذه المسألة ليست مسؤولية المكتب الإغاثي فقط كما يقول أبو أحمد، ويضيف «نحن نحاول قدر الإمكان التوضيح للناس من خلال كشف ما يأتينا من أموال، ومن خلال توضيح ما علينا من مترتبات يجب دفعها كل شهر، وتوضيح ما علينا من ضغط شديد في الخارج».
- الشفافية مع الداعمين من جهة ومع المستفيدين من الدعم:
يعتبر أبو أحمد أن المكتب يمارس الصراحة والشفافية المطلقة مع الداعمين خاصة، ويضرب مثالًا على ذلك الجهات الداعمة التي تكفل أيتام داريا، يقول أبو أحمد: «لدينا خمس جهات مستقلة تتولى كفالة اليتيم، ونستطيع تقديم نفس الأسماء للجهات الخمس واستجلاب الأموال لهؤلاء الأيتام منهم، لكننا نظرًا لشفافية التعامل قمنا بتقسيم الـ 1800 يتيم تقريبًا وتقديم كل قسم لجهة واحدة».
بالنسبة للشفافية مع المستفيدين من الدعم فإن المكتب لديه «حسابات دقيقة وكشوفات وعقود نستطيع تقديمها لمن يسأل» ويتم تقديم التوضيحات على استفسارات النازحين بالخارج من خلال اللجان المعتمدة. أما المدنيون المتبقون داخل المدينة، فقد أجرى المكتب معهم جلسات أوضح خلالها عمل المكتب وما يترتب عليه من ضغوط.
رسالة إلى النازحين:
وفي نهاية لقائنا معه، توجه الأستاذ أبو أحمد، مدير المكتب الإغاثي في المجلس المحلي لمدينة داريا، إلى أهالي داريا النازحين:
«صمودنا في الداخل هو من صمود أهلنا في الخارج… وصمود أهلنا في الخارج هو من صمود أبنائهم في الداخل، فالمكتب المحلي ليس منظمة دولية تقدم الدعم للناس وتنظر إلى النازحين على أنهم فئة أخرى، بل هو مجموعة من المتطوعين يقومون على مساعدة أهاليهم بقدر ما يستطيعون … نسأل أهلنا بأن يكونوا صابرين ومحتسبين أجرهم عند الله عز وجل ويكونوا داعمين لنا بالدعاء حتى نستطيع بإذن الله أن ننتصر على أعداءنا».